وليد صبري

العلاقات البحرينية التركية.. أكثر من 5 عقود من الشراكة المتينة

أنقرة ترحّب بدعوة البحرين لمؤتمر السلام وبجهودها في استضافة منصات للحوار

مركز الملك حمد العالمي للتعايش والتسامح يتناغم مع تقاليد تركيا باحتضان الثقافات

زيادة عدد الرحلات المباشرة بين البحرين وتركيا والترويج لحزم سياحية مشتركة

المنتجات المرتبطة بالألمنيوم من «ألبا» على رأس صادرات البحرين لتركيا

39 طالباً بحرينياً استفادوا من «المنح التركية» بمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا

95 شركة تركية تعمل في البحرين.. والبناء والهندسة والزراعة تتصدّر التعاون المرتقب

مجموعات أعمال بحرينية تستثمر في تركيا بمجالات السياحة والمصارف والعقارات

أكدت سفيرة الجمهورية التركية لدى مملكة البحرين د. عائشة هلال صايان كويتاك، أن آفاق التعاون العسكري بين البلدين مرشحة للتوسّع خلال المرحلة المقبلة، متوقعة أن تشمل مناورات عسكرية مشتركة، وشراكات متقدمة في الصناعات الدفاعية، مع استعداد بلادها لنقل التكنولوجيا العسكرية والمضي قُدماً في التعاون الدفاعي، مشيرة إلى أن تركيا تنتج حالياً نحو 80% من احتياجاتها الدفاعية محلياً، وتربطها بالبحرين قنوات حوار عسكري وتعاون دفاعي منتظم.

وأضافت السفيرة التركية، في حوار مع "الوطن"، أن الشراكة الاقتصادية تمثّل ركيزة أساسية في العلاقات الثنائية، لافتةً إلى وجود 95 شركة تركية تعمل في البحرين، واستثمارات تركية مباشرة تبلغ نحو 273 مليون دولار، يتركز 70% منها في القطاع المالي، في وقت تشمل فيه الصادرات التركية إلى البحرين الآلات ومواد البناء والمنتجات الغذائية، بينما تتصدّر المنتجات المرتبطة بالألمنيوم من شركة «ألبا» صادرات البحرين إلى تركيا، إلى جانب استثمارات لمجموعات أعمال بحرينية في السوق التركية بقطاعات السياحة والمصارف والعقارات.

وأشارت إلى أن السياحة العلاجية تمثل مجالاً واعداً للتعاون، إذ تُعد تركيا أكبر وجهة علاجية للمرضى البحرينيين، وقد استقبلت أكثر من 1.5 مليون مريض دولي في 2024، محققة إيرادات تجاوزت 3 مليارات دولار، بالتوازي مع العمل على زيادة عدد الرحلات المباشرة والترويج لحزم سياحية مشتركة، وتوسيع الشراكات في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والتقنيات المالية والحكومة الإلكترونية.

وأوضحت أن التعاون التعليمي والأكاديمي يشهد تطوراً متنامياً، حيث استفاد 39 طالباً بحرينياً من برنامج «المنح التركية»، والتحق مئات الطلبة بدورات اللغة التركية في جامعة البحرين بالتعاون مع مركز يونس إمره، مع دراسة فرص شراكات تمهّد لعمل مؤسسات تعليمية تركية في البحرين، وإيلاء أهمية خاصة لإنشاء مركز يونس إمره الثقافي "مستقلاً" خلال الفترة المقبلة، إضافة إلى انفتاح الجامعات التركية على شراكات في البحث والابتكار بمجالات الطاقة والفضاء والأمن الغذائي والذكاء الاصطناعي والتمويل الرقمي. ولفتت سفيرة أنقرة إلى أن عدد أفراد الجالية التركية في البحرين يبلغ نحو ألفي شخص ينشطون في قطاعات المصارف والهندسة والصحة والفنادق والتجميل، مشيدةً بالتعاون الصحي المشترك الذي تُوّج بإنشاء مركز الأورام في مستشفى الملك حمد.

