زهراء الشيخ
"أفضل ما بقي من رمضان لوّل هو ختم القرآن، والتقرب لله أكثر من سائر الشهور، وكم أتمنى بقاءه فما أن يهل علينا الشهر الكريم حتى يذهب سريعاً مع الدعاء بأن يتقبل الله أعمالنا فيه".. بهذه الكلمات تستحضر زكية علي وهي امرأة في العقد الخامس من العمر، سماهيجية الأصل، تستحضر ذكرياتها عن رمضان لوّل، وعنه تقول: "مازلت أفتتح صباح أول يوم رمضان بزيارة الأهل وتهنئتهم، رغم أن الكثيرين تخلوا عن هذه العادة واكتفوا باستخدام الهاتف للمباركة بحلول الشهر الكريم، إلا أنني أصر على تقدير الأهل والتعني لهم، وأختتمه بالشيء ذاته صباح العيد".
وتضيف زكية: "لرمضان قديماً رونق خاص لم يعد موجوداً الآن، فأيامه تدور في خلدي كلما أتى، تملؤني الحسرة على ماضٍ لن يعود، أستحضر طفولتي فيه، وأقارنها بأطفال هذا الزمن، ولا أجد أي تشابه. في حدود الثامنة من العمر، تتبدل ألعابنا كلما آتى رمضان، فتصير تقليد ما تفعله الأمهات في الشهر ذاته، وإحداها، نأخذ خشوف الفخار الصغيرة "قطع الفخار المتكسرة"، ذات اللونين الأحمر والأخضر، الأول نقوم بدقه، وطحنه، ثم عمل طبخات منه، عصير أو خبيص وغيرها من الطبخات القديمة، ولا ننسى وضع الزيت فوقهم باستخدام الجزء الأخضر، ونوزعه على بعضنا، كما تدور الصحون بين البيوت عصر كل رمضان سابقاً".
تسكت قليلاً متذكرة الماضي الجميل ثم تضيف: "كانت العادات والتقاليد والعلاقات الودية السائدة بين الجيران تقضي باحترامهم وتقديرهم وإرسال "نغصة" لهم مع أحد الأبناء، حيث إن الوالدة تطبخ الهريس مثلاً وترسل صحوناً للبيوت المجاورة، وفي اليوم التالي يعيدون لنا الصحون بـ"نغصة" من طباخهم، أو حتى ترسلنا لاستعادة صحوننا عصراً دون أي حرج، كان الأكل قليلاً وبسيطاً، مليئاً بالحب والود".
وتواصل: "عادة توزيع الأكل موجودة حتى الآن، لكنها مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه سابقاً، بحجم انتشارها، وشكلها، كل واحدة تخاف على أوانيها وترسل لجيرانها الأكل في "البارسل" رغم خلوه من الطعم والألفة، كما ترسله مع الخادمة غالباً، ويتباهون بعدد الأطباق فكل واحدة تقدم لجارتها أكثر مما أعطتها. التقليد قائم كأنما هو المهم كشكل، أما الألفة فقد تلاشت مع الأسف".
وعن تفاصيل أيام رمضان لوّل تقول: "يجمعني الهريس مع صاحباتي عصراً، "نضربه" ويعطوننا القدر نزيل "القشارة" -أي ما يلتصق بقاعدة آنية الطبخ- ويتكرر المشهد كل عصرية ببيت مختلف. وقبل الأذان بقليل ننتقل للمسجد، ننتظر المؤذن ببراءة أطفال في عقدهم الأول، حين يأتي نبادره القول "أذن يا مؤذن ترا الصيام جاعوا، وإذا ما أنت مأذن جاتك حجر في دماغك، أذن يا بو عيسى خلنا نحط الهريسة"، نفرح ويفرح بشقاوتنا، حتى أنهُ لا يفوت السؤال عمن غبن، وإرسال السلام لهن".
وتواصل زكية سرد ذكرياتها: "في عامي الـ9 بدأت الصيام، كان والداي -رحمهما الله-، يرفقان بي ويشعرانني بأن الإسلام دين يسر وتسامح، حيث يسمحون لي بشرب الماء عند عودتي من المدرسة، ثم المواصلة حتى الأذان، وكنت أشرب في حالة شعرت بالعطش الشديد.. بالعمر ذاته دخلت المطبخ بجانب والدتي، نعد الثريد والهريس يومياً فهما الأهم لدى والدي، وكذلك القيمات الذي لا أستغني عنه حتى الآن. وبعض الوجبات الأخرى المنتشرة في ذلك الوقت.. وفي السحور أشهر ما يتناول فهو اللبن والتمر".
وتردف مبتسمة: "من الذكريات الخاصة بعائلتي، الجميلة والعزيزة على قلبي، إيقاظ والدي لعمي وقت السحور، ليس بالهاتف كما يفعل الناس حالياً، إنما كان يسكن في المنزل الملاصق لنا، بيننا جدار فيهِ "روشنة" "صندوق في الجدار كالنافذة، غير مفتوح" بها مطرقة خاصة يستخدمها وقت السحور، ويعيد عمي الطرق حال استيقاظه".
تنتقل زكية للحديث عن ليلة القرقاعون وعنها تقول: "كانت ليلة القرقاعون مميزة، وفيها متعة كبيرة، ألبس "البخنق" الأسود ذا "الزري" الأصلي، نتجول من منزل لآخر، وعندما نعود، ننثر حصيلتنا، نعزل الحلاوة "الملبس"، و"السكسبال"، و"الفلوس"، وكان يعتبر منظراً جميلاً اختفى، وآخر ثلاث ليالٍ، تكتسي بطابع وداعي، يردد فيها المسحر الوداعية، ونخرج سيراً خلفة لتوديع رمضان العزيز على القلوب، بينما سائر الليالي نكتفي بمشاهدته من أعلى سور المنزل، أما المسحر الآن فقد أصبح تقليداً فقط لا حاجة فعلية للناس".
وتختم زكية حديثها بوصف أجواء ليلة العيد قائلة: "ليلة العيد يشتري لنا الوالد ثياباً جديدة، وفي يوم العيد نطبخ "الغدا" في المنزل وغالباً ما يكون "مجبوس"، ويزورنا الأهل، ونجتمع في ألفة ومحبة فيه".