تحتفل مملكة البحرين السبت بيوم وطني عزيز هو يوم الشهيد، حيث يعبر أبناء المملكة عن تقديرهم لتضحيات شهدائهم الأبطال الذين ضحّوا بأرواحهم دفاعاً عن الوطن، وهو بمثابة رد للجميل، وفرصة للتعبير عن الترابط الحقيقي بين الوطن والقيادة والشعب.

وكان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، قرر أن يكون هذا اليوم من كل عام يوماً للشهيد، وقال جلالته في مناسبة الإعلان عن هذا اليوم "إن يوم السابع عشر من ديسمبر من كل عام سيظل مناسبةً مُشرقةً في مسيرتنا الوطنية ملؤها الاعتزاز والفخر بأبناء البحرين الذين استشهدوا داخل الوطن وخارجه نصرةً للحق وإرساء العدل، ودفاعاً عن أمن وسيادة أوطاننا وأمتنا، فبدمائهم الزكية سطروا أرقى معاني التضحية والعطاء سيراً على نهج الآباء والأجداد الكرام منذ مرحلة التأسيس، الذين على مآثرهم بنينا مسيرتنا الحضارية الظافرة، فإن أمجاد الأمم تعلو بعطاء أبنائها الأوفياء".

إن يوم الشهيد هو يوم تكريم الرجال الأوفياء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وبذلوا الروح رخيصةً من أجل أن تبقى راية مملكة البحرين مرفوعة وخالدة، فلم يهابوا الموت أو الإصابة، بل جعلوا من كل ذلك أوسمة ونياشين ترصع تاريخهم الحافل بالبطولات والذكريات.

وجاء أمر جلالة عاهل البلاد المفدى بتخصيص يوم لشهداء المملكة، وتوثيق المهام والمشاركات التي جادوا فيها بأرواحهم، وأن تُدرّس هذه البطولات لأبناء الوطن والأجيال القادمة ضمن مناهج وزارة التربية والتعليم، انطلاقا من التقدير والامتنان لما قامت به قوة دفاع البحرين والحرس الوطني منذ تأسيسهما من واجبات عسكرية مع الدول الشقيقة والصديقة خارج البلاد، فضلا عما قامت به وزارة الداخلية لحماية الجبهة الداخلية في وجه الطامعين والإرهابيين.

ولكل شهيد من شهداء الوطن أسطورته الخالدة، فجميعهم كانوا ينتظرون الشهادة، لمعرفتهم بأنها أسمى درجات الفداء والتضحية. وهم بذلك ضربوا لنا أروع الأمثلة في التضحية والفداء، وبذلوا الروح رخيصةً من أجل أن تعيش المملكة وشعبها في أمن واستقرار ورخاء.

وفي هذه المناسبة الوطنية العظيمة، يقف كل أبناء شعب البحرين أمام هذه الذكرى العطرة استذكاراً وافتخاراً بقيم التفاني والإخلاص والولاء والانتماء المزروعة في نفوس أبناء الوطن، التي تحلّوا بها وهم يجودون بأرواحهم في ساحات البطولة والعطاء وميادين الواجب، فاستحقوا كل الإجلال والإكبار.

إن يوم الشهيد هو يوم الخالدين في وجدان الوطن، ويعيش البحرينيون هذا اليوم من كل عام لحظات مجيدة يستذكرون فيها بطولات أبنائهم الشهداء في ميادين العزِّ والشرف منذ أول شهيد جادَ بروحه الطاهرة دفاعاً عن تراب وطنه، ومروراً بشهداء الوطن في ميادين القتال المختلفة.

