شهر رمضان يطل علينا وتتوالى معه المناسبات التي لاتزال باقية بالرغم من حداثة الزمن، ومن تلك المناسبات الأصيلة التي يحتفل بها أبناء البحرين هي (ليلة القرقاعون). ليست هي ليلة واحدة فحسب بل الاستعداد لها يسبقه أيام متواصلة من التجهيزات، والحركة الدؤوبة في الأسواق، وتزيين المنازل.
وللوقوف أكثر على مظاهر الاحتفال بهذه الليلة التي توافق ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، كان لوكالة أنباء البحرين (بنا) حديث مع أبناء البحرين من مختلف الأجيال والمناطق. فحدثتنا فاطمة ربيعة، من سكنة منطقة المحرق ممن شهدوا المظاهر القديمة الجميلة لليلة القرقاعون عن استعداداتهم للاحتفال بليلة القرقاعون من خلال شراء الملابس الشعبية التي لم يفتأ أبناء البحرين على اختلاف أجيالهم في ارتدائها حتى يومنا هذا.
وأضافت ربيعه بأنهم يقومون بشراء القرقاعون المعتاد (المكسرات، الجاكليت، والكسكبال)، وتعبر عن فرحتها في الاحتفال بتلك الليلة من خلال قضائها في فرجان مدينة المحرق مع الأهل والأصدقاء مع وجود الفرق الشعبية والفريسة التي تمر على البيوت وتردد الأغاني الشعبية.
وبالنسبة لاختلاف ليلة القرقاعون مع مرور الزمن، فقد أشارت ربيعه بأنه حدث تغيير في مظاهر الاحتفال حيث كان الأطفال سابقاً يجوبون المنازل للحصول على القرقاعون، أما الآن فنرى القليل منهم يقوم بذلك وفي أماكن محددة. حتى شكل القرقاعون ومكوناته اختلف عند البعض حيث بات هناك من يفضل توزيع القرقاعون الحديث.
أما حمد الشيخ، من سكنة منطقة الرفاع فعاصر تعاقب الأجيال في الاحتفال بليلة القرقاعون. وأوضح كيف يتم الاستعداد في منطقتهم لليلة القرقاعون من خلال تفصيل الثوب للصبيان، وثوب النشل والبخنق للفتيات، وحمل كيس القرقاعون وترديد الأغاني التراثية الجميلة ومنها (عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم، قرقاعون عادت عليكم يا الصيام) وغيرها الكثير. والجميل أن هذا المظهر لم يختفِ مع تعاقب الأجيال. ومع الزيارات لمنزل العائلة، والديوانيات. استحضر ذكرياته مع القرقاعون بقوله: "أيام أول كنا نصنع الطبول ونعمل الفريسة ونطرق الأبواب طلباً للقرقاعون".
أما العشرينية من العمر نوف حجي، من منطقة البسيتين الجديدة فهي تنتظر ليلة القرقاعون بفارغ الصبر من خلال تجهيز الأطعمة الشعبية المحببة للضيوف ووضعها في أوانٍ شعبية، ويقومون بدعوة الأقارب والأصدقاء للاحتفال معهم بهذه الليلة. وتؤكد على قيامهم بتعليق الزينة على واجهة المنازل. وإدخال الفرحة في قلوب الأطفال من خلال قيامهم بشراء الهدايا وتغليفها لهم.
وعن قضاء ليلة القرقاعون، تضيف نوف بأنهم يقومون بإعداد برنامج خاص بهم يشتمل على فقرات كالفريسة، ومسابقات، وترديد الأغاني الشعبية، واسترجاع الزمن القديم من خلال صور قديمة لليلة القرقاعون. وتقوم نوف بجولة في السيارة مع أطفال العائلة ليشاهدوا مظاهر الاحتفال في المناطق المجاورة.
وتأمل بعودة مظاهر الاحتفال كسابق عهدها. فتسترجع احتفالاتهم عندما كانوا صغار بدخولهم المنازل حاملي كيس القرقاعون وترديد (عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم..عطونا من مال الله..الله يخلي عبدالله). مشيرة إلى إنه ليس من المهم أن يظهر القرقاعون بشكل باذخ ومسرف. لأن المعنى الحقيقي لهذه المناسبة يتمثل بالبساطة والتأكيد على الروابط الاجتماعية.
ويقول عبدالله جميل، من منطقة عراد انه يقضي ليلة القرقاعون بزيارته لدار يوكو لرعاية المسنين في منطقة الحد لأن كبار السن يبرزون الروح الجميلة والتراثية لهذه الليلة ويحضر الإحتفال الأطفال والفرق الشعبية.
وعن الأطعمة التي توزع في ليلة القرقاعون، فيؤكد بأن الأطعمة القديمة كالمتاي والرهش والحلوى والكسكبال والجاكليت مازالت توزع ولكن البعض يفضل الأطعمة السهلة كالجبس، والحلويات، والعصائر، ومنهم من يوزع النقود.
وأكد هؤلاء على اختلاف أعمارهم بأن المناسبات الجميلة ستبقى كما هي، وليلة القرقاعون تراث أصيل باق مع مرور الزمن. ويجب على البحرينيين الحفاظ على تراثهم الشعبي الأصيل الذي يبرز روح المحبة التي تسكن قلوب أبناء هذا العشب الأصيل. وأن الشهر الفضيل بمناسباته كليلة القرقاعون، والغبقات، وحضور المجالس، وليلة القدر، والتجهيزات للعيد إنما هي روح هذا الشهر الفضيل الذي يزيد من الترابط والمحبة.