فاطمة عبدالله خليل

اقترح أستاذ الإعلام السياسي ورئيس قسم الإعلام بجامعة الإمام د. عبدالله بن عبدالمحسن العساف، قيام عاصفة حزم أخرى غير الأولى التي أثبتت نجاحها فيما وضعت من أجله، وبخطٍ موازٍ دعا لتنويع سلة العلاقات الخليجية الاقتصادية السياسية.

وأشار إلى أهمية عدم الركون للعلاقة المنفردة بالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل الاستفادة من الحقبة الأوبامية، وجاء في هذه الدعوة ضرورة بناء علاقة دائمة مع دول مثل روسيا والصين تقوم على التحالف لا شراء المواقف
.

وأكد العساف، مساعي مراكز الأبحاث لتقديم الصورة كاملة لصانع القرار السياسي والعمل على تقريب وجهات النظر وإضاءة أوجه الاستفادة من تلك العلاقات المتنوعة، غير أن ذلك كله مرهون بقبول السياسي لدور تلك المراكز والمساحة التي يمنحها إياها مما يراه منطقته الخاصة التي لا يسمح باقتحامها أو الخوض فيها، حسب قوله.

وبينما تؤكد جهات حكومية مسؤولة بالمملكة العربية السعودية عن استقلالية الحج عن السياسة، بين العساف أن الحج والعمرة من أدوات القوة الناعمة التي نمتلك لكننا لم نفعلها ولم نستفد منها كما يجب.

ووقف العساف وهو الرئيس التنفيذي لشركة Communication Innovation Crop على مآخذ الإعلام في الخليج العربي، إذ أشار إلى أن أغلبه قائم على غير أبنائه، وأنه يعيش أزمة خطاب سياسي، مؤكداً وجوب النظر للإعلام الخليجي كشريك إستراتيجي وكأحد أسلحة المنظومة الخليجية.

ولفت إلى وجود أهداف وغايات ضخمة يمكن تحقيقها من خلال الجهاز الإعلامي، ككسب ولاءات خارج الحدود بحسب ما يمكن أن تمتلكه دول الخليج من إمبراطوريات إعلامية عابرة للحدود، وقاده هذا الحديث إلى انتقاد العملية الأكاديمية في كليات الإعلام الخليجية وفقدان الصلة بينها وبين المؤسسات المهنية في المجال
.

انفصال جنوب اليمن

وارتأى العساف تقديم مقترحاته على نحو تفصيلي مستثمراً فرصة اللقاء في صفحة "ضفاف الخليج" التي وضعت خصيصاً لمخاطبة صانع القرار السياسي من قبل النخب السياسية والفكرية الخليجية، وبدأ الحديث حول انفصال جنوب اليمن إذا ما كان في ذلك مصلحة خليجية، في محاولة لتحديد الدور الخليجي المرتقب إزاء ذلك الانفصال.

وقال العساف: "استغل عدد من الأصوات والأطراف حالة الحرب والفوضى في اليمن؛ لتبدأ بتحقيق حلمها الذي طال انتظاره والمتمثل في مشروع الانفصال وتقسيم البلاد إلى شمال وجنوب، دون وعي منهم أن انفصال الجنوب اليمني في هذه المرحلة خطرٌ على اليمن وأهله قبل أن يكون خطراً على الآخرين الذين سيطالهم دون شك من شظايا هذا التقسيم، وخصوصاً السعودية وعمان وبقية دول الخليج".

وأشار إلى أن "الانفصال سيعزز الفوضى في الشطرين؛ فالجنوب لا يختلف عن الشمال من حيث تكوينه القبلي المتنافس والمتصارع والطامح للحكم وتحقق المصالح"، داعياً دول الخليج العربية إلى "القيام بعاصفة حزم أخرى لرأب الصدع والسعي مع الأطراف اليمنية المختلفة والفاعلة لتغليب المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الشخصية والحزبية والقبلية".

