فاطمة عبدالله خليل
دعت الباحثة المتخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية الإماراتية د.أمينة العريمي، دول مجلس التعاون الخليجي، إلى العمل على وضع إستراتيجية خليجية موحدة ومحددة الأهداف لمواجهة التمدد الإيراني في القارة الأفريقية والتعاون الجماعي في ملفات الأمن العسكري والاستخباراتي، وتفعيل ملف الكونفدرالية الخليجية في "الخارجية، الدفاع، العملة".
وأشارت في لقاء مع "الوطن"، إلى أن طهران تعمل على إيجاد معاقل جغرافية وإستراتيجية تابعة لها في أفريقيا عبر اللجوء إلى توحيد الجماعات الأفريقية المُتطرفة، مع غض الطرف عن الاختلاف المذهبي بما يتوافق مع مصالحها.
وأكدت العريمي، أن تكوين تكتل اقتصادي خليجي أفريقي سيسهم في تحجيم النفوذ الشيعي بغرب أفريقيا ويقوض الطائفية، ورأت أن دول الخليج وظفت استثماراتها في أفريقيا بعدما وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية.
وأضافت، أن هناك تبايناً في مواقف الدول الأفريقية من الأزمة الخليجية، ورغم أن دول المقاطعة لم تحظَ بدعم أفريقي كبير كما كان يتوقع، غير أن موقف جيبوتي من الأزمة والمتمثل بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة مُتوقعاً بحكم تطور العلاقات الإماراتية السعودية الجيبوتية مؤخراً، إذ جاء ذلك خلافاً لإرتيريا التي تبنت موقفاً مُحايداً.
وحذرت العريمي من احتمالات عودة القرصنة في السواحل الشرقية للصومال على نحو أقوى مما كانت عليه سابقاً، مشيرةً إلى أنه قد تمتد لعموم الموانئ الأفريقية المُطلة على المحيط الهندي..وفيما يلي نص اللقاء..
= ما موقف الدول الأفريقية من الأزمة الخليجية الراهنة؟
- تختلف الدول الأفريقية في مواقفها من الأزمة الخليجية؛ فالدول المؤثرة في أفريقيا والتي ينظر لها المجتمع الدولي أنها ستقود أفريقيا في السنوات القادمة مثل "جنوب أفريقيا، نيجيريا، أثيوبيا" كان موقفها محايداً، واعتبرت الأزمة الخليجية شأناً داخلياً وشاركتها في ذلك أغلب الدول الأفريقية مثل الصومال.
أما أديس أبابا، فموقفها لم يختلف عن موقف مقديشو، فأثيوبيا التزمت الحياد والحذر ودعت للحوار بين الأطراف، بينما كان موقف جيبوتي من الأزمة والمتمثل بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة مُتوقعاً بعد تطور العلاقات الإماراتية السعودية الجيبوتية مؤخراً والذي امتد من التعاون الاقتصادي إلى التعاون الأمني والعسكري.
أما الدول الأفريقية التي أعلنت دعمها لدول المقاطعة فهي السنغال وجزر القمر وتشاد ويرجع السبب في ذلك إلى حصول تشاد على 150 مليون دولار من دولة الإمارات دعماً لخطة التنمية الشاملة في تشاد والذي أكده رئيس وفد دولة الإمارات في مؤتمر التنمية والاستثمار في فرنسا المنعقد في الفترة من 6 إلى 8 سبتمبر. من جهة أخرى فهناك دعم سعودي للاقتصاد السنغالي تمثل في دعم الصيرفة الإسلامية، بالإضافة إلى دعم الرياض لصندوق تنمية غرب أفريقيا.
= كيف ترون العلاقات الأفريقية الخليجية سياسياً واقتصادياً؟ وهل هناك دول خليجية وأخرى أفريقية أكثر بروزاً في تنمية تلك العلاقات؟
- تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن حضورها الاقتصادي في أفريقيا يتفوق على حضورها السياسي، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل، أهمها؛ عدم الاستقرار السياسي لبعض الدول الأفريقية، وبروز الصورة السلبية والمغلوطة وغير العادلة في الذهن الخليجي عن الدول الأفريقية مما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الأفريقية.
فالسياسة الخليجية نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع الاستثمارية في بعض دول أفريقيا والتي ساعدت في إنعاش جزئي لتلك الدول اقتصادياً، حيث وظفت دول الخليج تلك الاستثمارات بعد أن وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية.
ومن هنا بدأت أهمية دول القرن الأفريقي بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام، وعلى الرغم من اختلاف الرؤى السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي إلا أن عاصفة الحزم فرضت عليها ضرورة العمل والتنسيق ككيان واحد لحماية أمنها القومي الذي بات على المحك.
وبخصوص أكثر الدول الخليجية بروزاً في أفريقيا فهي المملكة العربية السعودية والتي لها دور كبير في دعم انتشار الصيرفة الإسلامية في أفريقيا، والتي لاقت نجاحاً كبيراً في العديد من العواصم الأفريقية مثل داكار، نيامي، وأبيدجان التي نجحت مُؤخراً في إصدار أكبر عملية للصكوك السيادية في غرب أفريقيا بقيمة 244 مليون دولار.
كما ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من المشاريع الاستثمارية الاقتصادية في الدول الأفريقية مثل نجاح شركة اتصالات الإماراتية في نيجيريا، وتعاون الإمارات مع السيراليون ومالي وموريتانيا في مجال الطاقة المتجددة.
وساهمت مملكة البحرين، في تأسيس مجمع البحرين التعليمي لدعم التعليم في الصومال، أضف إلى ذلك دعم المنامة لمعاهد العلوم المالية والمصرفية خاصة أن الكثير من العواصم الأفريقية مهتمة بالاطلاع على النموذج البحريني في ريادة الأعمال والمؤسسات المالية.
= ما تأثير المساعي الإيرانية للتمدد في أفريقيا وما أوجه ذلك التمدد؟ وهل يشكل تهديداً لدول الخليج العربية وما سبل مواجهته خليجياً؟
- توجهت طهران إلى القارة الأفريقية، لتحقيق مجموعة من الأهداف من بينها فك الحصار الدولي الذي كان مفروضاً عليها بسبب برنامجها النووي والحصول على اليورانيوم من الدول الأفريقية "جنوب الصحراء" الغنية بهذا المورد الحيوي، ومحاولتها نقل معاركها خارج حدودها، وضمان السيطرة على معاقل جغرافية وإستراتيجية في تلك المنطقة البعيدة من الاهتمام العربي والخليجي.
ونظراً لأهمية البحر في سياسة إيران ورغبة طهران في كسر العزلة الاقتصادية وإظهار نفسها كقوة منافسة ومحاولتها السيطرة على ممرات بحرية وبرية لكسب أوراق ضغط جديدة في جنوب الخليج العربي تم إنشاء أهم الخطوط البحرية في شرق أفريقيا "خط ممباسا- بندر عباس".
كما أسست طهران المؤسسة الخيرية للبحوث الإسلامية والرعاية الاجتماعية للمسلمين الجدد والتي حملت رمز "I.R.W.F.A" في مدينة كيكويت الكونغولية في الكونغو -كينشاسا والتي أعلنت على لسان رئيسها "دانغاما جيري" أنها تُمارس دورها في " التبليغ المذهبي"، ودعم طهرانف ي تأسيس شركة "Ovlas" وشركة "الكونغو فوتور" والتي تبدو ظاهرياً أنها شركة للمُنتجات الغذائية إلا أنها في واقع الحال شركة لتجارة الألماس، أو ما يُعرف بـ"ماس الحروب" أي المُستخرج من مناطق النزاعات.
