موسى راكان
في العام 2017 دخلت "فراديس" عامها الثالث عشر، وهي مكتبة ودار بحرينية للنشر والتوزيع، و"جوهرة" موسى الموسوي المؤسس لها والمشرف عليها. تميّزت بالاحتفاء بالشباب والمبادرات الثقافية البكر في البلاد، وحضنت عدداً من الندوات والأمسيات الثقافية والأدبية.
يقول الموسوي في حوار لـ"الوطن" إن العامل الاقتصادي هو السبب الأول وراء عزوف الناس عن القراءة في السنوات العشر الأخيرة مع وجود عوامل أخرى كثيرة يمكن الانطلاق منها لتفسير تغير إقبال الناس على الكتب مقارنة بالتسعينات، مؤكداً أن المثقف البحريني أقل الناس شراء للكتب.
ويلفت الموسوي إلى أن "فردايس" أصدرت نحو 200 عنوان، ليست كلها لكتاب بحرينيين، إذ يغلب على الدار إصدارها كتباً لكتاب سعوديين في شتى المجالات يليهم البحرينيون.
وفي ما يلي نص الحوار مع الموسوي حول قصة "فردايس":
* العمر الفعلي لـ"فراديس" 13 سنة، لكن ما عمرها الافتراضي، أي منذ أمست مشروعاً يسعى إليه موسى الموسوي؟
فكرة دار فراديس كانت منذ سنة 1998. في السابق كنت أدير مكتبة كنوز المعرفة وهي مكتبة بحرينية لم تعد موجودة من 2003 تقريباً. وبما أنني كنت مديراً تنفيذياً فيها مدة 14 سنة تقريباً كان من الصعب المضي في إنشاء فراديس، فمن الصعب أن تدير مكتبة وتفتح دار نشر بسبب التعارض بينهما، مع أن الترخيص الفعلي لدار فراديس استخرجته في 2002 مع بداية المشروع الإصلاحي. لكن رأيت التأخر في الإعلان حتى أستقيل من المكتبة التي أديرها. وشاءت الظروف أن يغلقوا المكتبة في البحرين قبل أن أستقيل، فكانت فرصة لي لإشهار "فراديس" بشكل رسمي.
* هل يمكننا القول إن دار فراديس من أوائل دور النشر البحرينية؟
دار فراديس ليست من أوائل دور النشر البحرينية، فقد سبقتها دار الغد لصاحبها الشاعر علي عبدالله خليفة من منتصف الستينات. وضمت حينها معظم الشباب المثقف من كتاب وشعراء وغيرهم، ولها إصدارات عريقة، لكن شاءت الظروف ألا تستمر بفعل الظرف المادي في الثمانينات تقريباً. وفي ضوء ذلك لم يعد هناك دار نشر بحرينية، لكن يمكن القول إن دار فراديس هي الدار الوحيدة التي بدأت مع المشروع الإصلاحي ولا تزال مستمرة، و نأمل أن تستمر.
* ما الصعوبات التي واجهتها في البدايات؟ وهل تختلف صعوبات الأمس عن صعوبات اليوم؟
في البداية لم يكن هناك صعوبات جدية، إذ لم يكن هناك منافسة وكان هناك تسهيل من الجهات المعنية كإدارة المطبوعات والنشر من ناحية التراخيص. ووقتها لم يكن هناك انتشار للميديا كاليوم فكانت الناس متوجهة نحو القراءة. وما دامت الدار تطبع كتباً والقراء يقتنونها فالدار مستمرة، لكن في الوقت الحالي الدار تطبع الكتاب لكن لا يوجد قراء. أيضاً الكتاب الإلكتروني من صعوبات النشر الورقي فالجيل الجديد يتجه للإلكتروني، حتى المثقفين أنفسهم أياً كان جيلهم يتوجهون نحو الإلكتروني. اليوم أي شخص يمكنه اقتناء الكتاب إلكترونياً دون أن يدفع فيه أي فلس، هذا طبعاً يؤثر على دار النشر، إذا لم تستطع أن تغطي مصاريفها فلن تستمر.
* قلت في الماضي "المثقفون أقل الأشخاص شراء للكتب"، كيف تفسرها؟
سأتحدث بشكل خاص عن الوضع في البحرين، فالمثقف البحريني بشكل عام حين يعرف أن أحدهم صدر له كتاب، البديهي أن يذهب ليشتري الكتاب ليدعم ويشجع المؤلف، لكنه في الواقع ينتظر أن يأتيه الكتاب هدية، وهذا الأمر وجدته في منطقة الخليج بشكل عام لكن لم أجده في منطقة الشام، وقد تكون رؤيتي خاطئة لكن هذا ما عاينته من خبرة 28 سنة.
* نلاحظ جملة في وصف قصة "فراديس" على صفحة الدار في الفيس بوك تقول "إن الإنسان لا يتغير بل هو محور كل تغيّر"، ما تعليقك؟
قد لا تكون بالمعنى التشاؤمي أي أن الإنسان مهما قرأ و تعلم فلن يتغيّر، أنا أعتقد بالعكس أن الانسان يتغير فموسى اليوم هو غيره موسى قبل 20 سنة في محتوى الأفكار وغير ذلك، طبعاً أتمنى أن يكون التغير للأحسن.
