المتابع لفعاليات الملتقى الحكومي 2017 الذي انعقدت أعماله أمس للسنة الثانية على التوالي، وبحضور عدد من كبار المسؤولين يتقدمهم صاحب السمو الملكي الأمير الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وسمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس الوزراء، يمكن أن يخلص إلى قناعة مفادها أن مسارات العمل الحكومي في المملكة تمضي بخطى ثابتة للوصول لأهدافها الموضوعة، وذلك بتوجيه سديد من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى وبإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء.
ويقف من تابع فعاليات الملتقى على النتائج الإيجابية التي أسفر عنها الأداء الحكومي خلال الفترة الماضية، الذي أظهر حجم الإنجاز الذي يمكن أن تحققه السواعد الوطنية إذا ما أُتيحت لها الفرصة للانطلاق والإبداع. ويمكن تلمس هذه النتائج في العديد من المؤشرات الواضحة، وعبر المتحدثون عن بعضها بفخر باعتبارها برهانا على الجهود الجبارة التي تقوم بها الحكومة الموقرة بكافة أجهزتها والمنتسبين إليها.
ومن بين أبرز هذه النتائج التي ستعود بالخير العميم على أبناء الوطن جميعا خلال المرحلة المقبلة من مراحل العمل الوطني: ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة بنسبة 3.2%، والتي يقودها القطاع غير النفطي بنسبة 4.3 % عام 2016، ما يعكس وعي القيادة الرشيدة بخطورة الفترة المقبلة، ومسعى أجهزة الدولة المختلفة للتعاطي مع مرحلة ما بعد النفط، وذلك بهدف تسريع عملية تنويع مصادر الإنتاج والدخل القومي، وفتح المجال لتنمية القطاعات الإنتاجية المختلفة بعيدا عن قطاع وحيد للعمل ومصدر أحادي للدخل عرضة للتغير والتذبذب.
كذلك يشار إلى ارتفاع حجم الاستثمارات التي نجحت أجهزة الدولة المعنية في استقطابها للعمل داخل المملكة، وذلك بنسبة 158% بين عامي 2016 و2017، وإلى زيادة عدد السياح بنسبة 12.8% بين عامي 2016 و2017، وهو ما يؤشر إلى النجاح في توفير المناخ الموائم لتدفقات رأس المال من دول العالم للاستثمار في المملكة، وتوطين الصناعات، وتوسيع فرص العمل والإنتاج، وتشغيل واحد من أهم القطاعات الإنتاجية المدرّة للدخل في العالم أجمع، وهو قطاع السياحة بمرافقه المختلفة وقطاعاته المتعددة من منشآت وضيافة وما إلى ذلك.
يضاف إلى ذلك خفض النفقات الحكومية المتكررة بنسبة 30%، مع تنفيذ نحو 80% من خطط البرنامج الحكومي، رغم أنه لم يتبق غير عام واحد من برنامج عمل السنوات 2015 إلى 2018، الأمر الذي يعبر عن حقيقتين إحداها: مواصلة الدولة تنفيذ المشروعات الوطنية المخطط لها وعدم توقفها أو تأثرها بأي إجراءات أو مبادرات تستهدف تقليل المصروفات.
إضافة إلى كل ذلك، تم الشروع في رسم وصياغة الملامح المستقبلية لخطة عمل السنوات 2019 إلى 2022 مع الاستمرار في الاهتمام بمشروعات البنية الأساسية التي تمثل قاعدة صلبة للنمو والتنمية على السواء، وتجسد بحق روح الإنجاز لدى المواطن البحريني، ورغبته في تجاوز عقبات الأوضاع الاقتصادية التي مست دول العالم كافة.
والمعروف هنا أنه تم تخصيص نحو 32 مليار دولار لعدة مشروعات لها أولوية قصوى تعد بمثابة حجر الأساس لبحرين المستقبل، وعلى رأسها مشروع توسعة المطار لثلاثة أضعاف سعته الحالية والمنتظر الانتهاء منه خلال الربع الثالث من عام 2019، ومحطة الدور 2 لإنتاج 1400 ميجاوات وغيرها من المشروعات الكبرى سواء في مجال الطاقة المتجددة أو غير المتجددة، علاوة على قطاع الصحة وغيره من القطاعات التي تمثل في المرحلة المقبلة عماد نهضة البحرين لتحقيق التنمية المستدامة.
مستقبل بحريني واعد ومشرق
ونظرا لما يحيط هذه المرحلة من تحديات تفرضها التطورات العالمية، فقد بدت تلك النظرة الواعدة والمبشرة لمستقبل البحرين خلال كلمات المتحدثين، والتي تعد ـ في الواقع ـ إحدى أهم نتائج الملتقى الحكومي، والتي يمكن اعتبارها رسالة مهمة وقوية لكل من يهمه الأمر، وبخاصة من مواطني هذا البلد الكريم، حيث نشر الأمل الدائم بالرخاء، وعدم الخوف مما تحمله الأيام، وتأكيد الحرص على بناء بلد قوي يكون فيه أبناؤه خط الدفاع الأول عن حماية منجزاته والركن الركين لنهضته.
وقد لوحظ خلال الملتقى اتفاق واضح وإجماع عام على أن المملكة ينتظرها مستقبل مشرق مزدهر، استنادا إلى مدركات حقيقية وقناعات مطلقة تعززها ثلاثة أفكار وقيم تم تداولها، وتعكس الحرص على تحقيق غد أفضل، وفي مقدمة هذه الأفكار: ضرورة التقييم الدوري للعمل والأداء العام للقضاء على ما يعترضه من عقبات، الطموحات المستقبلية التي تمثل حلما يتمسك الجميع به ويعملون من أجله، فضلا بالطبع عن التعاون والتنسيق التام بين أجهزة الدولة المختلفة، والتي تجسد روح المسؤولية لدى المعنيين من أجل توحيد الرؤى والخطط.
ولا يخفى أن لهذه القيم الحاكمة الثلاثة مدلولاتها المهمة في أي عمل إداري، وبخاصة الحكومي منه، حيث الإقرار بدور ومسؤولية كل فرد عن العمل المناط به وفق مبدأي المحاسبة والشفافية، وضرورة تلبية التطلعات والوفاء بالاستحقاقات التي يأمل في تحقيقها أهل هذه البلدة الطيبة.
وقد تأكدت هذه المعاني أيضا خلال فعاليات الملتقى، حيث تبرز هنا التأكيدات على أن تطوير منظومة العمل الحكومي لتكون أكثر جودة وكفاءة على المستويات كافة، كان وما زال الهدف الرئيسي منها هو: الاستثمار في المواطن والارتقاء الحقيقي بمستواه المعيشي.
وهنا تظهر جملة من المؤشرات الدالة، التي تعبر بصدق عن أن المواطن البحريني هو محور وهدف مشروعات التنمية المستدامة بالمملكة، حيث تم تخصيص 15.600 وحدة سكنية منذ بداية برنامج عمل الحكومة الحالي، والتوجيه بتسليم 4800 بحلول نهاية هذا العام، وفتح الباب واسعا لمبادرات القطاع الخاص في إطار الشراكة مع القطاع العام، في إشارة لما تحقق في برنامج "مزايا" أو ما يعرف سابقاً ببرنامج تمويل السكن الاجتماعي، الذي يستهدف توفير السكن الملائم والكريم للمواطن في أسرع وقت ودون انتظار.
علاوة على التأكيد على أن برامج الترشيد وتقليل النفقات لم ولن تضر أبدا بمصلحة المواطنين أو حقوقهم المكتسبة التي يتمتعون بها، حيث تبرز هنا حقيقة نجاح السياسات المالية المتبعة، والتي استطاعت ليس فقط تحسين تنافسية الاقتصاد الوطني والسيطرة على معدلات التضخم والبطالة، وهي الأدنى في المنطقة، وإنما رفع مستويات الأداء الحكومي من جانب وعدم المساس بمستويات معيشة المواطنين من جانب آخر.
يضاف لذلك مشروعات تأهيل المواطن وتنمية ملكاته ليكون بالفعل محور التنمية وعمادها الرئيسي، ولعل الاهتمام بتشجيع الكفاءات والمبادرات والممارسات الحكومية تعبير واضح عن ذلك، حيث إن مكافأة العنصر البشري البحريني تسهم من جهة في تطوير أدائه ورفع مستواه، وتعود عليه من جهة ثانية في جودة الخدمة ورضا المراجعين.