وما يُقلق أن تلك الأموال المُتولدة في هذه الاقتصادات الضعيفة وغير المُنظمة في بعض الدول الأفريقية في كثير من الأحيان، يمكن أن تنجح في دعم المنظمات الإرهابية في أفريقيا مثل بوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال، ما سيسهل ضرب المصالح الخليجية والعربية في أفريقيا، خاصة أن طهران تُفضل تحقيق مصالحها الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيدلوجيتها الدينية ولنا في موقفها مع أذربيجان المُسلمة والتي تشارك طهران في مذهبها والتي كانت في حالة حرب مع أرمينيا عبرة حسنة.
فإيران قامت بدعم أرمينيا "المسيحية" ضد أذربيجان "الشيعية" لأنها كانت تعارض مصالحها الإستراتيجية مما يؤكد أن طهران تُرجح كفة مصالحها الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيديولوجيتها الدينية.
طهران تُدرك أن التنظيمات الإرهابية في أفريقيا تناهض الوجود الغربي، وإيران ترغب بوجود معاقل جغرافية واستراتيجية تابعة لها في أفريقيا، ولتحقيق ذلك يمكن أن تلجأ طهران إلى توحيد الجماعات الأفريقية المُتطرفة، وستغضُ الطرف "مؤقتاً" عن الاختلاف المذهبي مثلاً بين "بوكو حرام السنية" و"المُنظمة الإسلامية الشيعية"، التي يرأسها رجل إيران في نيجيريا إبراهيم زكزكي وستتعاون مع الجماعات المُتطرفة التابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا لتقض مضجع القوى الدولية حتى يتم الاعتراف بها كقوة إقليمية وبعد تحقيق أهدافها ستستخدم ميلشياتها "الشيعية" لإشعال حرب طائفية على الطريقة "العراقية".
بلا شك أن طهران نجحت في تعويض تهميشها بالتنسيق مع دول القارة الأفريقية، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي تضاعف إصرار طهران على نقل معركتها إلى اليمن والبحر الأحمر مما يؤكد أن التوجهات الإيرانية الإقتصادية ستكون عامل ثابت، وستوسع إيران نفوذها في أفريقيا وستجد الدول الأفريقية مُبرراً لتطوير علاقتها مع إيران، بعد أن تم وضع حد للعراقيل التي كانت تقيد طهران في أفريقيا في ظل غياب مشروع ورؤية خليجية عربية إستراتيجية واضحة.
ومن أهم الأمثلة على تمدد إيران في القارة الأفريقية هو ما كشفته وزارة الخزانة الأمريكية عن شبكة التمويل الأولى لإيران في أفريقيا والتي أطلق عليها "شبكة /Tajco"، والتي قامت بتبيض أموال لصالح الجمهورية الإيرانية والتنظيمات الإرهابية التي تتلقى دعماً أمنياً ومادياً لوجستياً من طهران، فقد نجحت "تاجكو" في تأسيس شركات تعمل في مجال الإستثمارات العقارية (بناء مساكن، فنادق، مجمعات تجارية ومصانع للمواد الغذائية) مثل Afrosfran ، Afribelg، Golfrate في بعض الدول الأفريقية نحو أنغولا، غامبيا، الكونغو كينشاسا، والسيراليون.
وعلى دول الخليج العربي العمل على وضع استراتيجية خليجية موحدة ومحددة الأهداف لمواجهة التمدد الإيراني في القارة الأفريقية والتعاون الجماعي في ملفات الأمن العسكري والاستخباراتي، وتفعيل ملف الكونفدرالية الخليجية في "الخارجية، الدفاع، العملة".
= ما الموارد التي تتمتع بها أفريقيا وقد تشكل مكسباً حقيقياً يمكن استثماره خليجيا؟ وما الدوافع الأخرى التي قد تجعل دول الخليج تتجه نحو أفريقيا؟
- تزخر أفريقيا بجميع الموارد الطبيعية من المياه إلى اليورانيوم وهذا ما جعل المستعمر القديم يضع استراتيجية محددة للسيطرة على ثروات القارة الأفريقية حتى بعد استقلال أغلب دولها في الستينات من القرن الماضي، وأهم تلك الاستراتيجيات والتي مازالت تعمل حتى هذه اللحظة هي استراتيجية "فرنسا فريك/ francafrique" والتي وضعها جاك فوكار أو كما يطلق عليه "سيد أفريقيا في الإليزية".
تعتبر النخبة الأفريقية الوطنية أن تلك الاستراتيجية، ما هي إلا استراتيجية مصغرة لاستغلال الدول الأفريقية أما من وجهة نظر باريس فإن تلك الاستراتيجية هي عبارة عن شبكة تعاون بين باريس ومستعمراتها القديمة.
ولكن الحقيقة تقول، إن باريس وضعت تلك الاستراتيجية لأسباب أهمها ضمان وصول الموارد الأفريقية الحيوية مثل الألماس والنفط واليورانيوم إلى باريس، وإجهاض أفريقيا من المناضلين الوطنيين وذلك بدعم الأنظمة الأفريقية التي وقفت حجر عثرة أمام التوسع الشيوعي في ذلك الوقت، وزيادة القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا.
وتناولت تلك الاستراتيجية بالتفصيل في دراسة علمية قدمتها لمركز دراسات شؤون السلام في السنغال والتي نشرت على جريدة السفير الموريتانية.
أمام دول الخليج العربي فرصة حقيقية للاستفادة من الموارد الحيوية الأفريقية، ولكن على دول الخليج العربي التعاون مع الدول الأفريقية في هذا المجال بشرط، وهو إقناع الأفارقة أن التعاون الذي تتطلع إليه دول الخليج العربي مع أفريقيا هو تعاون بين شريكين لهما حقوق وواجبات متبادلة.
= أي الدول الأفريقية أفضل للاستثمار والعلاقات السياسية والشراكات الاستراتيجية البناءة؟
- كل دولة من دول أفريقيا لها أهميتها بالنسبة لدول الخليج العربي، إلا أن ما يعيق بعض الدول الأفريقية هو عدم استقرارها السياسي وكثرت الحروب الأهلية فيها، فجمهورية أفريقيا الوسطى مثلاً من الدول الأفريقية الغنية بالألماس واليورانيوم، إلا أن نشوب الحرب الأهلية بين ميليشيات الإنتي بلكا والسليكا دفعت البلاد إلى نفق مظلم، وكذلك جمهورية جنوب السودان، أما أهم الدول الأفريقية المهمة اليوم والتي يعول عليها المجتمع الدولي والتي تعتبر نماذج حقيقية في القارة الأفريقية فهي جنوب أفريقيا، إثيوبيا، روندا، ونيجيريا.
= كيف تقيمين التواصل الثقافي والحضاري الخليجي الأفريقي؟
- تاريخ التواصل الثقافي والحضاري الخليجي الأفريقي يمتد لقرون ماضية وهذا التواصل سبق الاستعمار الأوروبي لأفريقيا بقرون، وبدأ هذا التواصل مع الفتوحات الإسلامية وتعززت وشائجه بقوافل الحج المُتدفقة سنوياً من عموم القارة الأفريقية إلى شبه الجزيرة العربية، ومن أهم الزعماء الأفارقة الذين كان لهم دور كبير في تعزيز التعليم الثقافي والديني وتعلم ونشر اللغة العربية في أفريقيا، وإنعاش طرق الحج للأراضي المقدسة هو الشيخ حاجي منسا موسى الذي أسس جامعة سانكوري التي تُعتبر مركز العلم في أفريقيا، والذي كان يوزع الذهب لكل من كان يُقابله أثناء رحلته للحج من مالي إلى مكة المكرمة ما تسبب في انخفاض سعر الذهب ودخل اقتصاد العالم في حالة تضخم لعشرين سنة قادمة بسبب تلك الرحلة.
