لم يكن الطريق معبدا بالورود عندما بدأ حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه تنفيذ مشروعه الإصلاحي الشامل، وحرص جلالته على أن يبدأ مسيرته المباركة بحيث يكون البحرينيون جميعهم شركاءً في عملية التنمية والإصلاح، وأن يكتبوا بأيديهم ميثاقهم لتظل الذكرى راسخة في الوعي الجمعي لأبناء هذا الوطن الكريم ووجدانهم الشعبي.

في مثل هذا اليوم قبل 16 عاما، خط البحرينيون عن بكرة أبيهم بقيادة مليكهم ميثاقا وطنيًا اعتبر وثيقة متكاملة للإصلاح الشامل، ومنهاجًا قويما شهد له الجميع باعتباره تجربة إصلاحية ذاتية ووطنية لم تُكتب إلا بأيد بحرينية خالصة، ودون أي ضغوط من الخارج.

وكان كل حرف من حروف الميثاق، الذي جاءت نسبة المؤيدين له لتتعدى كل التوقعات بنسبة بلغت 98.4%، لتعبر عن هذه الأرض الطيبة وشعبها المقدام وطريقه الذي أراد السير فيه، وذلك تحت عنوان رئيسي كبير قوامه: التدرج والخصوصية والمراحل المتعاقبة، التي تراعي متطلبات الأوضاع وظروفها بأسلوب علمي ومنهجي بعيدا عن القفزات غير المدروسة ومحاولات حرق المراحل التي تؤدي إلى المجهول في العادة.

مواصلة عملية الإصلاح..

كان الميثاق الوطني، ونحن اليوم نحتفل بذكراه الخالدة، إنجازا محوريا أطلقه جلالة الملك حفظه الله ورعاه ، ووضع مبادئه أبناء البحرين المخلصون، ونال إجماعهم بشكل لم يحدث في التاريخ ليصبح وثيقة وطنية شاملة بكل معنى الكلمة. وكانت رؤية جلالته تقوم على ضرورة الانطلاق بعملية إصلاح شاملة لجميع جوانب الدولة بحيث يمكن الارتقاء بالبلاد لتكون البحرين مملكة دستورية عصرية، هذا بالرغم من أن طريق الإصلاح يعد الطريق الأصعب والأكثر مشقة، وتجارب العديد من الدول تثبت ذلك، لكن جلالته وشعب البحرين الوفي كان لديهما من الإرادة ما هو أقوى من جميع هذه التحديات والعقبات.

لذلك، فإن شعب هذا الوطن الكريم يستحق أن يحتفل ويفتخر بهذا الإنجاز الكبير الذي أسهم في تحقيق العديد من المكتسبات، والتي يأتي في مقدمتها: هذا الإصرار الذي لا يلين على مواصلة المشروع الإصلاحي وتطبيق مبادئه وتحقيق أهدافه، خاصة أن الجميع أراده، وأصر عليه، وسعى من أجل وضع مواده وروحه موضع التطبيق الفعلي لجعل مملكة البحرين نموذجا رائدا للتطور والإصلاح وأرضا للتسامح والتعايش.

وها هي المملكة عامًا بعد عام تتقدم في سيرها نحو تنفيذ خطوات مشروعها النهضوي الشامل انطلاقا من القواعد الراسخة لهذا المشروع، ونجاحاته المحققة على مدار الأعوام الماضية، وإيمان الشعب البحريني كله به باعتباره مشروعا للقيادة الحكيمة والشعب معًا، خاصة مع الرغبة والحرص في استمرارية وديمومة الإنجازات والمكتسبات الوطنية التي تحققت عبر الميثاق، وينبغي التمسك بها والحفاظ عليها، لأنها خيار شعب البحرين الأصيل الذي يتمسك بوطنيته ، ويسعى إلى رفعة وطنه، ويريد أن يستكمل مسيرة الآباء والأجداد وقيمهم الأصيلة التي كانت ومازالت عماد الوحدة الوطنية وأمن وسلامة المجتمع.

دعم وحدة الصف الوطني..

إضافة إلى التمسك بمواصلة المشروع الإصلاحي وصيرورة إنجازاته بالرغم من التحديات، واستلهام العبر والدروس المستفادة منه، يجيء منجز آخر يعد من بين أهم المكتسبات المحققة في ذكرى مرور 16 عاما على إقرار الميثاق، وهو: دعم مظاهر وحدة الصف الوطني وتكامل مكوناته وأركانه والالتفاف حول راية المملكة، وهي راية الوطن وقيادته الحكيمة.

