حسن الستري

لم يعد مفهوم الأمن في العصر الحديث مرادفاً للضبط الصارم أو إنفاذ القانون بالقوة وحدها، بل أصبح منظومة متكاملة تقوم على بناء الثقة، وتعزيز الشراكة مع المجتمع، وترسيخ القيم الإنسانية وسيادة القانون، وهو ما لوحظ بقوة في تحول فلسفة العمل الأمني في البحرين، لا سيما مع الاحتفال السنوي بيوم الشرطة البحرينية في الرابع عشر من ديسمبر.

وقد تحقق هذا التحول في ظل العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، وبالدعم والمتابعة المستمرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث تبنت الدولة رؤية أمنية حديثة تعتبر المجتمع شريكاً أساسياً في تحقيق الأمن والاستقرار، وليس مجرد متلق للخدمة الأمنية.

وانطلقت ملامح هذه الرؤية بشكل مؤسسي مع تأسيس الأكاديمية الملكية للشرطة في العام 2004، التي لم تقتصر أهدافها على التدريب المهني، بل ركزت على تعميق الوعي الوطني، وبناء الشخصية الشرطية المتوازنة القادرة على التواصل الإيجابي، واحترام حقوق الإنسان، وتعزيز الشراكات مع مختلف القطاعات المحلية والإقليمية والدولية.

وتبع ذلك تأسيس شرطة خدمة المجتمع في العام 2006، كخطوة مفصلية جسدت مفهوم الشرطة المجتمعية عملياً، من خلال فتح قنوات تواصل مباشرة مع المواطنين والمقيمين، وتعزيز الثقة المتبادلة، وتنمية الحس الأمني المشترك القائم على الفهم الواعي للحقوق والواجبات.

ولم يقتصر هذا التحول على الجانب التوعوي، بل امتدّ ليشمل منظومة المساءلة والشفافية، عبر تأسيس الأمانة العامة للتظلمات في العام 2012، ووحدة التحقيقات الخاصة، كجهات مستقلة تعزز مبدأ العدالة، وتحمي حقوق الأفراد، وترسخ الثقة المجتمعية في الأداء الأمني.

كما أسهم إطلاق النظام الوطني للمقترحات والشكاوى «تواصل» في العام 2014 في تمكين الجمهور من المشاركة الفاعلة في تطوير الخدمات وتحسين الأداء الحكومي.

وعلى صعيد السياسة العقابية، شكّل إطلاق برنامج السجون المفتوحة والعقوبات البديلة في العام 2018 نقلة نوعية في العمل الأمني، حيث انتقلت الفلسفة من العقاب المجرد إلى الإصلاح وإعادة التأهيل، بما يعكس بعداً إنسانياً يعزز الاستقرار الاجتماعي، ويحد من العودة إلى الجريمة.

كما واصلت شرطة البحرين مواكبة التحولات الرقمية عبر تأسيس المركز الوطني للأمن السيبراني في 2021، وأخيراً المشروع الحكومي بتعديل بعض أحكام قانون قوات الأمن العام الصادر بالمرسوم بقانون رقم 3 لسنة 1982، والمرافق للمرسوم رقم 26 لسنة 2025، والمتضمن استبدال عبارات بينها استبدال «قانون شرطة البحرين» محل عبارة «قانون قوات الأمن العام»، والذي يهدف المشروع إلى مواكبة التطورات الإدارية والقانونية بما يحقق رؤية وزارة الداخلية في تعزيز الانضباط الوظيفي.

وقد أثمرت هذه الجهود المتكاملة عن نتائج ملموسة، تمثلت في تراجع مستوى الجريمة بنسبة 30%، وتطوير مئات الخدمات الإلكترونية، وتحقيق المملكة مراكز متقدمة في المؤشرات الدولية، أبرزها تصدر البحرين قائمة الدول العربية في مؤشر القانون والنظام لعام 2024، وفق تقرير Gallup Global Safety Report 2025، وهو ما يعكس ارتفاع مستوى الثقة بالشرطة وشعور الأفراد بالأمان في حياتهم اليومية.

وتؤكد تجربة شرطة البحرين أن الأمن المستدام يُبنى بالشراكة، عبر شرطة قريبة من المجتمع، واعية بدورها الإنساني، ومؤمنة بأن المواطن والمقيم شريك في حفظ الأمن والاستقرار.

وبهذه الفلسفة، تواصل شرطة البحرين ترسيخ نموذج متقدم للأمن المجتمعي، يجعل من الثقة والتعاون أساساً راسخاً لحماية الوطن وصون مكتسباته.