ما زالت الشقيقة قطر وبعد ثلاثة أسابيع من اندلاع الأزمة تصر على مواقفها المتعنتة، وتواصل سياساتها غير المسؤولة، بل إنها وبطرق شتى تصعد من خلافاتها مع أشقائها، ما سيعمق من عزلتها الإقليمية والدولية.
وتبدو التصرفات القطرية ـ وهي في الحقيقة أخطاء سياسية قاتلة ـ وكأنها رسالة من الدوحة تصر فيها على أنها ستواصل المقامرة بمستقبل المنطقة ككل، وليس فقط بعلاقاتها مع محيطها وعمقها الاستراتيجي الأهم، ودائرة انتمائها الأولى، وهي دول مجلس التعاون الخليجي.
ولعل أبرز الأخطاء القطرية هي عدم الرضوخ لصوت المنطق، فبدلاً من أن تعي الدوحة دوافع أشقائها بقطع العلاقات معها، وتراجع نفسها وتعدل من سياساتها وتعلن التزامها بالقرارات المتفق عليها، فإنها تملي شروطها، وترفض أي محاولة للتعقل، في إشارة واضحة إلى أنها اختارت طريق التصعيد. وأحدث الأدلة على ذلك تلك التصريحات التي أطلقها وزير خارجية قطر،الاثنين، وقال فيها إن بلاده لن تتفاوض ما لم تُرفع إجراءات المقاطعة عنها.
ولا يعني ذلك في مفهوم العلاقات الدولية إلا أن قطر ترسل إشارات سلبية ليس فقط للدول الأربع، ولكن أيضاً للدول الغربية بأسرها التي حثت على التهدئة والحوار للوصول إلى حل، ما سيضطرها آجلاً أو عاجلاً إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الدوحة، وربما تشهد الأيام القادمة إعلان دول أخرى مقاطعة قطر، ومزيداً من الإجراءات ضدها، خاصة أن الموقف الإقليمي والدولي بات في صف الدول الأربعة.
ثاني الأخطاء التي ارتكبتها قطر، وما زالت تروج لها، تتعلق بالادعاء زوراً بأنها تتعرض لشيء آخر غير مجرد المقاطعة سعياً إلى استجداء تعاطف دول العالم معها، مع أن الإجراءات التي اُتخذت تندرج تحت إطار قطع العلاقات، وهي إجراءات سيادية مشروعة تقرها المواثيق والعهود الدولية، وحق محفوظ بلغة القانون الدولي والعلاقات الدولية متبع منذ قرون، بل إنها تجاهلت عن عمد حقيقة وجدوى إجراءات الدول الخليجية بشأن الأسر المشتركة، وذلك للحد من أية أضرار إنسانية يمكن حدوثها.
الغريب في الأمر، أن الدوحة تدعي أنها تتعرض لمقاطعة شاملة، وفي نفس الوقت تتباهى بقوة اقتصادها، وأنها لن تتضرر من ذلك، ما يطرح التساؤل: لماذا إذن هذا التناقض والادعاءات الباطلة، ولماذا هذا التصعيد، وهل هو لاستجداء تعاطف الآخرين؟! أم هي محاولة لإلهاء العالم عن سلوكياتها ومواقفها؟!
والواضح هنا، أن الدوحة لا تدرك حقيقة أن هروبها من مناقشة أصل القضية وإثارة الضجيج الإعلامي حول جوانب ثانوية لن يجلب لها تفهم العالم، خاصة أن الدول الأربع تتحرك لإقناع المجتمع الدولي، وخاصة القوى المؤثرة، أن خلافها مع قطر يستمد مشروعيته من القانون، وهو وجه من وجوه الحرب على الإرهاب، وأن القضية ليست خلافاً حدودياً أو دبلوماسياً طارئاً يمكن أن تحله وساطات أو دعوات للتهدئة.
ثالث الأخطاء التي ارتكبتها الدوحة هي محاولة تدويل الأزمة، رغم أن الأزمة خليجية ـ عربية، وحلها لن يكون إلا في البيت الخليجي. ولكن بدلاً من إدراك ذلك سعت الدوحة لدى عدد من العواصم الغربية التي لم تستجب لها، وأكدت مجدداً أن الحل لا بد أن يكون خليجياً، وليس في أي مكان آخر، وأن على قطر أن تأخذ مخاوف جيرانها بجدية، سيما فيما يتعلق منها بدعمها وتمويلها للإرهاب.
