يقوم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بجولة عربية يزور خلالها عاصمتي القرار العربيتين الرياض والقاهرة، حيث يبدأها جلالته بزيارة المملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى للمملكة، يعقبها زيارة إلى جمهورية مصر العربية الشقيقة، وهي جولة تكتسب أهمية كبيرة في ظل التطورات الراهنة في المنطقة والعالم، وما يستدعيه ذلك من التشاور والتنسيق المشترك مع الأشقاء والأصدقاء في المنطقة.

وتحظى زيارة جلالة الملك باهتمام وتقدير كبيرين من قيادتي وشعوب البلدين نظرًا لما يعرف عن جلالته من حرصه على توطيد العمل الخليجي والعربي المشترك وسعيه المتواصل إلى أن يسود التعاون والمودة والألفة بين الأشقاء، ويبرز ذلك الاهتمام من الترحاب الكبير الذي يحظى به جلالته أينما حل، والإشادات المتوالية بجهود ومبادرات جلالته لإرساء دعائم الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وتأتي زيارة جلالة الملك المفدى بعد الزيارة الهامة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية والقمم الثلاث الهامة التي عقدت في الرياض والتي تمثل نصرًا خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا منقطع النظير، ولا شك أن النتائج الهامة التي تمخضت عنها والتي تصب في صالح القضايا الخليجية والعربية تستدعي التشاور العربي لوضعها موضع التنفيذ والاستفادة منها في تدعيم الموقف الخليجي والعربي ومكافحة الإرهاب كهدف مشترك للدول الثلاث التي تأتي في طليعة الدول التي تحارب الإرهاب وتشارك بفعالية إقليمياً ودولياً لمكافحته وتجفيف منابع تمويله.

ولعل التطورات الأخيرة التي استدعت قطع الدول الثلاث بالإضافة إلى دولة الإمارات ودول عربية ودولية أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر ستكون على جدول المباحثات بين جلالة الملك وشقيقيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد تم اتخاذ القرار رغم صعوبته بعد أن تمادت قطر في تجاوزاتها بإصرارها على التدخل في شئون مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية وغيرها من الدول العربية بغير وجه حق وبأسلوب يضر بأمن واستقرار هذه الدول، إلى جانب دعم الدوحة لجماعات إرهابية خطيرة كحزب الله والحوثيين والتي تضمر الشر للدول العربية، وتعاونها مع النظام الإيراني الإرهابي، وتوجيه آلتها الإعلامية لتكون منبرًا لهذه الجماعات ومعولا للهدم في المنطقة.

كما تأتي زيارة جلالة الملك المفدى للسعودية ومصر في ظل ما يربط بين البحرين والبلدين الشقيقين من علاقات صداقة أخوية متميزة وقوية وعرى لا تنفصم، حيث تشكل العلاقات البحرينية مع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية نموذجًا للعلاقات الوطيدة العربية - العربية، وهي علاقات في اضطراد مستمر والحمد لله، رسخ دعائمها جلالة الملك المفدى وأخواه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب الفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

ويؤمن جلالة الملك المفدى بأهمية الزيارات المتبادلة واللقاءات الثنائية في دعم العلاقات البحرينية مع الدول الشقيقة والصديقة، وتطويرها في جميع المجالات ومن هنا تأتي جولات جلالته وزياراته المتعددة لتسهم بشكل كبير في تدعيم التعاون المشترك وتوسيعه ليشمل كافة المجالات، وكل هذا يصب في صالح الوطن والمواطن من خلال ما تسفر عنه هذه الزيارات من وضع أطر للتعاون وتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني والدفع به إلى الأمام.

وإذا تتبعنا مسار العلاقات البحرينية السعودية سنجد أنها علاقات تجاوزت مرحلة التعاون المشترك لتصل إلى مرحلة الاتحاد القوي انطلاقًا من الثوابت والرؤى المشتركة التي تجمع بينهما تجاه مختلف القضايا وروابط الأخوة ووشائج القربى والمصاهرة والنسب ووحدة المصير والهدف المشترك التي تجمع بين شعبيهما فضلاً عن جوارهما الجغرافي وعضويتهما في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية.

إن العلاقات البحرينية السعودية علاقات تاريخية وفريدة من نوعها، تقوم على التواصل والود والمحبة بين قيادتي وشعبي البلدين، وتتعدد مجالات التعاون بين البلدين لتشمل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ..إلخ. وقد كان لتوجيهات قيادتي البلدين دور بارز في تعزيز ودعم العلاقات الثنائية من خلال اللقاءات المشتركة والتواصل المستمر في مختلف المناسبات.

