فاطمة عبدالله خليل:

كشف الباحث الأكاديمي السعودي د.ماجد بن عبدالعزيز التركي رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية وعضو الأمانة العامة الدائمة لمؤتمر زعماء أتباع الأديان - في كازاخستان، حقيقة الخلط الحاصل في تهمة "الوهابية" التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية لسنوات طويلة، مشيراً إلى أن الخلط جرّاء تشابه الأسماء واستغلال ذلك في الإساءة للمملكة، فهناك العالم السني الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- الفقيه على المذهب الحنبلي، والذي تعاضد مع الإمام محمد بن سعود على تأسيس الدولة السعودية، ومن جهة أخرى فهناك محمد بن عبدالوهاب الخانجي الذي ظهر في شمال أفريقيا، وهو على مذهب الخوارج "الذي يكفر أصحاب كبائر الذنوب" وكان يطلق عليه وعلى أتباعه "الوهابيون التكفيريون". وحول الأول أفاد التركي أنه لـ"شرف للإنسان أن يُنسب لذي فضل، لكننا نُدرك المغزى السيئ من صفة الوهابية لدى الخصوم".

وفي حديث له عن داعش بيّن التركي أنها "نبتة إقليمية/ دولية - استخباراتية؛ لخلق الفوضى في المنطقة "باسم الإسلام السني" حتى لا تتحرك الشعوب الإسلامية السنية" مشيراً إلى أن أولى وأهم المؤشرات لذلك عدم تعرض داعش لإيران وإسرائيل. وأفاد أن التنظيمات الإرهابية كـ"القاعدة وداعش" قد أضرت بالإسلام السني، واُستخدمت بفاعلية في شنّ حرب التشويه والمواجهة ضد السلفية التي تعتبر "روح الإسلام السني الحقيقي القائم على مذهب أهل السنة والجماعة -حسب قوله.

منوهاً إلى أهمية الالتفات لحقيقة أن "الخصوم يلعبون على تناقضاتنا الشكلية، ويضخمونها، ويستخدموها في حربهم على الإسلام"، وأن الغاية من ذلك إضعاف قوة والهيمنة على منطقة النفوذ والطموح الاقتصادي الغربي والتي عنى بها دول العالم الإسلامي وخاصة في الشرق الأوسط.

وبحكم اهتماماته في الفكر الديني ومواقفه ضد الليبرالية، فقد تعرضت الوطن لرأيه حول هذا الشأن، لتخرج بقوله "إن الليبرالية الخليجية جاءت امتداداً للمشروع الأمريكي "لنشر الليبرالية الأمريكية في العالم" والتي نادى بها الرئيس الأمريكي الأسبق/ دونالد ريجان، غير أن السلوك الليبرالي الخليجي لا يدعم أنظمة الخليج، بل يمهد للمصالح الأجنبية في المنطقة.

وعودة لتخصص مركزه في العلاقات الخليجية الروسية، تحدث عن أن العلاقات بين الطرفين أقل من المستوى المأمول على عدد من الأصعدة "خارج الإطار السياسي الرسمي" كالعمق الثقافي والديني والحضاري المشترك، والمصالح الاقتصادية الرئيسية "النفط والغاز"، مشيراً إلى كثرة المشوشات وأبرزها الحضور الإيراني والسوري المتعمق في الداخل الروسي، والذي يمارس أدواراً إعلامية وسياسية مشوشة.

وبيّن التركي التقصير الخليجي تجاه مد جسور العلاقات والتواصل الحضاري مع روسيا مستشهداً بعشرات المراكز البحثية ومئات الباحثين المهتمين بالخليجفي روسيا، فيما لا يجدون من يقابلهم على الضفة الأخرى "أي الخليج العربي". معززاً ذلك أيضاً بأن الشريحة الخليجية المثقفة أغلبها تخرجت في الجامعات الأمريكية، لتصبح فيما بعد من متخذي أو صانعي القرار الخليجي، ما جعل فهمهم للعلاقات الأمريكية أعمق، الأمر الذي ليس لها ما يكافئه في الجانب الروسي.وبيّن جرّاء ذلك حجم التردد الخليجي في الاتجاه نحو روسيا وبناء مصالح وشراكات استراتيجية متعمقة معها، رابطاً ذلك بتقلب المزاج الأمريكي والتهديدات التي تواجه المنطقة.

