حسن الستري
تصوير سهيل وزير
توفيت والدته وهو طفل صغير، فتولى عمه تربيته، وكان دائم التشجيع له على الدراسة والتفوق. ورغم ظروفه الصعبة ورغبته في العمل مبكراً بعد المرحلة الابتدائية، ولم يسمح له مدير المدرسة حسن الجشي بذلك، إذ أصر على أن يواصل تعليمه؛ لأنه كان مؤمناً بقدراته.
تلك كانت اللحظة الفارقة التي رسمت مسيرة عضو مجلس الشورى رضا فرج، والتي كشف عنها في حواره مع «الوطن»، مبيناً أنه وُلد في منطقة رأس الرمان في أربعينات القرن الماضي، ونشأ وسط حياة اجتماعية متوسطة.
وقد برزت قدراته منذ الصغر، حيث وقع عليه الاختيار ليكون مشرفاً داخل الصف، وكان يلقي القصائد الشعرية في طابور الصباح.
لم يقتصر دور فرج على العمل الرسمي فقط، بل كانت له بصمات واضحة في عضوية العديد من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، مثل مجلس التنمية الاقتصادية، وشركة ممتلكات، وشركة طيران الخليج، وبنك الإسكان، ومدرسة الرجاء، ومستشفى الإرسالية الأمريكية، وشركة يوسف خليل المؤيد.
حيث ركّز خلالها على تأسيس لجان التدقيق والحوكمة، وإعداد الأدلة الإدارية والإجرائية، وخاصة ما يتعلق بالصلاحيات والمسؤوليات.
كما يحرص على توجيه الشباب وتقديم المشورة لهم، حتى إن بعض الآباء يقصدونه لمساعدتهم في توجيه أبنائهم أو مساعدتهم في الحصول على فرص عمل مناسبة. ويؤكد فرج أن دوره في مجلس الشورى هو تكليف لا تشريف، حيث يسعى إلى سن التشريعات والقوانين التي تخدم المواطن، مشددًا على أنه مدين للوطن، ويرغب في رد الجميل عبر خدمة المجتمع. هكذا كشف فرج عن مسيرة مهنية واجتماعية حافلة بالكفاح والإصرار، واضعاً بصمته في عدة مجالات، ليكون نموذجاً يُحتذى في الطموح والتفاني.
وفيما يلي نص الحوار.
حدثتنا في البداية عن بدايتك، أين ولدت؟
- ولدت بمنطقة رأس الرمان، في الأربعينات من القرن الماضي، ونشأت حياة اجتماعية متوسطة، حيث درست القرآن الكريم لدى المطوع، إلى جانب قراءة بعض الكتب الدينية. ولأنني أعرف القراءة، قرّر والدي أن التحق بالمدرسة، وأخذني إلى إدارة المعارف، التي كانت تقع في شارع الشيخ عبدالله بالمنامة، وأتذكر جيداً أن المرحوم أحمد العمران كان يجلس في مكتبه بالطوق العلوي، وكان والدي تربطه معرفة خاصة بالمرحوم أحمد العمران.
وبالفعل أجرى لي امتحاناً في المدرسة الشرقية، حيث اجتزت سؤال اللغة العربية، ولم أوفق في السؤال الخاص بالرياضيات، وتم تسجيلي في الصف الأول الابتدائي بالمدرسة الغربية (مدرسة أبوبكر الصديق حالياً)، وكان نظام الدراسة يمنح الطالب الذي يجيد القراءة والكتابة أدواراً قيادية، فقد صرت وأنا طالب مراقباً مشرفاً داخل الصف، ليس هذا فحسب، وإنما تم إدماجي في الأنشطة اللاصفية، إذ كنت أحفظ القصائد الشعرية، وألقيها في طابور الصباح أمام جميع الطلاب.
تخرجت من المدرسة بعدما أنهيت الصف الرابع الابتدائي، ورآني مدير المدرسة الأستاذ حسن الجشي في ساحة المدرسة، وسألني عن وجهتي التالية، فأجبته بأنني أنوي العمل لأن والدي فقير، فنهاني عن ذلك، وقال لي: «أعرف والدك، ولابد أن تكمل دراستك». كنت مجداً بالدراسة، ولكن لم تكن لديّ أي أنشطة أخرى، فقد كان الأهل حريصين على أن لا أخرج من البيت بعد عودتي من المدرسة، وربما هذا الأمر قد حد من أنشطتي غير الدراسية.
كيف كانت تربية الوالد؟
- أستطيع القول بأن عمي، الذي كان يعمل في أرامكو، تكفّل بتربيتي بعد وفاة المرحومة والدتي، ورغم أنه لم يكن دارساً، ولكنه يعرف القراءة والكتابة، وكان شديداً وحازماً، وكان يقرأ شهاداتي، ويسألني عن سبب نقصان الدرجات، وكان يعطيني هدية في كل سنة عندما أتفوق، وكان يحفزني على الاجتهاد والمثابر
حدثنا عن مرحلة الجامعة؟
- درست سنة تمهيدية في الجامعة الأمريكية في بيروت، ولم أتخصص، ورجعت إلى البحرين بسبب مرض عمي، وتوجهت للعمل، وكان أمامي خياران بين شركة بابكو وشركة البترول البريطانية، فاخترت الشركة البريطانية بسبب قرب المسافة. وكان لدي شغف تطوير الذات، والرغبة في مواصلة الدراسة، فطلبت خطاباً من الشركة، فرفضوا إعطائي، وذكروا لي رغبتهم بأن أصبح محاسباً، فتم إرسالي إلى دولة الكويت لإجراء امتحان في اللغة الإنجليزية في المجلس الثقافي البريطاني، ولله الحمد نجحت وأرسلوني للدراسة في بريطانيا سنة 1965، حيث كنت أعمل في العطلة الصيفية بالشركة، وواصلت العمل وأنهيت الدراسة، ورجعت إلى البحرين موظفاً دائماً في الشركة. في البداية، تم تعييني في منصب «مساعد محاسب»، وبعد تقاعد مدير المحاسبة أصبحت أنا المدير، والشركة لديها فروع في دول الخليج، ومركزها الرئيسي في البحرين، وبقيت إلى سنة 1974، وتم نقل الشركة بالكامل إلى دبي، وفرعها في البحرين، وأنا انتقلت مع الشركة، وكان حسب الخطة الموضوعة بالشركة أن أذهب إلى بريطانيا، وأعمل في شركة البترول البريطانية لمدة سنتين، ومن ثم أذهب إلى دولة من دول أمريكا اللاتينية وأعمل هناك، وبعدها أرجع لأتقلد مناصب إدارية في الشركة.
كيف عملت في شركة أسري؟
- بعدها انطلق مشروع شركة أسري، وكان وزير التنمية والصناعة المرحوم يوسف الشيرواي، يبحث عن موظفين بحرينيين للإدارة المالية، وتم ترشيحي للإدارة المالية من قبل صديق العمر المرحوم حبيب قاسم.
في ذاك الوقت كانوا للتو قد عيّنوا المدير المالي والإداري للشركة، فقالوا لي أنت ستصبح نائبه، وبالطبع كنت أفضل المواصلة في الشركة البريطانية، إلا أن المرحوم يوسف الشيراوي أصر على بقائي في ”أسري“، وبعد سنة اضطررت إلى الرجوع، وعملت في شركة الحوض الجاف، لمدة 16 عامًا، فلقد كنت نائب المدير العام ومسؤول الشؤون المالية والإدارية. لقد عاصرنا في الحوض الجاف مرحلة الضعف في أسعار النفط، وصار الركود الاقتصادي، وقرّر المسؤولون بناء الشركة لتكون بحرينية وبطواقم وموظفين بحرينيين، وبالفعل بدأت الشركة بداية ممتازة، حيث قاموا بتوظيف مجموعة كبيرة من أبناء هذا الوطن، وقاموا بتدريبهم لمدة سنة في مجالات صيانة وإصلاح السفن.
ولكن، وبعد هبوط أسعار النفط، قرّر أصحاب الشركة دعم الشركة لمواصلة عملها، وبالدعم النقدي وبمرحلة التقشف، تم تجاوز المرحلة، كان هناك 1531 موظفاً، بما فيهم مجموعة كبيرة من البحرينيين، وفي نهاية المطاف قامت الشركة بالاستغناء عن عدد كبير من الأجانب، وللأمانة، فقد أثبت البحرينيون جدارتهم وكفاءتهم.
كيف انتقلت لمجال التدقيق؟
- في بداية التسعينات من القرن الماضي، انتقلت من شركة الحوض الجاف إلى شركة تدقيق تسمى «أرنيت ويونغ»، وعملت فيها لمدة 10 سنوات، وكانت الشركة متفهمة لمشروع تدريب البحرينيين مهنياً كمحاسبين قانونيين، حصلنا عدداً كبيراً من البحرينيين، وتبنتهم الشركة لدراسة المحاسبة المهنية، وصاروا كلهم محاسبين قانونيين، ولشركة بابكو الفضل في تدريب عدد كبير من البحرينيين الذي تسلموا المناصب القيادية في البحرين خلال السبعينات من القرن الماضي، وقد دربت شركة التدقيق عددًا لا بأس به، وجميعهم عملوا في البنوك المحلية.
