سماهر سيف اليزل

- إعطاء الزبدة للرضّع يسبّب اضطرابات هضمية وأرَقاً ليلياً- الدهون المشبّعة قد تُفاقم الارتجاع المعدي وتؤثر على نوم الأطفال- تحسين نوم الأطفال يعتمد على الروتين والبيئة المناسبة- ربط الطعام بالنوم يكوّن عادات غير صحية على المدى الطويل

في وقت تتكرر يومياً على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع قصيرة تقدّم «نصائح سحرية» للأمهات والآباء، تعدهم بحلّ سريع لمشكلة أرّهقت كثيراً من الأسر وهي اضطرابات نوم الأطفال، يؤكد أخصائيون وأطباء أن كثيراً من «وصفات النوم السريع» على منصات التواصل تشكّل خطراً على الأطفال. ومن بين أكثر هذه الوصفات تداولاً، مقاطع تنصح بإعطاء الأطفال -بل وحتى الرضّع- الزبدة الخام أو الأطعمة الدسمة قبل النوم بحجة أنها تساعد على الاسترخاء والنوم العميق.

ورغم الانتشار الواسع لهذه المقاطع، إلا أن المختصّين يحذّرون من خطورتها، مؤكدين أنها لا تستند إلى أي أساس علمي أو صحي، وقد تقود إلى نتائج عكسية تمسّ صحة الطفل الجسدية والسلوكية.

في هذا التحقيق المصغّر، تضع «الوطن» هذه الممارسات تحت المجهر، من خلال آراء طبية وتغذوية متخصّصة، لتصحيح المفاهيم وحماية الأسرة من معلومات مضللة.

يحسم الدكتور حسن فرج، استشاري طب الأطفال والجهاز الهضمي، الجدل الدائر حول هذه الوصفات المتداولة، مؤكداً أنه لا وجود لأي دليل علمي يُثبت أن الزبدة أو الأطعمة الغنية بالدهون تُحسّن نوم الأطفال.

ويقول: «التحسّن الذي يلاحظه بعض الأهالي بعد إعطاء الطفل الزبدة لا يعود إلى تأثيرها على النوم، بل إلى إحساس مؤقت بالشبع، وهو أمر لا علاقة له بتنظيم النوم البيولوجي».

ويحذّر د. فرج من أن هذه الممارسات قد تفتح الباب أمام اضطرابات هضمية وعادات غذائية غير صحية، خصوصاً عند تكرارها، مشيراً إلى أن الدهون المشبعة تبطئ إفراغ المعدة، ما يسبب ثِقلاً ومغصاً وغازات، وقد يؤدي إلى تفاقم الارتجاع المعدي المريئي، وهو من أكثر أسباب الأرق الليلي شيوعًا لدى الأطفال.

فئات أكثر عرضة للمضاعفات

يوضح استشاري الجهاز الهضمي أن التأثيرات السلبية لا تكون متساوية لدى جميع الأطفال، بل تختلف حسب العمر والحالة الصحية.

ويضيف: «الرضّع دون عمر 6 أشهر هم الفئة الأكثر تأثراً، نظراً لعدم نضج جهازهم الهضمي. كما أن الأطفال المصابين بارتجاع معدي مريئي، أو السمنة، أو اضطرابات الدهون، أو تحسّس بروتين حليب البقر، يكونون أكثر عرضة للمضاعفات».

أما الأطفال الأصحاء، فيشير إلى أنهم قد يتحمّلون كميات ضئيلة جداً دون أعراض واضحة، إلا أن ذلك لا يجعل الممارسة آمنة أو موصى بها طبياً.

وفيما يخص البديل الطبي الآمن، يشدّد د. حسن فرج على أن تحسين نوم الأطفال لا يرتبط بوصفة غذائية بعينها، بل بمنظومة متكاملة تشمل:- روتين نوم ثابت ومنتظم.- تقليل استخدام الشاشات قبل النوم.- تهيئة بيئة هادئة ومظلمة.- تقديم وجبة خفيفة مناسبة للعمر عند الحاجة، دون إفراط دهني.