أما الدور الثقافي الخليجي الأفريقي في الوقت المُعاصر، والذي يُمكن أن تلعبهُ الجامعات الخليجية والأفريقية والذي بدأ ينجح باستقبال الطلبة الأفارقة في جامعة القاسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة في إمارة الشارقة، وتأسيس دولة الكويت لمركز جابر الأحمد التعليمي في السنغال، كما دشنت مملكة البحرين جامعة الصومال للعلوم الطبية، وتأسيس المملكة العربية السعودية لعدد من الجامعات في أفريقيا مثل جامعة فيصل في تشاد، ورعاية الرياض لمؤتمر اتحاد الجامعات الأفريقية في مايو 2017 والذي كان لي شرف إلقاء كلمة فيه عن أهمية تعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية ثقافياً من خلال المُنتديات الثقافية والجامعات.
= لدينا الدراسات الخليجية وافتقارها للحديث عن أفريقيا. ماذا عن المراكز الأفريقية ودراستها للخليج؟
- العلاقات الخليجية الأفريقية لا يهتم بها الذهن الأفريقي لقلة حيلته رغم عشقه لكل ما هو عربي، ويرفضها الذهن الخليجي لقلة درايته تجاه كل ما هو أفريقي وقبوله بها مؤخراً بعد أن أدرك أن أمنه القومي ومستقبله السياسي وتطلعه الاقتصادي وتعايشه السلمي مرتبط بقبر تلك الصورة السلبية لأفريقيا وأهلها في مخيلته والنظر إليها كمكمل لوجوده الذي بات على المحك.
أولاً لا بد من تشخيص المأزق الحقيقي للعلاقات الخليجية الأفريقية، والذي أرى أنها لم تُناقش بالهدوء المطلوب طيلة سنوات ماضية ولم تبرز أهمية تلك العلاقات إلا بعد أن وجد الخليج العربي نفسه مهدداً في جنوب الجزيرة العربية، وهنا برزت أهمية دول القرن الأفريقي بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام.
فالدراسات الخليجية عن أفريقيا قليلة جداً ودائما ما أدرجت تحت مسمى العلاقات العربية الأفريقية ويرجع السبب في ذلك إلى افتقار الجانب الخليجي معرفياً لحقيقة أفريقيا، وندرة طواقم خليجية أكاديمية ودبلوماسية مُؤهلة للتعامل مع أفريقيا وأزماتها المُتلاحقة، والتي لابد من معرفتها ودراستها لوضع إستراتيجيات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين مما سيُسهل المُشاركة الخليجية في حل تلك الأزمات وبالتالي فهم أفريقيا عن قرب.
أما الجانب الأفريقي، فعلى الرغم من وجود الكوادر البشرية المُتعلمة والتي تمتلك رؤية سياسية اقتصادية واعدة لتعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية إلا إنها تحتاج لدعم على جميع المستويات لتحويل تلك الرؤية إلى واقع.
كما أن دول الخليج العربي وبعض الدول العربية والدول الأفريقية يشتركان في "نهج" وهو أن بعض الدول الأفريقية ترى أن وجود سفارات وقنصليات لها في بعض الدول الخليجية والتي تراها من وجهة نظرها "مُهمة" سيغُنيها عن باقي الدول الأخرى، ومن الجانب الآخر ترى بعض الدول الخليجية أن وجود سفارة لها في الدول الأفريقية المُرشحة لقيادة ركب التطور في أفريقيا سيغنيها عن البقية الباقية وهذا غير صحيح، فكل دولة من الجانبين لها أهميتها ولها دورها الذي يُمكن أن نراهن عليه، وكل ما هو مطلوب منا هو دراسة بعضنا البعض للبدء بالعمل على الوصول بتلك العلاقات بما ينفع الجانبان .
= جهود أمينة العريمي في أفريقيا.. ما أشكالها وغاياتها؟
- توجهت للقارة الأفريقية لأول مرة العام 2009 بغرض استكمال الدراسات في العلاقات الخليجية الأفريقية. وأسست مؤخراً مع مجموعة من الأفارقة معهد للعلاقات الخليجية الأفريقية، مازال معهداً مبتدئاً يعقد كل شهر منتدى للقضايا الخليجية الأفريقية المشتركة وله موقع رسمي على الإنترنت وهو الموقع الوحيد في الخليج العربي وأفريقيا المتخصص في العلاقات الخليجية الأفريقية.
وسنُعلن خلال الأيام القليلة القادمة، عن إنطلاق الموقع باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما قمت بتقديم دراسات ومشاركات علمية في عدد من الدول الأفريقية وصلت إلى 43 دراسة ومشاركة علمية، وهناك عمل مستقبلي نقوم عليه حالياً يتعلق بمسار العلاقات الخليجية الأفريقية وسنعلنه في إحدى الدول الأفريقية.
= القواعد العسكرية الخليجية في الساحل الأفريقي المقابل؛ كيف ترين القواعد الإماراتية والسعودية هناك؟ هل هي في حالة تنافس أم تكامل؟
- أرى أن القواعد العسكرية الخليجية في السواحل الأفريقية تطور إيجابي داعم للعلاقات الخليجية الأفريقية، ويدعم التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين من ناحية ويؤمن الاستثمارات الاقتصادية الخليجية من ناحية أخرى، وهذا ما أشرت إليه في ورقة علمية شاركت فيها في مركز دعم اتخاذ القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة وأكدت على أهمية القواعد العسكرية الخليجية في أفريقيا خاصة أن الموانئ الأفريقية القريبة من الخليج العربي مثل ميناء بربرة وميناء بوصاصو في الصومال، وميناء جيبوتي، وميناء بورسودان، جميعها تعتبر نقاط استراتيجية هامة داعمة للتقارب الخليجي الأفريقي.
ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وجود القواعد العسكرية التابعة للقوى الدولية والإقليمية والتي سبقت القواعد العسكرية الخليجية والتي تعمل وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للمصالح الخليجية.
أما وجهة نظري، فيما كانت تلك القواعد متنافسة أم متكاملة، فدعوني أولاً أن أتحدث عن نقطة هامة وهي أن الكثير من الدول الأفريقية ترى أن التقارب الخليجي الأفريقي يعلو عليه التنافس وليس التكامل والسبب في ذلك تصاعد التأكيد الأمريكي على أهمية النفط الأفريقي الأقل تسييساً من نفط الشرق الأوسط وهو ما يمكن أن يحول العلاقة بين أفريقيا والخليج العربي من التعاون المشترك إلى التنافس المفتوح، فالنفط الأفريقي يتميز بانخفاض نسبة الكبريت فيه مما يقلل عملية التكرير، أضف إلى ذلك قرب السواحل الأفريقية من السواحل الشرقية للولايات المتحدة.
أرى كباحثة متخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية، أنه لا بد أن يكون هناك تحليل منطقي للوضع في أفريقيا جنوب الصحراء لأن الصورة مازالت سلبية ومغلوطة وغير عادلة في الذهن الخليجي عن دول الجنوب الأفريقي، فرغم أهمية تلك الدول إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تكاد تكون غير حاضرة "سياسياً" في تلك الساحة، وأعتقد أنه لو نجحت دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية في وضع حد لضعف الاهتمام بدول أفريقيا "جنوب الصحراء" ووضع مجلس التعاون الخليجي دول أفريقيا "جنوب الصحراء" ضمن الأجندة الخليجية ما كنا سنقف اليوم نتساءل متى سيعود جنودنا من اليمن.
= ما مدى تمدد إسرائيل في القارة الأفريقية؟ وما خطره علينا في الخليج العربي؟
في عام 1967 كانت أغلب الدول الأفريقية لا تعترف بإسرائيل كدولة، ومن اعترف بها فقد قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وفي ظل قطع العلاقات استفادت تل أبيب من تلك الفترة في التمدد في دول أفريقيا ولو بشكل غير رسمي، ولكن بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978 نشطت إسرائيل في القارة الأفريقية بشكل علني ونجحت في فتح سفارات وقنصليات لها في أغلب الدول الأفريقية، وعززت ذلك الوجود الدبلوماسي باتفاقيات اقتصادية وأمنية تمثلت بتزويد الدول الأفريقية بنظم خاصة لمراقبة الحدود إلى تدريب الجيوش ودعم الأمن العسكري والاستخباراتي الأفريقي وإمداده بمختلف أنواع الأسلحة حتى تلك المناطق التي تشهد حروباً أهلية.