* في مقالة للأديب عبدالحميد القائد ذكر أن ثلاث دور نشر بحرينية تحمل على عاتقها حمل راية نشر الإنتاج الأدبي والثقافي البحريني بشكل خاص هي دور "أفكار" و"مسعى" و"فراديس"، فهل هناك تعاون بينكم كدور نشر؟ وكيف هي علاقتكم بالجهات الرسمية المسؤولة عن الإعلام والثقافة؟
التعاون بيننا كدور نشر غير موجود. كل دار ظهرت في فترة زمنية مختلفة، واتخذت منحى مختلفاً عن الأخرى، لكن إن وجدت فرصة للتعاون فإن دار فراديس ستتعاون بالتأكيد.
ولم نجد تعاوناً من "الثقافة" بصراحة. أما فيما يتعلق بوزارة الإعلام فطبعاً بيننا تعاون والإخوة هناك يقدمون تسهيلات قدر المستطاع.
* صرحت سابقاً أننا الآن نشهد عزوفاً عن القراءة مقارنة بالتسعينات التي شهدت إقبالاً واسعاً، ما تفسيرك؟
بحكم تجربتي الشخصية في مكتبة كنوز المعرفة كان هناك إقبال شديد على الكتب. ثم تغير الحال في السنوات العشر الأخيرة ربما بسبب اهتمامات الناس وربما نتيجة الإمكانات المادية، فالمئة دينار قبل 20 سنة ما عادت بنفس قيمتها اليوم، فهناك تضخم في أسعار السلع. طبعا هناك عوامل كثيرة يمكن الانطلاق منها لتفسير هذا التغير لكن أعتقد بأن العامل الاقتصادي هو السبب رقم واحد.
* نلاحظ أن أكثر الإنتاج البحريني المعروض بـ"فراديس" هو في التاريخ والأدب وخصوصاً الرواية، فيما تندر عناوين الاقتصاد والفلسفة، ما السبب؟
صحيح هناك فقر في الكتب البحرينية بالاقتصاد والفلسفة لكن هذا لا يعني أن لا وجود لكتاب بحرينيين في هذين المجالين، مؤخراً مثلاً طبعنا كتاباً في الاقتصاد لجعفر الصائغ، وطبعنا اكثر من كتاب لمحمد المؤذن في الفلسفة. لا أقول إن هناك فقراً في المؤلفين، فأحياناً يطمح المؤلف للعالمية فيطبع كتابه خارج البحرين وهذا من حقه طبعاً.
في البداية كان اهتمامنا بالتاريخ، إذ كان عندنا مشروع "دراسات الخليج والجزيرة العربية"، وكان الطموح أن تصدر مجلة لكن وجدنا صعوبات كثيرة منها أنها تحتاج لكادر تحرير متمكن وتحتاج لتراخيص وتمويل، فتغير المشروع إلى كتاب غير دوري، أي حين تتوفر المادة العلمية والتمويل يطبع الكتاب، والمشروع أراه ناجحاً ومستمراً. ومن إنتاجاته "التحفة النبهانية" و"يهود البحرين" و"البحرين في دليل الخليج" و"المجتمع القرمطي في شرق الجزيرة العربية"، و هناك كتاب "البحرين والخليج" ما زال في طور الإنتاج على أمل أن يكون متاحاً مع بداية 2018، وهو مترجم لأول مرة عن كتاب صدر باللغة الإنجليزية أول مرة في العام 1954.
علماً أن دار فراديس هي الدار البحرينية الوحيدة التي تتوفر فيها إصدارات من المغرب، والبعض يشكو من ارتفاع سعرها لكن هذا يعود إلى مصاريف النقل والشحن.
* كم كتاباً أصدرت الدار؟
في حدود 200 عنوان، طبعاً ليست كلها لكتاب بحرينيين، إذ يغلب على الدار إصدارها كتباً لكتاب سعوديين في شتى المجالات يليهم البحرينيون، وكنا قد طبعنا للدكتورة السودانية خديجة صفوت رحمها الله.
* ألم تفكر بفتح دار نشر في المملكة العربية السعودية؟
في البداية فكرت لكن وجدت صعوبة في الإدارة، إذ حسب قانون غرفة التجارة والصناعة السعودي، لا بد من إجراءات صعبة وشريك سعودي لكي تمتلك سجلاً، وأعتبر الشراكة متاهة إذ أرغب أن أعيش تجربة الدار دون مشاكل الشراكة.
* هل من كلمة ختامية تود توجيهها؟
من تجربة 28 سنة لن تجد أحد يدعمك في الكتاب، لكن سياسة "فراديس" أن تطبع للكتّاب كإصدار أولي، فبعض دور النشر إذا جئتها لتطبع كتاباً ترفض الطبع وتقول لك "من أنت؟!"، مع "فراديس" الأمر مختلف، فإذا كان لديك مشروع، أياً كان سردياً أو فكرياً، فستأخذ الدار بيدك، وهذا ما تتميز به.