وأكدت أن العلاقات البحرينية-التركية تمتد لأكثر من 5 عقود من الشراكة المتينة، وأن أنقرة دعمت ترشيح البحرين لعضوية مجلس الأمن للفترة 2026-2027، وترحّب بدعوتها لمؤتمر السلام وجهودها في تعزيز منصات الحوار، مشددة على أن مبادرات مثل مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي تتناغم مع تقاليد تركيا في احتضان الثقافات، مع وجود إمكانات كبيرة لمشاريع ثقافية وبرامج تبادل شبابي، مشيرةً إلى أن جولة المشاورات السياسية الثالثة في أنقرة وفّرت منصة لتقييم أجندة العلاقات، وأن مشاركة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قمة شرم الشيخ عقب وقف إطلاق النار في غزة عكست التزام البلدين بتطلعات الشعب الفلسطيني. وشددت السفيرة التركية على أهمية إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا، ما سيخفض التكاليف ويوضح قواعد المنشأ لسلاسل القيمة الإقليمية، مع بقاء السياحة والثقافة والصحة والتعليم ركائز رئيسية للتعاون الثنائي. وإلى نص الحوار

بصفتكم ممثل جمهورية تركيا في مملكة البحرين، ما أكثر ما لفت انتباهكم منذ وصولكم؟

- منذ وصولي، تأثرت بصدق بالدفء والانفتاح وحسن الضيافة التي يتمتع بها الشعب البحريني. وتُجسّد قيادة البلاد نموذجاً لافتاً في الرؤية والشمولية. وفي وقتٍ وصل فيه العالم إلى مرحلة شهد فيها الاستقطاب ارتفاعاً حاداً، تظل البحرين مثالاً يُحتذى به في التسامح والوئام.

ما الذي يميز البحرين عن مهماتك الدبلوماسية الأخرى من حيث المجتمع والبيئة السياسية؟

- تتمتع البحرين بانسجام اجتماعي مميز يقوم على هوية وطنية راسخة ونهج دولي منفتح على نطاق واسع. ويظهر التزام القيادة بالحوار والشمول بوضوح في جميع مستويات المجتمع. وعلى الصعيد السياسي، فإن النهج المتوازن الذي تتبعه البحرين في الإصلاح والتنمية يجعلها نموذجاً للتقدم في المنطقة. والطريقة الفريدة التي تمزج بها بين التقاليد والحداثة تجعلها محطة دبلوماسية مميزة للغاية.

كيف تقيّمون مستوى العلاقات البحرينية–التركية في ضوء التطورات الإقليمية والدولية؟

- تظل علاقاتنا متينة تطلعية، قائمة على أكثر من خمسة عقود من الصداقة والثقة المتبادلة. وفي ظل الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، تشترك تركيا والبحرين في التزام راسخ بالسلام والازدهار في منطقتنا وخارجها. ونرى تعاوننا يتوسع ليس فقط على الصعيد الثنائي، بل أيضاً عبر الأطر الإقليمية ومتعددة الأطراف، مثل الاجتماعات التي تُعقد على هامش منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة. وقد سعدنا بدعم ترشيح البحرين لعضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة للفترة 2026–2027.

في هذا العام، عُقدت الجولة الثالثة من المشاورات السياسية في أنقرة، ما وفر منصة مهمة لتقييم شامل لأجندة علاقاتنا الثنائية. كما أضفت الزيارات رفيعة المستوى زخماً إضافياً. فقد قام أحمد المسلم، رئيس مجلس النواب في مملكة البحرين، بزيارتين رسميتين إلى تركيا، مما أبرز عمق التعاون البرلماني بين بلدينا. بالإضافة إلى ذلك، زار د. عبد اللطيف الزياني، وزير خارجية مملكة البحرين، تركيا في إطار منتدى أنطاليا الدبلوماسي هذا العام.

