ياسمين العقيدات
أن يولد الطفل معاقاً فهذا بحد ذاته ألم لا يخفف منه سوى رغبة التحدي وخوض الحياة بالإمكانات التي توفرت له، لكن الأكثر ألماً هو الإعاقة الاجتماعية التي يعاني منها كثيرون ولا تصنف مرضاً للأسف، حين لا يتفهمون طبيعة الطفل المعاق ومشاعره فيؤذونه تارة بالسخرية وأخرى بالتنمر وثالثة بالضرب ورابعة بالتحرش وخامسة بالنبذ، والقائمة تطول.
المسؤولون في مركز البحرين الشامل لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة يتحدثون عن حالات كثيرة يتعرض فيها الطفل المعاق للعنف فقط بسبب إعاقته. ومن هذه الحالات طفلة من طالبات المركز تعرضت للضرب من والدتها عندما بدأت فقدان السيطرة عليها حين وصلت إلى الـ13 من عمرها وبدأت عليها علامات النضوج. فاعتادت ضربها كلما أبدت رغبتها في الخروج لتلعب مع أولاد الحي إذ لم تستطع توصيل مفهوم العيب في المجتمع للطفلة فلجأت إلى الضرب كوسيلة سهلة. وعندما لاحظ المشرفون وجود كدمات على الطفلة استدعوا الأم لمناقشتها، غير أنها لم تتفهم وأخرجت ابنتها من المركز. وطفلة أخرى أخبرت أمها المركز بطريقة التعامل معها في البيت إذ اعتادوا ربطها في الغرفة طوال اليوم. وللتخلص من مسؤوليتها ولو فترة صغيرة قرروا تسجيلها في المركز. وعند مناقشة الأم بخطأ الأسلوب المتبع مع ابنتها غضبت وحاولت أن تبين صعوبة التعامل معها "خصوصاً أنها فتاة وتحمل شرف العائلة"، فقررت الوالدة عدم تسجيلها في المركز. حالة ثالثة لأحد طلاب المركز يتعرض للتنمر من أولاد الحي لأنهم لم يتقبلو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة ومصاباً بمتلازمة داون. وعالج المركز هذه الحالة بالتفاهم مع الوالد من خلال دمج الطالب مع بقية طلاب المركز وحثه على الخروج مع والده للاختلاط فاستعاد ثقته بنفسه.
وعن إجراءات المركز في حال تعرض أحد الأطفال للعنف، يقول المسؤولون في رد على أسئلة "الوطن"، إن المركز في هذه الحالة يستدعي الأهل لاجتماع مع اختصاصي نفسي ومناقشة الحادثة، ووضع خطة للتعامل مع الطفل. ثم تجري متابعة الطفل بشكل مستمر من المركز عبر تقييم دوري. ويضيفون أن من مهام المركز نشر الوعي بين الأهل وفي المجتمع عبر تنظيم ورش عمل ومحاضرات وفتح المجال لأولياء الأمور لمناقشة الصعوبات، وتدريب الطفل على الاتصال بمركز الشرطة حال تعرضه للعنف.
المحيطون بالأهل مصدر الضغط
الاختصاصي النفسي محمود عبدالعال يقول "بمجرد معرفة الأسرة أن طفلها معاق تبدأ رحلة الضغوط النفسية لدى الوالدين. ولهذه الضغوط مصادرها وأسبابها وتبدأ من البيئة الاجتماعية المحيطة بالأهل، فبمجرد إطلاق كلمة معاق يبدأ الوالدين في الانسحاب تدريجياً من النشاطات الاجتماعية وعدم اصطحاب ابنهم المعاق كي لا يتعرضوا للضغوط وقد يخفون أن لديهم طفلاً معاقاً. وكلما زادت حدة الضغوط الاجتماعية قد يزيد رفضهم لوجود هذا الطفل في حياتهم. ويلجأ البعض الى وضع الطفل في الرعاية الداخلية للابتعاد عن مواجهة المجتمع وقد لا يستطيع بعض الأهل إرسال طفلهم المعاق إلى المراكز الداخلية ولا حتى للرعاية النهارية نتيجة وضع مالي صعب. وإن حاولوا يصبح الطفل عبئاً اقتصادياً عليهم، ما يزيد في ارتفاع مستوى الضغوط النفسية وإلقاء اللوم كل على الآخر فتزيد المشاكل". ويضيف عبدالعال "من مصادر الضغوط النفسية أيضا خصائص الأطفال المعاقين وخصوصاً ذوي الإعاقة العقلية الذين يعانون انخفاض مستوى السلوك التكيفي الأمر الذي يؤدي بالوالدين إلى استخدام أساليب تستخدم مع الأطفال العاديين دون وعي منهم أن هذه الفئة من الأطفال لديها قدرات وخصائص سلوكية تختلف عن غيرهم، فيستخدمون أساليب العقاب ظناً منهم أن هذا السلوك مقصود". ويضرب الاختصاصي النفسي مثلاً بحاجة بعض الأطفال المعاقين إلى تكرار التعليمات، "ما قد يؤدي بالأم أو الأب إلى الإحساس بعدم جدوى تدريبهم أو تعليمهم فيلجؤون إلى الضرب والشتم، الأمر الذي يؤذيهم نفسياً ويسبب لهم الكثير من المشكلات السلوكية والنفسية".
