أكد الكاتب السعودي والباحث السياسي د.علي بن حمد الخشيبان أهمية استعادة الدول الخليجية لدولة قطر الشقيقة من مختطفيها المؤدلجين سواء كانوا دولاً أو جماعات الإسلام السياسي، مشيراً إلى أن هناك من أراد للمنطقة أن تخوض تجربة الفوضى الخلاقة التي بتنا نجني ثمارها السلبية اليوم.
وحذر الخشيبان في لقائه مع "الوطن" من التدخل الإقليمي والدولي في الأزمة الخليجية، معولاً على الدور الكويتي المثمر، مهاجماً الوساطات التركية والإيرانية التي تسعى لتحقيق أهدافها المدمرة للمنطقة.
وبدا الخشيبان أكثر تعويلاً على مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي ساهم في بناء تكوين ناجح للهوية الخليجية خلال عقوده الأربعة الماضية، مشيراً إلى أن المجلس إذ ساهم في بروز التماسك الشعبي بين دوله، فهو ما زال قادراً على تصحيح المسارات المتشابكة والمرتبكة في داخله، داعياً الدول الخليجية لوضع استراتيجية شاملة للتخلص من فكر وأيديولوجيا الإخوان المسلمين.
وكشف أن المنطقة مرّت بتغير دراماتيكي ملحوظ في المنظومة السياسية في المنطقة، وأن الدور السعودي القيادي أسهم فيه على نحو فاعل؛ فأخرج المنطقة من كثير من أزماتها وأدارها بحكمة واقتدار بمعية قادة الدول الخليجية.
الاستقرار السياسي
وفي حديث له حول أهمية الاستقرار السياسي في نماء الدول في محاولة للإجابة عن سؤال "لماذا لم تضع دول الخليج العربي تأثير الأزمات السياسية على الاقتصاد والتنمية قبل اندلاع أزمتها الأخيرة؟ وهل هناك ثمة طوفان عارم أجبرها على الوقوع في دائرة ذلك الارتباك السياسي؟"، بيّن الخشيبان أن الحديث عن دول الخليج لا يمكن الاسترسال فيه بعيداً عن منظمة مجلس التعاون الخليجي، معللاً أن الأسس تم بناؤها في هذه المنظمة التي عملت عليها دول الخليج لأربعة عقود مضت، مشيراً إلى أن بناء الاستقرار السياسي والاقتصادي لهذه الدول شكل المحور الرئيس لها وذلك منذ إنشاء المجلس في 1980م".
وأفاد أنه "لا يمكن توجيه اللوم إلى الدول الخليجية جرّاء الأزمة الأخيرة التي تمر بها دولنا، والنتائج السياسية والاقتصادية التي تتسبب فيها"، مرجعاً الأسباب إلى "ما نشاهده اليوم في إطار دول مجلس التعاون لأعمال واتجاهات منفردة قامت بها دولة خليجية، ولم يكن ذلك بسبب عدم اليقظة في بقية دول مجلس التعاون".
وأضاف أن "القراءة التاريخية للحدث الذي يعصف بمنطقة الخليج، ينقلنا إلى منتصف التسعينات الميلادية، عندما بدأ الحديث عن الكثير من الأفكار والنظريات السياسية لمواجهة مشكلات منطقة الشرق الاوسط؛ حيث بدأ انتشار مصطلحات سياسية تدور مقوماتها حول تعديلات جوهرية محتملة على هيكلية منطقة الشرق الأوسط السياسية، وقد بدا واضحاً أن هناك دولة خليجية تحاول التغريد خارج السرب بعلاقات مشبوهة مع منظمات مؤدلجة ودول ذات أهداف سيئة تجاه المنطقة"، مشيراً إلى أن "دول الخليج العربية عملت بكل قواها السياسية كي تتعامل مع هذه الأفكار المطروحة بشيء من الواقعية، وطرح الخيارات السياسية المناسبة، وتوجيه النصح على جميع المستويات سواء لدول الخليج أو المنطقة أو حتى دول العالم القوية التي كانت تدفع باتجاه مشروعاتها الاستراتيجية"، مستدركاً بالقول "لكن النتيجة أن هناك من أراد أن يخوض تجربة الفوضى الخلاقة التي عصفت بالمنطقة، وها نحن نجني ثمارها السلبية اليوم، ولعل الأزمة الخليجية التي نشهدها اليوم نتيجة طبيعية لذلك التاريخ ولسياسات غير مسؤولة تبنتها تلك الدولة التي كانت ومازالت سبب الأزمة في المنطقة".
