شدّد مختصون، على أهمية إيجاد أساليب مدروسة للتعامل مع حالات الإدمان، وخصوصاً المرأة التي يمكن أن تلجأ إليه نتيجة لتشابك نفسي واجتماعي، لكنهم أشاروا إلى أن المرأة قادرة على النهوض من الإدمان متى ما وجدت العلاج المناسب والدعم النفسي الكافي.
وفي تحقيق أجرته «الوطن» حول أسباب سقوط المرأة في دائرة التعاطي التي قد تكون نتيجة لصدمات نفسية أو عنف أسري تعرّضت له في طفولتها، أكد أخصائيون نفسيون أن النساء لسن أضعف من الرجال، لكن الصدمات الصامتة تجعلهن أكثر عرضة للانكسار، لافتين إلى أن العنف الأسري، والإهمال العاطفي، وغياب الدعم النفسي تمثل محفزات قوية.
وأشاروا إلى أن الدعم النفسي الجماعي له أهمية خاصة للنساء، إذ يمنحهن شعوراً بالأمان والاحتواء بعيداً عن الأحكام المسبقة.
وشدّدوا على أهمية إخضاع الأم المدمنة إلى تأهيل نفسي لكيفية التعاطي مع الآلام النفسية، والتي تنشأ عادة من الضغوط النفسية والمشاكل، وهذا يتطلب وجود مرشد نفسي مختص، مع ضرورة ممارسة أنشطة بديلة تضخ الحياة في عقلها وروحها المنهكة من جديد.
أسماء رجب:إدمان الأم شرخ أسري عميق وصرخة للإغاثة.. «والدة تحتاج المساعدة»
قالت استشارية الأسرة والزواج أسماء رجب إنه من المهم وجود أساليب مدروسة للتعامل مع حالات الإدمان، خصوصاً إذا كانت الأم (موضع الأمان في الأسرة) هي ضحيته، حيث إن الأمر قد يحدث شرخاً عميقاً في بناء الأسرة برمتها، لكن لا يوجد أسلوب موحد نستطيع تعميمه على كل حالات الإدمان، سواء كان إدمان الأم أو إدمان الأب، فلكل حالة خصوصيتها.
وبينت أن هناك عوامل كثيرة منها: عمر الأم، ومدة الإدمان، ومدى قابلية الأم للتعافي، ومقدار الدعم الاجتماعي الموجود في نطاق الأسرة، ووجود أبناء من عدمه، كل تلك المعطيات وغيرها تحدد الأسلوب المناسب وطريقة التدخل المناسبة.
وأوضحت أنه بموازاة وضع الأساليب المناسبة للتعامل مع حالة الإدمان، لابد من طرح سؤال مهم: ما الذي دفع الأم للإدمان؟ ما سبب الألم الذي قادها لذلك؟ فجوهر المشكلة ليس في الإدمان كحالة عرضية، بل في الألم أو الفراغ الداخلي الذي يحاول الشخص الهروب منه أو ملؤه باستخدام هذه المواد، وقالت «اعتدنا في المجتمع الإسراع في معالجة الأعراض دون الحفر عميقاً في جذور المشكلة»، مما يدفعنا لمعالجات سطحية لا تعالج أصل المشكلة.
وحول تأثير إدمان الأم على الأسرة والأبناء قالت، في كتاب «عالم الأشباح الجائعة» عن الإدمان، يذكر الطبيب النفسي جابور ماتيه: (إن الإدمان مرض يمس الأسرة بأكملها-يسري ذلك على جميع أنواع الإدمان- وبالتالي تحتاج الأسرة كلها إلى الشفاء)، فالإدمان مرض عائلي، ليس فقط لأن سلوكيات المدمن تؤثر بشكل غير صحي على من حوله، ولكن بصورة أعمق؛ لأن شيئاً في ديناميكية الأسرة ربما ساهم -وما زال يساهم- في سلوك المدمن.
وبالنسبة للأم المدمنة، فإن إدمانها هو محاولة لمعالجة ألمها الداخلي أو رد فعل لصدمة، هذه الحالة النفسية تجعلها غير متوفرة عاطفياً لأبنائها، والأم غير المتوفرة عاطفيًا لا تستطيع تلبية احتياجات الطفل الأساسية من الأمان والارتباط، مما يؤدي إلى صدمات جديدة وانعكاسات نفسية للطفل.
وعن كيفية إمكانية الأم لتتجاوز الأمر نفسياً ومعنوياً، أكدت أسماء رجب أن العامل الأهم هو وجود شبكة دعم من الأهل والأصدقاء الموثوق بهم مهم في هذه المرحلة، ولكن تجاوز هذا الأمر يتطلب إدراك – الأم المدمنة- بأن سلوكها الإدماني لن يعالج آلامها، وأنه لا يعدو كونه مسلياً مؤقتاً على المدى القصير، أما على المدى الطويل، فستتعمق تلك الآلام بصورة أكبر، ولن يجدي رفع معدل جرعاتها الإدمانية في علاج الآلآمها. كما تحتاج الأم إلى تأهيل نفسي لكيف التعاطي مع الآلام النفسية، والتي تنشأ عادة من الضغوط النفسية والمشاكل، وهذا يتطلب وجود مرشد نفسي مختص، مع ضرورة ممارسة أنشطة بديلة تضخ الحياة في عقلها وروحها المنهكة من جديد، الهدف من ممارسة الأنشطة البديلة هي لتدريب المخ على حيل جديدة للتعاطي مع الضغوط، وأنها ليست مضطرة لتلبية نداء الإدمان لمعالجة الآلآمها - كما يوهمها الدماغ بذلك.