ويلفت عبدالعال إلى أمر أشد خطورة بالقول إن "الضعف العقلي قد يستغله البعض ممن في نفسه مرض ويعتدي جنسياً على الأطفال كونهم لا يدركون ذلك ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ما يجعلهم ضحايا للاعتداء الجنسي، وقد ينطبق هذا على بعض الإعاقات الأخرى كالمكفوفين أو المقعدين او التوحديين، الأمر الذي يزيد الضغوط الأسرية وينعكس سلباً على سلوك الأهل مع الطفل المعاق بحيث يزيد رفضهم له وسلوكهم العدواني تجاهه".
يحميهم القانون
تشخيص الاختصاصي للمشكلة نفسياً، يحيل إلى "المعرفة" باعتبارها شرطاً ضرورياً للسيطرة على المشكلة وامتلاك مقدرة التعامل مع الأطفال المعاقين، فلكل منهم خصائص وقدرات، وكثيراً من الأحيان طاقات كامنة تحتاج إلى استيعاب وتنشيط.
ولكن إذا كانت هذه الحالات موجودة، وإذا كان بعض الأهل قد أخطؤوا في عدم تحمل مسؤوليتهم كاملة، فأين القانون؟ وكيف تحمي سلطته الأطفال معاقين من شر الإعاقة المجتمعية؟
يقول المحامي أرحمة خليفة إن "القانون عامل المعاقين معاملة خاصة. وصدر قانون 74 لسنة 2006 لينظم حقوق المعاق. وفي 7 يوليو 2011 صادقت البحرين على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والغرض منها حماية تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع الحقوق والحريات وتعزيز كرامتهم، حيث يشمل مصطلح " الاشخاص ذوي الإعاقة" في هذه الإتفاقية كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو جسدية أو حسية. ونصت الاتفاقية على مبادىء عامة منها احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم".
ويضيف خليفة "نصت المادة السابعة من الاتفاقية على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الضرورية لكفالة تمتع الأطفال ذوي الأعاقة تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، على قدم المساواة مع غيرهم من الأطفال. وتوخي أفضل مصلحة للطفل، في جميع التدابير المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة. وأن تكفل الدول الأطراف تمتع الأطفال ذوي الإعاقة بالحق في التعبير بحرية آرائهم في جميع المسائل التي تمسهم مع إيلاء الاهتمام الواجب لآرائهم هذه وفقاً لسنهم ومدى نضجهم".
ولفت خليفة إلى إصدار قانون الطفل رقم 37 لسنة 2012 حيث تطرق الباب الخامس منه إلى "رعاية الطفل المعاق وتعليمه وتأهيله" ونصت المادة 31 على أن للطفل المعاق حق التمتع بنفس الحقوق المقررة لجميع الأطفال وله إضافة إلى ذلك التمتع بالحقوق التي يقضيها وضعه، وتلتزم الدولة بأن تقدم للطفل المعاق الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية والتعليمية وأن توفر له السبل للاعتماد على نفسه وتيسير اندماجه ومشاركته في المجتمع، وتكفل الدولة للطفل المعاق الحق في التأهيل والحصول على الخدمات الاجتماعية والنفسية والطبية والتعليمية والمهنية لتمكنه من التغلب على الاَثار الناجمة عن إعاقتة.
