مصطفى عبد العزيز:

هل تستحق الخدمة الإسكانية ؟ .. ماذا ستفعل إن علمت أن شخص آخر "غير مستحق" قد "انتفع" بالوحدة التي "تستحقها" أنت ؟ .. طبقا للحسابات البسيطة التي أثمرت عنها نتائج تطبيق برنامج خطة تحديث بيانات الطلب الإسكاني التي أطلقتها وزارة الإسكان قبل عام فإن نحو 30% ممن يمتلكون طلب إسكاني بالوزارة لا يستحقون الخدمة !! أو ربما حتى العلاوة !!!.. فهل تعتقد إننا بحاجة لإجراءات أكثر صرامة لتحديد من "الأحق" بالانتفاع ؟.

...


الأرقام والإحصاءات تكشف المزيد .. فبداية من حجم الانفاق الضخم على تلبية الخدمات الإسكانية للمواطنين والذي تجاوز 2.8 بليون دينار وتقديم أكثر من 90 ألف خدمة اسكانية للمواطنين، استفاد منها حوالي 65 % من المواطنين البحرينيين ذوي الدخل المحدود، حتى الأشهر الماضية، وذلك رغم التحديات الاقتصادية شديدة الصعوبة وانخفاض سعر النفط وتأثر الاقتصاد العالمي بأكثر من هزة أبرزها الأزمة المالية العالمية وتأثر الجنيه الاسترليني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي علاوة على التحديات الأمنية الأخرى بالمنطقة التي أثرت بدورها على الاستقرار المالي العالمي .. كل تلك المعطيات دفعت من جديد لطرح السؤال نفسه .. لماذا يستفيد وينتفع من هو "غير مستحق" من الخدمة الإسكانية ؟.

...

التزايد المطرد لطلبات الإسكان والذي بلغ ذروته خلال التسعينيات والعشر سنوات الأولى من الألفية الجديدة، ومع تزايد الطلب، أخذت الطلبات الاسكانية في التراكم على قوائم الانتظار، حتى وصل العدد الى 53 ألف طلب اسكاني، وزادت فترات انتظار الوحدات السكنية خلال العقد الأخير الى 15 و18 عاما، وهو ما استدعى الوزارة إلي اطلاق خدمة تحديث البيانات سالفة الذكر بهدف التأكد من استمرارية مطابقة بيانات المواطنين للمعايير الإسكانية، والحصول على بعض المعلومات الإضافية، وتحديث قاعدة البيانات، وتسهيل إجراءات الوزارة، وضمان دقة الأسماء الواردة في قوائم التخصيص، بالإضافة للحفاظ على استمرارية صرف علاوة السكن للفئات المستحقة لها.

...

الاجابة على تساؤل " مدى استفادة وانتفاع "غير المستحقين" من الخدمات الإسكانية" دفعت الوزارة مؤخرا إلي اتخاذ إجرءات أكثر صرامة من مجرد تحديث البيانات، فبدءا من اطلاق الآلية الجديدة للتمويل "القروض"، وتوقف التحويل بين الطلبات، مرورا بإعداد الدراسات اللازمة لتقييم الملف الاسكاني، ووضع اليد على الأسباب الرئيسية والواقعية ومكامن الخلل، والاستعانة بخبرات المسؤولين والمتخصصين بوزارة الاسكان، ووضع خطة اسكانية طموحة تمثل خارطة الطريق نحو ايجاد حلول جذرية للعقبات التي تواجه الملف الاسكاني، وأخيرا وليس آخرا ضمان استدامة ملف الاسكان مستقبلاً، مع أخذها في الاعتبار كافة التحديات الحالية والمستقبلية من كافة النواحي، وفقاً لأحدث الاحصائيات والدراسات، ومستخدمين أحدث الأساليب العلمية لوضع تلك الخطة الاستراتيجية.

...

الاحصاءات تؤكد أن محاولات ارضاء الجميع لم تعد تجدي نفعا خاصة في ظل تضخم واضح لعدد الطلبات وأزمات عالمية مالية متلاحقة، فرغم حرص الوزارة على تنويع الخدمات الاسكانية التي تقدمها، والتي لم تعد تقتصر على الوحدات السكنية فقط، وتجاوزت إلي قروض البناء والترميم والشراء، فضلاً عن القسائم السكنية، وشقق التمليك، وبفترات سداد مريحة للغاية تمتد لأكثر من 25 عاماً، واستطاعت مع كل تلك الخدمات أن تلبي الاحتياجات الاسكانية لكثير من المواطنين، إلا أن الأمر يتطلب "صرامة" أكبر لتلبية الطلبات المستقبلية، فالنظام والقانون لن يغضب أحد، كما أنه لن يقبل أي من المواطنين بأن ينتفع "هو" بالخدمة رغم "عدم استحقاقه" لها، في حين يطول انتظار آخرين أكثر استحقاقا وحاجة للخدمة منه.

...

لا .. لن تنتهي حقبة "الإسكان" في البحرين .. وستظل البحرين متمسكة برؤيتها التي نفذتها منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي في حق المواطن بالخدمة الإسكانية، وهو ما بدى واضحا للجميع في ظل دعم القيادة والحكومة للملف الإسكاني من خلال توفير اجراءات تخفف من أعباء رب الأسرة البحرينية، وتفضل جلالة الملك المفدى باصدار المكرمات الملكية السامية التي تقضي باسقاط أجزاء من القروض والمستحقات المالية عن المنتفعين بالخدمات الاسكانية والتي بلغت قيمتها الاجمالية حوالي نصف مليار دينار، إلا أن المطالبة والحرص على استمرار تقديم الخدمات الإسكانية يتطلب من المواطن التزام أكبر بدوره في المسؤولية المجتمعية تجاه وطنه وأخوانه وأشقاءه وحتى أصدقاءه وزملاءه في الاجابة على تساؤل من "الأحق" بالفعل في الانتفاع من الخدمة، وهل بالفعل نحن بحاجة لإجراءات أكثر صرامة للاجابة على ذلك التساؤل؟.