زهراء حبيب

أبرزت النيابة العامة في مرافعتها الختامية الأربعاء، أمام المحكمة أدلة إضافية في القضية المتهم فيها علي سلمان علي أحمد، وحسن علي جمعة سلطان، وعلي مهدي علي الأسود بالتخابر مع دولة قطر، تم استخلاصها مما قدمه الدفاع نفسه من تسجيلات في الجلسات السابقة. وحجزت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة أمس الدعوى للحكم في جلسة 21 يونيو المقبل.

وأشار الدفاع إلى أن المتهم الأول لم ينكر فصول المكالمة المسجلة، لكن ما قدم مقاطع وليس المحادثة الشاملة. وعقبت النيابة العامة في جلسة أمس على شهادة شاهد النفي في الدعوى، التي تم الاستماع إليها في الجلسة الماضية.

شاهد النفي يقدم دليل إثبات

وقال المحامي العام المستشار أسامة العوفي إن المتهم الأول استقدم في الجلسة الماضية ما أسماه شاهد النفي، وهو عبد النبي سلمان، ولعل استعانة المتهم بذلك الشاهد تحديداً هو أمر ليس بجديد ولا بغريب، فكأنما كلما أسند إلى المتهم مسؤولية جنائية بينة الدليل؛ استنهض المتهم شاهده هذا، وساقه إلى مجلس القضاء ليدفع عنه الاتهام بعبارات مرسلة مُجهلة، وكلمات ممجوجة مكررة، نحفظها عن ظهر قلب، بأن المتهم يدعو إلى السلمية، يرفض العنف، يرفض الاستعانة بالخارج، وكأنما هو المطلع على أسرار المتهم وخفايا نفسه ومقاصده.

وأوضح بأنه سبق للمتهم الأول علي سلمان أن استعان بذات الشاهد في القضية المحكوم فيها، وأدلى أمام المحكمة آنذاك بكلام لا يختلف في لفظه ومؤداه.

وأكد العوفي أن شهادة شاهد النفي أفاءت على الحقيقة بالحقيقة، وهي أن اتصالات المتهم بدولة قطر قد دارت في إطار تخابري محض، يستهدف استقلال البلاد وأمنها وينال من نظامها.

وأكد أن النيابة العامة لن تدخل في جدال تحكمه الكلمات المجردة والعبارات الإنشائية، بل ستعمد بكل موضوعية إلى طرح الفعل وما صاحبه من قول دال عليه، وستتخذ من شهادة شاهد النفي دليلاً إضافياً في القضية على صحة الاتهام، وتحيلها إلى شهادة إثبات، تطوع بها المتهم علي سلمان عوضاً عن سكوته وامتناعه عن الرد على حجية الأدلة المقدمة ضده.

وأصل شاهد النفي في شهادته أفعال المتهم المادية في الجرائم المسندة إليه على قاعدة راسخة من الواقع والقانون.

المتهم الأول خالف قانون الجمعيات

وأوضح العوفي أن الشاهد ذكر في شهادته بأن القانون يحظر على الجمعيات السياسية وعلى قدر تعبيره "التحدث مع الجهات الخارجية"، وهذا حق فقانون الجمعيات السياسية يحظر ذلك إلا بضوابط انتظمها القرار الوزاري رقم 4 لسنة 2005 المعدل بالقرار رقم 31 لسنة 2013 بأن يكون ذلك بالتنسيق مع وزارة الخارجية وبعد إخطار وزارة العدل، وألا يؤدي هذا الاتصال إلى المساس باستقلال أو أمن مملكة البحرين أو الوحدة الوطنية أو إضعاف الثقة المالية أو التدخل في شؤونها الداخلية.

وهنا تُصب هذه الشهادة على الواقع، فإذا كان القانون يحظر الاتصال بالجهات الأجنبية، ففيم كانت اتصالات المتهم الأول بممثل الحكومة القطرية؟ وأين هو التزام المتهم الأول بالضوابط القانونية المقررة حين إجرائه تلك الاتصالات؟ وماذا، ومضمون هذه الاتصالات وما يستفاد منها بشكل واضح قد اتجه إلى المساس باستقرار البلاد باستمرار الاضطرابات التي سادت المملكة آنذاك والحيلولة دون اتخاذ إجراءات من شأنها السيطرة عليها، تحديداً الاستعانة بقوات درع الجزيرة ؟ وماذا، والاتصالات مع الحكومة القطرية قد تعلقت وبوضوح بترسيم الشؤون الداخلية للبلاد؟ وكذلك ماذا، وقد ثبت تنفيذ المتهم الأول والمتهمين الآخرين لما تم الاتفاق عليه مع الحكومة الأجنبية وبالأخص من خلال مشاركتهم الإعلامية في قناة الجزيرة القطرية على نحو يمس نظام الحكم بالمملكة ويدعو صراحة لإسقاطه؟.