{{ article.visit_count }}
أن يولد الطفل معاقاً فهذا بحد ذاته ألم لا يخفف منه سوى رغبة التحدي وخوض الحياة بالإمكانات التي توفرت له، لكن الأكثر ألماً هو الإعاقة الاجتماعية التي يعاني منها كثيرون ولا تصنف مرضاً للأسف، حين لا يتفهمون طبيعة الطفل المعاق ومشاعره فيؤذونه تارة بالسخرية وأخرى بالتنمر وثالثة بالضرب ورابعة بالتحرش وخامسة بالنبذ، والقائمة تطول.
المسؤولون في مركز البحرين الشامل لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة يتحدثون عن حالات كثيرة يتعرض فيها الطفل المعاق للعنف فقط بسبب إعاقته. ومن هذه الحالات طفلة من طالبات المركز تعرضت للضرب من والدتها عندما بدأت فقدان السيطرة عليها حين وصلت إلى الـ13 من عمرها وبدأت عليها علامات النضوج. فاعتادت ضربها كلما أبدت رغبتها في الخروج لتلعب مع أولاد الحي إذ لم تستطع توصيل مفهوم العيب في المجتمع للطفلة فلجأت إلى الضرب كوسيلة سهلة. وعندما لاحظ المشرفون وجود كدمات على الطفلة استدعوا الأم لمناقشتها، غير أنها لم تتفهم وأخرجت ابنتها من المركز. وطفلة أخرى أخبرت أمها المركز بطريقة التعامل معها في البيت إذ اعتادوا ربطها في الغرفة طوال اليوم. وللتخلص من مسؤوليتها ولو فترة صغيرة قرروا تسجيلها في المركز. وعند مناقشة الأم بخطأ الأسلوب المتبع مع ابنتها غضبت وحاولت أن تبين صعوبة التعامل معها "خصوصاً أنها فتاة وتحمل شرف العائلة"، فقررت الوالدة عدم تسجيلها في المركز. حالة ثالثة لأحد طلاب المركز يتعرض للتنمر من أولاد الحي لأنهم لم يتقبلو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة ومصاباً بمتلازمة داون. وعالج المركز هذه الحالة بالتفاهم مع الوالد من خلال دمج الطالب مع بقية طلاب المركز وحثه على الخروج مع والده للاختلاط فاستعاد ثقته بنفسه.
وعن إجراءات المركز في حال تعرض أحد الأطفال للعنف، يقول المسؤولون في رد على أسئلة "الوطن"، إن المركز في هذه الحالة يستدعي الأهل لاجتماع مع اختصاصي نفسي ومناقشة الحادثة، ووضع خطة للتعامل مع الطفل. ثم تجري متابعة الطفل بشكل مستمر من المركز عبر تقييم دوري. ويضيفون أن من مهام المركز نشر الوعي بين الأهل وفي المجتمع عبر تنظيم ورش عمل ومحاضرات وفتح المجال لأولياء الأمور لمناقشة الصعوبات، وتدريب الطفل على الاتصال بمركز الشرطة حال تعرضه للعنف.
المحيطون بالأهل مصدر الضغط
الاختصاصي النفسي محمود عبدالعال يقول "بمجرد معرفة الأسرة أن طفلها معاق تبدأ رحلة الضغوط النفسية لدى الوالدين. ولهذه الضغوط مصادرها وأسبابها وتبدأ من البيئة الاجتماعية المحيطة بالأهل، فبمجرد إطلاق كلمة معاق يبدأ الوالدين في الانسحاب تدريجياً من النشاطات الاجتماعية وعدم اصطحاب ابنهم المعاق كي لا يتعرضوا للضغوط وقد يخفون أن لديهم طفلاً معاقاً. وكلما زادت حدة الضغوط الاجتماعية قد يزيد رفضهم لوجود هذا الطفل في حياتهم. ويلجأ البعض الى وضع الطفل في الرعاية الداخلية للابتعاد عن مواجهة المجتمع وقد لا يستطيع بعض الأهل إرسال طفلهم المعاق إلى المراكز الداخلية ولا حتى للرعاية النهارية نتيجة وضع مالي صعب. وإن حاولوا يصبح الطفل عبئاً اقتصادياً عليهم، ما يزيد في ارتفاع مستوى الضغوط النفسية وإلقاء اللوم كل على الآخر فتزيد المشاكل". ويضيف عبدالعال "من مصادر الضغوط النفسية أيضا خصائص الأطفال المعاقين وخصوصاً ذوي الإعاقة العقلية الذين يعانون انخفاض مستوى السلوك التكيفي الأمر الذي يؤدي بالوالدين إلى استخدام أساليب تستخدم مع الأطفال العاديين دون وعي منهم أن هذه الفئة من الأطفال لديها قدرات وخصائص سلوكية تختلف عن غيرهم، فيستخدمون أساليب العقاب ظناً منهم أن هذا السلوك مقصود". ويضرب الاختصاصي النفسي مثلاً بحاجة بعض الأطفال المعاقين إلى تكرار التعليمات، "ما قد يؤدي بالأم أو الأب إلى الإحساس بعدم جدوى تدريبهم أو تعليمهم فيلجؤون إلى الضرب والشتم، الأمر الذي يؤذيهم نفسياً ويسبب لهم الكثير من المشكلات السلوكية والنفسية".