وكان قرار جلالة الملك المفدى، بجعل يوم 17 ديسمبر الذي يصادف يوم عيد جلوس جلالته ليكون مناسبة وطنية لتكريم شهداء الوطن الأبرار، تأكيدا على مكانة الشهيد في قلب جلالته والتي يدل عليها العديد من المبادرات التي قادها جلالته وصبَّت في تكريم الشهداء والاهتمام بذويهم، وأهمها:

1 ـ تخليد أسماء الشهداء في تاريخ الوطن، حتى تظل بطولاتهم وتضحياتهم قدوة للأجيال بعد الأجيال، ونبراساً يضيء لهم طريق الحاضر والمستقبل، وحافزاً لكل مواطن على مزيد من العمل والجهد والعطاء من أجل رفع شأن الوطن والحفاظ عليه وحمايته في مواجهة أي تهديدات أو مخاطر، لأن ما يعيشه الوطن من تنمية وتقدُّم واستقرار لم يأتِ من فراغ، وإنما هناك من دفع روحه ودمه ثمناً له، وهناك من يرابط في جبهات القتال أو ميادين التدريب العسكري لكي تنعم المملكة وشعبها بالأمن والعزة.

2 ـ الوفاء للشهداء وتكريم ذكراهم، لأن الذين قدَّموا أغلى ما يملكون للدفاع عن الوطن، وقاتلوا بكل شجاعة وإقدام حتى آخر قطرة من دمائهم، يستحقون من وطنهم التكريم والاهتمام والوفاء لهم، ومملكة البحرين هي وطن الوفاء لأبنائها الذين بذلوا جهدهم لجعل رايتها عالية خفَّاقة وعزيزة بين الأمم، سواء على المستوى السياسي، أو العسكري، أو الأمني، أو الاقتصادي، أو العلمي، أو غيرها. وتخليد التضحيات يمثل تخليداً لتضحيات مملكة البحرين دفاعاً عن الحق والواجب.

3 ـ تقدير أسر الشهداء وذويهم، والوفاء ليس لأرواح الشهداء الطاهرة فقط، وإنما لأسرهم أيضاً، فقد أكد جلالة الملك المفدى أن أُسر الشهداء وذويهم لا يقلون بطولةً عن أبنائهم، فقد ضربوا أروع الأمثلة في حب الوطن بثباتهم وروحهم الوطنية العالية، فتحية إجلالٍ وتقدير لكل أُمًّ وأبٍ قاموا بتنشئة أبنائهم على ما ورثوه من قيم الولاء والفداء بأنبل صوره، فنِعم الأمهات والآباء هُم.

ولا شك في أن الاحتفاء بهذا اليوم العزيز يعد دليلا على الوقوف إلى جانب الأشقاء وتقديم الدعم إليهم، وتأكيداً لمصداقية المملكة وما تتميز به من انسجام بين القول والفعل في سياستها الخارجية، والاستعداد للتضحية في سبيل المبادئ ودعم الشقيق مهما كلف ذلك من تضحيات.

إن اعتزاز مملكة البحرين، قيادةً وشعباً، بشهدائها الأبرار، وفخرها بهم وببطولاتهم في ميادين الشرف والواجب المقدس، هما تأكيد لإيمانها المطلق بعدالة القضايا التي استشهدوا من أجلها، ويعبر عن موقف البحرين الثابت في الدفاع عن الأمن الوطني بمفهومه الشامل الذي لا يتوقف عند الحدود الجغرافية للوطن، وإنما يمتد إلى ما وراء هذه الحدود ، والاستعداد للذهاب إلى أي مكان مهما كانت الصعوبات والتضحيات من أجل حماية هذا الأمن.

إن شهداء الوطن يجب أن نفتخر بهم، وسوف يظل هؤلاء خالدين في تاريخ المملكة، وفي وجدان شعبها الوفي، وفي ذاكرة أجيالها جيلاً بعد جيل. وإذا كان الوطن يفخر بهم ويكرمهم ويخلد ذكراهم، فإن خلودهم الأبدي عند ربهم سبحانه وتعالى الذي يقول وهو أصدق القائلين: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً، بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» (169 ـ آل عمران).