إعداد: القطاع الشرعي

جمعية الإصلاح

رمضان زاد المتقين (٢)

بقلم: الدكتور باسم أحمد عامر*

*أستاذ مساعد في الدراسات الاقتصادية الإسلامية

جامعة البحرين

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد،

نكمل في هذه المقالة الحديث حول الأعمال المعينة على التقوى في شهر رمضان المبارك، وقد ذكرنا في المقالة السابقة: الصيام، والقيام، والقرآن، وتفطير الصائمين، والدعاء.

وأما باقي الأعمال التي لها أثر في تحقيق التقوى فهي كالآتي:

سادساً: تأخير السحور:

من السنن التي يتهاون فيها كثير من المسلمين: سنة تأخير طعام السحور إلى وقت السحر، فنجد كثيرًا من المسلمين يتناولون هذه الوجبة في منتصف الليل على أنها طعام السحور، وهذا خلاف السنة؛ لأن السحور من السحر، والسحر يكون آخر الليل، وقبيل الفجر، وقد قال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، فقال أنس بن مالك لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية؛ رواه البخاري.

فتناول وجبة السحور في هذا الوقت المبارك من القربات العظيمة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة)؛ رواه البخاري ومسلم، وتناول السحور من خصائص هذه الأمة؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر)؛ رواه مسلم.

فلا بد من الاجتهاد للقيام في هذا الوقت المبارك لأكلة السحور، ولو بشربة ماء؛ قال صلى الله عليه وسلم: (السحور أكله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعةً من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)؛ صحيح الجامع.

ولا بد من التنويه إلى خطأ التقاويم التي تحدد وقتاً للإمساك عن الطعام قبل أذان الفجر بعشرة دقائق أو ربع ساعة، فهذا التحديد غير صحيح، ولا أصل له، بل يجوز الأكل والشرب إلى وقت أذان الفجر.

سابعاً: تعجيل الفطر:

من السنن كذلك تعجيل الفطر؛ أي: تناول وجبة الإفطار فور التحقق من غروب الشمس، قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)؛ رواه البخاري ومسلم، فالخيرية في تناول وجبة الإفطار تتحقق بتناول هذه الوجبة فور غروب الشمس من غير تأخير.

ومما يتعلق بالفطر كذلك الحرص على تناول ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات، فعلى تمرات، فإن لم تكن، حسا حسوات من ماء" انظر: السلسلة الصحيحة.

ثامناً: عمرة رمضان:

من منا لا يريد ثواب الحج؟ العمرة في رمضان تعدل عند الله -عز وجل- حجة، بل في بعض الروايات حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة)، وفي رواية عند البخاري: (عمرة في رمضان تقضي حجةً معي)؛ أي: يعدل ثوابها ثواب حجة معي، فهذا أجر عظيم، وشرف كبير أن تنال ثواب الحجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- بأدائك للعمرة في أي يوم من أيام هذا الشهر الكريم.

تاسعاً: تحري ليلة القدر:

ليلة القدر هي ليلة من ليالي العشر الأخيرة من رمضان، والصحيح أنها غير محددة، وأنها تنتقل في كل سنة من ليلة إلى أخرى؛ قال الإمام النووي: "قال المحققون: إنها تنتقل فتكون سنة في ليلة سبع وعشرين، وفي سنة ليلة ثلاث وعشرين، وسنة إحدى وعشرين، وهذا أظهر، وفيه جمع بين الأحاديث المختلفة فيها"؛ شرح النووي على مسلم.

وهذه الليلة فضلها عظيم، من فاتته، فقد فاته الخير كله، فيكفي أن الله -عز وجل- قد أخبر بأنها خير من ألف شهر؛ فقال -عز وجل-: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ [القدر: 3 - 5].

لذلك فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، ففي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد مئزره).

فينبغي الاجتهاد في هذه العشر أبلغ الاجتهاد، في الصلاة والدعاء وقراءة القرآن والذكر، فمن يفعل ذلك في العشر الأخيرة كلها، فإنه حتمًا سيصيب ليلة القدر بفضل الله ورحمته.

عاشراً: الاعتكاف:

الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله -عز وجل- ويتأكد الاعتكاف في هذا الشهر؛ لثبوت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.

فمن وجد الاستطاعة من ناحية خلوه من الأعمال، وفراغه من الالتزامات، فلا أفضل من اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر؛ تطبيقًا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واعتزالاً مشروعًا عن الدنيا وشواغلها وزخارفها.

حادي عشر: زكاة الفطر:

زكاة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان، والحكمة من زكاة الفطر -كما هي منصوصة في الحديث- هي تطهير الصائم من اللغو والرفث؛ فعن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات"؛ رواه أبو داود، وحسنه النووي.

فمن تمام الخير والنور أن تودع هذا الشهر بأداء هذه الزكاة الواجبة عليك، وتخرجها كذلك عمن تعول كالزوجة والأولاد، وبذلك تكون أعمالك أجدر بالقبول عند الله - عز وجل.

هذه هي أبرز الأعمال الرمضانية المعينة على تحقيق التقوى، فينبغي على المسلم أن يغتنمها ولا يفوتها، عسى الله أن يكرمنا بفضله ورحمته بوافر الأجر والحظ والنصيب.

وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.