جدة – كمال إدريس
احتفت صحيفة "الرياض" السعودية بالكاتب والمفكر البحريني الكبير محمد جابر الأنصاري من خلال زاوية للمثقف السعودي، ومدير تحرير صحيفة "الرياض" للشؤون الثقافية الكاتب عبدالله الحسني.
واتخذ الحسنى، الذي أفرد مقالته الأسبوعية هذه المرة، إحساس الأنصاري بالحزن والخيبة مدخلاً لمقالته، باعتبار حالة التجهيل والتخلف التي يعيشها المجتمع العربي، متناولاً العزلة القسرية التي تسيج المثقف سيما حين أدرك الأنصاري أنّ المثقف بات مغترباً ومجهولاً حتى في وطنه، ولذلك نبرته كانت أسيفة وحزينة، وهو يمزجها بسخرية مُرّة في أحد اللقاءات الصحافية معه، حين أشار إلى أن لاعب الكرة والفنان مشهور أكثر من المثقف والمفكر.
يقول الحسني: "هذه الحالة الكسيفة المحبطة عالجها الكاتب الدكتور الأنصاري نفسه في كتابه المهم والعميق "انتحار المثقفين العرب، وبعنوان فرعي: قضايا راهنة في الثقافة العربية". هذا الكتاب لقي أصداء جميلة حين صدوره عام 1998 فقد قال عنه الناقد العربي الكبير رجاء النقاش: "لا أبالغ إذا قلت إن هذا الكتاب من أعمق وأجمل الكتب التي صدرت حديثاً في المكتبة العربية.. وهو محاولة جريئة لمعالجة انتحار المثقفين العرب.. قام بها واحد من أكبر المفكرين العرب المعاصرين هو محمد جابر الأنصاري".
ويرى أن "اللافت في هذا الكتاب هو قراءته العميقة والواعية للمشهد الثقافي العربي وحالة التسطيح التي يعيشها والتي جعلت من الهشاشة الفكرية والتفاهة معياراً للشهرة والأهمية فيما توارى الأفذاذ من المثقفين والمفكرين ذوي الرؤى والاستبصارات العميقة مما يعدُّ انتحاراً معنوياً حقيقياً للفكر والثقافة".
كتاب الأنصاري المعني بهذه المقالة تناول بشيء من الحذق والتبصُّر ضمن طروحاته معالجة خطر التلقي بالصورة التلفزيونية على المستويات العليا "التجريدية والرمزية" من التفكير الإنساني، بما ينذر -عملياً- بتخلف عقلي للجنس البشري بفضل هذا الاختراع التكنولوجي المدهش!
ويواصل الحسني: "هنا نجد أن المفكر الأنصاري استشرف حالة التسطيح والتفاهة التي يعيشها المجتمع قبل ظهور وسائل التواصل المختلفة وتطبيقاتها العديدة التي أصبحت منصة لتجمع السطحيين والساذجين في أفكارهم ورؤاهم وما يقدمونه عبر تلك المنصات. إذاً هي حالة انتحار حقيقية للوعي وللجمال وللفكر. ومن المهم الإشارة إلى استدراك الأنصاري في كتابه إلى مفهوم الانتحار إذ إنّ الانتحار بمعناه العميق، ليس قتلاً للجسم بالضرورة.. فللانتحار أشكال وألوان أخطر، وإن استمرت حياة الفرد وحياة الجماعة من الناحية البيولوجية".
ويوضح بتفصيل لافت هذه الأنواع للانتحار فـ"هناك "انتحار" التفاهة واللامبالاة والهامشية في ساحة الحياة والعصر.. انتحار التسطيح العقلي والاستهلاكية السوقية المؤدي إلى انقراض الأمم في ساحات الاختراع والإبداع والإنتاج".
وهناك انتحار الفساد والجشع الذي لا حدود له والذي لا يؤدي إلا إلى خراب المجتمعات وسقوط الدول.. هو الانتحار الذي وصفه ابن خلدون بـ"الترف المُؤْذِن بخراب العمران.."، وإزالةً للبس يبين الدكتور الأنصاري ويستدرك أن هذا الانتحار -قبل غيره- هو ما يجب محاربته وتحريمه شرعاً، إن كان لدينا حقاً "فقه حضاري" يرقى إلى مستوى التمييز بين "الحلال" و"الحرام" في معركة الحضارة ومعركة البقاء.
ويختم عبدالله الحسني بالقول "الكتاب رغم صدوره قبل عقدين من الزمن إلا أنه مازال محتفظاً براهنيته وعمقه واستبصاره وقراءته الواعية للواقع الثقافي العربي المأزوم الذي يحتاج تضافر حقيقي من الجميع أفراداً ومؤسساتٍ للخروج منه باعتبار الثقافة عامل مقاومة للجهل والتسطيح والهشاشة وترسيخ للوعي والحق والخير والجمال".