فتل أبيب كانت تدعم بالأسلحة والذخائر الميليشيات المتناحرة في ليبريا والسيراليون وروندا وجنوب السودان في مطلع تسعينات القرن الماضي، وتساهم شركة (NIP Global) الإسرائيلية في تزويد الدول الأفريقية بنظم أمنية خاصة بدءاً ببطاقة الهوية للمواطنين والمقيمين إلى نظم متطورة لمراقبة الحدود، كما تعزز التعاون الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي في دول غرب أفريقيا مثل السيراليون وليبريا بعد نجاح إسرائيل في القضاء على مرض " الإيبولا" الذي كاد أن يفتك بمواطني تلك الدول، ولعبت جمعية الصداقة الإسرائيلية السيراليونية دوراً إيجابياً في ذلك.
أما اقتصادياً فأسست إسرائيل أكبر شركة للمنتجات الحيوانية عام 1952 (شركة انكودا) في شرق أفريقيا والتي تبين بعد ذلك أنها شركة تابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) وساهمت ذات الشركة في تهريب الصمغ العربي من السودان إلى إثيوبيا ومنها إلى إسرائيل، يذكر أن واشنطن عندما فرضت العقوبات على الخرطوم عام 1992 استثنت مادة الصمغ العربي لأهميته في الصناعات الطبية وغيرها من الصناعات الحيوية.
وعلى الصعيد الرياضي، أسست إسرائيل في غرب ووسط أفريقيا معسكرات رياضية لاستقطاب المواهب الرياضية الأفريقية وأطلقت على هذه المعسكرات معسكرات "حبقوق" وحبقوق في الفكر اليهودي هو أحد أنبياء إسرائيل الذي اشتهر بالقوة البدنية، وما أن ينخرط المواطن الأفريقي في تلك المعسكرات حتى يخضع لتدريبات خاصة بتنمية القدرات المهارية والبدنية وغرس الولاء والانتماء لإسرائيل.
= ما السيناريوهات المحتملة أمام دول الخليج العربي في أفريقيا؟
- السيناريو الأول: في ظل تباين الرؤى السياسية لكل دولة خليجية، والدور المُستقبلي الذي تُريده كل دولة خليجية لنفسها وبمعزل عن الأخرى، واختلاف رؤية كل دولة خليجية للتنظيمات السياسية مثل" الإخوان المسلمين"، سيقود ذلك بطبيعة الحال إلى التنافس غير الصحي بين دول الخليج، والخشية أن يصل إلى "التآمر التدميري" على ضرب مصالح بعضهم البعض ليس فقط في أفريقيا بل قد يمتد لدول أخرى، ما سيصيب فكرة الاتحاد الخليجي في مقتل خاصة أنه لا سبيل لتقارب تلك الرؤى بين دول الخليج العربي على المدى القريب أو المتوسط على الأقل.
أما السيناريو الثاني، فمن من المرجح أن يكون هناك تعاون أمني استخباراتي عسكري في أفريقيا بين تركيا وبعض دول الخليج التي تتوافق رؤاها السياسية مع أنقرة والذي قد يقود إلى تحول أفريقيا لساحة تصفية حسابات سياسية ستُغذيها طهران بطريقة أو بأخرى، خاصة أن النفوذ الإيراني في بعض الدول الأفريقية لا يستهان به، أضف إلى ذلك أنه في ظل الأزمة الخليجية الحالية قد ينشأ تحالف من نوع خاص بين تركيا وطهران في أفريقيا وقد تجد تل أبيب مصلحتها في دعمه على حساب المصالح الخليجية.
السيناريو الثالث، فإنه من المرجح أن تدعم بعض القوى الإقليمية المُعارضة لبناء سد النهضة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي لإزعاج القيادة الإثيوبية والعصف بكل خطط التنمية التي يترقبها القرن الأفريقي ودوله من سد النهضة، وفي ظل ذلك المشهد ستعود القرصنة في السواحل الشرقية للصومال بشكل أقوى مما كانت عليه سابقاً وقد تمتد لعموم الموانئ الأفريقية المُطلة على المحيط الهندي مما سيضر بالمصالح الخليجية في دول شرق أفريقيا وسيؤثر على قوات التحالف المرابطة في جنوب الجزيرة العربية.
ومن البديهي حينها أن تتعاون التنظيمات في دول غرب أفريقيا مع تلك المتواجدة في شرق أفريقيا مما ينبئ على توحدها لتشكل بذلك ذراع قوي لتنظيم الدولة في أفريقيا والذي سيحظى بدعم دولي مُستتر مادام أنه لم يتعرض لمصالح القوى الدولية التي ترغب بتواجده في تلك المناطق التي تشهد صراعات مُتلاحقة لتحريكه في الوقت المُناسب، كما يمكنها استخدامه مُستقبلاً في مناطق يُراد لها أن تنال نصيباً من ويلات الصراع.
= ما توصياتكم لدول مجلس التعاون الخليجي كباحثة متخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية؟
- يمكن لدول الخليج العربي البدء بتكوين تكتل اقتصادي خليجي أفريقي، فقد يكون لهذا التكتل نتائج إيجابية ليس فقط على دول الخليج العربي، بل على الدول الأفريقية فمثلاً قد تتقارب وجهات النظر المغربية النيجيرية بشأن ملف الصحراء الغربية الذي يُقوض الأمن الوطني المغربي، وإقناع "أبوجا" بسحب الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية، لكون نيجيريا إحدى أهم القوى الأفريقية المؤهلة لقيادة أفريقيا.
ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج العربي تحجيم النفوذ الشيعي في منطقة غرب أفريقيا الذي بات يُهدد المُجتمعات الأفريقية ناهيك عن المُجتمعات الخليجية والعربية، خاصة أن جميع الدول المُرشحة للانضمام لذلك التكتل "الخليجي الأفريقي" تشترك في رؤية أن خطر "النفوذ الشيعي" على المُجتمعات قد يُهدد أمنها القومي، ويُعزز الطائفية في المجتمعات الأفريقية التي تتبع الطرق الصوفية والسنية مثل المجتمعات الخليجية والعربية.
إلا أن ما يعترض ذلك المشروع من وجهة نظري مجموعة عوائق قد تحدد سير ذلك المشروع المستقبلي اختلاف الرؤى السياسية والاقتصادية بين بعض دول الخليج العربي، ورؤية باريس لذلك التكتل كمُهدد للمصالح الفرنسية في غرب أفريقيا وتجاوزاً على مصالحها في أفريقيا مما سيفضي إلى تبني إستراتيجية فرنسية تقض مضجع ذلك التكتل، إلى جانب العمل على تقارب الرؤى السياسية بين دول الخليج العربي والوصول إلى صيغة مُشتركة تُرضي جميع الأطراف لقطع الطريق على من يحاول إحداث انقسام داخل الاتحاد الخليجي.
والعمل على تعزيز التواصل الثقافي الأفريقي الخليجي بتشكيل لجان مرتبطة بوزارات الثقافة والخارجية للجانبين الخليجي والأفريقي، مهمتها العمل على مناقشة كافة القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، والعمل على تأسيس مراكز خاصة للدراسات الأفريقية في كافة دول مجلس التعاون الخليجي.