لقد أسعدنا وزادنا فخراً الاهتمام الكبير الذي أبدته السلطات البحرينية والمجتمع البحريني بحفل الاستقبال الذي أقمناه بمناسبة يومنا الوطني في التاسع والعشرين من أكتوبر، وهو ما يعكس بحد ذاته متانة العلاقات وقرب الروابط ودفء المشاعر بين شعبينا. ومع بقاء السياحة والثقافة من المجالات الرئيسية للتعاون، فإننا نتمتع بعلاقات متميزة في مجالات الصحة والتعليم وقطاع الخدمات.

وقد شارك فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في قمة شرم الشيخ التي عُقدت مباشرة عقب التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، وهو ما يعكس الأهمية التي يوليها الزعيمان لتطلعات الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أفضل. وأنا على يقين من أن هذا الملف سيكون في صدارة أولويات البحرين خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي. وفي هذا الإطار، ستواصل تركيا كونها شريكًا موثوقًا للبحرين في مختلف أوجه التعاون.

تُعرف مملكة البحرين بنموذجها في التعايش والتسامح، فيما تحتضن تركيا إرثاً ثقافياً متنوعاً. كيف ترون تلاقي هاتين التجربتين؟

- تشترك تركيا والبحرين في فهم ثقافي عميق لمفهوم التعايش، متجذر في التاريخ والإيمان. ويحتفي كلا المجتمعين بالتنوع بوصفه مصدر قوة لا سببًا للاختلاف. وتتَكامل تجاربنا لتقدّم نموذجاً مُلهماً للمنطقة بأسرها. وأعتقد أن هذه القيم المشتركة توفّر أساساً أخلاقياً راسخاً للتعاون في مجالي الثقافة والحوار.

هل ترون فرصاً للتعاون المشترك في تعزيز رسالة التسامح على الصعيدين الإقليمي والدولي؟

- بالتأكيد. إن المبادرات الرائدة التي أطلقتها مملكة البحرين، مثل مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي، تتناغم بعمق مع تقاليد تركيا العريقة في احتضان الثقافات المختلفة. وهناك إمكانات كبيرة لتنفيذ مشاريع ثقافية مشتركة وبرامج لتبادل الشباب تسهم في تعزيز رسالة التسامح.

ما هي رؤيتكم لمؤتمر البحرين الدولي للسلام، وما هو موقف تركيا من هذه المبادرة؟

- ترحب تركيا بجهود مملكة البحرين في استضافة وتعزيز المنصات التي تشجع على الحوار والسلام. وتكتسب مثل هذه المبادرات أهمية بالغة في وقتٍ ينبغي أن تسود فيه الدبلوماسية على المواجهة. ونحن نؤمن بقيمة الحلول الجماعية للتحديات الإقليمية، ونثمّن مبادرة البحرين التي تعزز هذا النهج. وتبقى تركيا على استعداد للتعاون في جميع المحافل التي تدعم السلام والتفاهم.

كيف يمكن للبحرين وتركيا العمل معاً في مبادرات مشتركة لدعم الأمن والاستقرار الإقليميين؟

- ينخرط البلدان بالفعل في حوار منتظم من خلال اجتماعات الحوار العسكري والمشاورات السياسية. ونتقاسم العزم نفسه على صون السلام والاستقرار في منطقتنا. وقد يشمل التعاون المستقبلي موضوعات ذات صلة بالدفاع، مثل برامج التدريب المشتركة، والمناورات العسكرية، والشراكات في مجال الصناعات الدفاعية. ويوفر مستوى الثقة المتبادلة بين مؤسساتنا أرضية صلبة لإطلاق مثل هذه المبادرات.

كيف تصفون المستوى الحالي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين؟ وما هي القطاعات الأكثر وعدًا للتعاون المستقبلي؟

- تقوم الشراكة الاقتصادية بين تركيا والبحرين على الثقة والاحترام المتبادل ورؤية مشتركة لتحقيق نمو مستدام. وتُعد قطاعات مواد البناء والمنتجات الهندسية، والمنتجات الزراعية والغذائية والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والرعاية الصحية والشراكات في مجال السياحة العلاجية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات المالية والحكومة الإلكترونية، إضافة إلى الصناعات الدفاعية والتصنيع المتقدم من خلال عقود المناولة الفرعية، من أبرز القطاعات المناسبة للتعاون في المستقبل.

