إن فن الإقناع هو عملية تهدف إلى تغيير موقف أو سلوك شخص أو مجموعة أشخاص تجاه فكرة، أو منتج، أو خدمة معينة باستخدام التواصل اللفظي أو غير اللفظي أو الأدلة المنطقية أو المشاعر. إنه أكثر من مجرد قدرة على التأثير على الآخرين، فهو استراتيجية ذكية تُستخدم في مختلف جوانب حياتنا اليومية، من التعاملات الشخصية إلى الأعمال التجارية.
ونحن نحاول أن نستخدم أساليب الإقناع كأداة فعّالة نستخدمها في جميع جوانب حياتنا للتأثير على الآخرين بطريقة إيجابية كإقناع طفل صغير بتناول وجبات صحية، أو إقناع مراهق بتجنّب رفاق السوء، أو إقناع الزوجين باستخدام لغة الحوار بدلاً من المشاجرات.
ولكن أحياناً يستخدم فن الإقناع من قِبل الآخرين لتحقيق مآرب أخرى.
لذا، من المهم أن نعرف أساليب الإقناع هذه حتى نحمي أنفسنا من الوقوع في فخ قد ينصبه لنا بعض الأشخاص لتحقيق مصالح شخصية خاصة بهم.
أحد الأساليب المهمة لفن الإقناع هو ترتيب الأمور، حيث يساهم بشكل كبير في كيفية استجابة الآخرين واتخاذ قراراتهم إزاء الخيارات المطروحة، ويعرف هذا المبدأ في علم النفس بـ«بالتباين الإدراكي»، فمثلاً لو طلب أحد منك طلباً كبيراً ثم أتبعه بطلب صغير ستشعر بأن الطلب الثاني أصغر بكثير عما لو كان قد عرضه عليك وحده منذ البداية، كأن يطلب منك أحدهم بأن تقرضه مبلغ ألف دينار في المرة الأولى فترفض طلبه، ولكن إن طلب منك أن تقرضه مبلغ مائة دينار في المرة الثانية فستجد نفسك منصاعاً لرغبته. ولكنه لو طلب منك أن تقرضه في المرة الأولى 100 دينار لرفضته ووجدته مبلغاً كبيراً.
وأسلوب آخر في فن الإقناع هو غرس شعور الرغبة في رد الجميل عندما يعرض علينا بعض الباعة هدايا مجانية التي نقبلها ونحن نشعر بالامتنان لهم، ثم نجد أنفسنا مضطرين للشراء من منتجاتهم لاشعورياً رغبة منا في رد الجميل، وهكذا تترك الهدية المجانية شعوراً إيجابياً في العقل الباطن تجاه تلك العلامة التجارية، فنُقبل على شرائها دون وعي منا في وقت لاحق متأثرين بذلك الانطباع الإيجابي، والرغبة في المعاملة بالمثل.
وهناك أسلوب آخر للإقناع، وهو استغلال عقول الناس وعواطفهم بإيهامهم أن عليهم انتهاز فرصة ثمينة لا تعوض للفوز عن طريق الترويج لبعض السلع أو الخدمات على أن هناك تخفيضات كبرى أو أن ما تبقى هو كمية محدودة سوف تنتهي قريبا، فيتم إقناعهم مستغلين بذلك غريزة المنافسة لدى العديد منا، والميل إلى الفوز بقصب السَبْق دوماً. فيُقبلون على شراء هذا المنتج أو ذاك اعتقاداً منهم أنه قد حصلوا على صفقة جيدة ولا يدركون أن هؤلاء يقدمون هذه التنازلات لإدخال السرور إلى قلوبهم لأنهم يعرفون أنهم في النهاية سوف يحققون مكاسبهم، ويصلون إلى أهدافهم، ويجعلونهم يقعون في الفخ الذي نصبوه لهم.
إنه لعمري في هذه الحالات ليس فن الإقناع، بل هو فخ الإيقاع.
* أستاذة جامعية في علم النفس