القوة الناعمة
وبيّن الخشيبان أهمية القوة الناعمة في تحقيق أهداف دول الخليج العربية، ولكنه رأى أن يبدأ بطرح المفهوم الصحيح للقوة الناعمة وأدواتها كما هي في مسار العلاقات الدولية، مشيراً إلى أن "كثير ما تفهم القوة الناعمة كونها أدوات إعلامية أو دعائية في مجملها، والحقيقة أن الباحثين في العلاقات الدولية يرون أن القوة الناعمة هي القدرة على الاعتماد على قوة الجذب والإقناع بدلاً من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة"، منوهاً أنه "من هذا المنطلق تشكل كل من الثقافة والتاريخ والنظام الاجتماعي والتراث والمكانة الدولية، أدوات فاعلة لتحقيق القوة الناعمة، ويمكن القول أن القوة الناعمة الخليجية فاعلة بشكل مميز كون هذه الدول لديها من القوة الناعمة الشيء الكثير؛ فالخليج مليء بالتراث والتاريخ والحياة الاجتماعية الجذابة، وفي جميع دوله دون استثناء مع فروقات طفيفة تفرضها معايير اقتصادية أو جغرافية".
وكشف أن "دول الخليج تمتلك ذات التأثير تقريباً في قوتها الناعمة على المستويات الإقليمية والدولية، كونها تتشكل من مجتمعات تتميز بانسجام مجتمعي عالي، وتشترك في ذات التاريخ والثقافة والقيم والعادات والتقاليد، ولكن التأثير الأكثر على مسارات القوة الناعمة في منطقة الخليج تمثل في الانفصال المفاجئ لدولة قطر ودخولها في مسار سبح ضد التيار الخليجي".
وأضاف "تميزت دول الخليج بقوتها الناعمة، ولا أرى أنها تأثرت والدليل على ذلك مجموعة الأحداث السياسية في المنطقة، والتي ساهمت دول الخليج في التأثير على شروط النهج السياسي فيها، ولعل أكثرها تأثيراً اختيار الرئيس الأمريكي ترامب أن تكون أولى محطاته المملكة العربية السعودية الدولة الأكبر في الخليج، وعقد ثلاث قمم خصصت أحدها لقادة دول مجلس التعاون"، مشيراً إلى أن "كل ما تحتاجه دول الخليج هو استعادة قطر من مختطفيها المؤدلجين إيران وغيرها من جماعات الإسلام السياسي".
حكمة القادة
ووقف الخشيبان على تداعيات أزمة الخليج الراهنة وتأثيرها على عمل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي من جهة والعلاقات الخليجية البينية من جهة أخرى بقوله، "من المؤكد أن أزمة الخليج الراهنة لها تأثير على عمل الأمانة العامة لمجلس التعاون؛ فمازالت الصورة غير واضحة حول الموقف في قطر، ومدى إمكانية استجابتها لمتطلبات أخواتها من الدول الخليجية، وقد كانت حكمة قادة المجلس كبيرة حيث لم يتم الزج بالأمانة العامة للمجلس أو الأمين العام في أتون هذه الأزمة، وذلك يدل على أن قادة المجلس حريصون كل الحرص على وحدة مجلس التعاون رغم كل المشكلات".
وأضاف فيما يخص مستقبل العلاقات الخليجية-الخليجية أن "قطر لن تكون قادرة على أن ترتطم بقوى التاريخ، ولا أن تعزل نفسها عن بقية دول المجلس، فهي إن فكرت بذلك فإن عملية الارتطام بالتاريخ تؤدي طبعاً إلى التكسر والتفتت، وما أعنيه هنا أن على الإخوة في قطر أن يدفعوا أنفسهم للتعرف على الحقيقة التي أغضبت جيرانهم منهم، لأن معرفة الحقيقة هو الطريق الوحيد لتحرير قطر من أزمتها".
وأردف "هناك من يعتقد أن الحلول لتلك الأزمة تشبه الثمار على الشجر، هي فقط بحاجة إلى من يقطفها، وهذا تصور غير دقيق، فالحلول غير الصحيحة تؤدي إلى نتائج فاضحة، وليست الحماية بالنيابة هي من سيحل المشكلة، من خلال الاعتماد على المرتزقة، سواء جماعات مؤدلجة أو دول".
واسترسل الخشيبان "لكني مازلت أعتقد بقوة أن مجلس التعاون لن يتأثر في منظومته؛ فالمجلس ساهم في بناء تكوين ناجح للهوية الخليجية خلال عقوده الأربعة، وهذا ما ساهم في بروز التماسك الشعبي بين دوله، وقد تكون نتائج هذه الأزمة تصحيح الكثير من الأخطاء ووضع الأمور في نصابها الصحيح".
