قال الباحث والكاتب يوسف الحمدان إن لبعض المجالس الشعبية دور أهم من ذاك الذي تلعبه الجمعيات السياسية والأهلية، داعياً إلى تشكيل مجلس إدارة أو مجلس تنسيقي من أصحاب المجالس لتفعيل دورها الوطني.

وأكد الحمدان أن "للمجالس الشعبية الوطنية تاريخ عريق ومشرف في رفد ودعم العملية الديمقراطية في البحرين"، مشيراً إلى أن المجالس أصبحت في الخمسينات والستينات أشبه بمنتديات اجتماعية يطرح فيها ومن خلالها كل ما يتعلق بالوطن.

وشرح الحمدان دور المجالس في دعم العملية الديمقراطية خلال محاضرة نظمها مجلس الدوي بالمحرق مؤخراً.

وأوضح الحمدان أن "دور المجالس تجاوز حدود المجالس البكر والعفوية التي نشأت في العشرينيات من القرن الماضي على ظهر السفينة والبوانيش وفي الحواري والفرجان، واتكأت في أدوارها الرئيسية على الفزعة ومساعدة ذوي الحاجات وحل الخصومات التي تحدث في محيط الحي أو الفريج نفسه في الغالب، ليصبح هذا التاريخ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي متكأ على أدوار اجتماعية ووطنية ، لامستها وتبنتها بعض المجالس التي تواشج همها مع الهم الاجتماعي والوطني والسياسي الذي ينشد التنوير والتطوير والانفتاح على رؤى بعض المجتمعات العربية التي سبقتنا في إرساء دعائم المؤسسة الديمقراطية في بلدانها وتبني الفكر القومي وخاصة الناصري".

وأضاف "أخذت المجالس أدواراً مختلفة تماماً عن الأدوار التي لعبتها في العشرينيات وما بعدها بعقدين من القرن الماضي، فأصبحت أشبه بمنتديات اجتماعية يطرح فيها ومن خلالها كل ما يتعلق بالوطن في الداخل من قضايا ومدى ارتباط مصير هذه القضايا على صعيد التنوير والتطوير بالقضايا التي كانت تناقشها وتطمح إلى تحققها بعض البلدان العربية، وخاصة مصر زمن الزعيم عبدالناصر، لذا أطلق بعض الناشطين في هذه القضايا على هذه المجالس "برلمانات الفرجان أو الأحياء" بسبب غياب المؤسسة الديمقراطية في الوطن آنذاك".

أكثر من 500 مجلس في ألفينية الانفتاح

وعن تطور دور المجالس بعد الخمسينات والستينات، قال الحمدان "بعد أن نضجت رؤى العمل الديمقراطي لدى كثير من أصحاب ورواد المجالس خلال السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدءاً بمختبر البرلمان السبعيني الأول وامتداداً برؤى بعض المجالس التي كان يديرها بعض من خاضوا تلك التجربة في هذا المختبر وبعض من شغلتهم هموم الوطن من الوجهاء ورجال الأعمال والمثقفين، بات من المهم والضروري أن يصبح لهذه المجالس دوراً أكثر فاعلية مع انفتاح الوطن على أفق ألفيني جديد تشكل مع تدشين المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى وانطلاق المسيرة الديمقراطية في الوطن منذ إجماع الشعب البحريني بمختلف طوائفه وأطيافه ومكوناته الاجتماعية على ميثاق العمل الوطني العام 2000 وإرساء ركائز العمل الديمقراطي المسؤول عبر غرفتي المجلسين (النواب والشورى) 2002".

وأوضح "بالتأكيد أن هذا الأفق الألفيني كان له تأثير حيوي على كثير من المجالس في الوطن، التي ربا عددها على 500 مجلس تقريباً، وهي بلا شك طفرة مجالسية فريدة لم يشهدها تاريخ المجالس في البحرين قبل ألفينية الانفتاح والديمقراطية والإصلاح التي أرسى دعائمها ربان سفينة هذا الوطن الملك المفدى وقيادته الرشيدة حيث أصبح الهم الوطني العام حاضراً بشفافية عالية في هذه المجالس كما هو حاضر تحت قبتي المؤسسة الديمقراطية، إن لم يكن أكثر سطوعاً وتأثيراً فيها. ونظراً لهذا الدور الساطع في هذه المجالس أغرت فعالياتها التي تنظمها الكثير من الفعاليات السياسية، فأصبحت محل اهتمام الدبلوماسيين وكبار رجالات الوطن وبعض المهتمين في الشأن السياسي من داخل و خارج الوطن، إلى جانب تأثيرها حتى على بعض الجمعيات الأهلية والسياسية في المملكة. بل أصبحت هذه المجالس أشبه بمنهاج مواز لما يتلقاه المواطن خارجها، وكما قال أهلنا الأولين ''اللي ما تعلمه المدارس تعلمه المجالس''، كما أنها نظرا لهذا التطور الذي طرأ عليها بعد هذا الانفتاح، ردمت الهوة والمسافة بين قاصديها أو مرتاديها، فأصبحت المجالس تمثل شأناً وطنياً يعني الكل في هذا الوطن أمره، وليس أهل الحي أو الفريج فحسب، بل أن الطموح ذهب ببعض أصحاب المجالس إلى ضرورة وضع دستور لمجالس البحرين و الخليج العربي يقنن العلاقات الوطيدة بين أبناء الخليج.