احتفت صحيفة "الرياض" السعودية بالكاتب والمفكر البحريني الكبير محمد جابر الأنصاري من خلال زاوية للمثقف السعودي، ومدير تحرير صحيفة "الرياض" للشؤون الثقافية الكاتب عبدالله الحسني.
واتخذ الحسنى، الذي أفرد مقالته الأسبوعية هذه المرة، إحساس الأنصاري بالحزن والخيبة مدخلاً لمقالته، باعتبار حالة التجهيل والتخلف التي يعيشها المجتمع العربي، متناولاً العزلة القسرية التي تسيج المثقف سيما حين أدرك الأنصاري أنّ المثقف بات مغترباً ومجهولاً حتى في وطنه، ولذلك نبرته كانت أسيفة وحزينة، وهو يمزجها بسخرية مُرّة في أحد اللقاءات الصحافية معه، حين أشار إلى أن لاعب الكرة والفنان مشهور أكثر من المثقف والمفكر.
يقول الحسني: "هذه الحالة الكسيفة المحبطة عالجها الكاتب الدكتور الأنصاري نفسه في كتابه المهم والعميق "انتحار المثقفين العرب، وبعنوان فرعي: قضايا راهنة في الثقافة العربية". هذا الكتاب لقي أصداء جميلة حين صدوره عام 1998 فقد قال عنه الناقد العربي الكبير رجاء النقاش: "لا أبالغ إذا قلت إن هذا الكتاب من أعمق وأجمل الكتب التي صدرت حديثاً في المكتبة العربية.. وهو محاولة جريئة لمعالجة انتحار المثقفين العرب.. قام بها واحد من أكبر المفكرين العرب المعاصرين هو محمد جابر الأنصاري".
ويرى أن "اللافت في هذا الكتاب هو قراءته العميقة والواعية للمشهد الثقافي العربي وحالة التسطيح التي يعيشها والتي جعلت من الهشاشة الفكرية والتفاهة معياراً للشهرة والأهمية فيما توارى الأفذاذ من المثقفين والمفكرين ذوي الرؤى والاستبصارات العميقة مما يعدُّ انتحاراً معنوياً حقيقياً للفكر والثقافة".
كتاب الأنصاري المعني بهذه المقالة تناول بشيء من الحذق والتبصُّر ضمن طروحاته معالجة خطر التلقي بالصورة التلفزيونية على المستويات العليا "التجريدية والرمزية" من التفكير الإنساني، بما ينذر -عملياً- بتخلف عقلي للجنس البشري بفضل هذا الاختراع التكنولوجي المدهش!
ويواصل الحسني: "هنا نجد أن المفكر الأنصاري استشرف حالة التسطيح والتفاهة التي يعيشها المجتمع قبل ظهور وسائل التواصل المختلفة وتطبيقاتها العديدة التي أصبحت منصة لتجمع السطحيين والساذجين في أفكارهم ورؤاهم وما يقدمونه عبر تلك المنصات. إذاً هي حالة انتحار حقيقية للوعي وللجمال وللفكر. ومن المهم الإشارة إلى استدراك الأنصاري في كتابه إلى مفهوم الانتحار إذ إنّ الانتحار بمعناه العميق، ليس قتلاً للجسم بالضرورة.. فللانتحار أشكال وألوان أخطر، وإن استمرت حياة الفرد وحياة الجماعة من الناحية البيولوجية".
ويوضح بتفصيل لافت هذه الأنواع للانتحار فـ"هناك "انتحار" التفاهة واللامبالاة والهامشية في ساحة الحياة والعصر.. انتحار التسطيح العقلي والاستهلاكية السوقية المؤدي إلى انقراض الأمم في ساحات الاختراع والإبداع والإنتاج".
وهناك انتحار الفساد والجشع الذي لا حدود له والذي لا يؤدي إلا إلى خراب المجتمعات وسقوط الدول.. هو الانتحار الذي وصفه ابن خلدون بـ"الترف المُؤْذِن بخراب العمران.."، وإزالةً للبس يبين الدكتور الأنصاري ويستدرك أن هذا الانتحار -قبل غيره- هو ما يجب محاربته وتحريمه شرعاً، إن كان لدينا حقاً "فقه حضاري" يرقى إلى مستوى التمييز بين "الحلال" و"الحرام" في معركة الحضارة ومعركة البقاء.
ويختم عبدالله الحسني بالقول "الكتاب رغم صدوره قبل عقدين من الزمن إلا أنه مازال محتفظاً براهنيته وعمقه واستبصاره وقراءته الواعية للواقع الثقافي العربي المأزوم الذي يحتاج تضافر حقيقي من الجميع أفراداً ومؤسساتٍ للخروج منه باعتبار الثقافة عامل مقاومة للجهل والتسطيح والهشاشة وترسيخ للوعي والحق والخير والجمال".