تغير دراماتيكي
وحول المعالجة السياسية للأحداث الجارية لا سيما لا مستوى الخطاب قال الخشيبان "أعتقد أن هناك محددات جديدة في الخطاب الخليجي ساهمت في تطورات وتغيرات كبرى خلال العقد الماضي؛ استجابة لما يجري في المنطقة من أحداث متتالية"، مبيناً أن "المنظومة السياسية في المنطقة تغيرت بشكل دراماتيكي وهذا ما استوجب التعامل مع المنطقة بمنهجية أكثر تقارباً مع الواقع، وخاصة أن تغيرات كبرى سادت العلاقات الخليجية-الأمريكية خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق (أوباما)".
وأكد أن "كل هذه الأسباب وسمت الخطاب الخليجي بعدة سمات، ولكن الأكثر تأثيراً في هذه السمات أن الخطاب السياسي الخليجي عكس تقارب أكثر وضوحاً بين دول المجلس، والتزمت الدول الخليجية بخطابها السياسي بمفاهيم واضحة" مبيناً أن تلك المفاهيم تقوم على "أن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام عوامل مهمة تسهم في تحقيق تنمية أعلى في مجتمعاتها وتفاعل أكبر بين شعوبها"، مع الإشارة إلى التزام دول الخليج العربي بتحقيق السلام الدولي ونبذ الإرهاب وتأصيل مفاهيم الأخوة بين شعوب العالم.
واستطرد "الخطاب السياسي السعودي جزء من منظومة الخطاب السياسي الخليجي في كثير من قضاياه، لذلك قادت السعودية مفاهيم التضامن الخليجي ودعم استقرار المنطقة ومحاربة الإرهاب ونشر السلام والمحافظة على التوازن الدولي سياسياً واقتصادياً، والحقيقة أن الخطاب السياسي السعودي حقق انفتاحا كبيراً على جميع دول العالم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وفقا لمفاهيم كبيرة تسعي لنشر السلام والاستقرار وتساهم مع العالم في محاربة الإرهاب، وذلك انطلاقا من دور السعودية الكبير كونها بلد الحرمين وقبلة المسلمين، بالإضافة إلى أنها الدولة الأكثر مركزية في العالم العربي والشرق الأوسط، وفاعل اقتصادي كبير بين دول العالم"، ناهيك عن أن "الحداثة السوسيو-اقتصادية التي تتبناها رؤية المملكة 2030، ساهمت في تحقيق انتشار دولي لمعايير التحول والتغيير الذي تسعى السعودية إلى تحقيقه على جميع المستويات".
التدخلات الدولية
ووقفت "الوطن" على أن البعض يرى في التدخلات الدولية إزاء الأزمة الخليجية أنها جاءت من أجل وضع حد للأزمة الخليجية وحماية مصالحها الاقتصادية والنفطية تحديداً في الخليج العربي، بينما يرى البعض الآخر أن كل تدخل دولي حمل معه عبوة بنزين وأعواد ثقاب ليضرم نيران الخلاف من زوايا مختلفة.
أما الخشيبان فقد عبّر عن رأيه حيال ذلك بالقول "التدخلات الدولية التي نراها هي جزء من النشاط السياسي والدبلوماسي لتلك الدول، وقد تكون لها الكثير من الدلالات، ولكن الأهم يقف خلف هذا التدخل، فهل تتدخل تلك الدول وفق أهداف إصلاحية أم غير ذلك فهذه نقطة العبور هنا، لو لاحظنا أن الدول التي كان لها محاولات للتدخل في حل الأزمة، كلها جاءت من أمريكا وأوروبا، وهذا يمنحنا دلالة أن دوافع تلك الدول مرتبط بمصالحها والأهمية الاستراتيجية لدول الخليج".
وبيّن الخشيبان النوع الثاني من التدخلات بقوله "هناك من أتى من دول مثل إيران أو تركيا، وهذا التدخل يمكن أن نصفه بأنه يدخل في مسار صب المزيد من الوقود على النار، وهذا غير مقبول تماماً من دول المجلس، وبغض النظر عن النوايا التركية فإن موقفها أقل وضوحاً من إيران كونها شريك اقتصادي وتجاري لكل المنطقة بما فيها إيران، لذلك فإن النصيحة السياسة لتركيا حول تواجدها كطرف في قضية قطر أن عليها أن تفكر بمفاهيم الحاضر والمصالح الاستراتيجية بدلاً من محاولة إجبار التاريخ على تصورات قد تستنزف الاقتصاد التركي مستقبلاً فمن متطلبات الخشوع في السياسة، استحضار المصالح الاقتصادية".
