أكدت دراسة علمية في كلية الآداب بجامعة البحرين أنَّ الشاعر الشهير أبا الطيب المتنبي، عانى من نرجسية طاغية وتعظيم للذات، غير أن هذه النرجسية انعكست إيجاباً على تجربته الشعرية بوصفها حالة محفزة وملهمة لإبداعه الشعري.
وبحثت الدراسة، التي أعدّها الطالب في برنامج ماجستير اللغة العربية مطلق عماش العتيبي، استكمالاً لمتطلبات نيل درجة الماجستير، شعر المتنبي من ناحيتين: نفسية وأخرى بلاغية.
ووسمت أطروحة الباحث العتيبي بعنوان:أساليب الإنشاء الطلبي في شعر المتنبي ودلالاتها النفسية"، حيث وظفت الأطروحة المنهج الوصفي الإحصائي، وطبَّقت المنهج النفسي أيضاً من خلال معيار الجمعية الأمريكية للأطباء النفسانيين (DSMS)، وذلك لاستكشاف ما إذا كان المتنبي يعاني من النرجسية أم لا.
ويعد أبو الطيب، أحمد بن الحسين بن الحسن، المتنبي الجعفي الكندي (303هـ - 354هـ)، من أعظم شعراء العرب، وقد عُرف بأنّه نادرة زمانه وفريد عصره، ولعل الدليل على ذلك بقاء شعره حتى يومنا هذا مصدراً لإلهام الكثير من الشعراء والأدباء.
وقال الباحث العتيبي: "لقد استقصيتُ في ديوان المتنبي أساليب الإنشاء الطلبي، التي تتمثل في: الاستفهام، والأمر، والنهي، والنداء، والتمني، والتحضيض، ووجدت أن ديوان المتنبي ينضح بهذه الأساليب التي تمثل نحو 10% من الديوان".
وتابع العتيبي: "لقد طبقتُ معيار الجمعية الأمريكية للأطباء النفسانيين على المتنبي وديوانه، مستعيناً بدلالات صيغ الإنشاء الطلبي، ووجدت أن المتنبي، وفقاً لهذا المعيار، يعاني من نرجسية طاغية وتعظيم للذات (بارونيا)، ونسبة كبيرة من القلق والتشاؤم"، مشيراً إلى "وجود تلازم - بحسب فرضيات علم النفس - بين النرجسية وكثرة استخدام صيغ الإنشاء الطلبي".
واستعان الباحث في أطروحته بآراء اختصاصيين نفسانيين في الجانب الإكلينيكي لتأييد ما ذهب إليه لكنه أكد أن "نتائج الأطروحة ظنية، وليست يقينية، لأن ذلك يتطلب إيراد عدة أدلة وشواهد على نرجسية المتنبي".
وناقشت الطالب مطلق العتيبي في أطروحته لجنة امتحان مؤخراً، تكونت من: عضو هيئة التدريس السابق في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة البحرين الأستاذ الدكتور علي المدني مشرفاً، وعضو هيئة التدريس في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية الأستاذ الدكتور حسان الغنيمان ممتحناً خارجياً، وعضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة البحرين الدكتور عبدالله بهلول ممتحناً داخلياً.
وذهب الباحث إلى أن تعظيم الذات لدى المتنبي ونرجسيته أسهمتا في تحفيز تجربته الشعرية، وألهمتا إبداعه، "فكانا كالمطر الذي ينهمر فيملأ الوهاد والوديان، فلم يجد بأساً في أن يتقاسم المدح مع ممدوحه، ويعظِّم نفسه في قصائده".
وتوقفت الأطروحة عند آراء بعض الباحثين بشأن نرجسية المتنبي، حيث ذكر بعضهم أن تعظيم المتنبي لذاته يعود كردِّ فعل عكسي لتحدُّره عن أب يعمل سقاءً في الكوفة، في حين ذهب آخرون إلى أن نرجسيته تعود إلى بيئته المضطربة وظروف الحروب والغارات التي شُنت على مسقط رأسه الكوفة.