تضمن اللقاء أيضاً حديثاً عن الدور الروسي في الأزمة الخليجية، وعن المفاضلة الروسية بين إيران ودول الخليج العربية، إلى جانب جملة من الملفات في الفكر الديني الإسلامي، وإليكم نص اللقاء.

= واجهت المملكة العربية السعودية حملة تشويه شرسة قامت على إدانة الفكر الوهابي، فهل كان بالإمكان اختزال السعودية بالوهابية؟ وما الذي يعنيه أن تكون السعودية وهابية؟ وهل ما يقال عن الوهابية وأنها مصدر للفكر الإرهابي صحيح؟

- بداية المملكة العربية السعودية، دولة إسلامية "مدنية" تقوم على منهج أهل السنة والجماعة، ويعتمد علماؤها الدليل الشرعي في الفتوى، فهي لا تتقيد بمذهب فقهي محدد، فجميع المذاهب الفقهية منتشرة في المملكة دون استثناء، وإن كان المذهب الحنبلي "نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله" هو المذهب الأكثر شيوعاً، إلا أن العلماء المجتهدين يلتزمون بالدليل ولا يتقيدون بالمذهب أما ما يتعلق بموضوع "الوهابية" فهي نعتٌ انتشر مؤخراً للتشويه، وفي الحقيقة هو واجهة خير وفضل "لاعتبار نسبته إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله" الذي تعاضد مع الإمام محمد بن سعود على تأسيس الدولة السعودية، وهو عالم سني فقيه على المذهب الحنبلي، ملتزم بمذهب أهل السنة والجماعة في العقيدة، وقد تلقى علومه ومعارفه من مناطق متعددة، وقد أغاض الخصوم "من دعاة المذاهب الضالة وخاصة القبوريين" لشدة تحذيره منهم وما يدعون إليه من شركيات "التقرب بقبور الأولياء ودعائهم"... ومع هذا فهناك خلط بين الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، المتوفى عام/ 1206هـ،1791م، وبين محمد بن عبدالوهاب الخانجي "المتوفى عام 190 للهجرة" وقد ظهر في شمال أفريقيا، وهو على مذهب الخوارج "الذي يكفر أصحاب كبائر الذنوب" وكان يطلق عليه وعلى أتباعه "الوهابيون التكفيريون" وهنا فرق كبير.. وقد استخدم البريطانيون هذه الصفة ونقلوها إلى اتباع الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب؛ لتشويه دعوتهم، وتبناها من بعدهم عموم أصحاب الفرق المخالفة، وبعض الاتجاهات السياسية.

من هنا: فلا يمكن اختزال المملكة في اتجاه أو توجه واحد، خلافاً لمنهج أهل السنة والجماعة... ونحن في المملكة لا نعد وصف "الوهابية" مذمة أو منقصة، فشرف للإنسان أن يُنسب لذي فضل، وفي نفس الوقت نُدرك المغزى السيئ من هذه الصفة لدى الخصوم، وأنها محاولة للإقصاء والتنفير، وهنا استذكر تعليق رئيس مجلس شورى المفتين في روسيا، الشيخ/ نفيع الله عشيروف، عندما تحدث معه أحد الصحافيين الروس عن الوهابية، فقال: "أنتم تعدون كل من يتوضأ ويؤدي الصلوات الخمس، ويصوم، ولا يزني، أنه وهابي، وعلى هذا فجميعنا وهابيون" وربط منهج الشيخ/ محمد بن عبدالوهاب، ودعوته الإصلاحية بالإرهاب، هو امتداد لحملات تشويه الإسلام السني، مقابل الدعوة والترويج للمذهب الشيعي/ الطائفي، ومحاولة خلق عداء مذهبي بين المسلمين، والمنصف يرى الحقيقة بأم عينيه، فالمملكة العربية السعودية، هي الدولة الأكثر تعرضاً للإرهاب، والدولة الأكثر جهودا "محلية وإقليمية ودولية" لمكافحة الإرهاب

= نتحدث عن الإسلام الوسطي كأنموذج أمثل للتوفيق بين الدين والدنيا، لاسيما في المنظور السياسي، فهل تتجه دول الخليج العربي نحو تلك الوسطية المنشودة؟

