إعداد: فاطمة عبدالله خليلالدكتور الشيخ خالد بن خليفة بن دعيج آل خليفة – نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي ليس من المسؤولين الذين تستطيع تجنبهم، فلديه من التواضع والثقة والكبرياء مزيج يجبرك على أن تحترمه وتثق به وأن تكون على مقربة دونما إرباك أو تكلّف. جمعني به بيت الصحفيين لأول مرة، حتى لقائي الأخير به في مكتبه بـ"مركز عيسى الثقافي"، وما بين اللقاءين محطات ثقال، عرفتني على معدن هذا الرجل الأصيل، ومكانته الإنسانية والعلمية قبل الاجتماعية، فكان لي شرف أن ينضم إليّ زميلاً في "مجموعة مراقبة الخليج"، وفي أنشطة متفرقة داخل البحرين وخارجها.رؤية ملكية للثقافةوفي رحلة ملاحية بحرينية أصيلة، اعتلينا فيها "البانوش" الفكري ورفعنا أشرعته عالياً، بدأنا بالحديث عن "مركز عيسى الثقافي"، الذي أخبرنا عنه الشيخ بقوله "إنه معلم تاريخي يعكس رؤية جلالة الملك للثقافة ودورها في ريادة المجتمع البحريني خاصة، والعربي بشكل عام؛ فرؤية جلالته تقوم على أن تتبوأ البحرين –كعادتها- مراكز متقدمة في مجال الثقافة من خلال دعم أبنائها بمواكبة التطورات الحضارية والثقافية في العالم، وهذه الرؤية تجسدت في هذا الصرح التاريخي الكبير". وأردف، لقد "وضع جلالته اللبنات الأولى لتأسيس المركز، إذ بدأه مذ كان فضاءً على سطح الأرض إلى أن تم افتتاحه في العام 2008، ومن ذلك الوقت ونحن نسعى بكل جهد لتوثيق جهود هذا الصرح الهام، وإبراز المركز معلماً وإشعاع حضارياً هاماً في المنطقة" مؤكداً على أن المركز يعد "قبة أو مظلة لمثقفي البحرين، حتى غدا البيت الذي يلمّ شملهم".تحالف مراكز الدراسات والبحوثواسترسل الشيخ خالد "لقد تمكنّا خلال السنوات الماضية من صناعة اسم مرموق للمركز على المستوى الإقليمي العربي، من خلال التعاون الثقافي مع مراكز ومؤسسات بحثية عربية، في دول الخليج العربي والأردن ومصر والمغرب؛ إذ لنا علاقة مع مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كما تم توقيع اتفاقيات تعاون مع مكتبة الإسكندرية في مصر، ومنتدى الفكر العربي في الأردن، ودارة الملك عبدالعزيز في الرياض، وكذلك مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وفي المغرب هناك الرابطة المحمدية والمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية في الرباط، وجمعية فاس-سايس للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بمدينة فاس المغربية ، ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، فضلاً عن الأرشيف الوطني الإماراتي، وغيرها من المراكز الثقافية والبحثية في المنطقة".وأضاف الشيخ خالد "لقد وضعنا اللبنة الأولى لتأسيس تحالف بين مراكز الدراسات والبحوث في المنطقة، ليصبح لمركز عيسى الثقافي الأمانة العامة لهذا التحالف البحثي، إذ ركزنا في المرحلة الأولى على الجانب الإقليمي والعربي، ولدينا اتصالات قائمة مع مراكز أوروبية.. ولكن توقيع الاتفاقيات لم يتم بعد، وآخر اتصالاتنا كانت مع بريطانيا خاصة جامعة أكسفورد، تحديدا مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية".وبيّن الشيخ خالد أن هناك أهميتين للتعاون بين مراكز البحوث؛ مشيراً إلى أن الأهمية الأولى تكمن في "تحقيق انتشار أوسع لكل نشاط يقوم به أحد المراكز البحثية، إذ تشارك جميع المراكز في هذا العمل، هذا فضلاً عن مشاركتها كأطراف منظمة في المؤتمرات وليس على مستوى الحضور والتحدث فقط، وخصوصاً في الرياض والإمارات ومصر"، وأن لهذا التحالف لقاءين سنوياً على الأقل؛ تجتمع فيها قيادات المراكز بإحدى الدول للقيام بالتنسيقات اللازمة فيما بينها، أما الأهمية الثانية فأشار إلى أنها "تتعلق بالجانب المالي؛ فالتكلفة هنا تقل إذ تقسم على أكثر من جهة بحثية بدلاً من أن تتكبد مصروفات المؤتمر جهة واحدة فقط، وبهذا استطاعت مراكز الأبحاث والثقافة من تنظيم عدد أكبر من الفعاليات والمؤتمرات، خلافاً لما سيكون عليه الوضع لو عمل كل مركز منفرداً".