نستذكر هذا العام 2025، ذكرى اليوم الوطني الـ95 للمملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر من كل عام، وما سطّره التاريخ لمؤسس البلاد بجهود داخلية وخارجية جعلت من ذلك التأسيس دولة أخذت مكانتها العالمية والإقليمية والمحلية عالياً بفضل من الله وتوفيقه.
كانت بصمات الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن
بن فيصل آل سعود -طيّب الله ثراه- واضحة الخطى وبثوابت فيها من الحكمة وعمق المواقف الكثير من الدروس والعِبر بقيت للتاريخ دروساً ونبراساً يُحتذى به.
كُتب عنه الكثير، وكانت الكتابات تفتح أبواباً أكثر للبحث والاستزادة من تاريخ رجل كان هدفه بملامح واضحة يعلوها الاستبشار بتوحيد بلاد يسودها الاستقرار بنسيج مجتمعي يوحّد الصفوف والكلمة بقيادة تعطي كل ذي حق حقه، وتبني من أجل المواطن بناءً يحفه الأمن والأمان في أرجاء مملكة لها جغرافية مترامية الأطراف.
أن أستذكر جانباً من جوانب شخصية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تلك الملامح منذ أن كان شخصية اعتمد عليه والده -الإمام عبدالرحمن الفيصل رحمه الله- في أن يذهب ليؤمّن الطريق لأسرته التي خرجت من الرياض، وتركت خلفها الأمل القوي الواثق بالله للعود القريب، وقد كان ولله الحمد.
رحل الشاب الأمير عبدالعزيز سليل أسرة لها قيمتها المكانية، وقامتها بين وحول كل من جاورها، أو كانت لها علاقات مع أسلافه.
حطّت الرحال في البحرين العريقة بتاريخها وحضارتها، والتقى بشيخها حينذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في 1891م في أحد أيام إقامته فيها، وكانت الأحاديث والشجون ومواقف الرجال يستحضرها الجميع.
وجّه الشيخ عيسى للشاب الأمير عبدالعزيز بمعنى العبارة والتساؤل، سأله عن انطباعاته حول المنامة أم الدوحة؟ وبسرعة البديهة وعمق المشاعر كان رد الملك عبدالعزيز ينم عن شخصية قيادية قادمة متى استجمع ما يمكن أن يستجمعه وقال: «الرياض».
لم تأتِ تلك الإجابة والرد السريع إلا عن فطنة، ولم يخفِ الشيخ عيسى -رحمه الله- إعجابه وعبّر عن مدى ثقته بشخصية الأمير الشاب واستعادة الرياض.
من تلك الإقامة في البحرين كانت الأُسس التي تعمقت من خلالها العلاقات بين آل سعود وآل خليفة الكرام، وتكرّرت زيارات للملك عبدالعزيز عززت ما كان من تاريخ بين الأسرتين كأُسرة أخوية وأُسرة حاكمة لها موقعها الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي.
عند زيارة الملك عبدالعزيز للمنامة، ومقابلة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وهو في استمرار توحيده للبلاد، كانت فرحة الشيخ بمقدم الملك عبدالعزيز فرحة الأب والقائد الذي توسم في شخصية فاقت ما توسمه فيها.
ولا ننسى في هذه المناسبة أن نستذكر الزيارة الرسمية في عام 1930م للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ملكاً للمملكة العربية السعودية، وكيف كان أثر تلك الزيارة على نفس الشيخ عيسى وإعرابه للابن البار على أهمية تواصل العلاقات بينهم، رغم التقلبات السياسية التي كانت تعج بها تلك الحقبة التاريخية ما سبقها وما تلاها.
وبقي الأثر شاهداً –قصر القضيبية- على نزول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وقد كان بناؤه لقدوم وزيارة شخصية سجلت في التاريخ والعلاقات الدولية وقبلها الأخوية أسمى معاني الوفاء واللحمة بين أبناء كيان استكملت قيادات البلاد من بعده بناءً شُيد بين مملكتين تاريخهما عريق وهو تاريخ الشخصيات الحكيمة.
وكانت الزيارة الثالثة للملك عبدالعزيز في 1939م، وهناك صورتان الفاصل الزمني بينهما 79 عاماً كاملة بقصر القضيبية في البحرين، لكن المشهد يتكرر مرة أخرى بين الملك عبدالعزيز المؤسس والحفيد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد.
عام 1939 التقطت صورة تاريخية لزيارة الملك عبدالعزيز الثالثة إلى البحرين وقف فيها بقصر القضيبية في العاصمة المنامة، وإلى جواره الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين والأمير سعود الذي سبق وصول الملك إلى البحرين -رحمهما الله-، وفي 2018م، وقف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في نفس المشهد ومكان جده خلال زيارته ضمن جولته العربية، وإلى جواره ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وأعضاء وفدي البلدين.
وللتاريخ سطّرتُ في ذكرى يومنا الوطني تلك الأخبار التي بقيت للأجيال لاستذكارها.
* أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر