زهراء حبيب:

يصوت مجلس النواب في جلسته المقبلة على الاقتراح بقانون بإضافة مادة جديدة بقانون العقوبات لمعاقبة التشبه بالجنس الآخر أو من يظهر بصورة غير لائقة ومخالفة للآداب العامة، بعقوبة تصل إلى الحبس لمدة لا تتجاوز سنة وغرامة ألف دينار، مستندة على التجربة الكويتية في هذا الشأن.

واتفقت وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للمرأة على أن المقترح جاء فضفاضاً ولم تحدد المادة الجديدة ما هو الفعل المراد تجريمه،مع الأخذ بالاعتبار بأن الفعل المراد تجريمه يتغير مع تغير فئات الأوساط ويتفاوت مع الأزمنة، ناهيك بأن المشرع البحريني قد عاقب من يأتي بفعل مخلٍ علناً والتحريض على الفجور.

وأكد المجلس الأعلى للمرأة بأن المقترح يفتقر لمعايير فعل التشبه بالآخر، ويفرض ضمناً على الرجال والنساء الالتزام بمظهر وصورة ما، دون أن يحدد ماهية وطبيعة هذا المظهر أو السلوك، مما يجعله متعارضاً مع الدستور الذي كفل الحرية الشخصية.

وأبدى المجلس تحفظة على المقترح كونه جاء مفتقراً إلى الضوابط التي تجعله قابلاً للتطبيق دون الإخلال بالدستور وبمنأى عن أي تعسف سيجعله في حال قبوله سبباً لإشكاليات كثيرة وسيمنعه من تحقيق الأهداف المرجوة منه.

وتنص المادة الجديدة في الفصل الأول من الباب الثامن من المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976 بإصدار قانون العقوبات، برقم (350 مكرراً):" يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ذكر أو أنثى أتى علناً في مكان عام فعلاً يتشبه فيه بالجنس الآخر أو ظهر بمظهر غير لائق ينافي الآداب العامة والعادات المرعية في المملكة".

وأشار المجلس الأعلى للمرأة بأن مقدمي الاقتراح استندوا إلى التجربة الكويتية التي جرمت فعل التشبه كتجربة ناجحة، بيد أن الواقع أثبت بأنها تجربة اصطدمت بإشكاليات وصعوبات عديدة في التطبيق،وعرضها لانتقادات شديدة ومطالبات عديدة بإلغاء المادة التي جرمت فعل التشبه بالجنس الآخر والتي جاء المقترح متطابقاً معها حرفياً من جهة، ومن حيث خلوها من أي معيار أو ضابط في هذا الشأن من جهة أخرى.

قد يؤدي النص المقترح لفتح مجال واسع لتفسيرات وتأويلات عديدة بسبب عدم وضوح المقصودين فيه وغموض الفعل المطلوب منهم الامتناع عن القيام به وخاصة من قبل القائمين على تنفيذه أن لم يكونوا مؤهلين لتطبيق هذا النوع من النصوص، إلا يفرق المقترح بين سلوك الأشخاص الذين يخضعون لتغيير الجنس لأسباب طبية مشروعة سبق أن أقرها القضاء البحريني وبين سلوك التشبه المحرم بالدين.

ولفت المجلس بأن سبق للمشرع البحريني أن كرس عدة مواد تجرم السلوكيات المنحرفة وتعاقب مرتكبيها كجرم الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء الذي يرتكب سواء بلفت الأنظار أو بإعلان السلوك المجرم أو بالتحريض عليه، فقد نصت المادة (329) من قانون العقوبات.

كما لا يتفق المجلس مع ما ورد في المذكرة الإيضاحية بأن "القضاء على هذه الظاهرة سيساهم في حلحلة مشاكل أخرى يعاني منها المجتمع البحريني والكثير من الأسر البحرينية كظاهرة هروب البنات من منازلهن بسبب تحريض المتشبهات بالرجال لهن وحثهن على الخروج على طاعة أولياء أمورهن وارتكاب الفجور..."، فعدا عن أن هذا الطرح لا يتناول بشكل صحيح مشكلة هروب البنت من مختلف جوانبها وأسبابها الحقيقية، فإنه من الخطأ عزو سبب هروب البنت إلى فعل التشبه بالآخر فقط، علماً أن الاساس في هذا الموضوع هو التربية الأسرية والوازع الديني والأخلاقي.