دعت الباحثة المتخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية الإماراتية د.أمينة العريمي، دول مجلس التعاون الخليجي، إلى العمل على وضع إستراتيجية خليجية موحدة ومحددة الأهداف لمواجهة التمدد الإيراني في القارة الأفريقية والتعاون الجماعي في ملفات الأمن العسكري والاستخباراتي، وتفعيل ملف الكونفدرالية الخليجية في "الخارجية، الدفاع، العملة".
وأشارت في لقاء مع "الوطن"، إلى أن طهران تعمل على إيجاد معاقل جغرافية وإستراتيجية تابعة لها في أفريقيا عبر اللجوء إلى توحيد الجماعات الأفريقية المُتطرفة، مع غض الطرف عن الاختلاف المذهبي بما يتوافق مع مصالحها.
وأكدت العريمي، أن تكوين تكتل اقتصادي خليجي أفريقي سيسهم في تحجيم النفوذ الشيعي بغرب أفريقيا ويقوض الطائفية، ورأت أن دول الخليج وظفت استثماراتها في أفريقيا بعدما وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية.
وأضافت، أن هناك تبايناً في مواقف الدول الأفريقية من الأزمة الخليجية، ورغم أن دول المقاطعة لم تحظَ بدعم أفريقي كبير كما كان يتوقع، غير أن موقف جيبوتي من الأزمة والمتمثل بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة مُتوقعاً بحكم تطور العلاقات الإماراتية السعودية الجيبوتية مؤخراً، إذ جاء ذلك خلافاً لإرتيريا التي تبنت موقفاً مُحايداً.
وحذرت العريمي من احتمالات عودة القرصنة في السواحل الشرقية للصومال على نحو أقوى مما كانت عليه سابقاً، مشيرةً إلى أنه قد تمتد لعموم الموانئ الأفريقية المُطلة على المحيط الهندي..وفيما يلي نص اللقاء..
= ما موقف الدول الأفريقية من الأزمة الخليجية الراهنة؟
- تختلف الدول الأفريقية في مواقفها من الأزمة الخليجية؛ فالدول المؤثرة في أفريقيا والتي ينظر لها المجتمع الدولي أنها ستقود أفريقيا في السنوات القادمة مثل "جنوب أفريقيا، نيجيريا، أثيوبيا" كان موقفها محايداً، واعتبرت الأزمة الخليجية شأناً داخلياً وشاركتها في ذلك أغلب الدول الأفريقية مثل الصومال.
أما أديس أبابا، فموقفها لم يختلف عن موقف مقديشو، فأثيوبيا التزمت الحياد والحذر ودعت للحوار بين الأطراف، بينما كان موقف جيبوتي من الأزمة والمتمثل بتخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة مُتوقعاً بعد تطور العلاقات الإماراتية السعودية الجيبوتية مؤخراً والذي امتد من التعاون الاقتصادي إلى التعاون الأمني والعسكري.
أما الدول الأفريقية التي أعلنت دعمها لدول المقاطعة فهي السنغال وجزر القمر وتشاد ويرجع السبب في ذلك إلى حصول تشاد على 150 مليون دولار من دولة الإمارات دعماً لخطة التنمية الشاملة في تشاد والذي أكده رئيس وفد دولة الإمارات في مؤتمر التنمية والاستثمار في فرنسا المنعقد في الفترة من 6 إلى 8 سبتمبر. من جهة أخرى فهناك دعم سعودي للاقتصاد السنغالي تمثل في دعم الصيرفة الإسلامية، بالإضافة إلى دعم الرياض لصندوق تنمية غرب أفريقيا.
= كيف ترون العلاقات الأفريقية الخليجية سياسياً واقتصادياً؟ وهل هناك دول خليجية وأخرى أفريقية أكثر بروزاً في تنمية تلك العلاقات؟
- تُدرك دول مجلس التعاون الخليجي أن حضورها الاقتصادي في أفريقيا يتفوق على حضورها السياسي، ويرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل، أهمها؛ عدم الاستقرار السياسي لبعض الدول الأفريقية، وبروز الصورة السلبية والمغلوطة وغير العادلة في الذهن الخليجي عن الدول الأفريقية مما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الأفريقية.
فالسياسة الخليجية نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع الاستثمارية في بعض دول أفريقيا والتي ساعدت في إنعاش جزئي لتلك الدول اقتصادياً، حيث وظفت دول الخليج تلك الاستثمارات بعد أن وجدت نفسها على خط المواجهة العسكرية مع طهران في جنوب الجزيرة العربية.
ومن هنا بدأت أهمية دول القرن الأفريقي بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام، وعلى الرغم من اختلاف الرؤى السياسية بين دول مجلس التعاون الخليجي إلا أن عاصفة الحزم فرضت عليها ضرورة العمل والتنسيق ككيان واحد لحماية أمنها القومي الذي بات على المحك.
وبخصوص أكثر الدول الخليجية بروزاً في أفريقيا فهي المملكة العربية السعودية والتي لها دور كبير في دعم انتشار الصيرفة الإسلامية في أفريقيا، والتي لاقت نجاحاً كبيراً في العديد من العواصم الأفريقية مثل داكار، نيامي، وأبيدجان التي نجحت مُؤخراً في إصدار أكبر عملية للصكوك السيادية في غرب أفريقيا بقيمة 244 مليون دولار.
كما ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في العديد من المشاريع الاستثمارية الاقتصادية في الدول الأفريقية مثل نجاح شركة اتصالات الإماراتية في نيجيريا، وتعاون الإمارات مع السيراليون ومالي وموريتانيا في مجال الطاقة المتجددة.
وساهمت مملكة البحرين، في تأسيس مجمع البحرين التعليمي لدعم التعليم في الصومال، أضف إلى ذلك دعم المنامة لمعاهد العلوم المالية والمصرفية خاصة أن الكثير من العواصم الأفريقية مهتمة بالاطلاع على النموذج البحريني في ريادة الأعمال والمؤسسات المالية.
= ما تأثير المساعي الإيرانية للتمدد في أفريقيا وما أوجه ذلك التمدد؟ وهل يشكل تهديداً لدول الخليج العربية وما سبل مواجهته خليجياً؟
- توجهت طهران إلى القارة الأفريقية، لتحقيق مجموعة من الأهداف من بينها فك الحصار الدولي الذي كان مفروضاً عليها بسبب برنامجها النووي والحصول على اليورانيوم من الدول الأفريقية "جنوب الصحراء" الغنية بهذا المورد الحيوي، ومحاولتها نقل معاركها خارج حدودها، وضمان السيطرة على معاقل جغرافية وإستراتيجية في تلك المنطقة البعيدة من الاهتمام العربي والخليجي.
ونظراً لأهمية البحر في سياسة إيران ورغبة طهران في كسر العزلة الاقتصادية وإظهار نفسها كقوة منافسة ومحاولتها السيطرة على ممرات بحرية وبرية لكسب أوراق ضغط جديدة في جنوب الخليج العربي تم إنشاء أهم الخطوط البحرية في شرق أفريقيا "خط ممباسا- بندر عباس".
كما أسست طهران المؤسسة الخيرية للبحوث الإسلامية والرعاية الاجتماعية للمسلمين الجدد والتي حملت رمز "I.R.W.F.A" في مدينة كيكويت الكونغولية في الكونغو -كينشاسا والتي أعلنت على لسان رئيسها "دانغاما جيري" أنها تُمارس دورها في " التبليغ المذهبي"، ودعم طهرانف ي تأسيس شركة "Ovlas" وشركة "الكونغو فوتور" والتي تبدو ظاهرياً أنها شركة للمُنتجات الغذائية إلا أنها في واقع الحال شركة لتجارة الألماس، أو ما يُعرف بـ"ماس الحروب" أي المُستخرج من مناطق النزاعات.