وعلى الصعيد السياسي هناك تنسيق كبير في المواقف من القضايا الخليجية والإقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.

وعلى الصعيد الاقتصادي تعد المملكة الشريك التجاري الأول للبحرين، وجسد ذلك ضخامة المشروعات المشتركة وحجم التبادل التجاري الذي يرتفع عامًا بعد عام وانتقال رؤوس الأموال بين البلدين. كما أن مملكة البحرين بفضل ما تتمتع به من سياسات اقتصادية تقوم على الانفتاح وتنويع مصادر الدخل وسن تشريعات تحمي المستثمرين والاستثمارات، استطاعت أن تستقطب الكثير من الاستثمارات السعودية إليها وأصبحت تستحوذ على النصيب الأوفر من السوق الاستثمارية البحرينية.

وتمثل المملكة العربية السعودية عمقًا استراتيجيًا اقتصاديًا لمملكة البحرين كونها سوقًاً اقتصادية كبيرة أمام القطاع الخاص البحريني لترويج البضائع والمنتجات البحرينية، كما تمثل البحرين امتدادًا للسوق السعودية في ترويج البضائع والمنتجات السعودية، وفي هذا الإطار يضطلع مجلس رجال الأعمال البحرينيين والسعوديين بدور كبير في سبيل زيادة حجم الأعمال والمشاريع المشتركة.

وتشهد الحركة السياحة بين البلدين تناميًا ملحوظًا بفضل الإجراءات التي اتخذها البلدان فيما يتعلق بالدخول والخروج عبر جسر الملك فهد ومنها ما يتضمن السماح للسعوديين والبحرينيين بالدخول في كلا البلدين ببطاقات الهوية فقط، إضافة إلى الجهود التي تبذلها البحرين لتنمية النشاط السياحي من خلال إقامة المنشآت السياحية المتطورة وتشجيع السياحة العائلية وسياحة اليوم الواحد التي جذبت عددًا كبيرًا من السعوديين نظرًا للقرب الجغرافي وسهولة الدخول عبر جسر الملك فهد الذي لا يتجاوز طوله 25 كيلو مترا بين البحرين والمنطقة الشرقية، حيث يبلغ عدد السائحين سنويًا لمملكة البحرين أكثر من 4 ملايين زائر.

وتعد العلاقات البحرينية المصرية هي الأخرى نموذجًا يحتذى للعلاقات بين الدول الشقيقة والصديقة، فهي علاقات ود وصداقة على مر العصور، وتنظر مملكة البحرين إلى جمهورية مصر العربية باعتبارها بيت العرب ويكن جلالة الملك المفدى محبة خاصة لمصر وشعبها، وقد بادله الشعب المصري حبا بحب ومن هنا تحظى زيارات جلالته إلى مصر باهتمام رسمي وشعبي كبيرين.

وتتوافق الرؤى البحرينية المصرية حول القضايا العربية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب لخير الإنسانية وتطورها. كما تتوافق رؤاهما حول أهمية دعم الأمن والاستقرار فيهما، حيث تؤكد مملكة البحرين دائمًا وأبدًا على مساندتها للشقيقة مصر في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، كما تعبر مصر عن التزامها الدائم بدعم المملكة والحفاظ على أمنها باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

وحول التعاون الثنائي عبرت الزيارات المتعددة لجلالة الملك المفدى لمصر ولفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للبحرين عن رغبة مشتركة في تدعيم وتطوير هذه العلاقات إلى آفاق أعلى. ولعل زيارة جلالة الملك المفدى لمصر العام الماضي وما شهدته من توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين وما حظيت به من اهتمام اعتبرت دعمًا قويًا لمسار هذه العلاقات القوية، وقد أعقبها العديد من الزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين، كان أحدثها زيارة الرئيس المصري لمملكة البحرين مايو الماضي، وكذلك تبادل الزيارات بين مسئولي البلدين لبحث تدعيم التعاون ووضع ما اتفق عليه من اتفاقيات وتفاهمات موضع التنفيذ.

إن الجولة الملكية إلى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تأتي ضمن تحركات جلالته من أجل صالح الشعوب الخليجية والعربية، ومن أجل البحث عن حلول للقضايا التي تعج بها المنطقة في ظل رغبة جلالته أن يسود الأمن والاستقرار ربوع المنطقة.