أقامت هيئة البحرين للثقافة والآثار محاضرة بعنوان "مساجد البحرين الأثرية"، بمتحف قلعة البحرين، مؤخرا، قدمهاجاسم العباس، الذي يتملك رصيداً من المؤلفات والبحوث في مجال دراسة المساجد الأثرية في البحرين، حيث تناول في محاضرته تاريخ المساجد وتفاصيل أخرى تتعلق ببنائها وعمرانها.
وقال العباس لـ"الوطن": إن الهدف من هذه المحاضرة، تقديم معلومات وصور أعتبرها مجهودا شخصيا منه، يقدمه أي باحث مهتم بهذا المجال، ويستطيع أن يستند على المعلومات التي أقدمها"، مؤكدا على "الحاجة إلى دراسة علمية وافية حول مساجدنا، وذلك لغياب أي دراسة إلى نوعية البناء وطرق تطور المساجد"، معتبراً أن "المحاضرة مجرد تحريك للمياه الراكدة".
وأضاف العباس أن أغلب الصور التي عرضها من تصويره الشخصي للأماكن التي زارها، أما الصور القديمة جداً فهي من إدارة الأوقاف الجعفرية أو من الكتب أو الإنترنت، مشيدا باهتمام هيئة الثقافة والآثار ونشاطها المتقدم على الإدارة السابقة، خاصة في جانب الآثار، وعلى سبيل المثال أنجزت الوزارة متحف مسجد الخميس حيث تم تجميع كل ما يخص المسجد، بعدما كانت القطع مجهولة ومبعثرة، ولافتاً إلى شروعه في تأليف كتاب حول المساجد الأثرية قي البحرين، مبيناً اكتمال 70% منه، موضحاً اشتماله على صور بالإضافة للنصوص.
واستهل العباس محاضرته ببيان أهمية دور العبادة قائلا: "الإنسان مفطور على العبادة، لديه حاجة للاختلاء بالمعبود، ويكون ذلك في مكان مخصص متميز بالنقاء، ولكل ديانة على دور للعبادة"، موضحا أن موضوع المساجد الأثرية في جزيرة البحرين، شائك وطويل، وإنما يرغب من خلال هذه المحاضرة إعطاء لمحات وصورة بسطة وسريعة حولها، معتمداً على الصورة غالباً لثباتها في الذاكرة أكثر.
وأضاف العباس صاحب الحساب التاريخي "سنوات الجريش" أن التنقيب جرى على مساحة معينة وليس على البحرين ككل، مشيراً إلى وجود عقبات كثير في عملية البحث حول المساجد، أهمها فقر الدراسات الوافية للمساجد الأثرية في البحرين، وتجديد المساجد دون التنقيب، وضياع الكثير من نقوش التأسيس والتجديد وسرقة العديد من آثار المساجد، إلى جانب عبث وإهمال وتقصير الأهالي والجهات المعنية بحفظها خلال العقود الماضية، مبيناً أن كل هذا يعكس غياب ثقافة الحفاظ على الآثار وقيمتها الإنسانية سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات والجهات الحكومية.
ولفت العباس إلى وجود معابد في الماضي وقبل الإسلام، حيث تعددت الديانات سابقاً مثل النصطورية، النصرانية والمجوسية واليهودية وغيرها. وبعد الإسلام بقيت بعضها لسنوات عديدة، مفسراً بذلك وجود كنائس ومعابد ضمن الآثار، قائلاً: "هناك مساجد كانت كنائس ولم يتم التنقيب عنها، مثل مسجد الشيخ مالك في سماهيج، والتلة التي فيه قد تخفي تحتها آثار كنيسة، ومازال الموقع يحتاج للتنقيب للوقوف على أصلة ووقته، وهناك بعض الأماكن الأثرية ترشح أنها لمعابد ولكن لم تحسب كما أن هناك معابد عديدة ضمن آثار البحرين، أشهرها معبد مستوطنة سار، معبد باربار، معبد الدراز".
وأكد العباس وجود مساجد بنيت قبل مسجد الخميس قائلا: "أقدم مسجد من خلال الوثائق الموجودة، وله كتب ومصادر قديمة مسجد الخميس، ويقيناً هناك مساجد قبله، إنما حصل على مكانته، لأسباب عديدة منها موقعه"، عارضا العديد من المساجد التي لم يحدد أيها بنيت قبل الآخر، رغم تفاوت أشكالها واختلافها، مشيراً إلى أن مسجد الرفيع وهو ثاني مسجد بني في البحرين كما هو مرجح، متسائلا عن تجاهل مسجد أبو زيدان الواقع قرب مسجد الخميس، رغم روعته، وقدمه، وقد عثر في جانبه على معبد قديم اختلف حوله وهو يعود لفترة القرامطة، ومبينا أن أغلب المساجد هدمت على يد بعض من احتل أو حكم الجزيرة، مثل القرامطة، ولكن تم تشييد بعضها في عهد الدولة العيونية، كما أن العديد من المساجد فقدت بسبب عوامل التجوية والتعرية، من حرارة ورطوبة وغيرها.
وذكر العباس أنواعا عديدة للمساجد، منها مساجد العيون كمسجد عين عذاري، مساجد السواحل مثل أبو صبح، مساجد الأسواق مثل مسجد الخميس، مساجد المظاعن والمصايف التي تستخم غالباً في وقت الصيف، مساجد المزارع وتكون إما عامة أو خاصة لأصحاب المزرعة، مساجد العلماء، مساجد المقابر، الجوامع، وغيرها من الأسماء التي تنسب إلى عدة أمور أخرى.
وتحدث العباس عن البناء العمراني، متطرقاً للمساحة التي تكون غرفة أو اثنتين، إضافة إلى "حوش أو ليوان، أو الاثنان معاً"، وللارتفاع الذي بدأ بنصف متر والذي ارتفع شيئاً فشيئاً ربما منعاً لدخول المواشي لبيوت الله، السقوف التي خلى منها بعض المساجد وفي بعضها صنعت من "الدنجل وجريد النخيل وفوقها الحصير" ثم بالألواح الخشبية، وقبلها كانت تصنع بجذوع النخيل، الأرضية والتي تتكون من "الحصميلة" حتى لا تصبح الأرض طينية عند سقوط الأمطار.
ويسترسل العباس مشيراً للعناصر الثانوية التي تواجد في بعض المساجد الأثرية قائلاً: "المحاريب التي لم تكن ضمن البناء، وإنما قطعة خارجة عن بناء المسجد الأساسي، الأقواس الإسلامية في المساجد وأشهرها مسجد الخميس وحتى قلعة البحرين فيها نفس الأقواس تقريباً، كما أن بعض الأقواس كانت أعمدتها دائرية وبني عليها، فصارت مربعية الشكل، المنارة والمآذنة، الروزنات وفتحات التهوية، بعض النقوش الأثرية"، وأضاف غالب المساجد كانت دون مرافق صحية، بينما توجد ينابيع وعيون بالقرب منها للاغتسال والصلاة، أو مرافق بعيدة.
واختتم الأستاذ محاضرته، بدعوة المختصين لدراسة علمية للمساجد في البحرين، ونتمنى أن تكون الدراسة هي الانطلاقة لحفظ الأثار، مبيناً استعداده لتقديم كافة المعونة والدعم.