وأضاف "أكدت دول الخليج أن حل الأزمة هو شأن خليجي، ويجب أن يبقى كذلك، ودور سمو أمير الكويت في الوساطة هو المنطلق الذي تؤمن به دول الخليج بشكل كبير، لذلك يجب على الدول أن تقف موقفاً حيادياً تجاه تدخلاتها في هذه الأزمة، وأن تعمل على تقريب وجهات النظر دون ميل لطرف ضد آخر".
وأكد أن "الخليج العربي قادر بأبنائه على إدارة هذه الأزمة وإخراجها إلى بر الأمان، وقد يتطلب ذلك بعض الوقت ولكن المؤكد أنها لن تتطور ما لم يتم تأزيم المواقف عبر أطراف خارجية ترى في هذه الأزمة فرصة لها من أجل إيذاء المنطقة، وأعني بذلك تحديداً إيران".
من جهة أخرى فقد أكد الخشيبان في هذا السياق وبالاستشهاد بزيارة الرئيس التركي أردوغان لثلاث دول خليجية قبل وقت قريب، أن "التاريخ لا يؤيد عودة تركيا إلى المنطقة من خلال قطر، وعلى تركيا أن تدرك الكيفية المناسبة لربط سلوكها بمصالحها في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا الاستجابة الفورية للضغوط التاريخية في المنطقة والتي تتطلب عدم اندفاعها بهذا الشكل ولعب دور يمكن أن تكون آثاره السلبية كبيرة على الجميع"، مشيراً إلى أن "التوافق الأيديولوجي الذي اجتذب تركيا إلى المنطقة، والخيال التاريخي مع قطر، لا يعني بالضرورة القدرة على هزيمة التاريخ أو التلاعب بمقوماته؛ فالتاريخ له يد من حديد لكل من يعرفه".
مغامرات الإخوان
وأكد الخشيبان على أنه و"منذ عشرينات القرن الماضي، وجماعة الإخوان المسلمين تحاول جاهدة النفاذ إلى دول المنطقة"، مشيراً إلى أنه "يجب الإقرار أن الفرصة التاريخية الوحيد التي ساهمت في ظهور جماعة الإخوان بشكلها التنظيمي في المنطقة كانت بمنحة من القيادة في قطر، حيث استضافت الدوحة ومازالت أكبر منظري هذه الجماعة القرضاوي".
واستطرد "لهذه الأسباب يجب أن ندرك أن الاتجاه السياسي الحقيقي الذي بنيت جماعة الإخوان المسلمين على أساسه يتناقض تماماً مع الأنظمة السياسية في الخليج العربي، بل إن جماعة الإخوان كتنظيم سياسي أيديولوجي يعتبر مهدداً رئيساً وخطيراً لمجتمعات الخليج؛ لذلك فإن دول الخليج يمكنها العمل على استراتيجية شاملة للتخلص فكرياً وأيديولوجيا من هذه الجماعة التي ترى في نفسها مجاهداً عقدياً، ولديها الحق في بناء مشهد سياسي أكثر شرعية من الأنظمة القائمة".
ومن أجل تحصين المجتمعات الخليجية لكي لا تقع فريسة الإرهاب باسم الدين، قال الخشيبان "ليس هناك وصفة سحرية يمكنها أن تحمي المجتمعات من الإرهاب"، مستشهداً بمقولة مكيافلي "استخدام الدين بشكل خاطئ هو الذي يسهل المغامرات"، ومشيراً إلى أن "الإرهاب فيروس أيديولوجي يصعب التكهن بمواقع تكاثره وظهوره".
واجتهد في الوصول إلى ما أسماه البيئات الثلاث التي تبدأ منها عملية التحصين؛ فأولاً مؤسسات التعليم، وثانياً الأسرة، وثالثاً أماكن العبادة، حسب قوله. وفند رأيه "إذا استطعنا أن نبني مناهج تعليمية قادرة على أن تزرع الإنسانية في عقول أبنائنا، فهذه أول جرعات التحصين الحقيقي ضد الإرهاب، وإذا خلقنا أسرة متوازنة في كل قيمها بغض النظر عن مستواها الاقتصادي، فإننا نضمن عقلاً مستقراً غير مضطرب، وإذا حرصنا على دور عبادة متوازنة ووسطية ومتسامحة، فإننا نخلق القدوة للمجتمع بين أولئك الذي يمارسون التعليم والتوعية في تلك الأماكن".
