قضت محكمة التمييز بنقض حكم إدانة سيدة بحرينية "ثلاثينية" بقتل صديقها البحريني الخمسيني بشقته بالرفاع بكسر رقبته، وأمرت بإعادة الدعوى لمحكمة الاستئناف العليا لتعيد الفصل فيها من جديد.
وكانت محكمة الاستئناف العليا قضت بتخفيف عقوبة السيدة من السجن المؤبد إلى 15 سنة، ولكنها لم ترتضِ الحكم فطعنت أمام " التمييز".
وكانت النيابة العامة وجهت للمدانة أنها في 23 مارس 2015، قتلت المجني عليه عمدا بأن دفعته بيدها وأسقطته أرضا على بطنه وجثت على ظهره، وأطبقت بيدها حول رقبته، وضغطت عليها بشدة يمينا ويسارا حتى كسرت عظام رقبته، قاصدة إزهاق روحه، محدثة به الإصابات الموصوفة بتقرير الطبيب الشرعي والتي أودت بحياته، وقد ارتكبت الفعل منتهزة فرصة عجز المجني عليه عن المقاومة كونه في حالة سكر بينٍ وفي ظروف لا تمكن الغير من الدفاع عنه لوجوده وحيدا في مسكنه.
وأعترفت الطاعنة بأنها تعرفت على المجني عليه بعد أن وضعت إعلان عن خدمة توصيل الطلبة للمدارس، وتلقت اتصالاً منه يطلب توصيل ابن شقيقه، فأخبرته أنها توقفت عن التوصيل، إلا أنه استمر في التواصل معها هاتفيا، ثم أخبرها بأنه يستطيع توفير وظيفة لها كطباخة في مطعم يملكه صديقه، فتقابلت معه في المطعم وتطورت علاقتهما فأصبحا يلتقيان.
وكانت المستأنفة تعلم أن المجني عليه متزوج ولديه أبناء ويسكن في شقة بالرفاع، وقبل حوالي شهرين من الحادثة نما لعلمها أن الزوجة تركت المنزل، فاتصلت به لتشكو ضيق حالها، فطلب منها الحضور إلى شقته، وهناك أبلغته بأنها لا تملك المال لدفع أجرة شقتها، فعرض عليها السكن معه بشقته كونه وحيدا، فوافقت.
وقالت الطاعنة إنه لم يعاشرها إلا مرة واحدة ورفضت تلك العلاقة حتى يتزوجها، فأخبرها أنه سيبحث عن شيخ دين يزوجهما، لكن في يوم الواقعة احتسى المجني عليه المشروب، حتى وصل حالة من السكر فطلب معاشرتها فرفضت وارتدت ملابسها، وهمت بالخروج من المنزل لكنه وقف أمام الباب ومنعها وأخذ المفتاح، وحدثت بينهما مشاجرة وقام بشدها من شعرها فدفعته من صدره ليقع على بطنه في الأرض ثم جثت على ظهره، وأمسكت رقبته بيدها اليسرى وأخذت تحركها يمينا ويسارا بقوة حتى كسرت رقبته، وعندما شاهدته يتقيأ ويسعل خرجت على الفور من الشقة.
ثم تواصلت مع شخص تعرفت عليه منذ شهر وأخبرته بما حدث لكنه ظن بأنها تبالغ بالأمر. وفي اليوم التالي خرج معها وطلبت منه الاتصال بهاتف المجني عليه والمرور عند شقته للتأكد من وفاته، عندها أخبر صديقه بالأمر الذي بدوره تقدم ببلاغ.
ومن جانبها دفع عبدالرحمن غنيم محامي الطاعنة أمام محكمة التمييز بالتناقض والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، مشيراً إلى أن نية موكلته لم تنصرف إلى القتل وإنما إلى أخذ المفتاح من يد المجني عليه لمحاولة الهروب من جريمة يحاول المجني عليه ارتكابها دون رغبة الطاعنة وهو معاشرتها دون رضاها.
