يُنظر لمؤتمر التحالفات في الشرق الأوسط الذي اُفتتحت أعماله الإثنين، على هامش انطلاق "معرض البحرين للدفاع" باعتباره الأول من نوعه الذي يستضيف في عدة جلسات نقاش واسعة نخبة من الخبراء والمهتمين والمتخصصين بالرؤى الاستراتيجية والصناعات الدفاعية ، فضلاً عن كبار المسؤولين العسكريين والأمنين الذين يغطون الأفرع المختلفة للعديد من جيوش دول المنطقة والعالم.وحظي المؤتمر عند انطلاقته، باهتمام خاص بالنظر لحجم ونوع ومستوى الحاضرين، ولمناقشته واحدة من أهم القضايا والملفات التي تشغل بال دول العالم حالياً، ألا وهي "التحالفات والشراكات العسكرية بالشرق الأوسط"، والتي يُنظر لها باعتبارها أساساً لا بد منه لمجابهة التحديات التي تتعرض لها دول الإقليم، وإطاراً لا غنى عنه لتنسيق وتنظيم جهودها مع المجتمع الدولي ، وبما يسهم في تعزيز عملية المواجهة الشاملة للتهديدات والمخاطر العالمية ، وفي مقدمتها: الإرهاب.ويجسد المؤتمر الفكري والاستراتيجي المهم طموح دول المنطقة في إقرار الأمن في ربوعها، وتحقيق مزيد من الاستقرار بها، بالتعاون مع "التحالف العربي في اليمن" و"التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب"، اللذين تقودهما الشقيقة المملكة السعودية، ويمثلان حالياً ركناً محورياً من أركان الأمن القومي العربي والإسلامي والخليجي، خاصة مع كبر وثقل حجم الأطراف المشاركة في التحالفين، والذي يزيد عن 50 دولة، ومع دعم المجتمع الدولي لهما لتنسيق الجهود الرامية لضمان أمن، واحدة من أهم مناطق العالم قاطبة.وترجع أهمية المؤتمر لأكثر من سبب، منها: حاجة دول الشرق الأوسط الماسة للفت انتباه دول العالم بضرورة التصدي لنوعية أخرى من التهديدات التي لم يعد ممكنا مجابهتها فرادى، والتي توصف باعتبارها تهديدات غير تقليدية، وتتطلب التعاون المشترك والجماعي للقضاء عليها، لا سيما أن هذه التهديدات لها أذرع وامتدادات خارجية، وباتت تقترب من حدود أمن دول العالم الداخلي، وتحاول النيل من مكتسبات شعوبها وسيادة واستقرار حدودها وعرقلة خطط حكوماتها لتحقيق أهدافها الإنمائية الموضوعة.ونظراً لأن منطقة الشرق الأوسط في غنى عن أية تهديدات أخرى ، وبما أنها واجهت وتواجه منذ عقود طويلة عدة تحديات كالحروب ، فإنه ليس أمامها الآن أي خيار آخر سوى العمل وبشكل متكاتف مع الدول المعنية للتصدي لتلك المخاطر الأمنية الجديدة، وأبرزها: انتشار الأيديولوجيات المتطرفة، وقف امتدادات ما يسمى بالجماعات دون الدول، لا سيما المسلحة منها، والعمل بكل وسيلة ممكنة لوأد خطرهما في المهد.ومع الحضور الكبير المشارك في المؤتمر، الذي لم يقتصر على وزراء الدفاع والأمن ورؤساء الأركان وقادة أفرع القوات المسلحة للعديد من الدول، ويتجاوز 50 وفداً رسمياً، فإنه يتوقع لنقاشات وجلسات مباحثات المؤتمر أن تتمخض عن الكثير من الرؤى والمواقف المتناغمة إزاء الكثير من الملفات والقضايا، لا سيما في ظل وجود صانعي السياسات للعديد من الدول والملحقين الدبلوماسيين والعسكريين ومسؤولي إدارات الإمداد والتموين بالعديد من الجيوش، فضلا بالطبع عن الباحثين والخبراء المتخصصين في المجال الاستراتيجي ومحللي الدفاع وممثلي كبريات شركات الصناعات الدفاعية في المنطقة والعالم.ولا شك أن ثقل حجم المشاركين في المؤتمر، وأدوارهم التنفيذية والفكرية، والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم، سيفتح المجال لأفكار ورؤى وحلول غير تقليدية للمشكلات الدولية المعاصرة، وسيضفي مزيداً من الزخم على فعاليات جلسات النقاش التي تحظى بمتابعة دوائر صنع القرار الإقليمي والعالمي، فضلاً عن اهتمام وسائل الإعلام العالمية.يشار إلى أن نقاط البحث والنقاش التي يتعرض لها المؤتمر والمتحدثون خلاله تغطي مساحة واسعة من اهتمامات الكثير من الدول، وتدرس العديد من الاحتمالات والمسارات التي يمكن أن تتحرك فيها جماعات العنف والتطرف، خاصة عبر الحدود، وكيف يمكن الاستجابة لذلك جماعياً من جانب الدول المعنية سواء في الشرق الأوسط أو خارجه، وطبيعة العمليات التي يمكن أن تؤديها التحالفات المشتركة لمجابهة عدو واحد، والتي تتجاوز في الحقيقة العمليات العسكرية أو عمليات المواجهة المباشرة، وتشمل المواجهات ذات الأبعاد الثقافية والتربوية والفكرية وغيرها، وتستهدف النشء والشباب تحديداً.ومن بين أهم ملفات وقضايا النقاش التي تعرض لها المؤتمرون أمس واليوم: هياكل وآليات تحقيق الأمن الجماعي العالمية منها والإقليمية، ومدى أهميتها، والأدوار التي قامت ويمكن أن تقوم بها، القيود السياسية والدبلوماسية التي ربما تشكل فرصا للتحالفات العسكرية أو تحديا لها، التقنيات والتجهيزات اللازمة لضمان كفالة أمن أطراف هذه التحالفات بكل أبعاده، التهديدات الطارئة للأمن وأطرافه، خرائط التحالفات والشراكات في منطقة الخليج، وشكل تطورها التاريخي، العمليات المشتركة والقيادة المركزية لها، فضلاً بالطبع عن ركائز التفاوض السياسي لتكوين وتدعيم التحالفات وتثبيت أدوارها.وينظر لجملة هذه الموضوعات باعتبارها أساساً متيناً سيحدد إلى درجة كبيرة سبل صياغة وإقرار التفاهمات والاتفاقات والشراكات التي يمكن أن تعقد بين أطراف دول المنطقة وبعضها، وبينها وبين أطراف وقوى دول العالم المعنية، وذلك باعتبار هذه التفاهمات النواة الأولى لمسارات التحالفات القائمة وخطط عملها مستقبلاً.