وأتفقت وزارة الداخلية إلى ما ساقه المجلس الأعلى للمرأة بأن الإضافة المقترحة لم تحدد ما هو الفعل المراد تجريمه حيث تندرج الكثير من الصور والأفعال التي لا يمكن حصرها أو تحديدها في هذه الإضافة ومنها اللباس غير المحتشم وغيرها من المظاهر الخارجية كالوشم وغيره، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الفعل المراد تجريمه يتغير مع تغير فئات الأوساط ويتفاوت مع الأزمنه، ما يعتبر بالأمس قد يكون مقبولاً اليوم، وما يكون لائقاً على الشواطئ والمسابح لا يكون كذلك في الأماكن الأخرى، لذا فإنه من الصعب وضع معيار ثابت ومحدد للمظهر غير اللائق والمنافي للآداب العامة والعادات المرعية في المملكة وفقاً لما نص عليه التعديل المقترح على نص المادة.

ولفتت إلى أن ممارسة فعل التشبه بالجنس الآخر هو أمر مجرم حيث يعد تحريضاً على الفجور وفقاً لنص المادة 1/329 من قانون العقوبات التي تنص على أن "كل من حرض علناً في مكان عام على ممارسة الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس بمدة لا تتجاوز سنتين".

ونوهت إلى أن قانون العقوبات قانون جزائي يجب أن تكون ألفاظه ومقاصده وأحكامه محددة غير مبهمة أو واسعة أو مطلقة بل يجب أن يكون الفعل المجرم فيه محدداً واضحاً للكافة لا يعتريه اللبس أو الإبهام، لذا فلابد من تحديد دقيق للألفاظ الواردة في المقترح.

وأتفقت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان مع الجهات الرسمية السالفة الذكر بأن النص الوارد في الاقتراح بقانون، جاء في صياغة فضفاضة وغير دقيقة، إذ يعطي لسلطة مأموري الضبط القضائي وبالتحديد في مرحلة جمع الاستدلالات سلطة تقديرية في القبض والإحالة للنيابة العامة في ظل عدم وجود تعريف واضح ومحدد لفعل (التشبه)، منوهه إلى وجود حالات قد تكون تلك الأفعال نتيجة لعوامل جسمانية أو نفسية يلزم فيها تدخل الطب المختص لتحديد السلوكيات النفسية للأفراد وميولاتهم الطبيعية أو المكتسبة التي تنتج في حالات عن أساليب تربوية أو تنشئة اجتماعية، أو نتيجة حالات مرضية تستلزم التدخل العلاجي لا إيقاع العقوبة.

وأكدت بأن دولة الكويت أقرت تعديلاً على أحكام القانون رقم (16) لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، بتعديل المادة (198) منه وذلك بموجب القانون رقم (36) لسنة 2007 بتجريم فعل التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، مما جعله تشريعاً عرضة للانتقاد من قبل منظمات المجتمع المدني، وحتى المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، مستندين على أن إطلاق فعل التشبه على عمومه يتعارض وبشكل قاطع مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان، لاسيما "مبادئ يوغيا كارتا" حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي وهوية النوع، التي تبناه عدد من الخبراء العاملين في مجال حقوق الإنسان.

وتبنى كل من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ووزارة العدل الإسلامية وجهة نظر مختلفه وأنها لا تمانع فكرة المقترح.

وفي ظل تلك التجاذبات والتأكيدات على صعوبة تطبيق المقترح بقانون، لعدم تحديد طبيعة الجرم، وأن المقترح جاء فضفاضاً وأن المشرع البحريني لم يغفل عن تجريم التشبه بالجنس الآخر، وافقت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني عليه، مستنده على أن الهدف منه الفراغ التشريعي في قانون العقوبات الذي لم يجرم فعل تشبه أي من الجنسين والقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة وهي هروب البنات من منازلهن بسبب تحريض المتشبهات بالرجال لهن وحثهن على الخروج على طاعة أولياء أمورهن وارتكاب الفجور والمعاصي بحجة الحرية الشخصية، والاقتداء بما استنته دولة الكويت.

وتقدم بالاقتراح بقانون كل النواب جمال داود سلمان، أحمد عبدالواحد قراطة، نبيل عبدالله البلوشي، أنس علي بوهندي، محمد جعفر ميلاد.