بشاير الذوادي

تصوير سهيل وزير


شبّه الخبير الدولي والقانوني في الأخطاء الطبية د.خالد الدويري بعض المستشفيات الخاصة بـ"أغنياء الحرب"، مشيراً إلى أن أصحابها يجنون دخلاً عالياً على حساب المرضى.

وكشف الدويري عن ظهور عيادات غير مرخصة تقوم بعمليات الإجهاض.

وقال في حوار لـ"الوطن" إن إقبال الناس المتزايد على العمليات الجراحية التجميلية أدى إلى زيادة فرصة الوقوع في الأخطاء الطبية.

وفيما أكد الحاجة إلى قانون ينظم المسؤولية القانونية للطبيب، أشار إلى أن الأخطاء الطبية احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في أسباب الوفاة بعد السرطان والحوادث المرورية.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما هو الخطأ الطبي في الجراحات التجميلية؟

يعرَّف الخطأ الطبي في مثل هذا النوع من التدخل الطبي الذي لا يستدعي حالة الضرورة بأنه عدم اتباع الأصول العلمية الطبية المتعارف عليها عالمياً قبل التدخل وأثناءه وبعده، وما يسبق ذلك من إخلال بواجب التبصير والإعلام ما قبل العملية الجراحية التجميلية، إذ يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً ومكتوباً، وإن لم يكن بهذا الشكل يدخل فيه عنصر التدليس ويكون رضا المريض معيباً فيسعى الطبيب إلى الحصول على المال عن طريق غش المريض بعدم إعطائه المعلومة الصحيحة.

كيف يتم إثبات الخطأ الطبي في الجراحات التجميلية؟

العمليات الجراحية التجميلية هي مجموعة من العمليات التي تتعلق بالشكل ويكون الغرض منها علاج عيوب طبيعية أو مكتسبة في ظاهر الجسم البشري تؤثر في القيمة الشخصية أو الاجتماعية للفرد.

والهدف من هذه العمليات ليس إلا مجرد تقديم جراحة تجميلية لشكل المريض، لأن التشوهات لا تهدد صحته أو حياته، فالجراحة هنا ليس لها غرض علاجي.

إن القاعدة العامة في إثبات الخطأ الطبي، طبقا ً للقواعد العامة "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" ؛ فطبقاً لذلك يكون على عاتق المدعي إثبات وجود الخطأ أو الإهمال الطبي من قبل الطبيب الذي أدى إلى الضرر وإثبات العلاقة السببية بأن هذا الضرر الذي أصاب المريض ناتج عن خطأ الطبيب.

هل يلتزم الطبيب بتحقيق النتيجة التي يرجوها المريض من العمليات أو الجراحات التجميلية؟

نوع التزام الطبيب هو بذل العناية المطلوبة، وعدم القيام بهذا النوع من الالتزام يرتب مسؤولية ناتجة عن الإهمال الطبي وهذا كله له علاقة بالعمل الفني الطبي.

إلا أن هناك بعض الاتجاهات الفقهية القانونية في الدول المتقدمة في مجال مساءلة الأطباء تلزم الطبيب بتحقيق نتيجة في بعض العمليات الجراحية التجميلية سهلة التنفيذ التي تجرى بشكل دوري ومستمر مثل "الهوليوود سمايل".

أما بالنسبة لعمليات إنقاص الوزن (التكميم) فهنا يكون الطبيب ملتزماً ببذل العناية المطلوبة بالنسبة للعمل الفني الطبي، حيث أن المريض قد يواجه صعوبات أثناء التدخل قد تعود لعوامل وراثية، ولأن جسم الإنسان ليس عملية حسابية دقيقة، حيث أن الطبيب قد لا يستطيع السيطرة على رد فعل أنسجة الإنسان لذلك من واجب الطبيب تبصير وإعلام المريض قبل إجراء العملية ويعد هذا التزاماً بتحقيق نتيجة.

ويجب على جراح التجميل أن يشرح للمريض كل ما يترتب على الجراحة التجميلية من مخاطر ولو كانت استثنائية أو غير مهمة أو ثانوية نادرة الحدوث.

هل تختلف المسؤولية في الأخطاء الطبية في الجراحات التجميلية عنها في الجراحات الأخرى؟

نعم، المسؤولية القانونية (المدنية) في الأخطاء الطبية للجراحات التجميلية هي عقدية وليست تقصيرية، حيث لا تستدعي الضرورة لإجراء هذا التدخل الطبي، وهنا يجب إعلام المريض بالمخاطر وجعله على بينة من أمره وبالتالي الحصول على رضاه الحر، وهو ضروري لإجراء العملية. وهذا الرضا يعتبر أحد أهم أركان العقد الطبي حيث لا يكون صحيحاً إلا إذا كان عن بينة واختيار حسب القواعد القانونية. وعلى هذا الأساس يجب على الطبيب أن يوضح كافة المخاطر التي سيتعرض لها المريض، لأن التدخل الجراحي لا تدعو له ضرورة عاجلة، وهنا المريض هو الذي يختار طبيب التجميل ويكون بينهما عقد مكتوب ويرتب حقوقاً والتزامات على كلا الطرفين.