ما هو حجم التبادل التجاري الحالي بين البحرين وتركيا، وما هي أهم الواردات والصادرات لدى الجانبين؟

- على الرغم من أن حجم التبادل التجاري الحالي لا يزال متواضعًا مقارنة بإمكاناته الحقيقية، فإن المسار العام إيجابي، ويُبدي الطرفان عزماً واضحاً على تعميق التعاون. وما يجعل هذه العلاقة واعدة هو التكامل الواضح بين الموقع الاستراتيجي للبحرين وانفتاحها المالي من جهة، والقاعدة الصناعية المتنوعة لتركيا وقدرتها التنافسية في الإنتاج من جهة أخرى. وتميل تركيبة التبادل التجاري إلى صادرات تركية تشمل الآلات ومواد البناء والمنتجات الغذائية إلى البحرين، في مقابل منتجات مرتبطة بالألمنيوم صادرة من القاعدة الصناعية في البحرين، ولا سيما شركة ألمنيوم البحرين (ألبا).

كم عدد الشركات التركية العاملة في البحرين؟

- وفقًا لأحدث البيانات المتاحة، يوجد نحو 95 شركة نشطة مملوكة لتركيا أو بشراكة تركية تعمل في مملكة البحرين.

وتنشط هذه الشركات في طيف واسع من القطاعات، بما يعكس تنوع ريادة الأعمال التركية والتكامل بين الاقتصادين.

وتشمل مجالات عملها محال الحلاقة، والمطاعم والمقاهي، وتجارة التجزئة، وفروع البنوك التركية، والخدمات اللوجستية وعمليات إعادة التصدير، والاستشارات التجارية، وتكنولوجيا المعلومات وتطوير البرمجيات، ووساطة السلع، والإنشاءات والتصميم الداخلي، وصيانة وإصلاح الآلات، والاستشارات التعليمية والتدريبية، إضافة إلى مجالات أخرى مثل إنتاج الأغذية، والعقارات، والاستشارات السياحية، وخدمات المرضى الدوليين.

ويبلغ الحجم التراكمي للاستثمارات المباشرة التركية في البحرين نحو 273 مليون دولار، يتركز ما يقارب 70% منها في القطاع المالي.

هل توجد استثمارات بحرينية مهمة في تركيا؟ وكيف يمكن لتركيا استقطاب المزيد من المستثمرين البحرينيين، لا سيما في مجالات الصناعة والسياحة والعقارات؟

- على الرغم من أن حجم الاستثمارات البحرينية في تركيا لا يزال محدوداً نسبياً، فإن هناك اهتماماً متزايداً من جانب المستثمرين البحرينيين، ولا سيما في قطاعات العقارات والسياحة والقطاع المالي. وقد قامت بالفعل عدة مجموعات أعمال بحرينية بالاستثمار في منشآت سياحية تركية، والقطاع المصرفي، ومشروعات العقارات التجارية، كما يجري استكشاف فرص جديدة في إطار التعاون بين تركيا - مجلس التعاون الخليجي.

ما هي الخطط الموضوعة لتعزيز التعاون السياحي، وهل توجد مبادرات لتطوير قطاعات مثل السياحة العلاجية والتعليمية بين البلدين؟

- تُعد السياحة أحد أكثر ركائز التعاون الواعدة بين تركيا والبحرين. إذ يشترك البلدان في روابط ثقافية عميقة، وقرب جغرافي، وربط جوي متميز، تشكّل مجتمعةً أساساً قوياً لنمو السياحة.

وفي الوقت الراهن، نعمل على تعزيز التعاون السياحي الثنائي من خلال تنسيق أوثق بين هيئات السياحة، وشركات الطيران، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. وتهدف مذكرة التفاهم الموقعة في عام 2025 بين الخطوط الجوية التركية وطيران الخليج إلى زيادة عدد الرحلات المباشرة والترويج لحزم سياحية مشتركة، الأمر الذي من شأنه تعزيز التواصل بين الشعوب وزيادة حركة الزوار في الاتجاهين.

