أقرت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني الاقتراح بقانون بإضافة مادة جديدة برقم "350 مكرراً" إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم "15" لسنة 1976،
وتنص المادة المراد إضافتها على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ذكر أو أنثى أتى علناً في مكان عام فعلاً يتشبه فيه بالجنس الآخر أو ظهر بمظهر غير لائق ينافي الآداب العامة والعادات المرعية في المملكة".
ويهدف المقترح للامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء بتجريم الأفعال والسلوكيات المخالفة للدين الحنيف، وذلك من خلال تضمين قانون العقوبات أحكاماً تجرم ظاهرة التشبه بالجنس الآخر إعمالاً لنص المادة "2" من دستور مملكة البحرين التي تنص على أنه "دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع......"، وسد الفراغ التشريعي في قانون العقوبات الذي لم يجرم فعل تشبه أي من الجنسين بالآخر، والمساهمة في الحفاظ على الآداب العامة بتأثيم فعل التشبه بحسبانه ضرباً من ضروب الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء وقطعاً لدابر هذه الأفعال الفاحشة المسيئة للقيم الخلقية التي يجب ان يتحلى بها أفراد المجتمع وعليه فهو يحقق مصلحة مشروعة.
كما يهدف المقترح للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة سيساهم في حلحلة مشاكل أخرى يعاني منها المجتمع البحريني والكثير من الأسر البحرينية، كظاهرة هروب البنات من منازلهن بسبب تحريض المتشبهات بالرجال لهن وحثهن على الخروج على طاعة أولياء أمورهن وارتكاب الفجور والمعاصي بحجة الحرية الشخصية، والاقتداء بما استنته دولة الكويت من سنة حسنة بتجريمها الصريح لفعل التشبه بالجنس الآخر من عام 2007، وذلك بموجب القانون رقم "36" لسنة 2007 بتعديل المادة "198" من القانون رقم "16" لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، خصوصاً بعدما لوحظ في الآونة الأخيرة تفاقم بعض الظواهر السلبية في البحرين، والظهور بمظاهر غير لائقة ومنافية للآداب العامة والعادات المرعية والتقاليد في البحرين المستمدة أساساً من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ومثالها، عدم مراعاة اللبس المحتشم الذي يعكس أعراف وتقاليد أهل البحرين المحافظين.
من جهتها، أكدت وزارة الداخلية أن الإضافة المقترحة لم تحدد ما هو الفعل المراد تجريمه حيث تندرج الكثير من الصور والأفعال التي لا يمكن حصرها أو تحديدها في هذه الإضافة ومنها اللباس غير المحتشم وغيرها من المظاهر الخارجية كالوشم وغيره، مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الفعل المراد تجريمه يتغير مع تغير الفئات والأوساط ويتفاوت مع الأزمنة، حيث ما كان يعتبر فاضحاً بالأمس قد يكون مقبولاً اليوم، وما هو مسموحاً ولائق في المدن غير لائق أو مسموح في القرى، وما يكون لائقاً على الشواطئ والمسابح لا يكون كذلك في الأماكن الأخرى، لذا فإنه من الصعب وضع معيار ثابت ومحدد للمظهر غير اللائق والمنافي للآداب العامة والعادات المرعية في المملكة وفقاً لما نص عليه التعديل المقترح على نص المادة.
وذكرت الوزارة أن ممارسة فعل التشبه بالجنس الآخر هو أمر مجرم حيث يعد تحريضاً على الفجور وفقاً لنص المادة 1/329 من قانون العقوبات التي تنص على أن "كل من حرض علناً في مكان عام على ممارسة الفجور أو الدعارة يعاقب بالحبس بمدة لا تتجاوز سنتين"، وعليه واستناداً إلى ما ذكر فإن الفعل المراد تجريمه يعتبر متضمناً بالنص سالف الذكر من قانون العقوبات، لاسيما أن مقصد الشارع من التحريض على الفجور هو مجرد الدعوة أو لفت النظر إلى ذلك لأنها من جرائم الاعتداء على الحياء العام فيتحقق بمجرد إرتكاب أفعال أو إبداء أقوال تهدف بذاتها إلى تنبيه الذهن إلى أن هناك شخصاً مستعداً للفجور بالطريق العام سواء صدر من ذكور أو إناث، كما أنه لا يشترط أن يصاحب الجريمة إلحاح أو إزعاج أو مضايقة للناس أو أن تكون الإشارات أو الأقوال أو الأفعال القبيحة في ذاتها، إذ إنها تكتسب القبح من الغرض منها وهو الدعوة للفجور، حيث إن عبارة "التحريض على الفجور" تتسع لكل الأقوال والأفعال ولفت النظر والإيحاءات المخلة بالحياء العام.