كما يرى الشاهد في حدود علمه بأن المتهم الأول، وبحسب قوله "يرفض أي حل سياسي من الخارج"، فإن ما يُفقد هذه الشهادة مصداقيتها، بل ويؤكد منهج المتهم الأول الثابت في العمل السياسي المتمثل في الاستقواء بالخارج، هي تلك الاتصالات والاتفاقات موضوع الاتهام والتي جرت فيما بينه ومسؤولي الدولة الأجنبية، بل هو ذلك التوجه الذي يلتزمه دفاع المتهم حتى اللحظة في تبرير اتصالات المتهم بممثلي الحكومة القطرية بأنه (كان لغرض إيجاد حل للأوضاع داخل البحرين.

وفيما يخص أقوال الشاهد بأنه لم يسمع المتهم الأول وهو يتوعد بطلب الحماية من إيران، فهو قول يلزم الشاهد وحده ولا يُعتد به، فمرجع ذلك هو مدى متابعته لأحداث الاجتماع الذي تفوه فيه المتهم بهذا الكلام، لحظة بلحظة، منذ بدء الاجتماع وحتى انفضاضه.

واستذكر شهادة شاهد الإثبات الرابع أمام عدالة المحكمة والذي ذكر بأن المتهم الأول قد تفوه بتلك العبارة في نهاية الاجتماع وقبيل الانصراف ومغادرة المكان، وقد خلت أقوال شاهد النفي من بيان لمكانه حينئذٍ، كي يُطمئن إلى شهادته من حيث الإحاطة بمجريات الاجتماع منذ بدايته وحتى لحظته الأخيرة.

المملكة رفضت التدخل بالشأن الداخلي

وقدم الدفاع خلال الجلسات السابقة تسجيلات ثلاثة، أحدها لوزير الخارجية في لقاء تلفزيوني، والثاني للقاء للمسؤول القطري حمد بن جاسم في قناة قطر، والثالث لمن ذكر الدفاع أنه خبير يسترشد به في الدعوى.

واطلعت النيابة العامة على هذه التسجيلات، وابتغى الدفاع من التسجيل الأول التدليل على أن الاتصالات التي أجراها المتهم الأول مع المسؤول القطري كانت من قبيل الوساطة وبعلم السلطات البحرينية، وهو أمر قد خلا منه التسجيل تماماً، فبداءة ينبغي التذكير بأن هذا اللقاء التلفزيوني حدث عقب انتهاء لجنة تقصي الحقائق من عملها وتقديمها تقريرها، وكل ما ذكره وزير الخارجية أن قطر كان لها دور إيجابي ضمن وزراء دول مجلس التعاون، وأنه: "لم يسمع أن لقطر دورا آخر بخلاف ذلك". ولم يتضمن التسجيل ثمة تقرير أو إشارة إلى السماح بإجراء هذه الاتصالات موضوع القضية والاتهام.

وشدد وزير الخارجية في حديثه على عدم قبول المملكة التدخل في الشأن الداخلي، كما أكد أيضاً على عدم قبول المملكة إقدام أي دولة أجنبية على إجراء تفاهمات مع أي مواطن بحريني بأي صفة كانت، وكان هذا في إشارة من معالي الوزير إلى واقعة معينة، حينما سلمت جمعية الوفاق مطالبها إلى مسؤول أجنبي كي يوصلها إلى الحكومة البحرينية، وأن معالي وزير الخارجية قد أعرب للمسؤول الأجنبي وقتئذٍ عن رفضه هذا التصرف، وعدم قبول المملكة أية طلبات من أي مواطن من خلال دولة أجنبية.