وتتبدى مظاهر الوحدة الوطنية تلك في كل ملامح الحياة البحرينية منذ العقد ونيف الماضيين، لكن أبرزها يتجلى في يقظة الشعب وانتباهه للظروف الدقيقة التي تحيط بالوطن، وتريد النيل من أمنه واستقراره، ومجابهة البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، بنجاح لافت للتحديات المختلفة سواء الأمنية منها أو الاقتصادية التي ما زالت تلقي بظلالها على كثير من دول المنطقة، بداية من استشراء موجة العنف والتطرف والإرهاب، ومحاولات قوى الشر التدخل في شؤون البلاد الداخلية بهدف تحقيق أطماعها وتطلعاتها واستلاب خيراتها، وانتهاء بموجة انخفاض أسعار النفط والكساد التي يعاني منها العالم حاليًا وأثارها المتعددة الخانقة.

يبدو الشعب البحريني الآن وهو يقف بمجابهة هذه الظروف والتحديات وكأنه يعلن للكافة أن جهودًا جبارة بُذلت من جانب قيادة الدولة الرشيدة وأجهزتها الحكومية الموقرة حتى تضمن الأمن والاستقرار وتثبت أركانه في ربوع البلاد، الأمر الذي قوبل من جانب كل البحرينيين برسالة مفادها إن المملكة كانت وستظل أرضا للتسامح والتلاقي والتعايش، وأنها عازمة على مواصلة مشروعها مع التفاف الشعب حول قيادته وجيشه ورجال أمنه، وأن جل أبناء الوطن خلف قيادتهم الحكيمة يقفون بكل عزم وحسم وقوة كحائط صد لحماية وطنهم وأمتهم، وأن الشعب قادر على حماية مكتسباته.

ضمان مصالح الشعب..

من بين المكتسبات الأخرى الواجب الاحتفاء بها دائما وأبدا مع كل عام يمر على إقرار الميثاق، تلك المساعي الحكومية الدؤوبة لخدمة مصالح الشعب، وضمان تحقيق تطلعاته في كل القطاعات والمجالات، وذلك ليرتاد مشروع الإصلاح الشامل آفاقا أرحب من الديمقراطية والبناء والتنمية من أجل عزة ورفعة الوطن ورخاء وازدهار المواطن، ومن أجل خلق فرص عمل جديدة وفتح المجال أمام الاستثمار العالمي وتعبيد الطرق للمستثمرين.

وقد أثمر العمل الحكومي المتواصل والمتزن من خطط وبرامج وسياسات طوال السنوات الـ16 السابقة ليس فقط عن حصد المراكز الأولى دوليا والجوائز الأممية المرموقة، سيما على صعيد مؤشرات التنمية المختلفة والبنى التحتية، وإنما أيضا عن النجاح في الوصول إلى ما يصبو إليه شعب البحرين من تنمية شاملة، ما جعل من راية المملكة خفاقة دائما في المحافل المختلفة.

ولعل أكثر ما يثبت ذلك، وهو ما يستحق الفخر والإشادة في الحقيقة، تحقيق البحرين أهداف الألفية قبل غيرها من الدول، وجعل دخل المواطن البحريني من أعلى الدخول في العالم، فضلا عن النجاح في العديد من المؤشرات الاقتصادية، ناهيك بالطبع عن التسارع في مؤشرات التطور الديمقراطي وحقوق الإنسان والتطور الاقتصادي والتنمية البشرية وحرية الإعلام وحقوق المرأة وغيرها.

إن الشعب البحريني وهو يحتفل بذكرى ميثاق العمل الوطني ليؤكد من جديد أن هذه الوثيقة ستبقى خالدة أبد الدهر، ليس لأنها جاءت بالتوافق بين جلالة الملك المفدى وشعب البحرين العظيم في يوم سطره التاريخ بحروف من نور، ولا لأنها كانت بداية نهضة شاملة في جميع المجالات، وإنما لأن هذه الوثيقة كانت تجسيدا لحجم التضحية والبذل من أجل رفعة هذا الوطن والارتقاء به، وتعبيرا عن مدى التآلف والوحدة والتكاتف الشعبي خلف المشروع الإصلاحي الكبير، حيث تحطمت التحديات على صخرة الإرادة القوية للقيادة الحكيمة ولشعب البحرين الأبي والوفي.