والقاعدة العامة لا تعني أنه بمجرد وجود العقد بين الطرفين على الطبيب أن يلتزم بتحقيق النتيجة المرجوّة، بل وجود العقد يكون أيضاً لغاية مشروعية التدخل الطبي المبني على رضا صحيح خالٍ من أي عيب.

وأشير هنا إلى نقطة مهمة جداً، بأن إجبار الطبيب لمريضه على توقيع مستند مسبق يفيد بإعفائه من المسؤولية القانوينة في حالة وجود الخطأ، يعتبر باطلاً بحكم القانون، ولكن في حالة ثبوت المسؤولية يمكن للمريض أن يعفى الطبيب من التعويض.

ما أسباب كثرة الأخطاء الطبية؟ وهل ضعف الرقابة الصحية أحدها؟

أسباب عدة من أبرزها عدم وجود رقابة حكومية فعالة وصارمة على المنشأة الصحية بشكل عام، وخاصةً على مستشفيات الطب الخاص "الرخيصة" التي باتت منتشرة بكثرة دون تدقيق، مما يثير القلق، فبعضها لا يعدو كونه مسالخ بشرية مبنية على الطمع تقدم كسب المادة على صحة المواطن أو المقيم، ما أدى إلى ظهور عيادات غير مرخصة تقوم بعمليات الإجهاض. وهذا على عكس القطاع العام الذي يرفض القيام بالعمليات التجميلية لأنها تعد عمليات شكل وترف مستثنياً من ذلك حالات الضرورة. وأنصح دائماً باللجوء للطب الحكومي لأنه أفضل ولأن بعض مستشفيات القطاع الخاص تشبه "أغنياء الحرب" يجني أصحابها دخلاً عالياً على حساب المرضى.

والأهم من ذلك عدم وجود قانون خاص يسمى بقانون المسؤولية القانونية للطبيب يتم اللجوء إليه من قبل المحاكم بدلاً من اللجوء إلى القواعد العامة في القانون المدني. ويجب أن يحتوي هذا القانون محوراً يبين مفهوم الخطأ الطبي، وآخر متعلق بالتدريب والتعليم المستمر للأطباء؛ حيث أن الطب في تطور مستمر مع ظهور أساليب حديثة ومبتكرة للعلاج مما يتطلب من الأطباء مواكبة هذا التطور عن طريق حضور المؤتمرات والدورات التدريبية، إضافة إلى محور متعلق بنظام التأمين الإلزامي على الأطباء. وهذا كله معمول به في الدول المتقدمة.

كما إن غياب دور جمعية الأطباء قد يكون أحد الأسباب، حيث يجب أن تلعب الجمعية دوراً رقابياً كبيراً كالتدقيق على شهادات الأطباء، كما هو معمول به في الأردن، حيث أن أي طبيب أجنبي تخضع شهاداته للتدقيق. وللتوضيح هنا، فإن عملية التدقيق مختلفة عن التصريح، كونها عبارة عن مخاطبة للجامعة التي تخرج منها الطبيب، وخاصة أن دول شرق آسيا يكثر فيها تزوير الشهادات. ومما أثار استنكاري أن يكون هنالك استشاري لم يتعد عمره 29 عاماً! ففي كثير من الدول العربية مرتبة الاستشاري لا ينالها أي طبيب إلا بعد إعداد أبحاث طبية وقضاء سنوات طويلة في مجاله، خاصة أن هذه الدرجات تعتبر قمة العلم ولا تنال بسهولة.

ومن أسباب كثرة الأخطاء الطبية صعوبة إثبات الخطأ الطبي، الذي يؤدي في النهاية إلى عدم نجاح الدعوى وفشلها أمام القضاء، كون الملف الطبي موجود عند الطبيب وليس من السهل الحصول عليه إلا عن طريق الطلبات العارضة بالمحاكم، وهنا قد يكون هذا الملف معرضاً للتحريف أو التزوير، ما يؤدي لضياع حق المريض أو ذويه، حيث إن الطبيب أصبح يعتقد بأنه فوق القانون ولا يساءل.