وحذر العساف من تساهل دول الخليج على هذا الصعيد إذ سيفتح التساهل بوابة جهنم ليس على اليمن وحسب، بل على المنطقة بأسرها، حسب قوله، وأن
"اليمن سينتهي إلى الأبد نتيجة الصراعات القبلية بين الشمال والجنوب وبين أبناء الجنوب أنفسهم". وقال "دول الخليج معنية بالدرجة الأولى برفض هذا الانقسام بحزم، وأن تعمل من الآن على رسم شكل اليمن الجديد بشكل فيدرالي أو كونفدرالي يحفظ لكل طرف خصوصيته.

الخليج وروسيا

وفي انتقالنا للجدل المثار حول روسيا مؤخراً، وفي سبر لأغوار العلاقات الخليجية الروسية وانعكاساتها على الأزمة السورية، كشف عن علاقات خليجية خارجية دون مستوى الطموح وتحديداً العلاقات الروسية الخليجية ووصفها بأنها "ليست بالمستوى المأمول في هذه الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة"، ووقف على مفارقة ضعف العلاقات الخليجية مع روسيا بالرغم من كونها "أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة والعالم اليوم، إذ بدأت تستعيد مكانتها كقطب فاعل منافس للولايات المتحدة".

ودعا العساف إلى فتح آفاق علاقات جديدة عبر عنها بقوله أننا في الخليج العربي. وقال
"علينا أن ننوع سلة علاقتنا السياسية بشراكات إستراتيجية مع قوى عظمى كالصين وروسيا تحديداً، وألا نركن لعلاقتنا بأمريكا، وأن نستفيد من الفترة السابقة إبان الحقبة الأوبامية؛ فأمريكا حليف وشريك إستراتيجي، لكن لا يجب أن يكون هو الشريك الوحيد".

وأضاف العساف "لدينا مقومات شراكة إستراتيجية مع روسيا علينا الاستفادة منها وتفعيلها، النفط والغاز، وغيرها من الفرص الاستثمارية، بالإضافة إلى الثقل الروحي والموقع الإستراتيجي، التي يجب الإفادة منها في ملفات المنطقة بشكل عام والملف السوري بشكل خاص، فالوجود الروسي في سوريا إستراتيجي، وليس أيديولوجياً كما هو حال النظام الإيراني. روسيا يهمها ضمان مصالحها، وليس من يحكم سوريا، وهذا يسهل عملية التفاوض معها".

وعزز العساف دعوته بالتأكيد على التطلعات الروسية لشراكة حقيقية مع دول الخليج العربي، واصفاً تلك التطلعات بأنها "ليست مؤقتة ولا مرتبطة بصفقة أسلحة أو غيرها".

وأضاف
"أن روسيا ليس لديها تاريخ عداء مع العالم الإسلامي كما هو حال الغرب؛ فالباحثون الروس يرون أن فرص التقارب الكثيرة والجوار بين الطرفين كفيلة ببناء هذه العلاقة الدائمة والقائمة على تحالف وليس شراء مواقف.

ونوّه العساف إلى دور مراكز الأبحاث في تقريب وجهات النظر الخليجية الروسية، إذ ليس ثمة شك في "أن هذه المراكز تعد سفراء غير معينين لا تقيدها اللغة والأعراف الدبلوماسية، ويكمن تميزها في أنها تمتلك طريقة تفكير متحررة وغير مقيدة كما هو حال السياسي، لذا فهي نافذة مهمة لتقديم دراسات معمقة عن فرص التعاون وآثارها وأهميتها والحاجة إليها وقدرتها على التحدث دون قيود والتواصل مع الجميع بلا حدود"، غير أن العساف ختم قوله بالإشارة إلى أن "نجاح هذه المراكز مرهون بقبول السياسي لعملها والخوض فيما يراه السياسي منطقته الخاصة التي لا يسمح باقتحامها".

وذكر العساف أن "مشروع تقسيم سوريا الحالي بريطاني أمريكي في الأساس، وهذا ما يسعيان لتنفيذه ليس في سوريا وحدها، بل في العراق واليمن وغيرها، أما روسيا فهي تشعر بصدمة وخيبة أمل وخديعة من الغرب إذ لم تنل نصيبها في العراق، وتم القضاء على حليفها في ليبيا".