كيف انتقلت للعمل الحر؟
- في عام 2000 تقاعدت عن العمل، وأسست شركة الفرج للاستشارات، وحصلت على عروض من شركات لأكون عضواً بمجلس إدارتها، فاكتشفت بأنه لا يتناسب عملي في مجال الاستشارات مع عضوية مجالس الإدارات، إذ ستكون هناك تضارب مصالح.
كما عملت في الشركات المدرجة في البورصة، والشركات غير المدرجة في البورصة، والشركات العائلية. والعمل الآخر الذي أحبه، هو مساعدة من يرغب في التطور مهنيًا، والآن، أنا وصلت في حياتي مرحلة متقدمة، وأستطيع القول وبكل ثقة لقد استفدت الكثير، وعلىَّ دَين في توجيه وإرشاد فئة الشباب، حيث يقصدني بعض الآباء لتوجيه أبنائهم، وأحاول قدر المستطاع وبالإمكانات المتاحة تقديم التوجيه والمشورة، وحتى البحث لهم عن وظائف إن تيسر لي ذلك.
حدثنا عن عضوية مجلس إدارة شركة طيران الخليج؟
- كنت عضواً في مجلس إدارة شركة ممتلكات، وهي الشركة المالكة لشركة طيران الخليج، وفي العام 2006 عُيِّنتُ عضواً، مع البقية من أعضاء مجلس إدارة شركة ممتلكات، في مجلس إدارة طيران الخليج، للمحاولة في تصحيح مسار الشركة، وبقينا في الشركة لمدة سنتين، وقمنا بعملية إعادة هيكلة مجلس الإدارة في الشركة، حيث تمت ترقية بحرينيين إلى المراكز العليا بالإدارة، وبات لا يوجد إلا خليجي واحد في الإدارة العليا بالشركة، وتم تعديل الهيكل الإداري.
نعم، لقد اتخذنا قرارات صعبة، إذ لابد أن يكون لدى البحرين ناقل وطني، وأن يكون ذا جودة عالية، وأن تكون لدينا مسارات للمدن والوجهات المربحة، فتم تقليص الرحلات الموجودة، والإدارات السابقة وضعت طلبات لشراء طائرات متعددة، وكان أول قرار أن التعدد بالأنواع ليس في صالح الشركة، وتم التركيز على نوعين من الطائرات، وتم بيع الخيارات الأخرى، وتم التركيز على الخطوط المربحة، والحمد لله وُفّقنا في تقليص خسائر الشركة إلى درجة معقولة في ذلك الوقت، وبعد سنتين تم تعيين مجلس إدارة آخر للمواصلة في إدارة الشركة.
كيف تم اختيارك لشركة ممتلكات؟
في الحقيقة لا أدري كيف تم اختياري، فقد وُجهت لي دعوة، وطلب مني الانضمام، وكنت قبلها عضواً في مجلس التنمية الاقتصادية. عُيّنت في مجلس التنمية الاقتصادية في دورته الأولى، وكان حينها برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رحمه الله، وبعدها صارت برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله.
لننتقل للحديث عن بنك الإسكان؟
- دُعيت لعضوية بنك الإسكان، وعملنا على إدخال نوع من نظام إعداد التقارير والشؤون المالية والإدارية في بنك الإسكان، والعمل على زيادة فعالية بنك الإسكان في السوق الإسكاني، وليكون دور الحكومة أكثر في عملية بناء وتوزيع المساكن الإسكانية، وأعتقد أننا وُفقنا، ونجح بنك الإسكان في أداء مهمته، وأن يكون عمله منسجماً مع سياسة الحكومة في مجال توفير السكن اللائق للمواطنين.
وماذا عن مدرسة الرجاء؟
- حينما كنت أعمل في شركة أسري، كنت عضواً في مجلس إدارة مدرسة الرجاء، وبعدها أصبحت رئيساً لمجلس إدارة مجلس مدرسة الرجاء، وكانوا بصراحة متعاونين، وكانت المشكلة التي تؤرق مجلس الإدارة حينها أن المدرسة بمبانيها الموجودة في ذلك الوقت قديمة، ولا تليق بمدرسة في البحرين، وأنه لابد من توسعة المدرسة، بحيث تستقطب عدداً أكبر من الطلاب؛ لأنه كان هناك إقبال كبير على الالتحاق بالمدرسة، وتمت التوسعة، وتم قبول عدد كبير من الطلبة، والخطوة التالية كانت القيام بالتطوير الإداري والتعليمي في المدرسة، فقد كان المعلمون القدامى موجودين.
