التقاعد بات أمنية للبعض، وحلماً لآخرين، لكنه يُمثل تحدياً مُرّاً لأصحاب الخبرات والكفاءات الذين يضطرون للخروج مُكرهين وهم في أوج نشاطهم وعطائهم.
فالخبرات تنمو مع السنوات، والبعض يصل لمرحلة متقدمة تفوق -بلا مبالغة- المعرفة التي يحملها عشرات الخريجين الجدد!!
هذه الخبرة المتراكمة هي ثروة لا تُقدّر بثمن، تُساهم في حل المشكلات المستعصية وتقديم حلول مبتكرة لا تصدر إلا من ذوي الخبرة.
أذكر أنني واجهت مشكلة في سيارتي، حيث كان العادم يُصدر أدخنة بيضاء كثيفة ومُزعجة.
ولمّا عرضتها على بعض أصحاب «الكراجات» أجمعوا على ضرورة تنزيل المحرك وتبديل قطع متعددة، لكن صديق والدي كان له رأي آخر!!
فقد كان ميكانيكي السيارات المتخصص بشركة بابكو، وخرج للتقاعد مع الوالد من الشركة، نظر للمشكلة وتأمل صوت المحرك ورائحة الأبخرة الصادرة من العادم، ثم طلب مني شراء قطعة غيار من وكالة نيسان لم تُكلفني إلا قرابة الخمسة دنانير، وهي صمام ذو كرة معدنية يتحرك لينقل الزيت من وإلى المحرك.
وعندما غير هذه القطعة انتهت المشكلة، فقد كانت القطعة مليئة بالرواسب وتحتاج إلى تغيير!!
خبرة هذا الميكانيكي التي تجاوزت الثلاثين عاماً، ساهمت في إصلاح مشكلة كادت أن تكلفني مئات الدنانير، وقد استمر هذا الميكانيكي يعمل على إصلاح السيارات أمام بيته بأوقات الفراغ حتى بعد التقاعد.
فماذا عن متقاعدي القطاع الطبي من الأطباء، والجراحين، والمتخصصين في العلاج الطبيعي، وكذلك المهندسين في شتى المجالات، ماذا سيكون مصير خبراتهم القيمة إذا توقفوا عن ممارسة تخصصاتهم ونقلها للآخرين؟
ولذلك فإننا نطمح إلى إنشاء مؤسسة تُعنى بالمتقاعدين أصحاب الكفاءات والخبرات من الأطباء، والمهندسين والمعلمين وغيرهم للاستفادة من خبراتهم، وتسهيل توظيفهم مجدداً كخبراء ومدربين لنقل شيء من معرفتهم الراسخة وتجاربهم الطويلة للأجيال الجديدة.
فالمعرفة التي يمتلكونها معرفة تراكمية، يستحيل تعليمها في قاعات الجامعات، ولا تُكتسب إلا بعد سنوات من الكد والتعب والممارسة!!