كم يبلغ تقريباً عدد حالات الأخطاء الطبية في الجراحات التجميلية؟

نتيجة الزيادة الكبيرة والملحوظة في أعداد العمليات الجراحية بشكل يومي على مستوى العالم، من شفط دهون وتصغير الأنف، وحقن الشفاه، وشد الوجه أو تسمينه، والتكميم، وإزالة الشعر، وتكبير الثدي. هذا كله يؤدي إلى زيادة في الأخطاء الطبية في هذا النوع من العمليات، ولكن للأسف الشديد لا توجد إحصاءات رسمية، نتيجة التكتم على الأرقام، وأقول ذلك على المستوى العالمي.

ما أبرز حالات الخطأ الطبي في جراحات التجميل التي حدثت بالبحرين مؤخراً؟

في عملية لتكميم المعدة، أعطى طبيب التجميل المريض جرعة مخدرة زائدة عن اللزوم مما أدى لإصابته بغيبوبة توفي إثرها. وفي حالة أخرى أدت عملية حقن في جفن العين إلى عمى المريض. ونتج عن عملية أخرى لإزالة شعر البطن والصدر عن طريق جهاز كربوني بطريق التبريد حروق جسيمة في جسم المريض وإنكماش الجلد مما سبب ضرراً مادياً ومعنوياً للمريض، وعملية أخرى لشفط دهون أدت إلى تجرثم الدم والتهابات جلدية. وحالة لشد عضلات الوجه، أدى الخطأ الطبي فيها إلى موت الخلايا الجلدية وتأذي الشرايين الدموية.

أين تكمن مشكلة الأخطاء الطبية الجراحية، في السياسات الصحية أم الإهمال الشخصي من الكادر الطبي؟

تكمن مشكلة الأخطاء الطبية بالعمليات التجميلية في الاثنين معاً، في السياسات الصحية، والإهمال الشخصي من الكادر الطبي، ولكن في الثانية أكثر من الأولى، حيث أن الواجب الكبير الذي يقع على عاتق الأطباء في الجراحات التجميلية والذي يجب أن يولى العناية المشددة هو واجب الإعلام والتبصير، فإهمال هذا الواجب هو المرتب الأساسي للخطأ الطبي في العمليات التجميلية، أكثر منها في العمليات الجراحية الأخرى.

كيف يتم تحديد مقدار التعويض عن الأخطاء الطبية في الجراحات التجميلية؟

هذا السؤوال مهم جدااً بالنسبة للمريض والطبيب، والمحامي كذلك.

إن الغاية من إثبات المسؤولية المدنية على الطبيب دفع التعويض المالي الناتج عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق بالمريض، والإثبات يقع على عاتق المحامي في هذا النوع من العمليات خصيصاً.

بالنسبة للتعويض عن الضرر المادي، سهل تقديره وتوجد له قواعد واضحة، منها ثمن الأدوية، والعملية، وغيرها...

أما بالنسبة لتعويض الضرر المعنوي، فهناك صعوبة في تحديده لعدة أسباب أهمها عدم وجود محامين متخصصين ومتمرسين في هذا المجال في دولنا العربية على عكس الدول الأوروبية.

الضرر المعنوي هو الأذى والحزن والأسى الذي يصيب المريض ضحية الخطأ الطبي، وأقاربه حتى الدرجة الثالثة، حسب القواعد القانونية، ويلعب عمر المريض ومكانته الاجتماعية، إضافة إلى شهاداته العلمية دوراً في تقدير قيمة التعويض.

توصيات للحد من الأخطاء الطبية بشكل عام؟

الرقابة الصارمة والشديدة على المنشآت الصحية العامة من ناحية الجودة والمنشآت الخاصة من جميع نواحيها. وتشكيل لجنة طبية عليا تشمل خبراء ذوي اختصاص، وذوي شخصية طبية معروفة بالنزاهة في البحرين يُعهد إليها النظر في الأخطاء الطبية، لكي لا تكون الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية هي الجهة الوحيدة المختصة بإقرار وجود الخطأ الطبي من عدمه.

إضافة إلى قانون خاص يحكم الأخطاء الطبية كما هو معمول به في الدول المتقدمة بدلا ً من الرجوع للأحكام العامة من القانون المدني. كما أن إقرار نظام التأمين الإلزامي سيسهم بدور كبير في تخفيف نسبة الأخطاء الطبية.

و تعزيز الدور الرقابي لجمعية الأطباء، إضافة إلى تدريب المحامين، ليصبحوا أكثر تمرساً في مجال الأخطاء الطبية.

وأخيراً التخفيف من الثقل الذي يُحمل على عاتق الأطباء في المراكز الصحية من حيث ساعات الدوام الطويلة، إضافة إلى إرسالهم لدورات تدريبية وندوات لمواكبة التطور المستمر في مجال الطب.