ويضيف: «في حالات محددة فقط، وتحت إشراف طبي، يمكن استخدام الميلاتونين بجرعات منخفضة ولمدد قصيرة، وليس كحل دائم».

من جانبها، تؤكد أخصائية التغذية العلاجية ونائب رئيس جمعية أصدقاء الصحة أريج السعد، أن فكرة إعطاء الزبدة للأطفال للمساعدة على النوم ممارسة متوارثة لكنها غير صحيحة علمياً، وقد تكون ضارّة أكثر مما هي مفيدة. وتوضح: «حتى اليوم، لا توجد أي دراسة علمية موثوقة تثبت أن الزبدة تساعد الأطفال على النوم بشكل أسرع، أو تُحسّن جودة النوم، أو تُقلّل الاستيقاظ الليلي».

وتبيّن أن الزبدة تتكوّن في معظمها من دهون مشبعة، ولا تحتوي على عناصر غذائية معروفة بدورها في تنظيم النوم مثل التريبتوفان، أو الميلاتونين، أو المغنيسيوم، ما ينفي أي رابط فسيولوجي بينها وبين النوم.

لماذا قد تكون هذه الممارسة ضارّة؟

تعدّد أريج السعد المخاطر الصحية المرتبطة بهذه العادة، خصوصاً عند الرضّع:1- اضطرابات هضمية:الدهون المشبعة قد تؤدي إلى ثِقل وانتفاخ وارتجاع معدي، ما يزيد من انزعاج الطفل واستيقاظه ليلاً.

2- سلوك غذائي غير مناسب للنمو:إعطاء الزبدة وحدها للأطفال دون السنة يُعد ممارسة تغذية غير موصى بها، ولا يتماشى مع تطور الجهاز الهضمي.

3- تكوين ارتباط غذائي بالنوم:ربط الطعام بالنوم يضعف قدرة الطفل على تهدئة نفسه والنوم بشكل مستقل مستقبلاً.

4- قيمة غذائية محدودة:الزبدة تضيف سعرات حرارية دون عناصر أساسية، وقد تحل محل أطعمة أكثر فائدة.

ما الذي يساعد الأطفال على النوم فعلاً؟تشير الأبحاث -بحسب السعد- إلى أن النوم الجيد نتاج روتين ونمط حياة، وليس نتيجة نوع طعام معين.

للرضّع (حتى 12 شهراً):- تغذية كافية خلال النهار.- روتين نوم منتظم.- بيئة هادئة ومريحة.- عدم تقديم أي طعام بهدف «تحفيز النوم».

للأطفال (1–3 سنوات):في حال الحاجة إلى وجبة خفيفة قبل النوم، يُفضّل:- كوب حليب أو لبن دافئ.- موز مع الحليب.- شوفان بالحليب.- وجبة خفيفة متوازنة تجمع بين الكربوهيدرات والبروتين.

وبين مقاطع «الترند» والنصائح السريعة، يبقى الطفل الحلقة الأضعف أمام معلومات غير موثوقة.

ويجمع المختصّون على أن الزبدة ليست طعاماً محفزاً للنوم، واستخدامها لهذا الغرض ممارسة غير قائمة على الدليل العلمي، وقد تؤدي إلى اضطرابات هضمية وعادات غذائية خاطئة.

نوم الأطفال لا تصنعه وصفة شعبية، بل روتين ثابت، وبيئة آمنة، وتغذية متوازنة.

ويبقى نشر الوعي الغذائي الصحيح مسؤولية مشتركة، تبدأ من الأسرة، وتمتد إلى المجتمع والمؤسسات الصحية، حمايةً لصحة أطفالنا اليوم.. ومستقبلهم غداً.