ويلفت عبدالعال إلى أمر أشد خطورة بالقول إن "الضعف العقلي قد يستغله البعض ممن في نفسه مرض ويعتدي جنسياً على الأطفال كونهم لا يدركون ذلك ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، ما يجعلهم ضحايا للاعتداء الجنسي، وقد ينطبق هذا على بعض الإعاقات الأخرى كالمكفوفين أو المقعدين او التوحديين، الأمر الذي يزيد الضغوط الأسرية وينعكس سلباً على سلوك الأهل مع الطفل المعاق بحيث يزيد رفضهم له وسلوكهم العدواني تجاهه".
يحميهم القانون
تشخيص الاختصاصي للمشكلة نفسياً، يحيل إلى "المعرفة" باعتبارها شرطاً ضرورياً للسيطرة على المشكلة وامتلاك مقدرة التعامل مع الأطفال المعاقين، فلكل منهم خصائص وقدرات، وكثيراً من الأحيان طاقات كامنة تحتاج إلى استيعاب وتنشيط.
ولكن إذا كانت هذه الحالات موجودة، وإذا كان بعض الأهل قد أخطؤوا في عدم تحمل مسؤوليتهم كاملة، فأين القانون؟ وكيف تحمي سلطته الأطفال معاقين من شر الإعاقة المجتمعية؟
يقول المحامي أرحمة خليفة إن "القانون عامل المعاقين معاملة خاصة. وصدر قانون 74 لسنة 2006 لينظم حقوق المعاق. وفي 7 يوليو 2011 صادقت البحرين على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والغرض منها حماية تمتع جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعاً كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع الحقوق والحريات وتعزيز كرامتهم، حيث يشمل مصطلح " الاشخاص ذوي الإعاقة" في هذه الإتفاقية كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو جسدية أو حسية. ونصت الاتفاقية على مبادىء عامة منها احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم".
ويضيف خليفة "نصت المادة السابعة من الاتفاقية على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الضرورية لكفالة تمتع الأطفال ذوي الأعاقة تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، على قدم المساواة مع غيرهم من الأطفال. وتوخي أفضل مصلحة للطفل، في جميع التدابير المتعلقة بالأطفال ذوي الإعاقة. وأن تكفل الدول الأطراف تمتع الأطفال ذوي الإعاقة بالحق في التعبير بحرية آرائهم في جميع المسائل التي تمسهم مع إيلاء الاهتمام الواجب لآرائهم هذه وفقاً لسنهم ومدى نضجهم".
ولفت خليفة إلى إصدار قانون الطفل رقم 37 لسنة 2012 حيث تطرق الباب الخامس منه إلى "رعاية الطفل المعاق وتعليمه وتأهيله" ونصت المادة 31 على أن للطفل المعاق حق التمتع بنفس الحقوق المقررة لجميع الأطفال وله إضافة إلى ذلك التمتع بالحقوق التي يقضيها وضعه، وتلتزم الدولة بأن تقدم للطفل المعاق الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية والتعليمية وأن توفر له السبل للاعتماد على نفسه وتيسير اندماجه ومشاركته في المجتمع، وتكفل الدولة للطفل المعاق الحق في التأهيل والحصول على الخدمات الاجتماعية والنفسية والطبية والتعليمية والمهنية لتمكنه من التغلب على الاَثار الناجمة عن إعاقتة.