وإلى جانب السياحة الترفيهية، تبرز السياحة العلاجية والتعليمية كمجالات جديدة واستراتيجية للتعاون. فقد أصبحت تركيا مركزًا إقليميًا بارزًا للسياحة الصحية، حيث استقبلت أكثر من 1.5 مليون مريض دولي في عام 2024، وحققت إيرادات تجاوزت 3 مليارات دولار. ولا تقتصر خيارات المرضى الأجانب القادمين إلى تركيا للعلاج على جراحات التجميل وزراعة الشعر أو علاجات الأسنان فحسب، بل باتت تركيا وجهة رائدة أيضًا في تخصصات أكثر تقدماً مثل زراعة الأعضاء، وجراحة العظام، وعلاج الأورام، وغيرها الكثير.

وتُعد تركيا الدولة التي ترسل إليها البحرين أكبر عدد من المرضى لتلقي العلاج. وقد جعلت المستشفيات التركية ذات المستوى العالمي، والأسعار التنافسية، والأطباء ذوي الكفاءة العالية، من تركيا الوجهة الأولى للمرضى البحرينيين. كما تُعد البحرين من بين الدول المستهدفة ضمن نطاق برنامج الدعم العام الذي تطبقه وزارة التجارة في جمهورية تركيا لقطاع السياحة الصحية. ونحن نبذل قصارى جهدنا لضمان أن يشعر كل مريض بحريني يزور تركيا وكأنه في وطنه، وأن يلمس كل مهني تركي يعمل مع شركاء بحرينيين دفء روح الأخوّة.

وفي مجال السياحة التعليمية، يُبدي عدد متزايد من الطلبة البحرينيين اهتماماً بالدراسة في تركيا. وقد أصبحت الجامعات التركية وجهات جاذبة للطلبة الدوليين بفضل جودتها الأكاديمية وتنوع برامجها. واليوم، تقدم تقريبًا جميع الجامعات الخاصة والعديد من الجامعات الحكومية في تركيا برامج دراسية تُدرّس باللغة الإنجليزية.

كيف تصفون طبيعة التعاون الدفاعي والعسكري بين مملكة البحرين وتركيا؟

- إن التعاون الدفاعي بين تركيا والبحرين راسخ وقائم على الاحترام المتبادل. وفي ضوء التطورات الإقليمية، بات التعاون في مجال الصناعات الدفاعية أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولدينا تعاون وثيق للغاية في المجال الدفاعي مع دول الخليج، التي تثق بالخبرات والمعرفة التقنية التركية. ومع وصول تركيا إلى مرحلة تنتج فيها ما يقارب 80 في المائة من احتياجاتها في مجال الصناعات الدفاعية محلياً، يفضّل أشقاؤنا في دول الخليج استخدام المعدات الدفاعية التركية. وكما ذكرتُ سابقًا، فإن لدينا تعاوناً جيداً ومستمراً مع البحرين في هذا المجال، إلا أن هناك مجالًا واسعًا لتعزيزه بشكل أكبر.

وإضافة إلى ذلك، لدينا آليتان ناجحتان قائمتان، هما اجتماعات الحوار العسكري التركي–البحريني، واجتماعات التعاون في مجال الصناعات الدفاعية. ونحن عازمون على تعميق تعاوننا في المجال الدفاعي بشكل أكبر، والمساهمة بشكل مشترك في تعزيز الأمن الإقليمي.

هل توجد خطط أو مبادرات مشتركة لتعزيز هذا التعاون؟

- نحن على استعداد لاستكشاف مجالات جديدة للتعاون، مثل التدريب، ونقل التكنولوجيا، والشراكات في الصناعات الدفاعية. وقد عكست الاجتماعات الأخيرة للتعاون في مجال الصناعات الدفاعية وجلسات الحوار العسكري العزم المشترك على تعميق العلاقات. ونؤمن بأن هذا التعاون سيواصل نموه من حيث النطاق والعمق على حد سواء.

