حنان الخلفان

في ديسمبر، لا تحتفل البحرين فقط.. بل تعلن حضورها من جديد.

هو الشهر الذي ترفع فيه المملكة صوتها عالياً بالفرح، وتعيد تذكيرنا بأن الأوطان لا تُقاس بمساحتها، بل بنبض أهلها. في هذا الوقت من العام، تصبح الشوارع أكثر دفئاً، والوجوه أكثر قرباً، ويصبح كل بيتٍ وكل مدرسة وكل مؤسسة جزءاً من قصة واحدة: قصة وطن يعرف كيف يصنع الفخر ويقدّمه للعالم بوجهٍ واضح ووطنية صادقة.

ومع كل ديسمبر يمر، تتكامل صورة البحرين؛ وطنٌ لا يتغير حبّه، بل يزداد رسوخاً، وناسٌ يجددون العهد مع أرضٍ أحبّتهم قبل أن يحبوها. وفي قلب هذا الفرح، يطلّ الأطفال ببراءتهم وملابسهم التراثية، يحملون الأعلام الصغيرة كما لو أنهم يحملون المستقبل نفسه. يشاركون في الفعاليات المجتمعية بصدق يشبه نقاء البدايات، ويرسمون بابتساماتهم ملامح الهوية البحرينية التي تتجدد كل عام. ولا يكتمل هذا المشهد دون الأغاني الوطنية التي تُشعل القلوب قبل الساحات؛ فحين يصدح صوت البحرين بـ(في العالي ولا انطفى نورج) يعود الفخر إلى مكانه الأول، وكأن الكلمات تُضيء في القلب قبل أن تُضيء في الميدان. ثم تتردد تلك الأنشودة التي حفظتها الأجيال (حمد أبونا.. حمد) فيرددها الصغار مع الكبار، لتصبح الأغنية رابطًا بين الذاكرة واللحظة، وبين الماضي الذي نعتز به، والمستقبل الذي نهيّئه لهؤلاء الأطفال.

وفي المشهد ذاته، تبرز وزارة الإعلام بدورها المتألق، لتكون العين التي يرى بها الوطن نفسه. عدساتها لا تكتفي بتوثيق اللحظة، بل تمنحها حياة أطول، وتحول الفعاليات إلى ذاكرة بصرية تُكتب بها قصة البحرين من جديد. ويتكامل هذا الدور مع حضور الشباب الإعلاميين الذين يقفون في الصف الأول، يواجهون الضوء بابتسامة وإصرار، ويحملون كاميراتهم وكأنهم يحملون وطناً كاملاً. يتحركون بين الفعاليات بخفةٍ وشغف، يلتقطون التفاصيل الصغيرة، ويرصدون لحظات الفخر قبل أن تُنسى، ليقدّموا البحرين كما يراها القلب: متوهجة، نابضة، وحاضرة بكل جمالها.

ومن القلب، شكرٌ مستحق لوزارة الإعلام ولشبابها الذين يصنعون الصورة ويضعون بصمتهم في كل مشهد، ويمنحون الوطن ما يليق به من حضور.

وبموازاة الاحتفالات العامة، تتزيّن الوزارات والهيئات الحكومية بروح ديسمبر نفسها؛ مداخل تتلألأ بالأعلام، مكاتب يتردد فيها نشيد الوطن، وفعاليات تُنظّم بروح تشاركية تعبّر عن اعتزاز كل مؤسسة بانتمائها لهذه الأرض. وتكتمل هذه الأجواء داخل بيئة العمل حين تستقبلنا الشاشات في الصباح بعبارة «أعياد البحرين.. نعيشها وناسة»، تتوسط خلفيات حمراء وبيضاء تُضفي على المكان دفئاً وحيوية. تفاصيل قد تبدو بسيطة، لكنها تصنع أثراً جميلاً في النفوس، وتؤكد أن الفرح الوطني يبدأ من المكاتب والممرات قبل أن يمتد إلى الساحات والميادين، وأن احتفال المؤسسات هو جزء أصيل من احتفال الوطن بأكمله.

ومن مقالي المتواضع هذا، يطيب لي أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وإلى صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وإلى قيادتنا الحكيمة التي أرست دعائم الاستقرار والنهضة والتنمية. كما أبارك لشعب البحرين الكريم، الشعب الذي يثبت في كل مناسبة أنه أكثر من جمهور احتفال... إنه روح وطن بأكمله.

وهكذا، ما بين ضوء ديسمبر ونشيده، بين الأطفال الذين يرسمون هوية الغد، وبين الأغاني التي تعود كل عام بذاكرتها البهية، وبين الإعلاميين الذين يحفظون جمال اللحظة، وبين المؤسسات التي تحتفل بحبّ الوطن في كل زاوية... يظل العيد الوطني المجيد وعداً يتكرر كل عام:وعدٌ بأن البحرين ستظل وطناً يُحتفل به، ويُفتخر به، ويُحَبّ... بلا شروط.