يستهل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مشاركته بالقمة العربية الـ28 بالأردن الشقيق بزيارة للقاهرة الاثنين يلتقي خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، ليعبر جلالته بصدق عن عمق العلاقات التاريخية مع جمهورية مصر العربية وتشعبها، والحرص على تأطيرها ودعمها وتطويرها، وضرورة تبادل وجهات النظر والتشاور بشأن قضايا الاهتمام ذات الصلة، سيما إزاء الملفات الشائكة التي تؤثر على أمن دول المنطقة برمتها واستقرارها، خاصة في هذه الفترة التي تشهد تغيرات سريعة ومتلاحقة ألقت وما زالت تلقي بظلالها على كل دول المنطقة.
وترجع أهمية الزيارة الملكية إلى أكثر من عامل، الأول: توقيتها، خاصة أنها تتزامن مع انعقاد إحدى أهم القمم العربية التي يعول عليها لمناقشة آخر المستجدات والتطورات التي تستدعي في الحقيقة مدارستها وتقييمها والمشاورة بشأنها بين قادة الدول العربية وبعضها البعض، ومن بين أهم هذه التطورات:
الأول: تصاعد حدة خطر الجماعات المتطرفة والقلق الناتج عن امتداد مثل هذه الجماعات عبر الحدود الجغرافية للدول، ودلائل ارتباطاتها بالتدخلات الخارجية من جهة، وعمليات الفوضى الخلاقة التي تضرب أطناب بعض الدول المجاورة لكل من البحرين ومصر من جهة أخرى سواء بالنظر للأوضاع في اليمن أو في سوريا أو في ليبيا أو في غيرهم.
الثاني: المشاورات المنتظر أن تجرى بين العاهل المفدى والرئيس المصري، والتي يتوقع ألا تقتصر على مجمل ملفات العلاقات الثنائية فحسب، وضرورة المضي بها قدما لدفع مسيرة تطورها ودعم مفاصلها وتنمية أطرها المشتركة، وضخ دماء جديدة في شرايينها، وبما يصب في صالح الشعبين الشقيقين والأهداف الوطنية والقومية المشتركة، وإنما يُتوقع أن تشمل أيضاً دراسة التحولات التي تشهدها المنطقة، ومست بتداعياتها الكبيرة والممتدة والشاملة أمن واستقرار دول العالم العربي مع ضرورة العمل من أجل الحفاظ على وحدة الصف العربي وكيانه الجامع.
الثالث: المسؤوليات الجسام التي تقع على كاهل قيادتي البحرين ومصر سواء ناحية بلديهما أو إزاء محيطهما الخليجي والعربي والإسلامي، خاصة أن الدولتين تعدان من بين أكثر الدول العربية وعياً بحقيقة المخاطر المثارة على الساحة، وأكثرهما عرضة لمثل هذه المخاطر والتهديدات، ولديهما من الوسائل والأدوات ما يمكنهما من توظيف سياساتهما المتوازنة في دعم وحدة الصف العربي، وذلك بالنظر لعلاقاتهما الممتدة والمتشعبة وشبكة التحالفات والارتباطات الإقليمية والدولية التي ينخرطان فيها ويتعين الاستفادة منها، ناهيك بالطبع عن الأدوار المناطة بهما كقطبين إقليميين، حيث يعول على البحرين ومصر كثيراً في تسوية العديد من الملفات، وحلحلة الكثير من المشكلات، فالبحرين تمثل مختبراً لأمن منطقة الخليج واستقرارها، وينظر لمصر كثقل موازن لمعالجة أي خلل في معادلة التوازن الاستراتيجي بالشرق الأوسط.
ويلاحظ هنا أن الزيارة الملكية تتوج التطور الكبير الحاصل في مسيرة العلاقات المشتركة، والتي تعود تاريخياً لعقود مضت، وزادت كثافة خلال السنوات الأخيرة، حيث يبدو مهماً الإشارة إلى أن جلالة العاهل المفدى زار القاهرة في أبريل 2016، وزار الرئيس المصري المنامة في زيارة قصيرة أواخر أكتوبر 2015 على هامش حوار المنامة الـ11، وكان العاهل المفدى ضمن الحضور في حفل تدشين وافتتاح قناة السويس أغسطس 2015.
كما أن حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى ترأس الوفد البحريني الكبير الذي شارك في مؤتمر شرم الشيخ الدولي لدعم وتنمية الاقتصاد المصري منتصف مارس 2015، والذي تلاه حضور جلالته فعاليات القمة العربية بالقاهرة في نهاية مارس من نفس العام، وسبقهما المشاركة السامية الفاعلة في حفل تنصيب الرئيس المصري في يونيو 2014، إضافة إلى لقاء العاهل المفدى برئيس المجلس العسكري المصري في أكتوبر 2011، ولقائه بالرئيس المؤقت عدلي منصور في أكتوبر 2013، وغيرها.
وتكفل هذه المؤشرات الدالة على حجم التقارب الشديد بين قيادتي البلدين، تحقيق العديد من النتائج الإيجابية مستقبلا، خاصة أن الزيارة الملكية تستهدف إحداث مزيد من التفاهم بين البلدين للتحديات التي يتصدين لها، مع مواصلة دعم كل منهما للأخرى ومساندتها لها، سيما فيما يتعلق بالمخاطر الإقليمية، وهو ما عبرت عنه تصريحات قادة البلدين في أكثر من مناسبة، بشأن عدم تخلي أي منهما عن الآخر في محاربته لخطر الإرهاب، وأن كلا منهما يمثل عمقاً استراتيجياً للآخر، خاصة إزاء ما يتعرضان له من محاولات لإشاعة الفوضى والتخريب الناتجة عن التدخلات الخارجية في شؤونهما الداخلية.
يضاف إلى ذلك، أن الزيارة الملكية ستعمل على دعم وتوطيد وزيادة حجم المواقف المتناغمة والمتضامنة والرؤى المشتركة التي تجمع قادة البلدين ناحية الملفات الإقليمية والدولية كافة، وهو أمر من المؤكد أنه سيكفل للقمة العربية القادمة بالأردن الشقيق النجاح المنشود، وذلك بالنظر إلى أن هذا التناغم في المواقف بين البلدين سيشكل لبنة قوية في حائط الصد العربي، وسيسهم في توفير فرص واعدة وطموحة لتنمية وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك وتطوره، ويمكن القمة ودولها من التغلب على الصعوبات التي تواجهها.
هذا بجانب مقدار ما يمكن أن تسهم به الزيارة الملكية في تأسيس أنموذج للعلاقات الثنائية التي يجب أن تسود بين الدول العربية وبعضها، وبما يضمن تعزيز اللحمة وأواصر العمل العربي المشترك، خاصة أن علاقات البلدين لا تقتصر على بعد واحد فحسب، مثلما أشير سلفاً، وإنما تتجاوز ذلك لتشمل كافة أبعاد العلاقات السياسية والأمنية والعسكرية "كتمارين حمد 1و2 وغيرها"، فضلاً عن الثقافية والتعليمية، مع السعي المتواصل والدؤوب لتطويرها وتفعيلها، لا سيما على الجانب الاقتصادي، حيث يتطلع البلدان لتوسيع أطر التعاون الاقتصادي والمشروعات الاستثمارية الثنائية ورفع حجم التبادل التجاري.