ما هو نطاق التعاون الأكاديمي والتعليمي بين البلدين؟

- لطالما شكّل التعليم حجر الزاوية في العلاقات بين تركيا والبحرين. وعلى مرّ السنوات، تعمّق تعاوننا في هذا المجال بشكل مطّرد، انطلاقاً من إيمان مشترك بأن رأس المال البشري هو الاستثمار الأكثر قيمة للمستقبل.

وتنظر تركيا إلى التعليم الدولي بوصفه استثمارًا في التفاهم المتبادل والصداقة والتعاون طويل الأمد. ومن هذا المنطلق، تقدم تركيا برنامج «المنح التركية»، الذي يُعد أحد أكثر برامج المنح الدراسية شمولًا في العالم، حيث يغطي مرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا والدراسات العليا المتقدمة. كما يحصل المستفيدون على مخصصات شهرية وسكن. وحتى الآن، استفاد 39 طالباً بحرينياً من هذه المنح. ونتطلع إلى الترحيب بالمزيد من الإخوة والأخوات البحرينيين لمتابعة تعليمهم العالي في تركيا، وطنهم الثاني.

وعلاوة على ذلك، ومنذ عام 2017، تُقدَّم دورات اللغة التركية في جامعة البحرين في إطار التعاون مع مركز يونس إمره الثقافي. وقد استفاد مئات الطلبة البحرينيين من هذه البرامج، التي لا تقتصر على تعليم اللغة التركية فحسب، بل تُشكّل أيضاً جسراً للتفاهم المتبادل بين شعبينا. وقد أُبلغنا من قبل المدرّس التركي في جامعة البحرين بأن دورات اللغة التركية تُعد من بين أكثر المقررات إقبالًا في الجامعة، وأن هناك قائمة انتظار طويلة للتسجيل فيها.

هل توجد خطط لإنشاء مدارس أو مؤسسات تعليمية تركية في البحرين؟

- في الوقت الراهن، لا توجد مدارس تركية في البحرين، غير أن هذا المجال يحمل آفاقًا واعدة للتعاون المستقبلي. ومع استمرار توسّع الروابط التعليمية بين بلدينا، نقوم بدراسة فرص إقامة شراكات مؤسسية جديدة قد تمهّد الطريق أمام عمل مؤسسات تعليمية تركية في البحرين.

ومع ذلك، نولي أهمية خاصة لإنشاء مركز يونس إمره الثقافي مستقل في البحرين خلال الفترة المقبلة. فإقامة مثل هذا المركز ستتيح لنا، أولاً، تلبية الطلب المتزايد على تعلم اللغة التركية، إذ إن اهتمام الشعب البحريني بتعلم التركية يشهد تزايداً مستمراً. وسيمكننا المركز المستقل من استيعاب هذا الطلب بشكل أكثر شمولية وتنظيماً. كما سيوفّر فرصاً للتعريف بالثقافة التركية من خلال فعاليات ثقافية متنوعة، مثل عروض الأفلام وورش العمل الخاصة بالفنون التركية.

ما هي فرص التعاون المتاحة في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة بين البلدين؟

- تُعد العلوم والابتكار والتكنولوجيا في صميم رؤى المستقبل لدى كلا البلدين. إذ تركز رؤية البحرين الاقتصادية 2030 على التنوع والاستدامة والتنمية القائمة على المعرفة، في حين تواصل تركيا تحقيق تقدم سريع في مجالات التحول الرقمي، والطاقة المتجددة، والتصنيع الذكي.

ويُنشئ ذلك بطبيعته مجالاً واسعاً للتكامل. فالجامعات والمؤسسات البحثية التركية منفتحة على إقامة شراكات مع نظيراتها البحرينية في مجالات البحث المشترك، وحاضنات الابتكار، والتبادل الأكاديمي. وتتمتع مجالات مثل الطاقة المتجددة، وعلوم الفضاء، والأمن الغذائي، والذكاء الاصطناعي، والتمويل الرقمي بإمكانات كبيرة للتعاون.