وأكد أن روسيا استطاعت العودة مجدداً لسوريا وليبيا، وفرضت وجودها، وأصبحت التسوية في هذين البلدين تحديداً يجب أن تمر من بوابة الكرملين
. ولم يغفل العساف الوقوف على حديث وصفه بالمبكر حول المطالبة الروسية بإعادة إعمار سوريا، في تلميح لدول الخليج بدفع فاتورة الدمار.

وأشار العساف إلى أن إعمار سوريا مرهون بتسوية الملف السوري؛ ورحيل الأسد ونظامه والقوى الإقليمية والمليشيات الإرهابية من الأرض العربية السورية، وصياغة الدستور وتشكيل الحكومة الإنتقالية، ثم يجب أن تكون هناك مساهمة دولية وخصوصاً من روسيا التي دمرت طائراتها البنى الفوقية والتحتية، والتي ترفض روسيا المساهمة فيها وتطالب دول العالم أن تتكفل بدفع فاتورة ما أفسدته
.

وأوضح أن عملية الإعمار تقدر بترليون دولار، ستكون دول الخليج في طليعة المانحين، لكن بعد عودة سوريا العربية وانسحاب إيران ومليشياتها.

القيمة التأثيرية للقوة الناعمة

وقال العساف: "نمتلك في الخليج العربي أدوات القوة الناعمة، لكننا لم نفعلها ولم نستفد منها كما يجب؛ لدينا في السعودية الحج والعمرة، ولدينا في الخليج البعثات الدراسية والسياحية، ووسائل الإعلام والسياحة والمنح الدراسية التي تقدم للدول المختلفة، والزيارات الخاصة، والمعارض، والفنون والتراث الخليجي الثري، وغيرها.. لكننا لم نقم باستغلالها كما يجب".

وانتقد العساف أغلب الإعلام الخليجي كونه قائماً على غير أبنائه، مشيراً إلى أن هذا واحد من أهم عوامل ضعفه، حتى وإن كان في طليعة الإعلام العربي من خلال أعداد المشاهدة، مشيراً إلى الإعلام الخاص.

أما الإعلام الرسمي فحركته بطيئة ولا زال تقليدياً حسب قوله، مبيناً أن الإعلام رسالة، وصانع رأي، وقائد ومؤثر، وليس ناقلاً للخبر الذي تفوقت عليه وسائل التواصل الاجتماعي، لذا يجب النظر للإعلام الخليجي كشريك إستراتيجي وكأحد أسلحة المنظومة الخليجية، وأن تكون له رؤية واحدة مشتركة ينطلق من خلالها، ودعا العساف إلى أن يكون في الخليج العربي غرفة عمليات إعلامية مشتركة يتم من خلالها تبادل المعلومات والأخبار والصور
.

ووقف العساف على الخطاب السياسي الخليجي، مشيراً إلى أن الأحداث المختلفة التي مرت بها دول المنطقة ومنها دول الخليج العربي كشفت بأن الإعلام الخليجي يعيش أزمة خطاب سياسي، رغم وجود منظومة خليجية موحدة.

ولفت إلى وجوب أن تكون تلك المنظومة
"متحدثاً رسمياً باسمه"، مضيفاً أنه "رغم توافر الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة في الخليج، إلا أن إعلامه لم يكن بمستوى ثقله الديني والسياسي والاقتصادي، باعتماده على ردة الفعل واستخدام اللغة الاعتذارية والتبريرية وصياغتها في قوالب إنشائية؛ ما انعكس على قيمته التأثيرية في البيئة الإعلامية الدولية.

وأكد العساف أن وسائل الإعلام تحولت إلى أدوات لنقل الأفكار بشتى أبعادها، ما يتطلب جهداً منظماً وعملاً دؤوباً لتوظيف هذه الصناعة في التقارب بين الشعوب، كأول أدوات الدبلوماسية الشعبية استخدماً وتحقيقاً للأهداف المنشودة، ما يدفعنا للقول إن قوة الدول العظمى لم تعد تقاس بالسلاح فحسب، بل صار للتفوق عناوين أخرى ومجالات مختلفة، وأصبحت تكنولوجيا الاتصال والإعلام من الأعمدة الرئيسة لقياس قوة الدول وتقدمها، وقدرتها على نقل ثقافتها وتوطينها وكسب ولاءات خارج الحدود بحسب ما تمتلكه من إمبراطوريات إعلامية عابرة للحدود، وقادرة للترويج والدعاية لمن يمتلكها أو يمولها.