عملنا دورات تدريبية للمعلمين الموجودين، وتوظيف معلمين جدد، وإدماج الموضوعات الاجتماعية في المدرسة، مع مراعاة الظروف المادية لبعض الطلبة، وتخفيض الرسوم الدراسية لهم.
حدثنا عن مستشفى الإرسالية الأمريكية؟
- طُلب مني أن أكون عضواً بمجلس إدارة مستشفى الإرسالية الأمريكية، ولاحقاً رئيساً، والشيء نفسه تكرر كما ذكرت لكم آنفاً مع مدرسة الرجاء، فالمشكلة في مستشفى الإرسالية الأمريكية تكمن في الموقع الجغرافي بالمنامة، وصعوبة الوصول إليها في الغالب والحصول على مواقف للسيارات، وبدأت المحاولة في الحصول على قطعة أرض لبناء مستشفى حديث إلى أن تمّ بناء المستشفى بمنطقة عالي، وكانت المستشفى لا تمتلك المعدات الحديثة في العلاج، فتم تطويرها، كما أجريت التحسينات والتعديلات اللازمة في المستشفى في حدود الإمكانيات التي كانت متاحة حينها.
ذكرت أنك صرت عضواً بالشركات العائلية، أعتقد تقصد شركة يوسف خليل المؤيد، حدثنا عنها؟
- كان المرحوم فاروق المؤيد، رحمه الله، يثق بي كثيراً، وشركة يوسف خليل المؤيد تعدُّ شركة كبيرة ومتشعبة في مجالاتها المختلفة، ومتداخلة مع بعضها البعض، وهي من كبريات الشركات في البحرين في مجال المقاولات، ولديها حوالي 6000 موظف، ولديها أكبر عدد من وكالات السيارات الموجودة في البحرين. التعاون الشركة كان قائماً على أساس الاستفادة من خبرتي في مجال المحاسبة والإدارة، فأنا رجل مهني وأتسلم في معظم الشركات لجنة التدقيق، والمخاطر، والحوكمة، وتأسيس الدليل الإداري والدليل المالي والدليل الإجرائي، وبالذات عملية الصلاحيات، عبر تعريف الناس بالصلاحية، وكيفية استخدام الصلاحية، وما العواقب إذا لم تستخدم الصلاحية بشكل مناسب.
كيف تلقيت خبر تعيينك بمجلس الشورى؟
تلقيت اتصالاً بأنه تم اختياري عضواً في - مجلس الشورى. طبعاً تشرفت ورحبت بالثقة الغالية، وقلت لهم إنني متاح في أي مكان أستطيع أن أخدم الوطن وبأي شكل من الأشكال، أنا أخذت الكثير من الوطن، فلا بد لي من أن أرد له الجميل كلما أمكن ذلك، والعمل في مجلس الشورى تكليف وليس تشريفاً، ودورنا في مجلس الشورى هو السعي لسنّ التشريعات والقوانين التي تخدم المواطن.
كم عدد أولادك؟
- لدي ولدان وبنتان، ويعملون في القطاعين العام والخاص.
ما هي هواياتك؟
هواياتي الأصلية هي القراءة في المجالات المهنية والأدبية والسياسية، وأجدها مهمة وضرورية لمواكبة ما يحدث من مستجدات، وتأثير ذلك على المستوى المهني والشخصي. والآن ومع تقدم العمر، أجد نفسي شغوفاً بالتحف واللوحات الفنية، هذا فضلاً عن مجال آخر للعمل في خدمة المجتمع، فأنا عضو في بعض الجمعيات الخيرية.
نصيحة تحب قولها للشباب.
- أن تخطط لكل شي تريد الوصول إليه، ومتى ما خططت فعليك أن تعمل ضمن المخطط، وأن يكون الهدف ممكن الوصول له، وتستفيد من تحقيقه.
وكل عمل تقوم به، عليك أن تدرس جيداً البيئة والظروف التي حولك، أهلك وجيرانك، لتكون المصلحة عامة، وتعم الجميع.
وأن يكون لديك ولاء للعمل الذي تقوم به، وأن تترك التكبر، وكن على ثقة، مهما وصلت فهناك من هو أعلى منك، وكن متواضعاً وأقبل الرأي الآخر، ولا تعتقد أن رأيك دائماً هو الصواب، ضع احتمال الخطأ ، وفكر ومن ثم تدبر.. وأخيراً اشكر كل شخص يساعدك، ولو كانت مساعدته بسيطة.