كما يُكمل النظام البيئي النشط للشركات الناشئة في تركيا، ولا سيما في مجالي التقنيات المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، البيئة الاستثمارية الجاذبة والانفتاح التنظيمي الذي تتمتع به البحرين. ومن خلال ربط الباحثين ورواد الأعمال والطلبة، يمكننا بناء جسر من الابتكار يعود بالنفع على كلا البلدين.

ما هو حجم الجالية التركية في البحرين، وفي أي القطاعات تتركز بشكل رئيسي؟

- يبلغ عدد أفراد الجالية التركية في مملكة البحرين نحو ألفي شخص، وهم يشكّلون جزءًا حيويًا ومحترمًا من النسيج الاجتماعي المتنوع في المملكة. وقد عاش المواطنون الأتراك، وعملوا في البحرين منذ سنوات طويلة، ونما حضورهم بشكل مطّرد بالتوازي مع ازدهار العلاقات الثنائية بين بلدينا.

وينشط أفراد الجالية في طيف واسع من القطاعات المهنية، بدءًا من القطاع المصرفي والهندسة والأوساط الأكاديمية والرعاية الصحية، وصولًا إلى فنون الطهي وريادة الأعمال. ويدير العديد من المواطنين الأتراك مطاعم وفنادق وصالونات تجميل، في حين يساهم آخرون في المؤسسات المالية والجامعات ومشروعات البناء في المملكة. وقد أكسبتهم كفاءتهم المهنية، وتفانيهم سمعة راسخة بوصفهم أفراداً موثوقين ومجتهدين.

وبفضل الجهود المشتركة بين تركيا والبحرين، تم إنشاء مركز الأورام في جامعة الملك حمد، المتخصص في أمراض الدم والأورام وزراعة الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم. ويُدار المركز حاليًا بنجاح على أيدي أطباء أتراك، حظي تفانيهم بتقدير واسع من قبل السلطات البحرينية والرأي العام على حد سواء. ونحن نفخر أشد الفخر بنجاحات مواطنينا.

كيف تقيّمون اندماجهم في المجتمع البحريني؟

- لقد اندمجت الجالية التركية في البحرين اندماجًا لافتًا في المجتمع البحريني. وهم معروفون ليس فقط بمستواهم المهني، بل أيضاً بأسلوب حياتهم المتناغم مع المجتمع المحلي.

كيف يمكن للجالية التركية أن تشكّل جسراً لتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية بين الشعبين؟

- يُعد مواطنونا في البحرين، من نواحٍ عديدة، سفراء شرفيين لتركيا. فمن خلال تفاعلاتهم اليومية في مجالات الأعمال والتعليم والرعاية الصحية والثقافة، يعززون البعد الإنساني لعلاقاتنا الثنائية. ويسهم كل مواطن تركي هنا ليس فقط في تنمية البحرين، بل أيضاً في إبراز القيم التركية وأخلاقيات العمل وحسن الضيافة، وتعزيز تقديرها لدى المجتمع البحريني.

كيف تنظرون إلى المستوى الحالي للتعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتركيا؟

- يرتكز تعاوننا مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية على رؤية مشتركة للاستقرار والازدهار في مواجهة التحديات المشتركة. وتشهد العلاقات الاقتصادية توسعًا متسارعًا ولافتًا، حيث لم تعد شراكتنا مقتصرة على القطاعات التقليدية، بل امتدت لتشمل مجالات الطاقة المتجددة، والصناعات الدفاعية، والخدمات اللوجستية، والأمن الغذائي، والتحول الرقمي.

وقد أطلقت تركيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربية محادثات اتفاقية التجارة الحرة، ولا يزال هذا الملف نشطًا حتى منتصف عام 2024، ومن شأن إبرام الاتفاقية، عند اكتمالها، أن يسهم بشكل ملموس في خفض التكاليف وتوضيح قواعد المنشأ لسلاسل القيمة الإقليمية.