وقال: "إيران مثلاً لديها مشروع ورؤية إستراتيجية تعمل على تنفيذها وتمريرها بتوظيف القوة الناعمة بعكس دول الخليج التي لا تتقاسم رؤية مشتركة تجاه إيران، ولهذا نحتاج رؤية سياسية موحدة يساندها أجندة إعلامية مشتركة وبرامج موحدة قادرة على تسويق دول الخليج العربي، وفي ذات الوقت قادرة على الدفاع عنها، فمن لدية إعلام مهني وقوي كمن لديه سلاح متطور يهابه الأعداء، والإعلام اليوم أحد هذه القوى التي يجب توفيرها
".

وفي مقارنة بين الإستراتيجية الإعلامية الإيرانية ونظيرتها المفقودة في الخليج العربي قال العساف: "توظف إيران اللغة والبعد الحضاري وشعاراتها الثورية وتشابهها مع كل مجموعة عرقية أو دينية تحاول النفاد إليها؛ حيث يلاحظ مراقب وسائل الإعلام الإيرانية توظيف النظام الإيراني إستراتيجية دعائية مدروسة لنقل رسالته على الساحتين الداخلية والخارجية، تتميز بتوظيف اللغة وانتقاء مصطلحات وعبارات معينة تخدم هذه الإستراتيجية، وهذا ما لا يتوفر لدى دول الخليج العربي".!!

وبعد تلك المكاشفة البناءة واللاذعة في نفس الحين، ورغم ما قدم العساف من توصيات وحلول لتطوير الإعلام الخليجي أو أهداف إستراتيجية في خطوط عريضة، كان من الضرورة الوقوف على أهم مقومات نجاح الإعلام الخليجي، وهو الكادر المشتغل بالإعلام، ومدى تأهيله لحمل تلك المهمة الثقيلة.

وعن تقييمية لمخرجات كليات الإعلام الخليجية وجاهزيتها لمتطلبات المرحلة الراهنة، قال إن
"تأسيس أقسام الإعلام يعد وسيلة أساسية لتأهيل وصقل الكفاءات المتخصصة في المجالات الإعلامية المتنوعة، وبناءً على هذا الهدف فإن تلك الأقسام مطالبة بمواكبة حاجة السوق المتجددة وفقاً لما تمليه التغيرات المتلاحقة في مجال التقنية الإعلامية".

وأضاف العساف "مما يؤخذ على بعض الكليات أو الأقسام في دول الخليج العربي، عدم وجود رؤية واضحة وبناء شراكات إستراتيجية مع مؤسسات إعلامية مختلفة لتدريب طلابها في المستويات المتقدمة في الإجازة الصيفية كشرط من شروط التخرج، حيث ظلت كليات وأقسام الإعلام تتشابه في موادها النظرية وتفتقد إلى التنسيق فيما بينها من حيث الأهداف، والرؤى، وأساليب الدراسة، وإمكانات التكامل بينها في مجال نوعية الدراسات الإعلامية لكل منها، مما يسهم في فقدان التكامل في الدراسات الإعلامية".

وأردف "هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في العديد من المقررات، سواء من خلال حذفها تماماً أو تنقيحها بما يتواءم مع متطلبات العصر، وعدم الاكتفاء بتدريس المقررات من أعضاء الهيئة التدريسية فقط؛ بل لا بد من الاستعانة بالمهنيين الذين يمارسون العمل في وسائل الإعلام المختلفة وخصوصاً مواد التدريب أو المقررات العملية"

وأشار إلى أنه
"وبصفة عامة، أصبحت المؤسسات الإعلامية في السعودية تسعى لاستقطاب خريجي الإعلام في السنوات الأخيرة بعد تعديل الخطط الدراسية، لتلبي متطلبات سوق العمل، فكثير من الذين نراهم الآن ونسمع لهم هم خريجو الجامعات السعودية".