وبينت الوزارة أن فقه وفلسفة قانون العقوبات تنص على عدم جواز القياس أو التوسع فيه سواء في الألفاظ أو الأحكام أو الأوصاف الإجرامية وذلك لكون قانون العقوبات قانون جزائي يجب أن تكون ألفاظه ومقاصده وأحكامه محددة غير مبهمة أو واسعة أو مطلقة بل يجب أن يكون الفعل المجرم فيه محدداً واضحاً للكافة لا يعتريه اللبس أو الإبهام، لذا فلابد من تحديد دقيق للألفاظ الواردة في المقترح.
وقد أوضح ممثلو الوزارة بأن أهداف المقترح جيدة، ولكن صعوبته تكمن في حدود سلطات الضبطية القضائية مع حدود التجريم في النص، فمثلاً من ناحية اللبس فإنها تختلف من مكان إلى آخر ومن دولة إلى أخرى، وما يعتبر مخل في بلد قد لا يعتبر كذلك في الآخر.
من جانبه، أوضح المجلس الأعلى للمراة أن المقترح يفتقر لمعايير فعل التشبه بالآخر، ويفرض ضمناً على الرجال والنساء الالتزام بمظهر وصورة ما، وإتباع سلوك ما، دون ان يحدد ماهية وطبيعة هذا المظهر أو السلوك، مما يجعله متعارضاً مع الدستور الذي كفل الحرية الشخصية "المادة 19 من الدستور"، وقد يؤدي النص المقترح لفتح مجال واسع لتفسيرات وتأويلات عديدة بسبب عدم وضوح المقصودين فيه وغموض الفعل المطلوب الامتناع عن القيام به وخاصة من قبل القائمين على تنفيذه ان لم يكونوا مؤهلين لتطبيق هذا النوع من النصوص.
وجاء في مرئيات المجلس: وفقا للمبدأ الدستوري "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون" "فقرة (أ) المادة 20 من دستور مملكة البحرين المعدل"، يشترط في النص الجزائي الخاص ان يحدد ركني الجريمة المادي والمعنوي، ففي جريمة السرقة مثلاً التي تناولتها المادة (373) من قانون العقوبات "تقع السرقة باختلاس مال منقول مملوك لغير الجاني بنية تملكه"، بين المشرع ركنها المادي الذي يتمثل في أخذ واختلاس مال مملوك للغير، ثم أوضح الركن المعنوي وهو نية تملك هذا المال من قبل السارق بغير وجه حق، وبالرجوع للنص المقترح يلاحظ بأنه لا يعطي تعريفاً دقيقاً للفعل المجرم باعتباره الركن المادي للجريمة، كما إنه لم يبين ركنها المعنوي، مما يجعله متعارضاً مع الدستور ومع المبادئ الاساسية التي يقوم عليها التجريم في قانون العقوبات، كما سبق للمشرع البحريني أن كرس عدة مواد تجرم السلوكيات المنحرفة وتعاقب مرتكبيها كجرم الفعل الفاضح العلني المخل بالحياء الذي يرتكب سواء بلفت الأنظار أو بإعلان السلوك المجرم او بالتحريض عليه.
ولا يتفق المجلس مع ما ورد في المذكرة الايضاحية بأن "القضاء على هذه الظاهرة سيساهم في حلحلة مشاكل أخرى يعاني منها المجتمع البحريني والكثير من الأسر البحرينية كظاهرة هروب البنات من منازلهن بسبب تحريض المتشبهات بالرجال لهن وحثهن على الخروج على طاعة أولياء أمورهن وارتكاب الفجور..."، فعدا عن أن هذا الطرح لا يتناول بشكل صحيح مشكلة هروب البنات من مختلف جوانبها وأسبابها الحقيقية، فإنه من الخطأ عزو سبب هروب البنت إلى فعل التشبه بالآخر فقط، علماً أن الاساس في هذا الموضوع هو التربية الأسرية والوازع الديني والأخلاقي.
وبين المجلس أن المقترح لا يفرق بين سلوك الاشخاص الذين يخضعون لتغيير الجنس لأسباب طبية مشروعة سبق أن أقرها القضاء البحريني وبين سلوك التشبه المحرم بالدين، وبالتالي يساوي بين الحالتين ويخضع الجميع لعقوبة التشبه دون وجه حق، كما أفاد المجلس أن مقدمي المقترح استندوا إلى التجربة الكويتية التي جرمت فعل التشبه كتجربة ناجحة، إلا أن الواقع أثبت بأن هذه التجربة اصطدمت بإشكاليات وصعوبات عديدة في التطبيق، مما عرضها لانتقادات شديدة ومطالبات عديدة بإلغاء المادة التي جرمت فعل التشبه بالجنس الآخر والتي جاء المقترح متطابقاً معها حرفياً من جهة، ومن حيث خلوها من أي معيار أو ضابط في هذا الشأن من جهة أخرى.