دليل إثبات آخر يقدمه الدفاع

أما التسجيل الخاص باللقاء التلفزيوني لحمد بن جاسم المذاع على قناة قطر، والذي قدمه الدفاع بنفسه، فمنه تُحصِّل النيابة العامة دليلاً جديداً في الدعوى، وبإيجاز شديد تضمن حديث ذلك المسؤول القطري ما يقطع بهيمنة الدولة القطرية على قناة الجزيرة، واستغلالها في التدخل بالشؤون الداخلية للدول وتوجيه سير الأحداث فيها، والتآمر عليها، وهو ما يؤكد صحة الوقائع موضوع الاتهام من حيث مجرياتها وملابساتها وأغراضها وفقاً لما كشفت عنه التحريات وقطعت به أقوال شهود الإثبات.

وقناة الجزيرة هي التي أعرب المسؤولان القطريان خلال الاتصالات مع المتهمين الأول والثاني عن استعدادهما لتسخيرها لنشر ما من شأنه التأثير سلباً على مملكة البحرين، وبث المتهمون من خلالها الأكاذيب والشائعات عن الوضع الداخلي بالمملكة، والتي اتخذها المتهم الأول منبراً يطالب فيه بإسقاط نظام الحكم الدستوري في البلاد تحقيقاً للاتفاق والتكليف التخابري موضوع التهمة الأولى.

ولا يفوت النيابة بحال حديث حمد بن جاسم في ذلك اللقاء التلفزيوني عن الحوار المسجل والذي دار بينه وأمير قطر السابق وبين القذافي، فيهمنا في هذا المقام إبراز إقراره بصحة هذا الحوار المسجل المشهور، المتداول في المواقع الإلكترونية وليس في إعلام دول المقاطعة على نحو ما ذكر المُحاور.

ولكن الأهم هو ما تضمنه ذلك الحوار من تآمر واضح ضد الدول، والوسائل التي يتبعها النظام القطري في ذلك ومن بينها استقطاب عناصر المعارضة المناوئة ودعمهم مالياً ومساندتهم إعلامياً وإظهارهم في قنواتها الإعلامية بما يحملونه من أكاذيب وشائعات وعبارات التثوير والانتقاص رغبة في إحداث القلاقل والاضطرابات وإفقاد السلطات الوطنية في الدول توازنها ومن ثم إسقاطها، فذاك هو نهج الدولة المتخابر معها في هذه القضية، وهو ذاته الذي اتُبع تجاه مملكة البحرين، وهو ذات النهج والوسائل التي أوردتها التحريات وتأكدت بأقوال الشهود، وها هي الآن تُؤكَّد من قبل المتهم بما قدمه بنفسه إلى المحكمة.

المتهم أقر بالمكالمة

وقال العوفي عن التسجيل الثالث والخاص بمن يدعى إيريك جلاستوود "الموسيقي النرويجي" حسبما عرَّف نفسه، والذي يقول إن هناك شيئا قد حدث للتسجيلات، فإن استرشاد الدفاع به هو والعدم سواء، إذ المسألة مبناها الواقع والقانون، فالمكالمة الهاتفية قد أُقر بها المتهم الأول، بل وحمد بن جاسم بحسب ما ورد بتسجيل لقائه التلفزيوني الذي قدمه الدفاع، وتلك هي العبارات التي وردت فيها والمُسلم بها، وذلك هو المعنى الواضح المستفاد منها مما يقيم الاتهام عن بينة لا تحتمل جدالاً أو تأويلاً.

وعن الدفوع المتعلقة بسماع الشهود وإجراءات سماعهم، وعن طلب الدفاع سماع شهادة حمد بن جاسم مسؤول الدولة المتخابر معها، فيجب التنويه إلى مركزه القانوني في هذه القضية، وإلى أن هناك صورة منسوخة من القضية تتعلق بمسؤوليته الجنائية، مما يمنع سماع شهادته في الأصل.

أقصى عقوبة

أما عن الدفع بعدم دستورية المواد 127 مكرراً، 223 مكرراً، 223 مكرراً أ والمتعلقة بحماية الشهود وسماعهم، فإن مناط الفصل فيه هو ما تلتمسه محكمة الموضوع في الدفع من جدية دون بحث في المسألة الدستورية ذاتها. وطالبت النيابة العامة في الختام بإنزال أقصى عقوبة بحق المتهمين الثلاثة.

وبعد ذلك سألت المحكمة المتهم الأول علي سلمان إن كان يرغب في الحديث وإبداء أي دفوع، لكنه أكد اكتفاءه بما قدمه الدفاع.

***

محمد