بدت القمة التي جمعت صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، بالرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة مساء الاثنين، وكأنها برهان جديد على حقيقة وحدة المصير المشترك الذي يجمع البلدين وقيادتهما منذ عقود، خاصة أن هذه القمة، التي تعد السابعة في سلسلة اللقاءات المتبادلة، تمثل ذروة الاتصالات التي جرت بين قيادتي البلدين في غضون السنوات القليلة الماضية.
والمدقق لفعاليات المباحثات المكثفة التي جرت بين العاهل المفدى وأخيه الرئيس المصري، يستطيع أن يخلص إلى قناعة مفادها إدراك قيادتي البلدين لأهمية الحفاظ على مسارات التعاون القائم بينهما، وحرصهما على دعمها بكل الآليات والأدوات الممكنة، وتوفير الظروف المناسبة لها لتطويرها وتفعيلها، وبما يكفل لهذه المسارات القدرة على النمو وفتح آفاق جديدة لها تعود بالخير والرخاء على شعبي البلدين.
وتجلت هذه المعاني واضحة خلال المباحثات المكثفة بين قادة البلدين، وكلماتهما التي ستظل عنواناً لنموذج هو الأقوى في العلاقات العربية ـ العربية، حيث جدد جلالة العاهل المفدى تأكيده أن "قوة مصر هي قوة للعرب جميعاً"، وهو ما شدد عليه أيضاً صاحب السمو الملكي ولي العهد الذي وصف مصر بأنها "عمق استراتيجي للأمة العربية"، ووافقهما في ذلك الرئيس المصري الذي أكد أن "أمن دول الخليج جزء لا يتجزأ من أمن مصر، ونحن معكم في مصر، ومع الاستقرار والأمن وعدم التدخل في شؤون الغير".
وفي الحقيقة أن أهمية القمة البحرينية ـ المصرية تعود إلى أكثر من سبب، فهي..
أولاً ـ تأتي عقب جولة مهمة لكل من العاهل المفدى الذي زار عدة دول آسيوية، والرئيس المصري الذي زار من جهته عدة دول خليجية. وترجع أهمية ذلك إلى مساعي قيادتي البلدين الحثيثة ليس فقط إلى الانفتاح على دول العالم المختلفة، ولم الشمل العربي، وإنما أيضاً تحمل مسؤولياتهما والقيام بأدوارهما المناطة بهما بحكم موقع البلدين الجيو استراتيجي، ومكانتهما السياسية في محيطيهما باعتبارهما من الدول الركينة والأساسية سواء في حماية أمن الخليج أو استقرار الشرق الأوسط برمته.
ثانياً ـ الأهمية الأكبر للقمة البحرينية المصرية، والتي ترجع لدورها في رسم ملامح إضافية جديدة لطبيعة العلاقات القوية التي تربط كلا من مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية الشقيقة وشعبيهما، وازدادت رسوخاً مع مضي الزمن. تلك العلاقات التي يساندها وبقوة كلا من العاهل المفدى والرئيس المصري، ويدفعان بها قدماً في كل مناسبة يلتقيان فيها، وبدا ذلك واضحاً في تصريحات قادة الدولتين الأخيرة حول هذا الشأن، وعبر عنها العاهل المفدى في القمة أمس بقوله: "إن التشاور مستمر فيما بيننا"، في حين أشاد الرئيس المصري بـ "التعاون بين البلدين من أجل الاستقرار والأمن والأمان للبلدين".
والمعروف أن الاتصالات الدائمة لم تنقطع بين القيادتين الكبيرتين، وشهدت السنوات الماضية وبوتيرة شبه منتظمة العديد من اللقاءات والزيارات، هذا بجانب الاتصالات الهاتفية والرسائل والبرقيات المتبادلة، وكان آخرها قبل نحو شهرين تقريباً، حيث الزيارة التي قام بها العاهل المفدى للقاهرة، وسبقت القمة العربية الـ28 بالأردن الشقيق، وذلك في 25 من مارس 2017.
وعكست زيارة العاهل المفدى تلك للقاهرة ـ ومن مجمل نتائجها ـ عمق العلاقات التاريخية بين البحرين ومصر وتشعبها وامتدادها، وكذلك حرص قادة البلدين على تأطيرها ودعمها وتطويرها بما يلبي الاحتياجات المتزايدة للشعبين الشقيقين، مع ضرورة الاستمرار في تبادل وجهات النظر والتشاور بشأن قضايا الاهتمام ذات الصلة، سيما منها إزاء الملفات الشائكة التي تؤثر على أمن دول المنطقة برمتها واستقرارها، وعلى رأسها: جرائم التطرف والإرهاب، والصراعات المسلحة والممتدة في بعض دول الجوار، فضلاً بالطبع عن توطيد عرى العلاقات الشخصية والصداقة الدائمة بين الزعيمين الكبيرين.
ولعل من المهم التأكيد هنا أن زيارة الرئيس المصري للمملكة، وقمة المباحثات التي جمعته بالعاهل المفدى، تتوج التطور الكبير الحاصل في مسيرة العلاقات المشتركة، والتي تعود تاريخياً لعقود مضت، وإن كانت ازدادت كثافة خلال السنوات الأخيرة، حيث يبدو مهما الإشارة إلى أن العاهل المفدى زار القاهرة في ابريل 2016، وزار الرئيس المصري المنامة في زيارة قصيرة أواخر أكتوبر 2015 على هامش حوار المنامة الـ11، وكان العاهل المفدى ضمن الحضور في حفل تدشين وافتتاح قناة السويس أغسطس 2015.
