أظهر استطلاع رأي حديث أن 57% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في البحرين يلجؤون إلى الحظر (بلوك) حين يتعرضون للسب أو القذف. فيما ينحو 27% إلى تجاهل عبارات السب.
وقال 9% من 1100 شخص شاركوا في الاستطلاع الذي أعدته "الوطن" إنهم يردون على السب بالسب، في حين يلجأ 7% فقط إلى إبلاغ الشرطة.
وينص القانون البحريني على تجريم السب والقذف على وسائل التواصل ويعاقب عليها بالحبس والغرامة.
مقدمة لجرائم أخرى
يقول المحامي باسل سليمان إن "المشرع جرم السب والقذف لحماية حق الإنسان في الشرف والاعتبار، الذي يعتبر من الحقوق اللصيقة بالشخصية القانونية والمتفرّعة عنها، أياً كانت المكانة الاجتماعية التي يحتلّها الإنسان في المجتمع. فشرف الإنسان وكرامته تمثل قيمة اجتماعية لا تقل أهمية عن تلك التي تتعلّق بحقه في الحياة وسلامة بدنه وأمواله. لذلك كانت جديرة بالحماية القانونية، واعتبار أي تعدي عليها يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة".
وأوضح أن المشرع البحريني عالج الجرائم الواقعة على الشرف والاعتبار في الفصل الرابع من قانون العقوبات وخصص لها المواد من 364 إلى 369، وحدد العقوبات المترتبة على ارتكاب هذه الجرائم.
فقد نصت المادة 364 على "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار من أسند إلى غيره بإحدى طرق العلانية واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو للازدراء".
أما السب وعقوبته فقد نصت عليه المادة 365 "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار من رمى غيره بإحدى طرق العلانية بما يخدش شرفه أو اعتباره دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة".
وحذر سليمان من أن "السب والقذف قد يكون بداية أو مقدمة لجرائم أخرى كالضرب والقتل، نظراً لما يؤدي إليه من شحن النفوس بالحقد والكراهية والرغبة في الانتقام لذلك تم تجريم السب والقذف وتقدير العقوبة تناسباً مع خطورة كل جريمة منهما".
ولفت إلى أن البعض "قد يخلط بين القذف والسب ويعتبرهما جريمة واحدة، لكن الواقع أنهما خلاف ذلك وكل واحدة منهما تمثل جريمة مستقلة لوحدها بأركانها وعقوبتها. فجريمة القذف وهي الأخطر تعرف بأنها إسناد واقعة معينة إلى المجني عليه بإحدى طرق العلانية، ويكون من شأن تلك الواقعة أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء ويعاقب عليه القانون بالحبس الذي لا تزيد مدته على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز 200 دينار.
أما السب فهو رمي شخص آخر بما يمس شرفه واعتباره ولكنه لا يتضمن إسناد واقعة معينة للمجني عليه، ويعاقب عليه القانون بحبس لا تزيد مدته على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز 100 دينار.
وأوضح سليمان أن "القانون البحريني لم ينص على عقوبة القذف والسب الذي يرتكب عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنصوص خاصة إنما اكتفى بالنصوص الواردة في قانون العقوبات، وما يؤخذ على المشرع بهذا الصدد أنه نص على تشديد العقوبة إذا ما ارتكب السب أو القذف عن طريق النشر بإحدى الصحف بسبب الانتشار وسرعة التداول، إلا أنه كان من باب أولى أن ينص المشرع على تشديد العقوبة إذا ارتكب السب أو القذف عبر وسائل التواصل الاجتماعي كونها الأسرع انتشاراً بين الناس"، مبيناً أن جريمتي السب والقذف يخضعان لقيد الشكوى المنصوص عليه في المادة 9 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني، الذي يقضي بعدم تحريك الدعوى الجنائية عن السب والقذف إلا بناءً على شكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص خلال 3 شهور من تاريخ علمه بالجريمة وإلا سقط حقه في تحريك الدعوى بعد انقضاء المدة، كما ويجوز له التنازل عن الشكوى بعد تقديمها.
عود زاده الإحراق طيباً
أستاذ السياسة الشرعية بجامعة البحرين د.محمود داوود يقول إن "القذف يصنف كجريمة حدية من جرائم الحدود المقررة شرعاً، لصيانة أعراض الناس، فأوجبت الشريعة الإسلامية حد القذف على القاذف وهو ثمانين جلدة، وعدم قبول شهادته في أي أمر من الأمور، وهو فاسق بنص القرآن الكريم، إذ يقول الله تعالى في سورة النور: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون). أما السب فيعتبر جريمة تعزيرية، وقد ورد النهي عنه في عدة أحاديث للنبي صل الله عليه وسلم منها ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفْر)".
ويضيف داوود أن "الإسلام يركز بصفة عامة على أن يكون المسلم عفيف اللسان، طاهر القلب، نظيف الفكر، لا يمس أحد بسوء حتى وإن سهلت له وسائل الاتصال الحديثة ذلك. ففي ظل تلك الوسائل انتشرت تلك الجرائم لعدة أسباب منها عدم وجود مواجهة على أرض الواقع بين الجاني والمجني عليه أو المُتسابين، فما يجمعهم هو فضاء إلكتروني".
ويشير أستاذ السياسة الشرعية إلى أن "القرآن الكريم ينهانا عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه؛ انتصاراً لآلهتهم الباطلة، ومعاملة للمسلمين بمثل ما قالوا، فقد قال سبحانه وتعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)".
ويؤكد داوود أن "المسلم الصحيح هو من يقف عند حدود الله وحد النص، ويستشعر خطورة هذه الجريمة وعقابها الذي يستحقه عند الله مهما كانت الجريمة سهلة. وأن النبي صل الله عليه وسلم أمر بعدم السباب وعدم سب الدهر أو الريح.
ويوضح داوود أن هناك من العبادات ما يربي ويعلم المسلم على عفة اللسان وعدم السب ومنها فريضة الحج، فيقول الله تعالى (... فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجّ). وكذلك فريضة الصيام فقد قال صلى الله عليه وسلم (... فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم).
وبين داوود أن "السب والقذف يؤدي إلى النزاع والشقاق، كما أنه يؤدي إلى استمراء الكذب. كما أن انتشار السب والقذف فيه إساءة للإسلام والمجتمع المسلم فيظهر بصورة غير لائقة لا تتناسب مع الصورة المشرقة للإسلام، فيظهر المسلم شخصاً سبّاباً لا يحترم الناس ولا يقدر مكانتهم".
وعن نسب استطلاع الرأي، يرى داوو أن "التجاهل أبلغ رد على من يسب، فالحظر (بلوك) وإن كان يقطع الصلة بين الشاتم والمشتوم ويوفر له الراحة بعدم سماع العبارات المسيئة مرة أخرى، فإن التجاهل يبقى الأقوى، إذ يجعل المسيء يفكر لماذا تجاهلته؟! لماذا لم ترد عليه؟! وقد يؤدي هذا التفكير إلى رجوعه عن كلامه وعودته إلى طريق الصواب. ولعل التجاهل تطبيقاً لقوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)، فالتجاهل يكون بذلك بمثابة عقوبة أدبية راقية للمُسيء وترفعاً عن الكلام البذيء وحفظاً للقدر والمكانة، إذ يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
(يخاطبني السفيه بكل قبح...فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً... كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا).