ياسمين العقيدات:
المعيشة لم تعد رخيصة، ومتطلبات الزواج تزداد يوماً بعد آخر، والمهور كذلك. أصوات الشباب ترتفع، الحديث عن صعوبة الزواج وغلاء المهور يكاد يكون وجبة شبابية يومية.
"الوطن" سألت الشباب عما يظنون أنه السبب الحقيقي لارتفاع المهور، فأجاب 92% من 1007 أفراد شاركوا في الاستبيان بأن المظاهر والتفاخر هي السبب الرئيس فيما قال 8% إنه العادات والتقاليد.
وعن أهم الأضرار الناشئة عن غلاء المهور، قال 42% من المستطلعة آراؤهم إن الضرر الأكبر تراكم الديون على المتزوجين. ورأى 29% أنه يؤدي إلى انحراف الشباب. وقال 16% إن الغلاء يؤدي إلى زيادة نسبة الزواج من أجنبيات> فيما اعتبر 13% أن العنوسة أهم نتائج غلاء المهور.
وأظهر الاستبيان أن المغالاة في المهور تضر البنت والشاب معاً، إذ أكد 53% أن الضرر يصيب الجنسين معاً. فيما رأى 46% أن الضرر الأكبر يقع على الشباب وحدهم، وذهب 5% إلى أن الضرر يكون على الإناث فقط .
لم أجد فارس أحلام والدي
مهند شاب متزوج قال إن "زواجي من الأقارب كان الحل الوحيد الذي جنبني عاقبة المهر الغالي وتكاليف العرس بسبب معرفة الأقارب بالوضع المادي، فقبل موافقة أقاربي لم أفكر أبداً بالتقدم لطلب فتاه أخرى. وهذه من الأسباب التي جعلتني أتاخر في الزواج. البعض يظن أنه حين ترتفع قيمة المهر يتراجع الشاب عن الطلاق حتى إن لم يكن هناك تفاهم".
فيما قال شاب آخر إن "غلاء المهور لم يعد عائقاً بالنسبة لي، إذ بدأت في جمع تكاليف الزواج مع بداية عملي. أما فكرة الزواج من الأقارب فهي نفس التكلفه تقريباً فمنهم من لا يرحم حتى وإن كان من الأقارب".
هاني شاب مقبل على الزواج، قال "ليس بمقدوري تحمل تكاليف العرس. والآن تأجل العرس لحين الموافقة على الشروط التي وضعها لي أهل العروس، فهم يريدون متطلبات تفوق طاقتي، وليس باليد حيلة. لا أستطيع التراجع عن الزواج ولا أستطيع إكمال مراسم العرس. تقدمت بطلب قرض من البنك لتيسير الموضوع حتى إن تكدست الديون علي فهذا لا يهم أهل العروس".
شابة في الـ36 من عمرها قالت إنها لم تتزوج بعد بسبب شروط والدها التعجيزية ففي كل مرة يتقدم شاب لخطبتها يطلب منه مهراً لا يقل عن 30 ألف دينار والمؤخر أيضاً لا يقل عن نفس المبلغ "لأني من عائلة غنية ولهذا السبب لم أجد حتى الآن فارس أحلام والدي الذي لم يفكر حتى بكبر سني".
"خير الصداق أيسره"
إذا كان هذا حال الشاب فماذا يقول رجال الدين عن المهور؟
الشيخ محمد حمزة ذكّر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، مضيفاً "ألمح عليه الصلاة والسلام إلى ضرورة أن يكون الزواج والقدرة عليه أمراً ممكناً ومستطاعاً إذا ما أخذ المسلم بالأسباب، ثم ذكر المقاصد الشرعية من الزواج التي ترجع إلى ضبط السلوك، وصيانة الأخلاق، وحفظ الأعراض من أن تخدش ولو بالنظرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".
وقال الشيخ حمزة "الزواج كمشروع من مشاريع الحياة، فإنه يعتريه من العقبات ما يعتري أي مشروع يقبل عليه الإنسان، ومن أشد هذه العقبات التي شغلت بال كثير من الناس، وحالت بينهم وبين الإقدام على الزواج، مشكلة غلاء المهور، حيث أضَّرت بالمجتمع، ونتج عنها ظلم كثير، وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم. ولعل من أهم أسباب انتشارها النظرة المادية للحياة والعلاقات الإنسانية، وأن كل علاقة يرتبط بها الإنسان لا يكون لها قيمة إلا إذا وزنت بالدينار والدرهم. لذلك كلما تقدمت بنا الأيام استجدت في المجتمع أمور هي من قبيل الأعباء المادية، وسرعان ما تترسخ إلى درجة أنه يتوقف عليها الموافقة بالزواج من عدمه. وللأسف الشديد يضفي عليها الناس الصبغة العرفية لتكون هي غالب أحوال الناس، والتقصير في تحقيقها لا يؤهل الشاب لأن يكون زوجاً صالحاً لهذا المشروع العظيم، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض". ولم يقل ترضون ديناره ودرهمه!"
وأضاف "من الأسباب أيضاً اعتقاد الكرامة بالزيادة في المهور - لاسيما من جهة آباء الفتيات - فيأبى القليل من المهر خشية تعيير الناس له من أنه أرخص من قدر ابنته، وهي فلانة بنت فلان!! وهذا يرجع إلى قصور البعض في فهم حقيقة المهر في الشريعة الإسلامية، ولقد وضح ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما بالغ الناس في المهور، في محاولة منه لعلاج هذه المشكلة ببيان حقيقة المهر في التشريع الإسلامي على خلاف ما يعتقده الناس جهلاً ، فقال رضي الله عنه في خطبته المشهورة: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وللمشكلة أسباب كثيرة أخرى".
الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين خالد السعد قال إن هناك عقبات مادية في عصرنا وضعها الناس في طريق الزواج أبرزها المغالاة في المهور وفي الحفلات التي تقام قبل العرس وبعده، حتى صار بعضهم يتباهى ويتفاخر بها. وكل هذا في الحقيقة أثقال ترهق كواهل الشباب الذي ينشد العفاف، وهو من العادات التي اخترعها الناس ولم يشرعها الله لهم، بل على العكس، وجدنا الإسلام يدعو إلى التيسير في قضايا الزواج وفتح أبوابه وتذليل سبله، ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه أبوداود والبيهقي والحاكم عن النبي عليه الصلاة والسلام: "خير الصَّداق - أي المهر - أيسره" و "خير النكاح أيسره". فلا ينبغي أن تقف هذه العادات الخاطئة أحجار عثرة في طريق سعادة أبنائنا وبناتنا. والتيسير في المهر ليس بالضرورة أن يكون مئة دينار أو مئة ريال أو نحو ذلك، ولكن المطلوب مراعاة حال الشاب وإمكاناته المادية وأن يكون مناسباً له".
نمط استهلاكي
ومن الزاوية الاجتماعية، قال الأستاذ في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة البحرين د.محمد منصور إن "غلاء المهور مرتبط بنسبة الإناث والذكور في المجتمع، ففي بعض المجتمعات تكون نسبة الرجال أكثر بكثير من عدد الإناث فترتفع المهور، وفي مجتمعات أخرى مثل ألمانيا تفوق نسبة الإناث نسبة الذكور فتتراجع المهور لذلك نرى بعض العرب يذهبون إلى ألمانيا وغيرها للبحث عن شريكة حياة بعيداً عن تكاليف الباهظة. والقضية الأخرى اجتماعية، فمجتمعاتنا العربية بقيت فتره طويلة جداً المعايير الخاصة بالزواج فيها معايير إسلامية بحتة وكانت تقوم على علاقات إنسانية، أما الآن في ظل العولمة فكل شيئ أصبح سلعة، حتى المرأة ينظر إليها أنها سلعة وتفاخر. أصبح بعض الناس يبحثون عن مهر أعلى وتكلفة أعراس أغلى بدل البحث عن صاحب الأخلاق والقيم الأعلى، لانها لم تعد علاقات إنسانية إسلامية بل أصبحت علاقات سلعية مالية. وفي ظل العولمة يقاس كل شيء بالمال. وللأسف الشديد تأثرت مجتمعاتنا العربية بشكل كبير بالثقافات الغربية وبقيم الاستهلاك والآن ينظر إلى الشخص حسب نمط استهلاكه مثل نوع سيارته بدلاً من أخلاقه، ومنزله بدلاً من قيمه الإسلامية أو علمه".
المعيشة لم تعد رخيصة، ومتطلبات الزواج تزداد يوماً بعد آخر، والمهور كذلك. أصوات الشباب ترتفع، الحديث عن صعوبة الزواج وغلاء المهور يكاد يكون وجبة شبابية يومية.
"الوطن" سألت الشباب عما يظنون أنه السبب الحقيقي لارتفاع المهور، فأجاب 92% من 1007 أفراد شاركوا في الاستبيان بأن المظاهر والتفاخر هي السبب الرئيس فيما قال 8% إنه العادات والتقاليد.
وعن أهم الأضرار الناشئة عن غلاء المهور، قال 42% من المستطلعة آراؤهم إن الضرر الأكبر تراكم الديون على المتزوجين. ورأى 29% أنه يؤدي إلى انحراف الشباب. وقال 16% إن الغلاء يؤدي إلى زيادة نسبة الزواج من أجنبيات> فيما اعتبر 13% أن العنوسة أهم نتائج غلاء المهور.
وأظهر الاستبيان أن المغالاة في المهور تضر البنت والشاب معاً، إذ أكد 53% أن الضرر يصيب الجنسين معاً. فيما رأى 46% أن الضرر الأكبر يقع على الشباب وحدهم، وذهب 5% إلى أن الضرر يكون على الإناث فقط .
لم أجد فارس أحلام والدي
مهند شاب متزوج قال إن "زواجي من الأقارب كان الحل الوحيد الذي جنبني عاقبة المهر الغالي وتكاليف العرس بسبب معرفة الأقارب بالوضع المادي، فقبل موافقة أقاربي لم أفكر أبداً بالتقدم لطلب فتاه أخرى. وهذه من الأسباب التي جعلتني أتاخر في الزواج. البعض يظن أنه حين ترتفع قيمة المهر يتراجع الشاب عن الطلاق حتى إن لم يكن هناك تفاهم".
فيما قال شاب آخر إن "غلاء المهور لم يعد عائقاً بالنسبة لي، إذ بدأت في جمع تكاليف الزواج مع بداية عملي. أما فكرة الزواج من الأقارب فهي نفس التكلفه تقريباً فمنهم من لا يرحم حتى وإن كان من الأقارب".
هاني شاب مقبل على الزواج، قال "ليس بمقدوري تحمل تكاليف العرس. والآن تأجل العرس لحين الموافقة على الشروط التي وضعها لي أهل العروس، فهم يريدون متطلبات تفوق طاقتي، وليس باليد حيلة. لا أستطيع التراجع عن الزواج ولا أستطيع إكمال مراسم العرس. تقدمت بطلب قرض من البنك لتيسير الموضوع حتى إن تكدست الديون علي فهذا لا يهم أهل العروس".
شابة في الـ36 من عمرها قالت إنها لم تتزوج بعد بسبب شروط والدها التعجيزية ففي كل مرة يتقدم شاب لخطبتها يطلب منه مهراً لا يقل عن 30 ألف دينار والمؤخر أيضاً لا يقل عن نفس المبلغ "لأني من عائلة غنية ولهذا السبب لم أجد حتى الآن فارس أحلام والدي الذي لم يفكر حتى بكبر سني".
"خير الصداق أيسره"
إذا كان هذا حال الشاب فماذا يقول رجال الدين عن المهور؟
الشيخ محمد حمزة ذكّر بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، مضيفاً "ألمح عليه الصلاة والسلام إلى ضرورة أن يكون الزواج والقدرة عليه أمراً ممكناً ومستطاعاً إذا ما أخذ المسلم بالأسباب، ثم ذكر المقاصد الشرعية من الزواج التي ترجع إلى ضبط السلوك، وصيانة الأخلاق، وحفظ الأعراض من أن تخدش ولو بالنظرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج".
وقال الشيخ حمزة "الزواج كمشروع من مشاريع الحياة، فإنه يعتريه من العقبات ما يعتري أي مشروع يقبل عليه الإنسان، ومن أشد هذه العقبات التي شغلت بال كثير من الناس، وحالت بينهم وبين الإقدام على الزواج، مشكلة غلاء المهور، حيث أضَّرت بالمجتمع، ونتج عنها ظلم كثير، وهذه المشكلة ليست وليدة اليوم. ولعل من أهم أسباب انتشارها النظرة المادية للحياة والعلاقات الإنسانية، وأن كل علاقة يرتبط بها الإنسان لا يكون لها قيمة إلا إذا وزنت بالدينار والدرهم. لذلك كلما تقدمت بنا الأيام استجدت في المجتمع أمور هي من قبيل الأعباء المادية، وسرعان ما تترسخ إلى درجة أنه يتوقف عليها الموافقة بالزواج من عدمه. وللأسف الشديد يضفي عليها الناس الصبغة العرفية لتكون هي غالب أحوال الناس، والتقصير في تحقيقها لا يؤهل الشاب لأن يكون زوجاً صالحاً لهذا المشروع العظيم، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض". ولم يقل ترضون ديناره ودرهمه!"
وأضاف "من الأسباب أيضاً اعتقاد الكرامة بالزيادة في المهور - لاسيما من جهة آباء الفتيات - فيأبى القليل من المهر خشية تعيير الناس له من أنه أرخص من قدر ابنته، وهي فلانة بنت فلان!! وهذا يرجع إلى قصور البعض في فهم حقيقة المهر في الشريعة الإسلامية، ولقد وضح ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما بالغ الناس في المهور، في محاولة منه لعلاج هذه المشكلة ببيان حقيقة المهر في التشريع الإسلامي على خلاف ما يعتقده الناس جهلاً ، فقال رضي الله عنه في خطبته المشهورة: "ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وللمشكلة أسباب كثيرة أخرى".
الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين خالد السعد قال إن هناك عقبات مادية في عصرنا وضعها الناس في طريق الزواج أبرزها المغالاة في المهور وفي الحفلات التي تقام قبل العرس وبعده، حتى صار بعضهم يتباهى ويتفاخر بها. وكل هذا في الحقيقة أثقال ترهق كواهل الشباب الذي ينشد العفاف، وهو من العادات التي اخترعها الناس ولم يشرعها الله لهم، بل على العكس، وجدنا الإسلام يدعو إلى التيسير في قضايا الزواج وفتح أبوابه وتذليل سبله، ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه أبوداود والبيهقي والحاكم عن النبي عليه الصلاة والسلام: "خير الصَّداق - أي المهر - أيسره" و "خير النكاح أيسره". فلا ينبغي أن تقف هذه العادات الخاطئة أحجار عثرة في طريق سعادة أبنائنا وبناتنا. والتيسير في المهر ليس بالضرورة أن يكون مئة دينار أو مئة ريال أو نحو ذلك، ولكن المطلوب مراعاة حال الشاب وإمكاناته المادية وأن يكون مناسباً له".
نمط استهلاكي
ومن الزاوية الاجتماعية، قال الأستاذ في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة البحرين د.محمد منصور إن "غلاء المهور مرتبط بنسبة الإناث والذكور في المجتمع، ففي بعض المجتمعات تكون نسبة الرجال أكثر بكثير من عدد الإناث فترتفع المهور، وفي مجتمعات أخرى مثل ألمانيا تفوق نسبة الإناث نسبة الذكور فتتراجع المهور لذلك نرى بعض العرب يذهبون إلى ألمانيا وغيرها للبحث عن شريكة حياة بعيداً عن تكاليف الباهظة. والقضية الأخرى اجتماعية، فمجتمعاتنا العربية بقيت فتره طويلة جداً المعايير الخاصة بالزواج فيها معايير إسلامية بحتة وكانت تقوم على علاقات إنسانية، أما الآن في ظل العولمة فكل شيئ أصبح سلعة، حتى المرأة ينظر إليها أنها سلعة وتفاخر. أصبح بعض الناس يبحثون عن مهر أعلى وتكلفة أعراس أغلى بدل البحث عن صاحب الأخلاق والقيم الأعلى، لانها لم تعد علاقات إنسانية إسلامية بل أصبحت علاقات سلعية مالية. وفي ظل العولمة يقاس كل شيء بالمال. وللأسف الشديد تأثرت مجتمعاتنا العربية بشكل كبير بالثقافات الغربية وبقيم الاستهلاك والآن ينظر إلى الشخص حسب نمط استهلاكه مثل نوع سيارته بدلاً من أخلاقه، ومنزله بدلاً من قيمه الإسلامية أو علمه".