كما إن عاهل البلاد المفدى ترأس الوفد البحريني الكبير الذي شارك في مؤتمر شرم الشيخ الدولي لدعم وتنمية الاقتصاد المصري منتصف مارس 2015، والذي تلاه حضور جلالته فعاليات القمة العربية بالقاهرة في نهاية مارس من نفس العام، وسبقهما المشاركة السامية الفاعلة في حفل تنصيب الرئيس المصري في يونيو 2014، هذا بجانب الزيارات الأخرى التي تلت عام 2011، وأبرزها لقاء العاهل المفدى برئيس المجلس العسكري المصري في أكتوبر 2011، ولقائه بالرئيس المؤقت عدلي منصور في أكتوبر 2013، وغيرها.
ولا شك أنه مع كثافة هذه اللقاءات المتتالية، وآخرها قمة أمس بقصر الصخير، هناك دلالات مهمة يمكن استخلاصها، وتبشر بمستقبل مشرق، فمن جهة: فإن حيوية وتطور الاتصالات واللقاءات البحرينية ـ المصرية، التي يمكن وصفها بأنها في أعلى مستوياتها ومراحلها في هذه المرحلة، ستضفي زخماً خاصاً للعلاقات الثنائية في الحاضر والمستقبل، وتمضي بها قدماً إلى آفاق أرحب وأوسع من التعاون النشط في جميع المجالات والمستويات.
ومن جهة ثانية: فإن حجم التقارب الشديد بين قيادتي البلدين، وبخاصة على المستوى الشخصي، سيسهم بالتأكيد حالياً ومستقبلاً في ضخ دماء جديدة في شرايين العلاقات المشتركة، ويضمن مزيداً من التنسيق والتفاهم حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي تلقي بظلالها على أمن واستقرار الإقليم ككل.
أما الأهمية ـ الثالثة ـ للقمة فتعود إلى دورها في تدعيم المواقف المتناغمة بين البلدين ناحية جملة القضايا ذات التأثير المباشر على أمنهما واستقرارهما، وهي القضايا التي احتلت قائمة المباحثات الثنائية بين كل من جلالة العاهل المفدى والرئيس المصري.
وواقع الأمر، أن هذا التناغم في المواقف يقود في الحقيقة إلى مساندة كل دولة للأخرى، ويسهم في مواصلة دعمهما لبعضهما البعض تجاه تلك التحديات والمخاطر التي تحدق بهما سواء من الداخل أو الخارج، وهو ما عبرت عنه تصريحات قادة البلدين في أكثر من مناسبة سابقة بشأن عدم تخلي أي منهما عن الآخر، وأن كلا منهما تقف بجانب الأخرى في مواجهة ما يعترضانه من تهديدات وأخطار.
واتضح هذا المعنى بشكل جلي خلال قمة الزعيمين الكبيرين الأخيرة، حيث يبرز هنا تأكيد العاهل المفدى بأن "البحرين لا تنسى مساهمات مصر ومشاركتها منذ القدم وإلى الوقت الحاضر في البناء والنهضة والاستقرار في المملكة"، كما أشار إلى تشابه "الظروف غير الطبيعية والأحداث التي جرت في البلدين، واكتشف أنها تدار وتحاك من قبل قوى خارجية"، ناهيك بالطبع عما تشكله الزيارة من "فرصة هامة لمتابعة جهودنا المشتركة وللتشاور والتنسيق بشأن مساعينا المستمرة في مواجهة خطر الإرهاب والتصدي له، وعدم السماح لآثاره أن تمس وحدة مواقفنا أو أن تؤثر بأي شكل على مسيرة دولنا نحو التنمية والازدهار والاستقرار"، مثلما وصف العاهل المفدى وأكد على ذلك، وهي المواقف التي أيده فيها الرئيس المصري الذي أشار أيضاً إلى ما حدث خلال السنوات السبع السابقة، ووصفه بأنه "درس كبير لنا ـ أي البحرين ومصر ـ لأن نكون دائما معاً، نتعاون ونتآخى في مواجهة التحديات التي تؤثر على شعوبنا"، لافتاً إلى أن "المصريين وأشقاءهم في البحرين على وعي بالتهديد والتحدي، وعرفوا أهمية الحفاظ على بلدهم، وأنهم لا يسمحوا لأي أحد أن يتدخل في شؤونهم، وأننا قادرون معاً على أن نحمي أمننا ومصالحنا، وهو تعاون دائم من أجل السلام والاستقرار".
إن استمرار تأكيد العاهل المفدى والرئيس المصري على هذه المواقف الثابتة والراسخة سواء خلال القمة الأخيرة أو خلال اللقاءات السابقة بينهما، يؤسس لعلاقة نموذجية بين الدولتين الشقيقتين، علاقة يجب أن تسود بين الدول العربية وبعضها، وذلك لضمان تعزيز اللحمة وأواصر العمل العربي المشترك في مرحلة تستوجب التكاتف معاً لمواجهتها.