انتشرت مؤخرا ظاهرة الحسابات التجارية في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً "الأنستقرام"؛ نتيجة طبيعية لتوظيف التطور الكبير الذي شهدته التكنولوجيا والانفتاح الشاسع في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبح بمقدور أي شخص أن يختار ما يريده من منتجات باختلاف أنواعها وأشكالها، ويقوم بشرائها من خلال مخاطبة صاحب الحساب التجاري لتصله بعد ذلك إلى المكان الذي يتواجد به ويدفع قيمتها فور استلامه للسلعة.
ويبدو تفاعل المواطنين مع الحسابات التجارية في مواقع التواصل الاجتماعي محدوداً وغير ذي جدوى، حيث تبين من خلال استبيان تفاعلي بتويتر أن نسبة 78% من الأشخاص لا يثقون في هذا النوع من التسوق ويفضلون التسوق التقليدي، أما نسبة المؤيدين لهذا النوع من التجارة فلقد بلغت 17% فقط .
وللحديث أكثر حول هذه الظاهرة، عبرت إيمان مفتاح عن شدة تأييدها لهذا النوع من الحسابات التجارية، قائلة إنها توفر عليها الجهد الذي تبذله للقيام بعملية التسوق وتغنيها عن الانتقال من محل إلى آخر بحثا عن ما ينال إعجابها من منتجات، واتفق معها محمد بوجيري الذي أشار إلى أن التسوق عبر هذا الفضاء الإلكتروني يوفر له خيارات كثيرة، حيث إن هناك بعض المنتجات تتوفر في الحسابات التجارية قبل توفرها في الأسواق المحلية. وشدد محمد على ضرورة أن يكون الشخص واعياً وذا ثقافة عالية عند تعامله مع الحسابات التجارية. ويجب أن يقوم بعملية بحث تفصيلية عن الحساب التجاري الذي سيتعامل معه والتأكد من إماكنية استرجاع أو تبديل المنتج فور استلام صاحب الطلب له وهو بحالة سيئة، إضافة إلى ضرورة استشارة وسؤال الأصدقاء وأقاربه الذين سبق لهم التعامل مع هذا النوع من الحسابات. حيث إن هذه العملية الأستباقية لعملية التسوق ستجعل منها عملية أكثر أمان و ثقة .و أقترح محمد أن يتم تشكيل جهة معينه في البحرين لتقوم بتوعية الأفراد و توجيههم حول كيفية التعامل مع هذه الحسابات للتقليل من حدوث عمليات غش أو احتيال .
ومن ناحية أخرى قالت فاطمة عبد العلي إنها معارضة لظاهرة انتشار الحسابات التجارية مدعمه كلامها بموقف أصابها حيث أنها تعرضت من خلاله إلى عملية غش، بعد أن دفعت مبلغا إضافيا عند استلامها للسلعة، لم تكن قد اتفقت عليه مع البائع . وكان هذا سبب في أن تتكون لدى فاطمة خلفية سيئة عن هذه الحسابات التجارية. وأضافت فاطمة المهزع إحدى المعارضات أيضاً أن البعض من أصحاب هذه الحسابات يقوم بالمبالغة في زيادة أسعار منتجاته والبضائع التي يبيعها مقارنة بأسعار الأسواق التقليدية، معتبرة أن الملابس التي يتم بيعها قد لا تكون متطابقة مع الصور المعروضة لها في الحساب التجاري، مما يفقدها حق استرجاعها أو استبدالها فور تلقيها البضاعة و هي ليست بالمواصفات المطلوبة .
وقالت التاجرة مروة شير صاحبة حساب Modaa. Collection أن تجارة مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت بسبب نفور بعض الأشخاص من الوقوف في طوابير الانتظار خلال قيامهم بالتسوق التقليدي والجهد الذي يبذلونه من أجل اقتنائهم للمنتجات، حيث أصبح الجميع يبحث عن راحة البال والطرق التي ممكن أن تختصر عليه الوقت والجهد من أجل حصولهم على السلعة التي يريدونها بمجرد ضغطة زر.
وذكرت التاجرة (م.غ) التي تمتلك حساباً متخصصاً لبيع مستحضرات التجميل عن السبب الذي دفعها للقيام بممارسة هذا النوع من التجارة، بأنها خريجة جامعية و لكنها عاطلة عن العمل فقررت تفريغ اهتمامها بمستحضرات التجميل من خلال فتحها لهذا الحساب وعرضها للمنتجات بأسعار رمزية ومعقولة، قائلة إنها لم تلق إقبالاً كبيراً من قبل العملاء في بداياتها، ثم بدأت تجارتها تتوسع شيئاً فشيئاً بسبب الطفرة التكنولوجية التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي. وأضافت أنها لا تفضل تشديد القوانين وفرض رسوم أو فتح سجل على من يمتلكن حسابات تجارية في مواقع التواصل .