كما يعيب الحكم المطعون فيه محمولاً على أسباب حكم محكمة أول درجة ومؤيداً له اعتباره أن مجرد ضغط الطاعنة على عنق المجنى عليه من الخلف دليل على توافر نية القتل على اعتبار أن منطقة العنق تمثل المقتل، ذلك أن مجرد استهداف الطاعنة لعنق المجنى عليه بالضغط وإن صح اعتباره مقتلا لا يصح أن يستنتج منه قيام نية إزهاق الروح وهو ما أسلم الحكم المطعون فيه للخطأ فى فهم واقع الدعوى والتناقض وأرداه فى الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب.
كما دفع المحامي غنيم بالخطأ فى تطبيق القانون وفى الإسناد، كون تقرير الصفة التشريحة لم يأتِ بأي إشارة لتحديد وقت وفاة المجني عليه وهو بيان جوهري بإغفاله ينفتح المجال لتصورات أخرى لملابسات وفاة المجنى عليه والتي قد تحث نتيجة دخول شخص آخر بعد مغادرة الطاعنة مكان الواقعة، خاصة وقد ثبت أن باب مسكن المجنى عليه كان مفتوحاً كما أن المسكن عبارة عن جزء من منزل عائلي يقيم فيه أهل المجني عليه .
وعزا تقرير الصفة التشريحة لجثة المجني عليه بوفاته بسبب وحيد هو "أسفكسيا" الخنق تأسيساً على وجود انسكابات بالأنسجة المشاهدة بمقدم العنق ووجود علامات "أسفكسيا" متمثلة فى وجود نقط نزفية على سطح الرئتين والقلب وجاء فيه أن هذا النمط الإصابي هو متعارف عليه في حالات حدوث ضغط على منطقة العنق، فإن ذلك لا يمكن معه القطع بأن ما قامت به الطاعنة هو السبب فى حدوث هذه الأعراض، وآية ذلك أن وضعية سقوط المجنى عليه على بطنه وهو ممسك بشعر الطاعنة مما أسقطها نتيجة الجذب يستحيل معها على الطاعنة أن تطبق على مقدمة العنق كما يستحيل معها حدوث الخنق لكون وجه المجني عليه على الأرض يشكل حائلاً يمنع القصبة الهوائية من الاستجابة للضغط الواقع علي العنق من الخلف، خاصة مع تقدير حالة الطاعنة وما تلبست به من خوف واضطراب بسبب الضربات والصفعات التى تلقتها وظلت تتلقاها من المجني عليه. وكونها استخدمت يدها اليسرى فى الضغط على عنق المجني عليه وهي اليد الأقل قوة فى حين استخدمت يدها اليمنى فى محاولة مسك المفتاح وتحريره من يد المجني عليه.
وأضاف غنيم أن ما يتعين أخذه فى الحسبان أيضاً أن الطاعنة قررت أنها كانت أثناء ضغطها على عنق المجني عليه تحركها يميناً ويساراً وهو ما لا يمكن مواءمته مع إمكانية الضغط الذي يمكن اعتباره من قبيل الخنق ذلك أن تحريرك العنق يمنا ويساراً يقتضي تحرره ويسلتزم أيضاً رفعه من على الأرض وهذا التصور هو الأقرب للواقع مع وجود مقاومة للمجني عليه لآخر لحظة.
وقال غنيم في مرافعته بأن تقرير الصفة التشريحة أثبت وجود كسر بالقرن الأيمن بالعظم اللامي، لكنه لم يورد هذا الكسر كسبب من أسباب الوفاة، ومن ثم فإنه من المستبعد أن يكون ضغط الطاعنة على عنق المجني عليه هو ما أدى لكسر القرن الأيمن بالعظم اللامي، بل إن حالة المجني عليه وتعديه على الطاعنة وما اتبعه من سقوط هو السبب الراجح لحدوث هذا الكسر، وهو ما يستتبع انتفاء الصلة بين قيام الطاعنة بالضغط على عنق المجني عليه من الخلف وبين حدوث الخنق أو الكسر الأمر الذى يرخي بظلال من الشك والريبة على سبب وفاة المجني عليه وصلته بالطاعنة خاصة فى ظل عدم تحديد وقت الوفا، ولما كان ما تقدم وكان العدوان المسوغ لقيام الطاعنة بما من شأنه درءُ الخطر والدفاع عن نفسها قد تحقق.