البحوث العربية لا تلبي احتياجات صانع القراروعند سؤالنا للشيخ خالد حول دور البحث العلمي والاستراتيجي في صناعة القرار السياسي في دول الخليج العربية، قال "عندما نقارن المراكز البحثية والثقافية في الدول العربية بشكل عام مع المراكز في أوروبا وأمريكا، نجد هناك اهتمام لدى الدول المتقدمة بالمراكز البحثية والدراسات ومؤثرة في اتخاذ القرار السياسي لهذه الدول، ولها تأثير كبير في تحديد مسار السياسات الداخلية والخارجية"، معززاً ما ذهب إليه بالقول إن "الجهات السياسية تعتمد على الدراسات والأبحاث التي تنتجها تلك المراكز الاستراتيجية وتدعمها دعماً مباشراً مالياً ومعنوياً.. بينما وللأسف الشديد نعاني في المجتمعات العربية من فراغ كبير بين المراكز البحثية وبين متخذي القرار، وهناك أسباب كثيرة لذلك، لعل أبرزها نوعية البحوث التي تنتجها، إذ تقوم في الحقيقة على كونها نظرية أكثر منها عملية. وبالتالي، فالجانب النظري لا يفيد متخذ القرار"، مؤكداً أن "اتخاذ القرار يجب أن يكون مستنداً على بحوث تعتمد على الجانب العملي والواقعي، ولهذا أصبحت أغلب مراكز الأبحاث في المنطقة بعيدة عن مراكز اتخاذ القرار، ما يضطر صانع هذا القرار البحث عن وسائل أخرى تعينه على مهمته، سواء كان في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي".واستدرك آل خليفة "لعله لا يمكننا القول أن مراكز الأبحاث الخليجية والعربية خرجت عن الأهداف الموضوعة لها، ولكنها لم تحققها كلها، فهي حققت الجزء النظري المهم وما ينقصها الجزء الآخر المرتبط بواقع الحياة، من خلال الدراسات الفعلية التي تتعرض للمشكلات وتقدم لها حلولاً، وتقدم إحصائيات علمية مؤكدة من شأنها الخروج بمؤشرات واضحة في العلاقات مع الدول الأخرى، ما يمكّن صانع القرار من الاستفادة من تلك البيانات المبنية على الواقع لصناعة قراره". وأضاف "لا أخفيكم أننا نحاول بقدر الإمكان أن نؤثر كمراكز بحثية وثقافية عربية في المجتمع، وننسق من أجل ذلك فيما بيننا، إذ كان لقاؤنا الأخير في تحالف عاصفة الفكر بالقاهرة، يهدف إلى إيجاد مخرج لهذه الأزمة، ونتطلع لأن يعتمد علينا صانع القرار في اتخاذ قراراته، غير أن ذلك يتطلب منا الكثير للوصول إلى هذه المرحلة".القيمة البحثية شبه معدومة لدى العربوفي هذا السياق استوقفنا آل خليفة للتميز بين أنواع مراكز الدراسات، بقوله "هناك نوعان من مراكز الدراسات، الأول حكومي ويجب أن يلبي طلبات الحكومة من احتياجها للدراسات، وهناك مراكز القطاع الخاص، ولكن للأسف ليس هناك قيمة فعلية للدراسات التي تنتجها هذه المراكز فمعظمها لا يحصل على الدعم المادي الكافي، وهي قضية شبيهة بالبحث العلمي لدى الجامعات في الدول العربية؛ فالجامعات لا تخدم المجتمعات بحثياً، وهناك غياب لافت لمراكز الأبحاث في الجامعات، ما جعل مهمتها مقتصرة على التعليم فقط كالمدارس، وليست مؤسسات بحثية، بينما في العالم الغربي وخاصة الصناعي، مراكز الأبحاث مرتبطة مباشرةً بالمصانع ومتخذي القرار والحكومات ومؤسسات تجارية، وهذه الدراسات تشترى بملايين الملايين، ولذلك كان من الأربح لتلك الشركات أن تدعم مركزاً واحداً ليقوم بدوره بإجراء كل الدراسات التي تلزمه، بدلاً من شراء الدراسة جاهزة، وبالتالي هناك قيمة لتلك الدراسات الصادرة هناك، بينما في الوطن العربي القيمة البحثية تكاد تكون معدومة وليس هناك قيمة للدراسات النظرية تحديداً، ولا تخدم المجتمع الصناعي والاقتصادي والسياسي".وأضاف "في التعليم العالي هناك الجانب البحثي، دراسات تقوم على البعد العملي، وهناك التدريس، التدريس في الوطن العربي آخذ في التقدم مع انفتاح التعليم العالي على الجامعات الغربية وتوقيع الاتفاقيات معها، محققاً طفرة تعليمية، وأصبحت الجامعات متميزة بالتعليم وتضاهي الجامعات الغربية والفروق محدودة جداً. أما على الجانب البحثي، حتى الدراسات التي نقوم بها في الجامعات ويمنح طلبتنا عليها درجات علمية، ما زالت في إطارها النظري، وبعيدة عن الجانب العملي حتى في المواد العلمية، وليس هناك ربط بينها وبين المصانع الموجودة في المنطقة للاستفادة من هذه الدراسات".وألقينا مراسينا..كان اللقاء أطول مما أريد له، بعدما سرقنا الوقت في حديث شيّق يجمع ما بين الصراحة التي بتنا نتلمس مواطنها ولا نجدها في أغلب الأحيان، وما بين المعرفة التي كنا ننشدها منذ زمن بعيد من موطن الثقافة الخليجي الأول "البحرين"، ففي الأسبوع القادم نلج البحر بصولات وجولات في عالم السياسة والأمن والاقتصاد والثقافة والمجتمع ويبقى اللقاء مستمراً مع د.الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة.