حنان الخلفان

هل يمكن للمطر أن يؤجّل الفرح؟ في البحرين، الجواب كان واضحاً. فالعيد الوطني لم يكن يوماً رهين صفاء السماء، بل موعداً ثابتاً مع شعور لا يتغيّر، مهما تبدّلت الأحوال وتقلّبت الظروف.

في الشوارع، وعلى واجهات البيوت، وفي القلوب قبل الأعلام، حضرت البحرين بكامل هيبتها. وربما خفّت بعض الفعاليات الخارجية، لكن الاحتفال لم يتراجع، بل غيّر مكانه؛ وانتقل إلى البيوت، حيث ازدانت النوافذ، وارتفعت الأعلام على الشرفات، واجتمع الأهل على طاولات بسيطة بروح وطنية خالصة. تحوّلت المجالس إلى مساحات فرح، وتناقلت الشاشات الأغاني الوطنية، ووجد الأطفال في تفاصيل صغيرة معنى العيد، ليؤكد البحريني مرة أخرى أن الاحتفال بالوطن لا يرتبط بمكان، بل بإحساس صادق يسكن البيوت كما يسكن الشوارع.

لكن الفرح لم يبقَ داخل الجدران فقط. ففي خضمّ الأمطار الغزيرة وتقلبات الجو، برز وجه آخر من وجوه البحرين؛ وجه التعاون والتكاتف الذي لا يظهر فقط في الأعياد، بل في اللحظات التي تختبر فيها الظروف معدن الشعوب. لم يكن المطر عائقاً، بل مساحة إنسانية إضافية، بادر فيها الناس إلى مساعدة بعضهم، وتبادلوا التنبيهات، وفتحوا الطرق. حتى الطرق التي أغلقتها الأمطار، لم تُغلق المسافة بين الناس. وكأن البحريني، حتى في المطر، يحتفل بطريقته الخاصة؛ فيثبت أن الوطن ليس فقط أرضاً تُزيَّن، بل مجتمعاً يتماسك كلما اشتدت الظروف.

هذا التوازن بين الفرح والوقار لا يأتي من فراغ. فقبل العيد الوطني بيوم، يقف البحرينيون وقفة مختلفة في يوم الشهيد؛ يوم لا يُقاس بالصخب ولا بالمظاهر، بل بالاستحضار العميق لمعنى التضحية. هو يوم يسبق الفرح ليمنحه عمقه، ويضع العيد في سياقه الحقيقي: وطن بُني بثمن، واستمر بعطاء، وحُفظ بدماء رجال صدقوا ما عاهدوا عليه.

وتقدير الشعب ليوم الشهيد ليس طقساً عابراً، بل هو وعي جمعي بأن الأوطان لا تُختصر في الاحتفالات وحدها، بل تُحفظ بالذاكرة. ذاكرة تعرف أن الأمن لم يكن يوماً أمراً عابراً، وأن الاستقرار الذي نعيشه هو ثمرة تضحيات تستحق أن تُذكر لا أن تُنسى. ولهذا، فإن الجمع بين يوم الشهيد والعيد الوطني في ديسمبر ليس مصادفة زمنية، بل رسالة وطنية عميقة: لا فرح بلا تقدير، ولا احتفال بلا وفاء.

في البحرين، لا يُلغى الفرح بسبب المطر، ولا تُنسى التضحيات بسبب الزينة. هنا يتعايش الشعوران معاً؛ بهجة الوطن، وهيبة من صنعوا له هذا الوطن. ولهذا يبقى ديسمبر مختلفاً.. شهراً يعرف فيه البحريني كيف يفرح، ومتى يصمت احتراماً، وكيف يجمع بين الاثنين بوعي ناضج وحب صادق.

وبصراحة.. هذا هو الوطن الذي نعرفه ونطمئن إليه. وطن لا يربك فرحه مطر، ولا يُضعف تماسكه ظرف، ولا تُغريه المظاهر عن جوهره. في البحرين، نحتفل لأننا نحب، ونصمت لأننا نُقدّر، ونتكاتف لأننا ندرك أن الوطن لا يُقاس بعدد الفعاليات، بل بوعي شعبه. وبين بهجة العيد وهيبة الشهيد، وبين فرح البيوت وتعاون الشوارع، تثبت البحرين كل عام أنها ليست مناسبة عابرة في التقويم، بل قيمة راسخة في القلوب... وهنا، تحديداً، تكمن قوتها الحقيقية.