انحراف الأصوات
ورأى الخشيبان أنه من المهم الإشارة إلى أن "وفرة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة قد أتاحت الفرصة لكثيرين لممارسة الكتابة والنقد دون ضوابط، وذلك بعكس القيم المهنية التي تتبع في الإعلام التقليدي، لذلك فإن النتيجة المحتملة لمثل هذا الانفتاح العظيم للإعلام الذي يمكن الفرد من التحكم بكل أدواته، التفاوت الكبير في مستويات التعبير"، مستشهداً بانحراف كثير من الأصوات خلال الأزمة وأننا "شهدنا تجاوز المعايير الأخلاقية في التعامل مع الآخرين، وخاصة على المستويات الشخصية عبر الإعلام تحديداً، وقد فاق هذا التجاوز فكرة المحافظة على المصالح الوطنية لدى كل طرف".
وأضاف أنه يصعب "إقناع الكثير من الفئات التي أساءت التعبير بأن هناك خطوطاً حمراء تحكم التعامل مع الآخرين عبر وسائل إعلامية مفتوحة من كل أطرافها"، وتعول على "مستوى الوعي في ثقافته المجتمعية التي يعيش فيها"، واصفاً القضية بالمعقدة.
ودعا الخشيبان الجهات المسؤولة إلى ضرورة "تبني ثقافة إعلامية تزرع في المجتمعات الخليجية، بهدف ترشيد عملية الاستخدام لهذه الوسائل، وإفهام الجميع أن المسؤولية الإعلامية في العالم كله وليست في الخليج وحده"، مشيراً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد نقلت المسؤولية في كثير من الأحيان من الحكومات إلى الأفراد، ليكون كل فرد مسؤول بشكل تام عما ينشره، مؤكداً على أهمية التأكيد على أن "الحريات في الإعلام الجديد يجب أن تمارس ضمن سياق تحدده الأدوار الاجتماعية" في أطر مسؤولة.
سلاح للجدل
ووقفنا مع ضيفنا الكريم على الوعي السياسي الشعبي باعتبار أن ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي إنما هو ترجمة لذلك. غير أن الخشيبان قد أبدى أسفه حيال الفهم الخاطئ للوعي الشعبي خلال باعتباره "سلاحاً للجدل بين الشعوب بعضها بعضاً، وبين الشعوب والحكومات"، مشيراً إلى أن هذا وصف غير دقيق لحقيقة الوعي السياسي، فما شهدته الأزمة شكل في واقعه راديكالية نقدية وليس مساراً من مسارات الوعي السياسي الخليجي".
وأضاف أن "الوعي السياسي في حقيقته مرتبط بحاجة الإنسان إلى الأمن والاستقرار والنمو والتطور، لذلك هو يبحث ويفتش عن هذه المصادر ويتوافق ويتساءل حولها، وإذا ما كانت تقدم إليه بشكل مناسب"، منوهاً إلى أن "المشكلة عندما يتجاوز الإنسان دوره في التعبير عن وعيه السياسي؛ فالحديث في السياسة لا يعني القدرة على ممارستها أو معرفة اتجاهاتها، وهذه هي النصيحة التي يمكن أن تسدى للشعوب الخليجية خصوصاً، والتي هي فعلياً تتمتع بوعي سياسي مناسب ينعكس بشكل مميز من خلال علاقة راسخة نراها بين الشعوب الخليجية ومؤسسات الحكم فيها".
واختتم الخشيبان اللقاء بتقييم إسهام البرامج الأكاديمية في رفع مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي لدى طلبة الجامعات الخليجية، مشيراً إلى أن "جامعاتنا الخليجية ومؤسساتنا الأكاديمية هي أشد ميلاً نحو عدم المساهمة في تحقيق وعي سياسي متقدم، سواء لدى المجتمع، أو حتى طلاب الجامعات، أو حتى المهتمين ورواد المراكز البحثية"، مؤكداً على أن "البرامج الأكاديمية وأقسام العلوم السياسية في جامعاتنا الخليجية لا يلتحق بها سوى من فقد بوصلة الاتجاه، حيث ترسله الجامعات إلى الأقسام النظرية عديمة الفائدة؛ لذلك فالنتيجة حول مستوى الوعي السياسي الخليجي كانت واضحة وبكل شفافية في الأزمة الخليجية الحالية".