بعد صدور قانون العقوبات والتدابير البديلة في يوليو 2017، شهدت محكمة التمييز صدور أحكام نقض وإحالة عدد من القضايا إلى محكمة الاستئناف العليا الجنائية لتعيد الفصل فيها من جديد حتى يتاح للطاعن محاكمته وفق أحكام القانون الجديد، وفق ما أكد عدد من المحامين.وأكد مصدر قضائي للوطن أن جميع القضايا التى صدر فيها حكم بالسجن خمس سنوات فأقل، ولم يصدر فيها حكم بات قبل صدور قانون العقوبات البديلة، أعيدت لمحكمة الاستئناف العليا لتعيد الفصل فيها تحقيقا لمبدأ القانون الأصلح للمتهم ، لافتاً إلى استبدال عقوبة السجن في بعض القضايا المنظورة بالاستئناف بعقوبات بديلة.
واستفاد من قانون العقوبات البديلة رجل بحريني سبعيني مدان بالحبس شهرين لاستيلائه على 2200 دينار، بعد أن أوهم المجني عليهما بعمله محامياً في أحد المكاتب، فعوقب بالإقامة الجبرية بمكان محدد مراعاة لكبر سنه.
القانون الأصلح للمتهم
وقالت المحامية منار التميمي إن "القانون راعى الهدف الحقيقي من العقوبة وغايتها ومبادئ دستور المملكة وابتغى من إعمال أحكامه تحقيق المصلحة العامة فضلاً عن مصلحة المحكوم عليه أو المتهم الذي ينتظر الإدانة، فبدلاً من أن تُميت العقوبة في الأخير كل مشاعر فإنها تحيي مشاعره وتعزز ارتباطه بالمجتمع وانتماءه لوطنه فتخلق إنساناً نافعاً لنفسه ومجتمعه ووطنه، لذا وسع المُشرع نطاق الاختصاص بتطبيق أحكام القانون فأعطى لكلٍ من درجتي التقاضي سلطة تقدير العقوبة البديلة سواء المقضي بها من محكمة أول درجة أو المقررة قانوناً للجريمة أو التي تترائى لمحكمة الموضوع بحسب ظروف الواقعة، كما أعطى لقاضي تنفيذ العقاب السلطة في النظر في العقوبة المقضي بها حسب المدد المبينة بقانون العقوبات البديلة وفي حدود صلاحياته وسلطته".
وأضافت التميمي أن "المشرع أعطى النيابة العامة أيضاً السلطة في التدبير البدلي. وذلك كله في حدود العقوبات والتدابير المناسبة للمتهم والمتفقة مع مصلحته والمصلحة العامة وبالنظر إلى مدة العقوبة المقضي بها أو المقررة عن الجريمة موضوع الدعوى الجنائية، لذلك كان لزاماً على محكمة التمييز وفقاً لسلطتها واختصاصاتها كمحكمة قانون وإعادة نظر في المواد الجنائية إعادة الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم بالإدانة متى رفع إليها طعن على حكم لاحظت من حيثياته أنه أغفل في العقوبة التي قدرها أحكام قانون العقوبات البديلة، إعمالاً من محكمة التمييز للقواعد التي تقضي بتطبيق القانون الأصلح للمتهم وبأنه لا يُضار الطاعن بطعنه، وإعمالاً من المحكمة لروح القانون وتحقيقاً للمصلحة العامة وللغاية التي توخاها المشرع من ذلك القانون".ما هي التدابير البديلة؟
وعن المقصود بالعقوبة البديلة قالت التميمي إنها "العقوبات المحددة على سبيل الحصر بالمادة رقم 2 رقم 18 لسنة 2017 بشأن العقوبات والتدابير البديلة من القانون وهي العمل في خدمة المجتمع، الإقامة الجبرية في مكان محدد، حظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معينة، الخضوع للمراقبة الإلكترونية، حضور برامج التأهيل والتدريب أو إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة، وكذلك العقوبات التي يجوز لقاضي الموضوع أو لقاضي تنفيذ العقاب أن يقضي أو يأمر بها بدلاً عن العقوبة الأصلية، في الأحوال المبينة على سبيل الحصر في ذات القانون".