ونلاحظ أن الأزمات الأخيرة في المنطقة قد أُديرت بحكمة واتزان في ظل قيادات رشيدة وذات خبرة. ومن جانبنا في تركيا، نؤكد مجددًا وقوفنا إلى جانب دول الخليج الشقيقة في جميع الأوقات. وسنعمل معًا من أجل استقرار منطقتنا، ونرفض أي عقلية تتنكر للقانون الدولي وللنظام الدولي القائم على القواعد.

وبالأهمية نفسها، يُدرك الجانبان أن الروابط الثقافية والتواصل بين الشعوب يشكّلان الأساس لفهمٍ مستدام ودائم. ومن هذا المنطلق، نتطلع إلى تعزيز شراكة طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد.

ونؤمن بأن علاقاتنا ستواصل ازدهارها خلال فترة رئاسة مملكة البحرين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تسلّمتها مؤخراً من دولة الكويت خلال القمة السادسة والأربعين للمجلس، التي عُقدت بنجاح في مملكة البحرين.

ما هي رؤيتكم لمستقبل العلاقات البحرينية–التركية في السنوات المقبلة؟

- لقد صمدت العلاقات بين تركيا والبحرين أمام اختبار الزمن، وتواصل ازدهارها على أسس من الثقة المتبادلة والاحترام ورؤية مشتركة للتقدم. ونحن، إذ نتطلع إلى المستقبل، نهدف إلى تعميق هذه الشراكة في جميع المجالات، من السياسة والتجارة إلى التعليم والثقافة والصحة والابتكار.

ونعتقد أن المرحلة المقبلة من علاقاتنا ستتسم بحوار مؤسسي أقوى، وتواصل أوسع بين الشعوب، وتعاون معزّز في القطاعات الحديثة، مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا، وعلوم الصحة.

وستواصل العلاقات الوثيقة بين قيادتينا، فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، توجيه هذه الشراكة وإلهامها. وبدعم منهما، وبإرادة شعبينا، ستظل الصداقة بين تركيا والبحرين مصدراً للاستقرار والازدهار والإثراء المتبادل في منطقتنا.

ما هي المجالات الرئيسية التي ينبغي إعطاؤها الأولوية لتعزيز التعاون بين البلدين؟

- من أجل إطلاق كامل إمكانات شراكتنا، ينبغي أن نواصل التركيز على مجالات التعاون التقليدية والناشئة على حد سواء. وعلى الصعيد الاقتصادي، يظل زيادة حجم التبادل التجاري وتدفقات الاستثمار أولوية قصوى.

وفي الوقت ذاته، نولي أهمية كبيرة للتعاون في مجالات الدفاع، والتعليم، والصحة، والثقافة، والابتكار. فهذه المجالات أساسية ليس فقط لتحقيق التنمية الاقتصادية، بل أيضاً لتعزيز التفاهم المتبادل وترسيخ الصداقة على المدى الطويل.

ما هي الرسالة التي تودون توجيهها إلى الشعب البحريني عبر صحيفة «الوطن»؟

- إلى الشعب البحريني العزيز، إخوتنا وأخواتنا، أود أن أعبّر عن خالص تقديري لمشاعر الدفء والصداقة وحسن الضيافة التي أحطتمونا بها. لقد كانت تجربة العيش والعمل بينكم تجربة ثرية بحق.

وإذ نتطلع إلى المستقبل، فإنني واثق بأن الروابط بين بلدينا ستزداد قوة عاماً بعد عام. فنحن متحدون بقيم مشتركة، وتاريخ واحد، وإحساس عميق بالاحترام المتبادل. وستبقى تركيا دائماً شريكاً موثوقاً وبيتاً ثانياً لأبناء البحرين في مجالات التعليم والأعمال والثقافة وغيرها.

فلنواصل معاً اكتشاف المزيد بعضنا عن بعض، والتعلّم، والتعاون، والاحتفاء بصداقتنا الراسخة.

وأخيراً، وبهذه المناسبة، أود أن أتقدم بأصدق التهاني إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وإلى جميع مواطني ومقيمي مملكة البحرين، بمناسبة احتفال مملكة البحرين بأعيادها الوطنية، وعيد الجلوس السادس والعشرين لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وما يصاحبها من مناسبات وطنية.