رابع الأخطاء القطرية يتعلق برهان قطر على الوقت لحل خلافها مع الدول الأربع، وهو خيار خاطئ بدوره، لأن القرار الخليجي هو قرار استراتيجي يرتبط بنظرة عميقة لواقع ومستقبل المنطقة، ولتعي الدوحة أنه لن تنتهي الأزمة معها إلا بتنفيذها للمطالب الخليجية ـ المصرية.
وقد اتضح هذا الموقف الخليجي الصلب في تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات الذي أكد أن عزل قطر قد يستمر سنوات إذا استمرت في نهجها، ولم تستجب لمطالب الأشقاء والعالم منها، وتعدل عن دعم للمتطرفين. كما أنه بمرور الأيام، يترسخ وضع الدول الأربع سياسياً وأخلاقياً على المستوى العالمي بعد إدراك العالم لفداحة الممارسات القطرية ومضارها، وأن موقف الدول الأربع الصارم من قطر جاء نتيجة تملصها من تنفيذ تعهداتها التي قطعتها على نفسها من قبل.
خامس الأخطاء وأفدحها، أن قطر لجأت إلى الاستعانة بدول لها أجندتها للخروج من أزمتها، في إصرار على المضي قدما في تعنتها وعنادها بالخروج بعيداً عن الصف الخليجي والعربي، فلجأت إلى إيران التي رأت في ذلك فرصة مواتية لشق الصف الخليجي والعربي، وبالتالي تحقيق مصالحها على حساب ذلك.
ويبدو أن قطر لا تدرك مآلات هذا العبث الذي تقوم به، فإيران ذلك الكيان الإرهابي الطائفي لا يريد سوى إشعال المنطقة خدمة لأغراضه في التمدد وتصدير الثورة، وأنه سيستخدم الدوحة لتنفيذ هذه الأهداف بما يجعل من قطر خطراً محدقاً، وهو ما لن تتقبله الدول الخليجية والعربية ولا القوى الدولية التي تعي مخاطر إيران وتسعى إلى عزلها بشتى الطرق.
وبالتالي سيزيد الموقف القطري هذا من عزلتها، وسيجعلها لقمة سائغة لإيران التي لا تحمل الخير لأي دولة خليجية أو عربية، بل تسعى لتنفيذ تطلعاتها التوسعية على حساب هذه الدول وستكون قطر هي الخاسر الأكبر.
سادس الأخطاء استمرار الآلة الإعلامية القطرية في الترويج للأكاذيب والافتراءات، ففي مواجهة حقائق أعلنت عنها الدول الأربع حول دعم قطر للإرهاب وتدخلاتها في الشئون الداخلية للدول الخليجية والعربية، ومنها تسجيلات صادمة تخص السعودية والبحرين تؤكد سعي الدوحة للتلاعب بأمنهما القومي والاجتماعي، وتفضح تآمر قطر ضد أشقائها، في مقابل ذلك قام الإعلام القطري بنشر أكاذيب لا أساس لها، الأمر الذي أكد للعالم مدى مخادعة هذا الإعلام وعدم مصداقيته، وكان آخر فضائح هذا الإعلام ترويج خبر كاذب بشأن وجود وقفة احتجاجية أمام سفارة الإمارات بلندن في حين كانت الصور المصاحبة للخبر هي لقطات لوقفة احتجاجية ضد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في وقت سابق.
ويبدو من كل ذلك، أن قطر لم تع بعد المأزق الذي وضعت نفسها فيه بتعنتها ومكابرتها، ولم تدرك حقيقة القرارات التي اتخذتها مملكة البحرين وشقيقاتها بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، رغبة في تصويب مسار سياسات الدوحة التي تنطوي على تهديد بالغ للأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين.
ولذلك، فإنه يتعين على قطر إذا ما ارادت الخروج من هذا المأزق أن تعود لجادة الصواب، وتتوقف فوراً عن ممارساتها العدائية، وتكف يدها عن دعم الإرهاب، والتدخل في شئون الدول، واستخدام إعلامها لبث الفرقة والترويج للتنظيمات الإرهابية، حتى تتمكن من العودة للصف العربي.