والخطوة الأهم في تجاوز هذا الأمر، هو أن تقنع - الأم المدمنة - عقلها بالأثر الحقيقي والمدمر لرغبتها الإدمانية في حياتها وعلى حياة أسرتها، وأن ختام هذه الرحلة لن تكون سوى مرارة وضياع وشعور بالعزلة والخزي.
وفيما يخص دور الزوج في هذه الحالات، أكدت أن دور الزوج محوري في هذه الأزمة، فكلما استطاع الأشخاص المحيطون بالمدمن تحمل مسؤولية مواقفهم وأفعالهم دون لوم المدمن أو إشعاره بالخزي، زادت احتماله التعافي بالنسبة للأم، فقد يحتاج الزوج نفسه إلى جلسات إرشاد من مختصين ليتعلم كيفية التعامل مع الموقف، مع الأخذ في الاعتبار بأن -إدمان الأم- أحياناً يعبر بشكل غير مباشر عن وجود مشكلة زوجية، حيث تتجه الأم إلى الإدمان هروباً من مواجهة مشاكل أسرية، أو آلية تعبر بها عن صدمة اكتشاف خيانة زوجية.
في كل الحالات، على الزوج أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويبذل الجهد الكافيلمساعدة الأم على التشافي، خصوصا إذا كانت الأم في بدايات الوقوع في تجربة الإدمان، ففي أحايين كثيرة -إدمان الأم – هو صرخة تطلقها للإنقاد، أي تقول بلسان حالها (أحتاج مساعدة وإنقاذاً).
يُذكر أنه كلما تم اكتشاف الإدمان في مرحلة متأخرة، يصبح دور الزوج أصعب، فاحتمالية مقاومة المدمن للتعافي تزداد مع الوقت، لأنه في حال استسلام الأم وعدم وجود أي نية حقيقية للتعافي، قد يضطر الزوج لاتخاذ قرار صعب في الانفصال، بهدف حماية الأبناء والأسرة بأكملها.
إدمان الأم ليس معركتها وحدها، بل هو معركة أسرة بأكملها، وأي شرخ في دورها يترك أثراً مضاعفاً على الأجيال القادمة، هذا ما أكده مدير عام مركز «آرام» للعلاج والتأهيل، شريف كميل الذي شدد على أن إدمان الأم يترك أثراً أعمق وأخطر من إدمان الأب، نظراً لما تمثله الأم من محور أساسي في التربية والرعاية والتنمية العاطفية للأبناء، مشيراً إلى أن «إدمان الأم لا يقتصر على معاناتها الشخصية، بل ينعكس بشكل مباشر على الأسرة كلها، ويجعل الأبناء أكثر عرضة لانتقال السلوك الإدماني إليهم مستقبلاً، فضلاً عن دفع الأسرة نحو التفكك والانهيار، لأن غياب الدور التربوي والمعنوي للأم لا يمكن أن يُسد أو يُعوض بسهولة».
وبيّن كميل أن الإدمان في جوهره مرض سلوكي يبدأ من اضطرابات وصدمات قديمة قبل أن يتجسّد في صورة تعاطٍ لمادة مخدرة، مشيراً إلى وجود أكثر من 70 نوعاً من الإدمان، تختلف تبعاً لما تعرض له الفرد منذ الطفولة من ضغوط أو انتهاكات جسدية أو نفسية.وأضاف أن النساء يواجهن تحديات مضاعفة في هذا السياق، إذ غالباً ما يقابل إدمانهن بإنكار من الأسرة أو الزوج، وأحياناً بالرفض القاطع لفكرة تلقي العلاج، وهو ما يعكس قيوداً اجتماعية لاتزال قائمة وتشكّل حاجزاً أمام حصول المرأة على الرعاية الصحية والنفسية اللازمة.وحول أكثر المواد المخدرة شيوعاً في السنوات الأخيرة، أوضح كميل أن مادة الكريستال ميث (الشبو) ومادة السي بي دي (CBD) تعدّان من أكثر الأنواع انتشاراً، بالإضافة إلى إساءة استخدام العقاقير الطبية مثل المهدئات والمنومات، التي تبدأ بترشيح من شخص عادي غير مختص ثم تتحول تدريجياً إلى إدمان، وشدّد في هذا السياق على أهمية عدم تناول أي أدوية دون استشارة الأطباء، لتفادي الانزلاق نحو الاعتماد غير الصحي عليها.
وفيما يخص مراحل العلاج، أكد كميل أن إعادة التأهيل تشكل 80% من العملية العلاجية بينما يشكل علاج أعراض الانسحاب 20%، مشيراً إلى أنه من الأخطاء الشائعة في علاج الإدمان هي الوقوف عند المرحلة الأولى وهي علاج أعراض الانسحاب، مؤكداً أن إهمال هذه المرحلة أو عدم استكمالها يرفع بشكل كبير نسب الانتكاس، مهما كانت الاستجابة للعلاج الأولي جيدة.
مدير «آرام»: إدمان الأم أخطر من إدمان الأب وله 70 نوعاً تتجذر في صدمات الطفولة
ولفت مدير مركز «آرام» إلى أن البحرين تُعد من الدول الرائدة في تقديم برامج دعم مبتكرة للمدمنين، من بينها السجون المفتوحة والعقوبات البديلة، معتبراً إياها نموذجاً ناجحاً يستحق التوسع والتطوير، بالإضافة إلى وجود دعم اجتماعي من قِبل الجمعيات الأهلية، مشيداً بتعاون جمعية كاف الإنسانية التي كانت تدعم أكثر من 4 حالات من حالات المركز.
كما دعا إلى تكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية لمواجهة ظاهرة الإدمان بجرأة وواقعية، والتعامل معها باعتبارها مرضاً يحتاج إلى علاج ودعم مجتمعي وأسري شامل.