- الإسلام هو الإسلام، "دون الحاجة إلى إضافة أية مصطلحات تحسينية" كالوسطي، أو المعتدل، الخلل في المسلمين وتطبيقاتهم الفردية والجمعية، وليس في الإسلام "كدين ومنهج ورسالة"، والوسطية صفة أطلقها القرآن الكريم على المسلمين، (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) فالسياسة وبقية الشؤون الدنيوية، وإن كانت شؤوناً إنسانية، إلا فإن لها ضوابطها الشرعية، من العدل، والإحسان، والصدق، والموالاة، وكف الأذى، والوفاء بالعهود، وغيرها من القيم الإسلامية، التي تُحيل عموم السلوك الإنساني إلى عبادات يتم التقرب بها إلى الله، فهي من جهة سلوك إنساني عام، ومن جهة أخرى دين وعبادة إذا صدق فيها وراعى ضوابط الشرع في التعامل والخصومة ودول الخليج، في عمومها تشترك فيما بينها من جوانب كثيرة "دينية واجتماعية وثقافية" إلا أن لك منها بعض الخصاص المجتمعية، والاعتدال هو السمة العامة للممارسة السياسية لدول الخليج العربي، أما التطبيقات الدينية، فالجميع يلاحظ بعض الاختلافات النابعة من التركيبة الديموغرافية لكل دولة، وهذا الاختلاف لا يقارن بأوجه التماثل والتطابق بين دول الخليج.

=كانت داعش.. وقد نُسبت لسنوات إلى الفكر السني الجهادي، فهل يمكن القول أن داعش كانت امتداداً لفكر القاعدة أم كانت نهجاً مغايراً تماماً؟ وإذا لم تكن داعش تمت إلى الإسلام بصلة فلماذا أسبغت برداء السنة لا الشيعة مثلاً؟

- داعش هي نبتة نشأت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي/ البريطاني، منذ العام 2003م، وكانت تُسمى "الدولة الإسلامية في العراق" وقد تبنت فكر القاعدة، وكان بينهم اتفاق ومشاركات على مستوى الأفراد، ثم خلاف وانفصال، وتنسب نفسها للسنة، ويتهمنا الآخرون بأنها نبتة وهابية!! ولكن الملفت أن جميع أعمالها كانت في الداخل السعودي "أرض السنة الوهابية على حدّ تعبيرهم" وفي عموم مناطق السنة في العالم الإسلامي، أما الجارتين لمناطق تواجد داعش، "إيران وإسرائيل" لم ينالهما نصيب من الهجوم السني الوهابي الداعشي!! هذا بحد ذاته مؤشر واقعي على أنها نبتة إقليمية/ دولية - استخباراتية؛ لخلق الفوضى في المنطقة "باسم الإسلام السني" حتى لا تتحرك الشعوب الإسلامية السنية، ومن جانب آخر يتم من خلال هذه التهمة الضغط والابتزاز للدول الإسلامية السنية.

= بالأمس القاعدة، واليوم الإخوان.. وربما الصوفية غداً.. وربما تلحقها السلفية. هل أصبحت الحرب حرباً على الدين الإسلامي بالتقسيط ليأتي تجريم الجماعات الدينية المنضوية تحت لواء الإسلام السني تباعاً؟

- لعلي أُعيد التأكيد وفق هذه المسميات في سياق الحرب على الإسلام السني، أن هذه التنظيمات "القاعدة ـ داعش" قد أضرت بالإسلام السني، واُستخدمت بفاعلية في شنّ حرب التشويه والمواجهة ضد السلفية التي تعتبر "روح الإسلام السني الحقيقي القائم على مذهب أهل السنة والجماعة"، بعيداً عن أي تصنيف أو تنظيم أو تحزب، الخصوم يلعبون على تناقضاتنا الشكلية، ويضخمونها، ويستخدموها في حربهم على الإسلام، وإضعاف قوة دول العالم الإسلامي وخاصة في الشرق الأوسط "منطقة النفوذ والطموح الاقتصادي الغربي.

=عرف عنكم موقفكم المعارض لليبرالية.. كيف يقرأ د.التركي الليبرالية في الخليج العربي؟ وإذا كان التركي يجرم الشيعة والمتصوفة ويشير لمشروع يجمعهما، ما الدور الذي أشرتم للعبه من قبل الليبراليين في تجاهل متعمد للمصلحة الوطنية؟

- أنا أفرق بين الممارسة الفردية، والمنهج السلوكي، الليبرالي كشخص هذا شأنه، أما أن يعمل على إحلال الليبرالية كمنهج حياة بدلاً عن المنهج الرباني، فهنا محور الخلاف، والليبرالية في الخليج "برأيي" هي ممارسات فردية نفعية، انتظمت في سلوك جمعي قدّم نفسه خصماً للعمق الديني والثقافي الخليجي، وهو ما أحدث الإرباك الاجتماعي والخلل الثقافي، ومن جانب آخر جاءت امتداداً للمشروع الأمريكي "لنشر الليبرالية الأمريكية في العالم" والتي نادى بها الرئيس الأمريكي الأسبق/ دونالد ريجان، في حفل تسليم الرئاسة إلى جورج بوش الأب، حين قال، أمضيت 8 سنوات للتأسيس لنشر الليبرالية الأمريكية في العالم، وأولى خطوات التنفيذ، هي تولي جورج بوش الرئاسة.وبعدها توالت الأحداث في العالم "وخاصة الشرق الأوسط" وكان للرموز الليبرالية الخليجية دورها الفاعل في إحداث القلق في الوعي المجتمعي الخليجي، وكانت تستقوي بالدعم الأمريكي لهم، وكانت هذه الرموز تهدد مجتمعاتنا بالتغيير من الخارج إن لم تستجيبوا وتحدثوا التغيير من الداخل، إلى جانب إغراق الساحة الثقافية الخليجية بالطروحات الحداثية "فكراً وأدباً" والتي تجاوزت كل الأعراف الأخلاقية وليست فقط الضوابط الدينية (وهذا النتاج المشين مرصود ومطبوع وموجود ومتداول). المشكلة مع هذه الرموز أنها تسعى لخلق بؤر خلاف مجتمعي في كل مرحلة تشهد فيها دولنا أزمات سياسية أو أمنية، بل أصبح معظم هذه الرموز مصدر تمويل معلوماتي "مشوه عن مجتمعاتنا" للكتاب الغربيين ووسائل إعلامهم، والمنظمات الحقوقية، بغرض الضغط على الحكومات من الخارج للاستجابة لمطالبهم الليبرالية.وفي سياق سؤالك عن الدور الذي لعبه الليبراليون "في سياق التمكين للمنهج الصوفي في المنطقة" في تجاهل متعمد للمصلحة الوطنية؛ نعم هذا يتصادم مع المصلحة الوطنية، فالعمق الديني السني في الخليج غير متوصف، ودعم زرع الصوفية وتمكينها سوف يحدث خللاً بنيوياً وتنافراً فكرياً/ دينياً، وبالتالي هذا ضرب للمصلحة الوطنية التي تنشد الاستقرار.

= هل يمكن تصنيف ليبراليي الخليج من الموالين لأنظمة الحكم القائمة أم المعارضة؟

- الليبرالية، منهج براغماتي نفعي، ومعظم رموز الليبرالية الخليجية لم يكونوا موالين لأنظمة حكمهم في فترات كثيرة وطويلة، بل عدد منهم كان معارضاً لحكومة بلده، ويلتقون مع الأنظمة التي يجدون فيها مدخلاً أو منفذاً لتنفيذ أجندتهم، وهذا ليس مجرد رأي أو حكم، هو واقع الليبراليين الخليجيين، مع أني لا أؤمن بوجود ليبرالية حقيقية في المنطقة، مجرد سلوك أفراد يقوم على النفعية بكل أشكالها، مصدر كسب ووجاهة، وتلحظ هذا في تناقضهم السلوكي بين ما يدعون إليه من السلوك الاجتماعي المتحرر، ويعتبرونه مؤشراً على تقدم المجتمعات، وبين سلوكهم على مستوى أسرهم وبيوتهم، والشواهد كثيرة، خلاصة القول؛ السلوك الليبرالي الخليجي لا يدعم أنظمة الخليج، بل يمهد للمصالح الأجنبية في المنطقة، لذا تجدهم يدعون للالتقاء مع خصوم المجتمعات الخليجية، والعمل على تمكينهم، أكثر من سعيهم للاندماج مع مجتمعهم والتعايش معه.

= لكم تواصل من خلال مركزكم مع مراكز أبحاث روسية.. كيف هي العلاقات الخليجية الروسية؟

- العلاقات الخليجية الروسية "خارج الإطار السياسي الرسمي" أقل من المأمول بكثير، باعتبار العمق الثقافي والديني والحضاري المشترك، إلى جانب المصالح الاقتصادية الرئيسية "النفط والغاز" إضافة إلى التقارب الجغرافي.. المشوشات كثيرة، لعدة أسباب، منها الحضور الإيراني والسوري المتعمق في الداخل الروسي، والذي يمارس أدواراً إعلامية وسياسية مشوشة، تتناقض مع التوجهات الرسمية الروسية نحو الخليج، بالإضافة إلى التوجه الخليجي الغربي الذي لم يفتح المجال إلى تقارب مفيد وكاف مع الجانب الروسي، مع عدم إغفال التوجه الروسي القوي نحو الشرق الأقصى "التحالف الروسي الصيني" ومنظمة التعاون "شنغهاي" في أولوية روسية.

= ما النجاحات التي تحققها مراكز الأبحاث في تقريب وجهات النظر الخليجية الروسية؟

- وجهات النظر "الخليجية الروسية" متقاربة ومتوافقة في كثير من المجالات، بل إن مساحة الاختلاف أقل بكثير ولا تقارن مع ميادين وآفاق التعاون المشترك والتي لم تستثمر بين الجانبين، ونلاحظ هذا في محاور وموضوعات الحوار الاستراتيجي الخليجي الروسي، الذي لا ينتظم في انعقاده، ويقوم في الغالب على محاور الخلاف والتناقض، دون السعي إلى نحو محاور التفاهم والمصالح... إلى جانب افتقار منطقة الخليج إلى مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في الشأن الروسي، في حين أن في روسيا عشرات المراكز ومئات الباحثين المهتمين بالخليج، ولا يجدون من يقابلهم على الضفة الأخرى.

= ذكر بوتين أن تقوم روسيا بدور الوساطة في الأزمة الخليجية، ما الأوراق التي في يد روسيا حتى تنجح وساطتها؟

- روسيا سوف تراعي مصالحها في المنطقة "السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى" وليس من مصالح القوى الدولية حدوث توتر في منطقة الخليج، حيث تُعد الشريان الرئيس للاقتصاد العالمي، ولا أرى أنه في يد روسيا أوراق مؤثرة ممكن تستفيد منها للتأثير في حلّ الأزمة، ويحضرني هنا عنوان إحدى الصحف الروسية، في تعليقها على الأزمة الخليجية الراهنة"بين قطر والدول الأربع" حيث قالت: (توتر في آخر واحات الاستقرار في الشرق الأوسط)، وكان عنواناً عميقاً في تقديري وفي الحقيقة أن الأزمة الخليجية، ذات طابع وعمق محلي خليجي، يصعب فهمها وتفكيكها من قبل قوى خارجية، ولكن قد يكون لهم دور في تقريب وجهات النظر أو محاولة فتح مسارات للتفاهم والتسوية.

= تتعارض المواقف الخليجية والروسية بشكل حاد في سوريا، كيف نتوقع أن تتقارب في ملفات أخرى؟ وما هي تلك الملفات؟

- في عالم السياسة، يسود مصطلح المصالح، والمصالح المشتركة، وتغيب من خلاله ملفات ومحاور الخلاف، لم يكن هناك توافق خليجي أمريكي خلال فترة الرئيس أوباما لمدة ثمان سنوات، وخاصة في الملفات: (الإيرانية، والعراقية والسورية)، ومع ذلك استمرت العلاقات وتطورت في عدة مجالات استناداً على المصالح الأخرى المشتركة، وهنا يحدث الفرق في المقارنة مع الجانب الروسي، حيث إن ملفات المصالح قليلة وغير متعمقة لتتغلب على محاور الخلاف مع روسيا، إلى جانب الآلة الإعلامية المؤثرة في دعم الجانب الأمريكي في المنطقة، خلافا لروسيا، وكذلك الشريحة الخليجية المثقفة التي تخرجت في الجامعات الأمريكية، معظمهم متخذي أو صانعي القرار الخليجي، ففهمهم وعلاقاتهم أمريكية غربية، وهذا من أبرز ما تفتقر إليه روسيا في منطقة الخليج.

= لماذا نجد روسيا في المعسكر الآخر بالنسبة للخليج منذ القياصرة مروراً بالسوفييت حتى الآن؟ هل لذلك دخل بعدم وجود جسر للتواصل الحضاري؟

- التواصل الحضاري والعمق الحضاري مع روسيا كبير، بل لا يقارن مع الجانب الغربي، وروسيا كغيرها تتحرك وفق مصالحها، وليس لديها ما يستحق المراعاة مع الجانب الخليجي، وهنا تكمن المشكلة، إلى جانب التردد الخليجي في الاتجاه نحو روسيا وبناء مصالح وشراكات استراتيجية متعمقة معه، وإن كان هناك بدايات جيدة إلا أنها لا ترقى إلى مستوى مصالح الجانبين واحتياج كل منهما للآخر، ولا سيما في سياق التقلب في المزاج الأمريكي والتهديدات التي تواجه المنطقة.

= لكم دور في التفاهمات السعودية الروسية في مجال التعاون العسكري والتسلح، ما دوركم؟ وما فرص نجاح هذا التعاون؟

- التفاهمات والعلاقات العسكرية والأمنية بين الدول، هي علاقات واتصالات حكومية صرفة، وغالباً لا يكون لمؤسسات المجتمع المدني "ومراكز البحوث" أدوار مباشرة، بعض الدول تستأنس برأي الخبراء ومراكز البحوث، ولكن اتخاذ القرار في هذا الشأن يكون بإرادة حكومية مباشرة، لذا ليس لمركزنا دور في هذا الاتجاه، وإن كان المركز مهتم بكل الملفات المتعلقة بالعلاقات الروسية العربية، وخاصة السعودية والخليجية، إلا أننا لانزال بعيدين عن هذا التأثير، وليس هدف لمراكز البحوث والدراسات، ولا يعتبر من وظائفها أما فرص التعاون العسكري السعودي الروسي، فهي جيدة جداً، وخاصة في مجال التصنيع العسكري ونقل الخبرات والتقنيات، ولايزال المشوار في بدايته.

= في ميزان المصالح.. من ترجح كفته بالنسبة لروسيا إيران أم دول الخليج العربي؟

- إيران مؤثرة في الداخل الروسي، ولها تواجد سياسي واقتصادي جيد، والإيرانيون نشيطون في الساحة الإسلامية الروسية، وحتى في المحيط الإقليمي لروسيا (آسيا الوسطى والقوقاز)، ولكن لايزال تأثيرهم الديني ضعيف بسبب البُعد الطائفي "الشيعي" الذي تتبناه إيران، في حين أن العمق الإسلامي في دول المنطقة سني، وفي المقابل تدرك روسيا أهمية دول الخليج بالنسبة لها ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل حتى على المستوى الديني والثقافي، لكون دول الخليج ليست ذات طموح توسعي، ولا تسعى للنفوذ في المناطق الروسية، لكن لم يقابل هذا الاطمئنان الروسي تحرك خليجي فاعل، وسبق دعوت في أكثر من مناسبة إلى استثمار انضمام روسيا لمنظمة التعاون الإسلامي، ومحاولة تفعيل العلاقات معها من خلال مجلس التعاون الخليجي، وناديت وكتبت في أكثر من مناسبة إلى إنشاء الآتي:

= أمانة عامة مساعدة للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، تُعنى بالشأن الروسي والعلاقات مع روسيا ودول المنطقة، ويكون لها مكتب تمثيل في موسكو.

- مكتب إقليمي للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يكون مقره موسكو ، لتفعيل العلاقات مع روسيا، وحثها على أداء أدوار إيجابية فيما يتعلق بدول العالم الإسلامية. وقد أعدّ المركز لهذين المقترحين مشروعات مفصلة وتم الرفع عنا لأصحاب المعالي، ولكن دون أي ردة فعل.... ولو نجحنا في هذا فلاشك ستكون روسيا منكفئة للجانب الخليجي في كثير من الملفات الدولية والإقليمية، ولا سيما في ظل تنامي دور منظمة شنغهاي للتعاون.