المجالس المؤثرة

وتساءل الحمدان "ونحن في خضم هذا الكم اللافت لعدد المجالس الشعبية التي صاحب بزوغها تدشين المشروع الإصلاحي ببوصلته الديمقراطية، هل استطعنا أن نرسم ملامح واضحة في توجهاتها الوطنية مواكبة لهذا المشروع ومؤثرة فيه؟ أم تراجعت هذه المهمة لتتبلور في مجالس محددة؟

هل تمكنت من أن تمسك زمام هذه المهمة المسؤولة وتعمل على إنضاجها وتشكل من خلالها رؤاها؟

إن الانخراط في العمل الديمقراطي يتطلب اشتغالا متنامياً ومراكماً ومستمراً ، عمل من شأنه أن يؤسس لحراك اجتماعي تنويري تتقاطع في تولي مسؤولياته كافة المؤسسات المجتمعية، الأهلية والشعبية والسياسية والرسمية، وبالتالي يصبح من يعمل في هذا الحراك أشبه بمن يعمل في غرفة عمليات مختبرية لرصد كل متطلبات هذا الحراك، لذا أطلقت على هذه المهمة بالعملية الديمقراطية".

وأضاف "انطلاقا من هذه الروح الوطنية الديمقراطية المسؤولة، حاولت البحث عن الدور الذي ينبغي أن تضطلع به هذه المجالس في هذه الغرفة المختبرية، ووجدت من خلال هذا البحث أن عدد المجالس الشعبية التي تضطلع بهذا الدور لا يتجاوز عدد الأصابع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك مجلس الدوي ومجلس عبدالعزيز بوزبون ومجلس جاسم بوطبنيه ومجلس أحمد العامر ومجلس يوسف الجاسم ومجلس د.محمد خنجي ومجلس محمد الحوسني، في حين هناك مجالس لا يتجاوز دورها حدود الحوار في القضايا العامة وغالباً دون عناوين محددة، أو ينصرف للاهتمام بالشأن العائلي أكثر من بقية الاهتمامات الأخرى، أو استثمار المجلس لفترة مناسباتية معينة كمناسبة الانتخابات النيابية والبلدية، وإذا تأهل المترشح استمر المجلس، وإذا لم يتأهل ربما يغلق هذا المجلس، بل إن بعض النواب لم يفتحوا مجالسهم إلا بعد فوزهم في الانتخابات".

استثمار الوسائل الاجتماعية

وقال الحمدان "لا شك أننا نحتاج العدوى الخلاقة والتنويرية التي تحتفي بوعي المواطن وتدعوه للمشاركة إيجابياً في الإصلاح. أليس من باب المسؤولية الوطنية أن تنسق هذه المجالس مع بعضها من أجل دعم من يمثلونها في الانتخابات وعياً وفكراً وتوجها بوصفها صوتاً جماعياً للوطن؟ أليست المجالس قديماً هي من كانت ترشح ممثليها للمؤسسة الوطنية؟ هل نترك الحبل على الغارب ونترك مصير أبنائنا والوطن في يد من يقف في وجه التنوير؟ خاصة وأننا أمام تحديات إقليمية ودولية صعبة وإشكالية تقتضي منا الدقة والحصافة، فكم من الدول والشعوب تاهت مصائرها وتاه مستقبلها بسبب هذا الإهمال"، مضيفاً "ينبغي ألا يقتصر دور المجالس على التنسيق فيما بينها فحسب في رسم خططها أو برامجها دون متابعة كل الفعاليات التي تحدث في الوطن بما فيها الشأن الثقافي والفني (..) فكم نحتاج إلى مثل هذا التواشج الحميمي بين المجالس كي نسمو بعملنا الوطني ويكون الوطن نفسه هدفنا وغايتنا معاً.

وإلا ماذا تعني اللحمة الوطنية في غياب هذه اللحمة وتشتت الرؤى والآراء بين أصحاب المجالس، وأشدد على الاستثمار الصحيح والحيوي والفعال لدور الوسائل الاجتماعية للمجالس في التطوير والتنوير، وهذا غائب عن كثير من المجالس".

مجلس تنسيقي

وعن الدور الذي يفترض أن تلعبه المجالس الشعبية، قال الحمدان "لا بد أن يكون موازياً من حيث الأهمية والفاعلية لدور الجمعيات الأهلية والسياسية التي من المفترض أن تتمتع بصلاحية أكبر في العمل الوطني من المجالس ذاتها، كونها جمعيات مؤسسية، لها دستورها ومجلس إدارتها وأعضاؤها بجانب تمتعها بأولويات التمثيل الوطني خارج المملكة، أو أن يكون دور هذه المجالس بمثابة العين التي تنبه هذه الجمعيات إلى القضايا التي غفلت عنها أو التي ينبغي أن توليها اهتمامها إذا كانت قصرت بشأنه، لكن كما يبدو لي فإن جمعياتنا الأهلية والسياسية غائبة عما يحدث في الشارع، ومن خلال متابعتي لأنشطة وفعاليات المجالس، أرى أنها لا تقوم بدور مواز للجمعيات فحسب، إنما تقوم بدور أهم منها، ففعالياتها لا تتوقف وتواصلها مع الناس والشارع العام والمثقفين وأهل التنوير في الوطن أكثر من تواصل هذه الجمعيات التي باتت نخبوية جداً في تعاطيها مع قضايا الهم العام في الوطن".

لذا أرى أنه من الأهمية بمكان أن تستوعب بعض المجالس الشعبية الأخرى مثل هذا الدور الفاعل وتحذو حذو هذه المجالس التنويرية وأضاف "آن الأوان لتشكيل مجلس إدارة أو مجلس تنسيقي من أصحاب المجالس نفسها، لتفعيل دور المجالس الوطني، وتحريك المياه الراكدة في بحيرات بعض المجالس بوضع برنامج تنويري تثقيفي وطني يقصده الناس من مختلف المدن والقرى، ولا تترك الأمور على عواهنها وعلاتها".