- فجوات التعليم والصحة والتوظيف تُضاعف الأعباء على الأُسرة
- من عبء إلى طاقة.. الوعي الأُسري خط الدفاع الأول ومفتاح دمج ذوي الإعاقة
- التوظيف الشامل بحلول 2030 هدف واقعي إذا تحولت الأرقام إلى سياسات
- نصف الأطفال المعاقين في الدول النامية خارج أسوار المدارس
أكد د. أسامة أحمد مدبولي، خبير واستشاري التربية الخاصة ومدير مركز «معاً للتربية الخاصة»، أن قضايا الإعاقة لم تعد شأناً فردياً أو طبياً أو مؤسسياً فقط، بل أصبحت قضية أسرية ومجتمعية بامتياز، في ظل أرقام وإحصاءات عالمية وإقليمية تشير إلى أن نحو 1.3 مليار شخص حول العالم، أي ما يعادل واحداً من كل ستة أشخاص، يعيشون مع إعاقة بدرجات متفاوتة حتى عام 2025، موضحاً أن استبعاد ذوي الإعاقة من سوق العمل يخسّر الدول 7% من ناتجها المحلي.
وقال مدبولي إن هذه الأرقام، التي جرى رصدها وتحليلها من أكثر من 100 مؤشر عالمي وإقليمي، تعكس فجوة واضحة بين الاحتياجات الحقيقية للأشخاص ذوي الإعاقة وبين حجم الموارد والخدمات المتاحة لهم، موضحاً أن أقل من 1% من المساعدات التنموية الدولية تُخصص لقضايا الإعاقة، في وقت تحتاج فيه الأسر إلى دعم صحي وتعليمي ونفسي متكامل.
وأضاف أن الأسرة غالباً ما تكون الجهة الأولى التي تتحمّل العبء الأكبر، مشيراً إلى أن 75% من الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم يحتاجون إلى خدمات تأهيلية، ولا يحصلون عليها، وهو ما يضع الوالدين في مواجهة تحديات يومية تتعلق بالعلاج، والتعليم، والاندماج الاجتماعي، دون وجود منظومة دعم كافية في كثير من الدول.
وأوضح مدبولي أن التعليم يمثل أحد أبرز التحديات الأسرية، لافتاً إلى أن نحو 50% من الأطفال ذوي الإعاقة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل غير ملتحقين بالمدارس، بينما يعاني آخرون من التسرّب المدرسي؛ بسبب غياب البيئة التعليمية الدامجة أو نقص الكوادر المؤهلة، وهو ما ينعكس سلباً على استقرار الأسرة ومستقبل الطفل على المدى الطويل.
وأشار إلى أن الأبعاد النفسية لا تقل خطورة عن التحديات التعليمية والصحية، موضحاً أن الإحصاءات تُظهر أن نحو 60% من الأشخاص ذوي الإعاقة يتعرّضون للإهمال أو سوء المعاملة، وأن الأطفال ذوي الإعاقة أكثر عرضة للعقاب البدني القاسي مقارنة بأقرانهم، مؤكداً أن الوعي الأسري يلعب دوراً محورياً في الحماية النفسية وبناء الثقة لدى الطفل.
وفيما يتعلق بالنساء والفتيات، أكد مدبولي أن الأرقام مقلقة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة كبيرة من النساء ذوات الإعاقة يتعرّضن لأشكال مختلفة من العنف والاستغلال، مشدداً على أن الأسرة الواعية تمثل الدرع الأول لحماية الفتاة ذات الإعاقة من التهميش أو الإساءة أو العزلة الاجتماعية.
وتطرّق مدبولي إلى الجانب الاقتصادي، مبيناً أن استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من سوق العمل لا يضرّ الأفراد فقط، بل يُلحق خسائر مباشرة بالمجتمعات، حيث تُقدّر الخسارة المحتملة في الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول بنحو 7% نتيجة ضعف دمج ذوي الإعاقة في سوق العمل، في وقت لاتزال فيه نِسب التوظيف متدنية مقارنة بغيرهم.
وأضاف أن العديد من الأسر تواجه تحديات يومية تتعلق بالخدمات الأساسية، موضحاً أن نحو 40% من الأشخاص ذوي الإعاقة يتخلّفون عن الحصول على الرعاية الصحية الوقائية، إما بسبب ارتفاع التكاليف أو عدم تهيئة المرافق الصحية، في حين يواجه الملايين صعوبات في استخدام وسائل النقل العام أو الوصول إلى الخدمات المجتمعية.
وأكد مدبولي أن الوصول الشامل لا يقتصر على البنية التحتية فقط، بل يشمل المعلومات والخدمات الرقمية، لافتاً إلى وجود فجوة رقمية واضحة بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، ما يحرم الكثير من الأسر من الاستفادة من الخدمات الإلكترونية أو برامج الدعم المتاحة.
وشدّد على أن الهدف العالمي المتمثل في تحقيق الوصول الشامل والتوظيف الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة بنسبة 100% بحلول عام 2030 لايزال ممكناً، إذا ما بدأت الجهود من داخل الأسرة، مروراً بالمدرسة، ووصولاً إلى السياسات والتشريعات الداعمة، مؤكداً أن التغيير الحقيقي يبدأ بتغيير النظرة المجتمعية للإعاقة من عبء إلى طاقة إنسانية قادرة على العطاء.
ونوّه د. أسامة مدبولي إلى أن هذه الإحصاءات «ليست أرقاماً جامدة تُقرأ ثم تُنسى»، بل تمثل قصص حياة حقيقية لأفراد وأسر، وقال: «كل رقم يعكس طفلاً ينتظر فرصة تعليم، أو أماً تبحث عن خدمة علاجية، أو أسرة تحاول التكيف مع واقع جديد. عندما نحول هذه الأرقام إلى وعي وسلوك ودعم حقيقي، نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو مجتمع أكثر عدلاً وشمولاً، يبدأ من البيت ولا ينتهي عند حدود المؤسسة».