أما التاجرة (ش.ج) صاحبة حساب Clssy__chic وهو حساب تجاري متخصص في بيع الملابس، بأنها مرنة جداً في التعامل مع العملاء وتقدم لهم كافة المعلومات المتعلقة بقطعة الملابس من حيث المقاسات حتى تضمن للعميل أن قطعة الملابس التي يختارها تكون متطابقة مع القياسات التي تناسبه، وإنها لا تؤيد عملية استرجاع أو تبديل السلعة بعد استلامها من قبل العميل.
وفي حديثه عن هذا الموضوع قال رئيس النادي العالمي للإعلام الاجتماعي للشرق الأوسط علي السبكار إن التسوق عبر الفضاء الإلكتروني هو تطور طبيعي للحضارة البشرية، و يبرز كنتاج لتطور تقنية المعلومات والاتصالات، وهو مرحلة حتمية تفرض نفسها بقوة، ليس على الأعمال والتجار والمستهلكين فقط، وإنما على المجتمع ككل. ويضيف قائلاً أن التسوق الإلكتروني يتطلب التأكد من أن المنتج أو الخدمة التي قمت باختيارها وشرائها ستصلك بذات الألوان والأشكال وطرق الاستخدام نفسها. وهذا يحمل في طياته مخاطرة عدم القدرة على الاسترجاع والاستبدال، كما يحدث عادة مع التسوق التقليدي. ويوجد في البحرين سجال دائر بين أصحاب المتاجر التقليدية من جهة والمتاجر الإلكترونية والوسطاء من جهة أخرى، خاصة مع توجه أعداد متزايدة من الناس للتسوق الإلكتروني. وينصح الأستاذ علي السبكار أصحاب المتاجر التقليدية، بعدم الوقوف في وجه التطور الطبيعي للبشرية والتقنيات الحديثة. وإنما تطوير أعمالهم وفقاً لمتطلبات هذا التقدم .وأنهى كلامه قائلاً نحن في وقت لا يمكن فيه الطلب من الجهات الرسمية حماية المواطن، لأن مراقبة كل التفاصيل المتعلقة بالفضاء الإلكتروني هو أمر مستحيل من الناحية المنطقية، لذلك تقع المسؤولية على المشتري نفسه.
ومن وجهة نظر رئيس قسم القانون الخاص في كلية الحقوق بجامعة البحرين د. محمد العنزي، فإنه يعتبر أن التجارة الإلكترونية شكلت حيزاً كبيراً ونسبة كبيرة من التجارة العالمية بعد أن كانت التجارة التقليدية هي السائدة والأكثر تداول، ومع الانفتاح التجاري بين الدول أصبح الإنترنت أمر أساسي لشراء البضائع سواء كانت صغيرة الحجم أو متوسطة أو كبيرة الحجم. وبالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي فهي الآن ضرورة لابد منها وخصوصاً في التواصل ما بين الناس، بل أصبح حيز التجارة بها ذات طابع ثقافي واجتماعي وسياسي. وأشار الدكتور العنزي إلى الناحية القانونية في هذا المجال قائلاً أن ما يسري على الجرائم في أرض الواقع في ظل وجود قانون العقوبات البحريني، يجري كذلك على الجرائم الإلكترونية سواء كان هناك نصب أو احتيال أو سب أو قذف، والمشكلة تكمن إذا أصبحت هذه التجارة عبر القارات أي بما معناه أن يكون الشخص قد تعرض لعملية غش من خلال تاجر خارج البحرين أو حساب غير بحريني فهنا تكون عملية القبض عليه صعبة خصوصاً في الدول التي تكثر بها هذا النوع من العمليات وتكثر بها الحسابات الوهمية والمافيا. وختاما أشاد العنزي بما قامت به وزارة التجارة البحرينية بخصوص السجلات الافتراضية حتى تحصر أكبر عدد من هذه الحسابات خصوصاً ذات الأسماء المستعارة ومعرفة من هم أصحابها بشكل فعلي.
ومن خلال هذه الآراء اتضح أننا في دوامة كبيرة سببتها لنا الثورة الإلكترونية، فلا بد أن نتخذ الحيطة والحذر قبل التعامل مع أي حساب تجاري وعدم الوثوق به بشكل مبالغ فيه، كما يجب علينا عدم التردد في اللجوء إلى الجهات ذات صلة في حين تعرضنا لعمليات غش أو احتيال، فالقوانين في هذا المجال بدأت تأخذ مجراها الصحيح وتتوسع بشكل أكبر حتى تحمي المستهلكين من أضرار هذه الحسابات التجارية، وفي الوقت ذاته لن نغفل بأن هناك حسابات تعرض سلعاً مفيدة فعلاً ونادرة، قد لا تتواجد في الأسواق التقليدية، فنحن لا نعمم الاحتيال على الجميع وإنما البعض فقط هم من كانوا سبباً في نفور الناس من هذه الحسابات التجارية.