وما يُقلق أن تلك الأموال المُتولدة في هذه الاقتصادات الضعيفة وغير المُنظمة في بعض الدول الأفريقية في كثير من الأحيان، يمكن أن تنجح في دعم المنظمات الإرهابية في أفريقيا مثل بوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال، ما سيسهل ضرب المصالح الخليجية والعربية في أفريقيا، خاصة أن طهران تُفضل تحقيق مصالحها الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيدلوجيتها الدينية ولنا في موقفها مع أذربيجان المُسلمة والتي تشارك طهران في مذهبها والتي كانت في حالة حرب مع أرمينيا عبرة حسنة.
فإيران قامت بدعم أرمينيا "المسيحية" ضد أذربيجان "الشيعية" لأنها كانت تعارض مصالحها الإستراتيجية مما يؤكد أن طهران تُرجح كفة مصالحها الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع أيديولوجيتها الدينية.
طهران تُدرك أن التنظيمات الإرهابية في أفريقيا تناهض الوجود الغربي، وإيران ترغب بوجود معاقل جغرافية واستراتيجية تابعة لها في أفريقيا، ولتحقيق ذلك يمكن أن تلجأ طهران إلى توحيد الجماعات الأفريقية المُتطرفة، وستغضُ الطرف "مؤقتاً" عن الاختلاف المذهبي مثلاً بين "بوكو حرام السنية" و"المُنظمة الإسلامية الشيعية"، التي يرأسها رجل إيران في نيجيريا إبراهيم زكزكي وستتعاون مع الجماعات المُتطرفة التابعة لتنظيم الدولة في أفريقيا لتقض مضجع القوى الدولية حتى يتم الاعتراف بها كقوة إقليمية وبعد تحقيق أهدافها ستستخدم ميلشياتها "الشيعية" لإشعال حرب طائفية على الطريقة "العراقية".
بلا شك أن طهران نجحت في تعويض تهميشها بالتنسيق مع دول القارة الأفريقية، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي تضاعف إصرار طهران على نقل معركتها إلى اليمن والبحر الأحمر مما يؤكد أن التوجهات الإيرانية الإقتصادية ستكون عامل ثابت، وستوسع إيران نفوذها في أفريقيا وستجد الدول الأفريقية مُبرراً لتطوير علاقتها مع إيران، بعد أن تم وضع حد للعراقيل التي كانت تقيد طهران في أفريقيا في ظل غياب مشروع ورؤية خليجية عربية إستراتيجية واضحة.
ومن أهم الأمثلة على تمدد إيران في القارة الأفريقية هو ما كشفته وزارة الخزانة الأمريكية عن شبكة التمويل الأولى لإيران في أفريقيا والتي أطلق عليها "شبكة /Tajco"، والتي قامت بتبيض أموال لصالح الجمهورية الإيرانية والتنظيمات الإرهابية التي تتلقى دعماً أمنياً ومادياً لوجستياً من طهران، فقد نجحت "تاجكو" في تأسيس شركات تعمل في مجال الإستثمارات العقارية (بناء مساكن، فنادق، مجمعات تجارية ومصانع للمواد الغذائية) مثل Afrosfran ، Afribelg، Golfrate في بعض الدول الأفريقية نحو أنغولا، غامبيا، الكونغو كينشاسا، والسيراليون.
وعلى دول الخليج العربي العمل على وضع استراتيجية خليجية موحدة ومحددة الأهداف لمواجهة التمدد الإيراني في القارة الأفريقية والتعاون الجماعي في ملفات الأمن العسكري والاستخباراتي، وتفعيل ملف الكونفدرالية الخليجية في "الخارجية، الدفاع، العملة".
= ما الموارد التي تتمتع بها أفريقيا وقد تشكل مكسباً حقيقياً يمكن استثماره خليجيا؟ وما الدوافع الأخرى التي قد تجعل دول الخليج تتجه نحو أفريقيا؟
- تزخر أفريقيا بجميع الموارد الطبيعية من المياه إلى اليورانيوم وهذا ما جعل المستعمر القديم يضع استراتيجية محددة للسيطرة على ثروات القارة الأفريقية حتى بعد استقلال أغلب دولها في الستينات من القرن الماضي، وأهم تلك الاستراتيجيات والتي مازالت تعمل حتى هذه اللحظة هي استراتيجية "فرنسا فريك/ francafrique" والتي وضعها جاك فوكار أو كما يطلق عليه "سيد أفريقيا في الإليزية".
تعتبر النخبة الأفريقية الوطنية أن تلك الاستراتيجية، ما هي إلا استراتيجية مصغرة لاستغلال الدول الأفريقية أما من وجهة نظر باريس فإن تلك الاستراتيجية هي عبارة عن شبكة تعاون بين باريس ومستعمراتها القديمة.
ولكن الحقيقة تقول، إن باريس وضعت تلك الاستراتيجية لأسباب أهمها ضمان وصول الموارد الأفريقية الحيوية مثل الألماس والنفط واليورانيوم إلى باريس، وإجهاض أفريقيا من المناضلين الوطنيين وذلك بدعم الأنظمة الأفريقية التي وقفت حجر عثرة أمام التوسع الشيوعي في ذلك الوقت، وزيادة القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا.
وتناولت تلك الاستراتيجية بالتفصيل في دراسة علمية قدمتها لمركز دراسات شؤون السلام في السنغال والتي نشرت على جريدة السفير الموريتانية.
أمام دول الخليج العربي فرصة حقيقية للاستفادة من الموارد الحيوية الأفريقية، ولكن على دول الخليج العربي التعاون مع الدول الأفريقية في هذا المجال بشرط، وهو إقناع الأفارقة أن التعاون الذي تتطلع إليه دول الخليج العربي مع أفريقيا هو تعاون بين شريكين لهما حقوق وواجبات متبادلة.
= أي الدول الأفريقية أفضل للاستثمار والعلاقات السياسية والشراكات الاستراتيجية البناءة؟
- كل دولة من دول أفريقيا لها أهميتها بالنسبة لدول الخليج العربي، إلا أن ما يعيق بعض الدول الأفريقية هو عدم استقرارها السياسي وكثرت الحروب الأهلية فيها، فجمهورية أفريقيا الوسطى مثلاً من الدول الأفريقية الغنية بالألماس واليورانيوم، إلا أن نشوب الحرب الأهلية بين ميليشيات الإنتي بلكا والسليكا دفعت البلاد إلى نفق مظلم، وكذلك جمهورية جنوب السودان، أما أهم الدول الأفريقية المهمة اليوم والتي يعول عليها المجتمع الدولي والتي تعتبر نماذج حقيقية في القارة الأفريقية فهي جنوب أفريقيا، إثيوبيا، روندا، ونيجيريا.
= كيف تقيمين التواصل الثقافي والحضاري الخليجي الأفريقي؟
- تاريخ التواصل الثقافي والحضاري الخليجي الأفريقي يمتد لقرون ماضية وهذا التواصل سبق الاستعمار الأوروبي لأفريقيا بقرون، وبدأ هذا التواصل مع الفتوحات الإسلامية وتعززت وشائجه بقوافل الحج المُتدفقة سنوياً من عموم القارة الأفريقية إلى شبه الجزيرة العربية، ومن أهم الزعماء الأفارقة الذين كان لهم دور كبير في تعزيز التعليم الثقافي والديني وتعلم ونشر اللغة العربية في أفريقيا، وإنعاش طرق الحج للأراضي المقدسة هو الشيخ حاجي منسا موسى الذي أسس جامعة سانكوري التي تُعتبر مركز العلم في أفريقيا، والذي كان يوزع الذهب لكل من كان يُقابله أثناء رحلته للحج من مالي إلى مكة المكرمة ما تسبب في انخفاض سعر الذهب ودخل اقتصاد العالم في حالة تضخم لعشرين سنة قادمة بسبب تلك الرحلة.
أما الدور الثقافي الخليجي الأفريقي في الوقت المُعاصر، والذي يُمكن أن تلعبهُ الجامعات الخليجية والأفريقية والذي بدأ ينجح باستقبال الطلبة الأفارقة في جامعة القاسمية في دولة الإمارات العربية المتحدة في إمارة الشارقة، وتأسيس دولة الكويت لمركز جابر الأحمد التعليمي في السنغال، كما دشنت مملكة البحرين جامعة الصومال للعلوم الطبية، وتأسيس المملكة العربية السعودية لعدد من الجامعات في أفريقيا مثل جامعة فيصل في تشاد، ورعاية الرياض لمؤتمر اتحاد الجامعات الأفريقية في مايو 2017 والذي كان لي شرف إلقاء كلمة فيه عن أهمية تعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية ثقافياً من خلال المُنتديات الثقافية والجامعات.
= لدينا الدراسات الخليجية وافتقارها للحديث عن أفريقيا. ماذا عن المراكز الأفريقية ودراستها للخليج؟
- العلاقات الخليجية الأفريقية لا يهتم بها الذهن الأفريقي لقلة حيلته رغم عشقه لكل ما هو عربي، ويرفضها الذهن الخليجي لقلة درايته تجاه كل ما هو أفريقي وقبوله بها مؤخراً بعد أن أدرك أن أمنه القومي ومستقبله السياسي وتطلعه الاقتصادي وتعايشه السلمي مرتبط بقبر تلك الصورة السلبية لأفريقيا وأهلها في مخيلته والنظر إليها كمكمل لوجوده الذي بات على المحك.
أولاً لا بد من تشخيص المأزق الحقيقي للعلاقات الخليجية الأفريقية، والذي أرى أنها لم تُناقش بالهدوء المطلوب طيلة سنوات ماضية ولم تبرز أهمية تلك العلاقات إلا بعد أن وجد الخليج العربي نفسه مهدداً في جنوب الجزيرة العربية، وهنا برزت أهمية دول القرن الأفريقي بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام.
فالدراسات الخليجية عن أفريقيا قليلة جداً ودائما ما أدرجت تحت مسمى العلاقات العربية الأفريقية ويرجع السبب في ذلك إلى افتقار الجانب الخليجي معرفياً لحقيقة أفريقيا، وندرة طواقم خليجية أكاديمية ودبلوماسية مُؤهلة للتعامل مع أفريقيا وأزماتها المُتلاحقة، والتي لابد من معرفتها ودراستها لوضع إستراتيجيات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين مما سيُسهل المُشاركة الخليجية في حل تلك الأزمات وبالتالي فهم أفريقيا عن قرب.
أما الجانب الأفريقي، فعلى الرغم من وجود الكوادر البشرية المُتعلمة والتي تمتلك رؤية سياسية اقتصادية واعدة لتعزيز العلاقات الخليجية الأفريقية إلا إنها تحتاج لدعم على جميع المستويات لتحويل تلك الرؤية إلى واقع.
كما أن دول الخليج العربي وبعض الدول العربية والدول الأفريقية يشتركان في "نهج" وهو أن بعض الدول الأفريقية ترى أن وجود سفارات وقنصليات لها في بعض الدول الخليجية والتي تراها من وجهة نظرها "مُهمة" سيغُنيها عن باقي الدول الأخرى، ومن الجانب الآخر ترى بعض الدول الخليجية أن وجود سفارة لها في الدول الأفريقية المُرشحة لقيادة ركب التطور في أفريقيا سيغنيها عن البقية الباقية وهذا غير صحيح، فكل دولة من الجانبين لها أهميتها ولها دورها الذي يُمكن أن نراهن عليه، وكل ما هو مطلوب منا هو دراسة بعضنا البعض للبدء بالعمل على الوصول بتلك العلاقات بما ينفع الجانبان .
= جهود أمينة العريمي في أفريقيا.. ما أشكالها وغاياتها؟
- توجهت للقارة الأفريقية لأول مرة العام 2009 بغرض استكمال الدراسات في العلاقات الخليجية الأفريقية. وأسست مؤخراً مع مجموعة من الأفارقة معهد للعلاقات الخليجية الأفريقية، مازال معهداً مبتدئاً يعقد كل شهر منتدى للقضايا الخليجية الأفريقية المشتركة وله موقع رسمي على الإنترنت وهو الموقع الوحيد في الخليج العربي وأفريقيا المتخصص في العلاقات الخليجية الأفريقية.
وسنُعلن خلال الأيام القليلة القادمة، عن إنطلاق الموقع باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما قمت بتقديم دراسات ومشاركات علمية في عدد من الدول الأفريقية وصلت إلى 43 دراسة ومشاركة علمية، وهناك عمل مستقبلي نقوم عليه حالياً يتعلق بمسار العلاقات الخليجية الأفريقية وسنعلنه في إحدى الدول الأفريقية.
= القواعد العسكرية الخليجية في الساحل الأفريقي المقابل؛ كيف ترين القواعد الإماراتية والسعودية هناك؟ هل هي في حالة تنافس أم تكامل؟
- أرى أن القواعد العسكرية الخليجية في السواحل الأفريقية تطور إيجابي داعم للعلاقات الخليجية الأفريقية، ويدعم التعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين من ناحية ويؤمن الاستثمارات الاقتصادية الخليجية من ناحية أخرى، وهذا ما أشرت إليه في ورقة علمية شاركت فيها في مركز دعم اتخاذ القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة وأكدت على أهمية القواعد العسكرية الخليجية في أفريقيا خاصة أن الموانئ الأفريقية القريبة من الخليج العربي مثل ميناء بربرة وميناء بوصاصو في الصومال، وميناء جيبوتي، وميناء بورسودان، جميعها تعتبر نقاط استراتيجية هامة داعمة للتقارب الخليجي الأفريقي.
ولكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار وجود القواعد العسكرية التابعة للقوى الدولية والإقليمية والتي سبقت القواعد العسكرية الخليجية والتي تعمل وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للمصالح الخليجية.
أما وجهة نظري، فيما كانت تلك القواعد متنافسة أم متكاملة، فدعوني أولاً أن أتحدث عن نقطة هامة وهي أن الكثير من الدول الأفريقية ترى أن التقارب الخليجي الأفريقي يعلو عليه التنافس وليس التكامل والسبب في ذلك تصاعد التأكيد الأمريكي على أهمية النفط الأفريقي الأقل تسييساً من نفط الشرق الأوسط وهو ما يمكن أن يحول العلاقة بين أفريقيا والخليج العربي من التعاون المشترك إلى التنافس المفتوح، فالنفط الأفريقي يتميز بانخفاض نسبة الكبريت فيه مما يقلل عملية التكرير، أضف إلى ذلك قرب السواحل الأفريقية من السواحل الشرقية للولايات المتحدة.
أرى كباحثة متخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية، أنه لا بد أن يكون هناك تحليل منطقي للوضع في أفريقيا جنوب الصحراء لأن الصورة مازالت سلبية ومغلوطة وغير عادلة في الذهن الخليجي عن دول الجنوب الأفريقي، فرغم أهمية تلك الدول إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تكاد تكون غير حاضرة "سياسياً" في تلك الساحة، وأعتقد أنه لو نجحت دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية في وضع حد لضعف الاهتمام بدول أفريقيا "جنوب الصحراء" ووضع مجلس التعاون الخليجي دول أفريقيا "جنوب الصحراء" ضمن الأجندة الخليجية ما كنا سنقف اليوم نتساءل متى سيعود جنودنا من اليمن.
