حسن الستري

رفضت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى مشروع قانون بتعديل المادة (11) من المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2002 بشأن ديوان الرقابة المالية والإدارية، وهو المشروع الذي يُلْزَم فيه الديوان بإحالة أي مخالفة انطوت على جريمة جنائية إلى النيابة العامة وذلك دون الإخلال بالمسئولية التأديبية، بحيث تُصبح الإحالة إلى النيابة العامة بعد التعديل المقترح (وجوبية) بعد أن كانت (جوازية) في النص السابق المطلوب استبداله.

من جهته، أوضح ديوان الرقابة المالية والإدارية عدم جدوى تعديل المادة (11) من المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2002 بشأن ديوان الرقابة المالية والإدارية، وأن الأجدى أن تمارس السلطتان التشريعية والتنفيذية صلاحياتهما الرقابية بفعالية على الجهات الخاضعة للرقابة.

وبين الديوان أنه يتولى بموجب المادة (11) من قانونه إبلاغ الجهات الخاضعة لرقابته بالمخالفات المالية والإدارية التي تكتشف له ومطالبتها باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن المخالفات، وأنه يباشر الديوان اختصاصاته عن طريق التدقيق والتفتيش والفحص والمراجعة حسب المادة (7) من قانونه، إذا ما توافرت لديه أدلة جدية على وجود جريمة جنائية يحال الأمر بموجب المادة (11) من قانونه إلى الجهة المختصة بتحريك الدعوى الجنائية.

وذكر أن المطالبة بتوافر أدلة جدية كشرط لإحالة الجرائم الجنائية بواسطة الديوان إلى النيابة العامة حسب المادة (11) من قانونه، قد جاءت من باب حرص المشرع على عدم أخذ الناس بالشبهات ودرء الأضرار التي قد تصيب أشخاصاً أبرياء لمجرد إحالتهم إلى النيابة، سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معنويين.

وأكد الديوان أنه درج منذ إنشائه على إحالة جميع المخالفات التي توافرت لديه أدلة جدية على أنها تنطوي على جرائم جنائية إلى النيابة العامة، ومن ثم فإن الديوان لا يرى أي طائل من تعديل هذه المادة لاستسهال إحالة المخالفات إلى النيابة للاشتباه بوجود أدلة على ارتكاب جرائم جنائية، وذلك لأن التمادي في هذا المنحة سوف يؤثر سلباً على الثقة في الديوان كجهة رقابية مهنية، وعلى علاقته بالجهات الخاضعة للرقابة خاصة فيما يتعلق بتعاونها معه وتزويدها له بالمعلومات والبيانات المطلوبة لأعمال الرقابة التي يضطلع بها.

من جانبها، أكدت اللجنة المالية أن التقارير المهنية الصادرة عن ديوان الرقابة المالية والإدارية منذ تأسيسه وحتى الآن تدل بشكل لا يقبل التشكيك بالمهنية العالية والحرفية في أداء دوره، وحرصه على الحفاظ على المال العام، ومحاسبة المتجاوزين والمخالفين.

وذكرت اللجنة أن القانون الخاص بإنشاء الديوان يضمن استقلاله عن أي سلطة في الدولة، وذلك لضمان حياديته وتحصينه من التأثيرات والضغوط أثناء ممارسته لاختصاصاته الواردة في القانون، وحيث إن التعديل المقترح في مشروع القانون يلزم الديوان بإحالة المخالفات التي تنطوي على جرائم جنائية إلى النيابة العامة، الأمر الذي يتطلب إجراء التحقيقات اللازمة بشأن تلك المخالفات من خلال جهاز متكامل ومتخصص، ومن شأن ذلك أن يحول الديوان من جهاز للرقابة إلى جهاز للتحقيق وتوجيه الاتهام والإحالة، وكما هو معلوم فإن هذا من اختصاص النيابة العامة حصراً، بالإضافة إلى أن التعديل قد يؤدي إلى اعتبار الديوان طرفاً في الخصومة ومن شأن ذلك أيضاً إضعاف استقلال الديوان، وهو الأمر الذي حرص المشرع الدستوري على كفالته وضمانته بموجب المادة (116) من الدستور.

ولفتت اللجنة إلى أن التعديل المقترح قد يضعف من هيبة الديوان أمام الهيئات والمؤسسات العامة أو حتى الجمهور، وذلك إذا ما قام الديوان بإحالة المخالفات إلى النيابة العامة، ثم تقرر النيابة العامة بحكم قدرتها وخبرتها في مجال التحقيقات الجنائية أن هذه المخالفات لا تشكل جرائم جنائية، وبالتالي تقرر بأن لا وجه لإقامة الدعوى، الأمر الذي قد يؤدي إلى تردد الديوان في إحالة المخالفات التي تتوافر لديه أدلة جدية على وجود جريمة جنائية، كما ان التدقيق والتفتيش والفحص والمراجعة يختلف عن التحقيق، فالتدقيق هو تقييم وتحسين الإجراءات المالية والإدارية، وهو يأتي ضمن عمليات الرقابة بمفهوم المراجعة والإشراف والرصد للتأكد من صحة ودقة البيانات والإجراءات. أما التحقيق كمتطلب لإحالة المخالفات المالية والإدارية التي تنطوي على شبهة جنائية، فإنه يكون بمناسبة وجود جريمة جنائية، وهو ما يستلزم استخدام أساليب التحقيق اللازمة للتثبت من ذلك وجمع الأدلة، ومن هذه الأساليب الاستجواب، والاستماع للشهود، والمضاهاة، وغيرها من الأساليب والتقنيات العلمية.

وهو ما لا يتوفر لدى ديوان الرقابة المالية والإدارية، باعتباره جهة غير مختصة ولا تملك جهازًا للتحقيق المطلوب، الأمر الذي تكون معه الإحالة الوجوبية التي جاء بها مشروع القانون للمخالفات التي تنطوي على شبهة جنائية، غير ممكنة من الناحية العملية.

وخلصت اللجنة إلى أن من شأن التعديل المذكور تحميل الديوان تبعات لا طائل منها تتعلق بجعله معرضاً للرقابة والنقد من قبل المؤسسات الإعلامية والتشريعية في حال إخفاقه في إجراء التحقيقات اللازمة لإثبات أن هذه المخالفات تشكل جرائم جنائية وذلك لكونه لا يملك أجهزة تحقيق قادرة على القيام بهذه المهمة.