وانتهى المجلس الأعلى للمرأة للتحفظ على المقترح كما ورد لافتقاره إلى الضوابط التي تجعله قابلاً للتطبيق دون الإخلال بالدستور وبمنأى عن أي تعسف سيجعله في حال قبوله سبباً لإشكاليات كثيرة وسيمنعه من تحقيق الأهداف المرجوة منه.
أما المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فلم يرى مانعًا في إضافة هذه المادة الجديدة برقم (350) مكرراً إلى قانون العقوبات مستدلا ومستضيئًا بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
واتفقت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان ومن حيث المبدأ مع المبادئ والأسس والغايات القانونية والواقعية التي يرمي إليها الاقتراح بقانون من خلال أهمية إيجاد تشريع يجرم الأفعال والسلوكيات التي تتعارض والنظام العام أو الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدراً رئيساً للتشريع، وذلك حسب ما قررته المادة (2) من الدستور، كما أكدت على أهمية أن تكون هنالك تشريعات تنظم أو تعالج أو تجرم أية أفعال أو سلوكيات لا تحافظ على النظام العام والآداب العامة، في الأحوال التي تشكل تلك الأفعال أو السلوكيات ظاهرة مجتمعية بارزة تستلزم التدخل التشريعي، ليكون في حينه التشريع ليس على نحو العقاب لغرض الردع، بل وحتى لمعالجة تلك الظاهرة بنواحيها المختلفة، إذ إنه ليس من شك من حيث المبدأ في أن التشبه بالجنس الآخر هو من السلوكيات التي تخالف النظام العام والآداب العامة في الدولة التي يلزم أن تواجه بتشريع يجرمها، إلا أنها وفي الوقت ذاته تعد أفعالاً يجب أن تعالج من جوانب جسمانية أو نفسية للشخص المتهم فيها بجريمة التشبه.
ولكن المؤسسة استدركت بقولها ان المقترح جاء في صياغة فضفاضة وغير دقيقة، إذ يعطي لسلطة مأموري الضبط القضائي وبالتحديد في مرحلة جمع الاستدلالات سلطة تقديرية في القبض والإحالة للنيابة العامة في ظل عدم وجود تعريف واضح ومحدد لفعل (التشبه)، لذا فإنه وإن كانت تشكل في بعض الأحيان صور التشبه بالجنس الآخر أفعالاً تخالف النظام العام والآداب العامة في المجتمع والتي تستوجب العقوبة للحد منها والردع عن ارتكابها، إلا أنها وفي أحوال أخرى قد تكون تلك الأفعال نتيجة لعوامل جسمانية أو نفسية يلزم فيها تدخل الطب المختص لتحديد السلوكيات النفسية للأفراد وميولهم الطبيعية أو المكتسبة التي تنتج في حالات عن أساليب تربوية أو تنشئة اجتماعية، أو نتيجة حالات مرضية تستلزم التدخل العلاجي لا إيقاع العقوبة.
ونوهت المؤسسة بأن دولة الكويت قد أقرت تعديلاً على أحكام القانون رقم "16" لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء، بتعديل المادة "198" منه وذلك بموجب القانون رقم (36) لسنة 2007 بتجريم فعل التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، مما جعله تشريعًا عرضة للانتقاد من قبل منظمات المجتمع المدني، وحتى المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان، مستندين على أن إطلاق فعل التشبه على عمومه يتعارض وبشكل قاطع مع المبادئ العامة لحقوق الإنسان، لاسيما "مبادئ يوغيا كارتا" حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالتوجه الجنسي وهوية النوع، التي تبناه عدد من الخبراء العاملين في مجال حقوق الإنسان.
وتأسيساً على ما سبق ترى المؤسسة أنه ومع كامل التقدير للمبادئ والأسس التي يرمي إليها الاقتراح بقانون بإضافة مادة جديدة برقم "350 مكرراً" إلى قانون العقوبات الصادر بالمرسوم بقانون رقم "15" لسنة 1976، والمتضمن تجريم كل من تشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور، كونه يهدف إلى إيجاد تشريع يجرم الأفعال والسلوكيات التي تتعارض والنظام العام أو الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرًا رئيسًا للتشريع، إلا أن المقترح وبصيغته الحالية يتسم بكونه واسعًا فضفاضًا وغير محدد لسلوك التشبه بالجنس الآخر، ودون مراعاة في ذلك للجوانب الجسمانية والنفسية التي قد يعاني منها الشخص المتشبه، مما يستلزم إعادة صياغته حسب الاعتبارات الواردة أعلاه.