= ما مدى تمدد إسرائيل في القارة الأفريقية؟ وما خطره علينا في الخليج العربي؟
في عام 1967 كانت أغلب الدول الأفريقية لا تعترف بإسرائيل كدولة، ومن اعترف بها فقد قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وفي ظل قطع العلاقات استفادت تل أبيب من تلك الفترة في التمدد في دول أفريقيا ولو بشكل غير رسمي، ولكن بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978 نشطت إسرائيل في القارة الأفريقية بشكل علني ونجحت في فتح سفارات وقنصليات لها في أغلب الدول الأفريقية، وعززت ذلك الوجود الدبلوماسي باتفاقيات اقتصادية وأمنية تمثلت بتزويد الدول الأفريقية بنظم خاصة لمراقبة الحدود إلى تدريب الجيوش ودعم الأمن العسكري والاستخباراتي الأفريقي وإمداده بمختلف أنواع الأسلحة حتى تلك المناطق التي تشهد حروباً أهلية.
فتل أبيب كانت تدعم بالأسلحة والذخائر الميليشيات المتناحرة في ليبريا والسيراليون وروندا وجنوب السودان في مطلع تسعينات القرن الماضي، وتساهم شركة (NIP Global) الإسرائيلية في تزويد الدول الأفريقية بنظم أمنية خاصة بدءاً ببطاقة الهوية للمواطنين والمقيمين إلى نظم متطورة لمراقبة الحدود، كما تعزز التعاون الاقتصادي والسياسي الإسرائيلي في دول غرب أفريقيا مثل السيراليون وليبريا بعد نجاح إسرائيل في القضاء على مرض " الإيبولا" الذي كاد أن يفتك بمواطني تلك الدول، ولعبت جمعية الصداقة الإسرائيلية السيراليونية دوراً إيجابياً في ذلك.
أما اقتصادياً فأسست إسرائيل أكبر شركة للمنتجات الحيوانية عام 1952 (شركة انكودا) في شرق أفريقيا والتي تبين بعد ذلك أنها شركة تابعة لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) وساهمت ذات الشركة في تهريب الصمغ العربي من السودان إلى إثيوبيا ومنها إلى إسرائيل، يذكر أن واشنطن عندما فرضت العقوبات على الخرطوم عام 1992 استثنت مادة الصمغ العربي لأهميته في الصناعات الطبية وغيرها من الصناعات الحيوية.
وعلى الصعيد الرياضي، أسست إسرائيل في غرب ووسط أفريقيا معسكرات رياضية لاستقطاب المواهب الرياضية الأفريقية وأطلقت على هذه المعسكرات معسكرات "حبقوق" وحبقوق في الفكر اليهودي هو أحد أنبياء إسرائيل الذي اشتهر بالقوة البدنية، وما أن ينخرط المواطن الأفريقي في تلك المعسكرات حتى يخضع لتدريبات خاصة بتنمية القدرات المهارية والبدنية وغرس الولاء والانتماء لإسرائيل.
= ما السيناريوهات المحتملة أمام دول الخليج العربي في أفريقيا؟
- السيناريو الأول: في ظل تباين الرؤى السياسية لكل دولة خليجية، والدور المُستقبلي الذي تُريده كل دولة خليجية لنفسها وبمعزل عن الأخرى، واختلاف رؤية كل دولة خليجية للتنظيمات السياسية مثل" الإخوان المسلمين"، سيقود ذلك بطبيعة الحال إلى التنافس غير الصحي بين دول الخليج، والخشية أن يصل إلى "التآمر التدميري" على ضرب مصالح بعضهم البعض ليس فقط في أفريقيا بل قد يمتد لدول أخرى، ما سيصيب فكرة الاتحاد الخليجي في مقتل خاصة أنه لا سبيل لتقارب تلك الرؤى بين دول الخليج العربي على المدى القريب أو المتوسط على الأقل.
أما السيناريو الثاني، فمن من المرجح أن يكون هناك تعاون أمني استخباراتي عسكري في أفريقيا بين تركيا وبعض دول الخليج التي تتوافق رؤاها السياسية مع أنقرة والذي قد يقود إلى تحول أفريقيا لساحة تصفية حسابات سياسية ستُغذيها طهران بطريقة أو بأخرى، خاصة أن النفوذ الإيراني في بعض الدول الأفريقية لا يستهان به، أضف إلى ذلك أنه في ظل الأزمة الخليجية الحالية قد ينشأ تحالف من نوع خاص بين تركيا وطهران في أفريقيا وقد تجد تل أبيب مصلحتها في دعمه على حساب المصالح الخليجية.
السيناريو الثالث، فإنه من المرجح أن تدعم بعض القوى الإقليمية المُعارضة لبناء سد النهضة التنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي لإزعاج القيادة الإثيوبية والعصف بكل خطط التنمية التي يترقبها القرن الأفريقي ودوله من سد النهضة، وفي ظل ذلك المشهد ستعود القرصنة في السواحل الشرقية للصومال بشكل أقوى مما كانت عليه سابقاً وقد تمتد لعموم الموانئ الأفريقية المُطلة على المحيط الهندي مما سيضر بالمصالح الخليجية في دول شرق أفريقيا وسيؤثر على قوات التحالف المرابطة في جنوب الجزيرة العربية.
ومن البديهي حينها أن تتعاون التنظيمات في دول غرب أفريقيا مع تلك المتواجدة في شرق أفريقيا مما ينبئ على توحدها لتشكل بذلك ذراع قوي لتنظيم الدولة في أفريقيا والذي سيحظى بدعم دولي مُستتر مادام أنه لم يتعرض لمصالح القوى الدولية التي ترغب بتواجده في تلك المناطق التي تشهد صراعات مُتلاحقة لتحريكه في الوقت المُناسب، كما يمكنها استخدامه مُستقبلاً في مناطق يُراد لها أن تنال نصيباً من ويلات الصراع.
= ما توصياتكم لدول مجلس التعاون الخليجي كباحثة متخصصة في العلاقات الخليجية الأفريقية؟
- يمكن لدول الخليج العربي البدء بتكوين تكتل اقتصادي خليجي أفريقي، فقد يكون لهذا التكتل نتائج إيجابية ليس فقط على دول الخليج العربي، بل على الدول الأفريقية فمثلاً قد تتقارب وجهات النظر المغربية النيجيرية بشأن ملف الصحراء الغربية الذي يُقوض الأمن الوطني المغربي، وإقناع "أبوجا" بسحب الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية، لكون نيجيريا إحدى أهم القوى الأفريقية المؤهلة لقيادة أفريقيا.
ومن ناحية أخرى يمكن لدول الخليج العربي تحجيم النفوذ الشيعي في منطقة غرب أفريقيا الذي بات يُهدد المُجتمعات الأفريقية ناهيك عن المُجتمعات الخليجية والعربية، خاصة أن جميع الدول المُرشحة للانضمام لذلك التكتل "الخليجي الأفريقي" تشترك في رؤية أن خطر "النفوذ الشيعي" على المُجتمعات قد يُهدد أمنها القومي، ويُعزز الطائفية في المجتمعات الأفريقية التي تتبع الطرق الصوفية والسنية مثل المجتمعات الخليجية والعربية.
إلا أن ما يعترض ذلك المشروع من وجهة نظري مجموعة عوائق قد تحدد سير ذلك المشروع المستقبلي اختلاف الرؤى السياسية والاقتصادية بين بعض دول الخليج العربي، ورؤية باريس لذلك التكتل كمُهدد للمصالح الفرنسية في غرب أفريقيا وتجاوزاً على مصالحها في أفريقيا مما سيفضي إلى تبني إستراتيجية فرنسية تقض مضجع ذلك التكتل، إلى جانب العمل على تقارب الرؤى السياسية بين دول الخليج العربي والوصول إلى صيغة مُشتركة تُرضي جميع الأطراف لقطع الطريق على من يحاول إحداث انقسام داخل الاتحاد الخليجي.
والعمل على تعزيز التواصل الثقافي الأفريقي الخليجي بتشكيل لجان مرتبطة بوزارات الثقافة والخارجية للجانبين الخليجي والأفريقي، مهمتها العمل على مناقشة كافة القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، والعمل على تأسيس مراكز خاصة للدراسات الأفريقية في كافة دول مجلس التعاون الخليجي.