وأوضحت أن التدابير البديلة التي تأمر بها النيابة العامة إضافة إلى قاضي الموضوع وتنفيذ العقاب، فيُقصد بها أن يُلزِم المتهم بدلاً من الحبس الاحتياطي، إما بالإقامة الجبرية في مكان محدد، أو بالحضور لمركز الشرطة في أوقات محددة، أو بحظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، أو بالتعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات معينة، أو بالخضوع للمراقبة الإلكترونية.
وأضافت التميمي أن "المشرع أوضح أن العمل في خدمة المجتمع يكون بتكليف المحكوم عليه وبموافقته بالعمل لصالح إحدى الجهات دون مقابل، ويراعى في العمل تَوافقه مع مهنة المحكوم عليه وألا تزيد مدته على سنة، وبما لا يجاوز ثماني ساعات يومياً، بينما الإقامة الجبرية في مكان محدد تقتضي عدم مغادرة محل إقامة أو نطاق مكاني معين، وحظر ارتياد مكان أو أماكن محددة يكون في نطاق جغرافي معين ذي صلة بالجريمة، وكذلك التعهد بعدم التعرض أو الاتصال بأشخاص أو جهات ذات الصلة بالجريمة فقط وليس على الإطلاق، وحضور برامج التأهيل والتدريب يكون بالخضوع لبرامج التأهيل والتدريب في المجالات الطبية أو النفسية أو الاجتماعية أو التعليمية أو الحرفية أو الصناعية لتقويم سلوك المحكوم عليه".
خطوة ممتازة
فيما قالت المحامية سهى الخزرجي إن "محكمة التمييز نقضت عدداً من القضايا وأحالتها لإعادة الفصل فيها مجدداً، وتطبيق قانون العقوبات والتدابير البديلة، الذي أجاز للقاضي في مادته الأولى أن يقضي بإحدى العقوبات الواردة في المادة الثانية منه بدلاً من العقوبة الأصلية".
وأشادت الخزرجي بهذا الإجراء واعتبرته "خطوة ممتازة، خاصة للأشخاص الذين ليست لديهم أية أسبقيات، ونتيجه لمرورهم بظروف معينة ارتكبوا هذه الواقعة"، مشيرة إلى أن "المادة العاشرة من القانون أتاحت للقاضي عند الحكم بعقوبة مدة لا تزيد على سنة أن يستبدلها بعد تحديد مدة الحبس بعقوبة بديلة أو أكثر من المنصوص عليها في المادة الثانية من القانون، كما نص في المادة 11 منه على أن للقاضي عند الحكم بعقوبة الحبس لمدة تزيد على سنة أو السجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات إذا تبين له من الظروف الشخصية أو الصحية للمتهم عدم ملاءمة تنفيذ عقوبة الحبس أو السجن وفقا ًللتقارير التي يطلبها أو تقدم إليه، أن يستبدلها بعد تحديد مدة الحبس أو السجن بعقوبة الإقامة الجبرية في مكان محدد وحدها أو مقترنة بأية عقوبة بديلة أخرى من المنصوص عليها في المادة".
وأكدت الخزرجي أن ما استحدثه القانون من تدابير وعقوبات بديلة يتحقق به معنى مبدأ القانون الأصلح للمتهم.وأضافت "لما كانت المادة (33) من قانون محكمة التمييز تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها، إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه وقبل الفصل البات في الواقعة حكم أصلح للمتهم بات يسري على واقعة الدعوى، ولما كان تحديد نوع العقوبة ومقدارها من صميم عمل قاضي الموضوع، فإن ذلك يستوجب إعادة النظر أمام محكمة الموضوع في العقوبة التي ينظر بها، ويتعين معه نقض الحكم المطعون فيه وإعادته، حتى تتاح للطاعن من جديد فرصة محاكمته في ضوء القانون رقم 18 لسنة 2017."
واتفق المحامي محمد الذوادي مع فكرة أن نقض محكمة التمييز لعدد من القضايا وإحالتها لمحكمة الاستئناف العليا أو المحكمة التي أصدرته، "جاء لتطبيق مبدأ القانون الأصلح للمتهم، وهو مبدأ قانوني مستقر عليه في القانون الجنائي"، لافتاً إلى وجود عدد من القضايا التي طبقت فيها أحكام العقوبات البديلة قبل الطعن فيها أمام محكمة التمييز.