حسن عبدالنبي

دعا المفكر البحريني، محمد الرويعي، إلى أهمية تركيز المجتمعات على فهم الإنسان، لافتاً إلى أن العالم بأسره شهد تقدما في مجالات كثيرة في الحياة، منها الأسلحة والفيزياء وغيرها، بيد أنه ما زال جاهلاً بعلم "الإنسان"، وماهيّة وطبيعة هذا الكائن.

وأكد خلال ندوة ناقش فيها أفكار الاديب الأمريكي، مارك توين، مساء الأربعاء في أسرة الأدباء والكتاب بالتعاون مع جمعية كلنا نقرأ، أكد أن الهدف من المناقشة هو معرفة سلوك الإنسان والدوافع التي يتحرك من خلالها الغريزة والفطرة، فهل هو مفطور على الخير أو الشر وبيئة والمجتمع؟ وهل هو قادر على تغيير سلوكه؟ وهل يملك حرية إرادة أو اختيار؟.

وأضاف الرويعي أنه حسب القراءات التي تم الاطلاع عليها أن مارك توين عاش بين القرنين التاسع عشر والثامن عشر، فهو بالتالي لم يواكب الكثير من العلوم المتطورة، لذا فإن عددا من أفكاره لاتطابق الواقع، حيث إن العلم قديماً وحديثاً لم يجب على الكثير من الأمور، فالانسان كائن غزير في علومه، لذى فهو ما زال مجهول علميا.

وحول نظرة الرويعي لهذا الموضوع قال: "إن الانسان يمتلك حرية التعبير وحرية التفكير والنقد وممارسة الحياة الطبيعية وهو قابل للتغير، ويستطيع التأقلم مع البيئات الأخرى وليس كما ذكر الكتاب، والإنسان هو الذي يقود العقل ويشرع قوانين الفكر".

وعن تأثير القوانين على الإنسان، أكد أن لها الكثير من التأثير على الإنسان، حيث إنه يحب التملك والسلطة والوجاهة والطبقية وجمع الأموال لذى بنيت القوانين والدساتير لضبط فكر وحريات والحقوق والواجبات.

وأشار إلى أن الخلاصة من القراءة النقدية هي تبيان أن فهم الانسان ليس شيء بديهي كما يعتقد البعض، فالعلم المتخصص لدراسة من هو الانسان غزير جداً ويفوق الفكر البشري، لذى لم يفهم الانسان نفسه.

وتابع: "لدى أدعو الشباب لتنشيط الفكر النقدي الفلسفسي الذي يناقش الكثير من الأمور، وهذه فائدة القراءة النقدية، حيث تحفز الفكر الناقد والفلسفي في المملكة، آملاً أن تبدأ الناس بتغير أفكارها انطلاقا من هذه الندوة.

وأشار الرويعي إلى أن كتاب "ما الانسان" عبارة عن حوار فلسفى بين شيخٍ والشاب الذي اعتقد بأفكارٍ خشى من نشرها، والذى أنضجته الحياة وجردت معطياته وفندت كل مخاوفه وأطلقت صوته بأفكارٍ لم يطلقها وحيدة هائمة صادمة لمن يتلقاها بل ألزم نفسه برهانا ودليلا من خلال أجوبة لكل الأسئلة المشككة فيما اعتقده حقائق.

مارك توين يصوغ حقائقه مدللا عليها فى أسلوب ممتع شائق، لا يخلو من سخرية مضحكة تارة ومؤلمة تارات ، فهو يرى أن أى إنسان مهما بلغ إسهامه العقلى فلا فضل له فيه، لأنه بدايةً مقيد بعقلٍ مستقل تماما عنه ولا يمكنه السيطرة عليه، عقل يتلقى معطياته من الخارج، من كل ما حوله، ومن كل من يدربه عليها، ثم تتلاقى إدراكاته تلك وفقا لمستوى زكاءه أو تكوينه الطبيعى الممنوح سلفا من خالقه ليكتشف الأفكار لا ليبدعها، وفى ذلك يشبهه بالآلة التى لا فضل لها فىما تنتج لأن ذلك كان مرهونا بمدخلاتها ومعدنها المصاغ سلفا، ويعتقد بأن هذا العقل لن يظل يبحث عن الحقيقة فى أمرما دوما بل إلى الدرجة التى يطمئن فيها إلى معتقده ويصبح كل ما بعد ذلك محاولات لدحض أى شك فيما يعتقد،يتطرق بعد ذلك إلى ما يثبت بأن العقل يستخدم بنفس الطريقة فى عالم الحيوانات ولكن بشكل أبسط وأقل تعقيدا مما هو فى حالة الإنسان الأكثر رقيا فى قدراته على التعلم والقراءة والكتاب، وإن كان الإنسان فى نظره يسىء لنفسه باستخدام هذا العقل فيما يناقض القيم والمثل العليا رغم تمييزه للفارق بين الخير والشر .

كما يرى الكاتب أيضا أن الدافع الوحيد وراء كل أفعال البشر هو إرضاء نفوسهم، تتباين النفوس بين البشر وتتباين وسائل إرضاءها فى نظره، ويضرب المثل بالنفس التى تبدو فى نظر الناس مضحية وتؤثر الآخرين وما هى إلا نفس تتألم إن لم تمنح الآخرين المساعدة ولذلك فهى تضحى فى المقام الأول لتنعم بالرضا والسلام، وثانيا لتسعد بنظرة الناس إليها لا العكس، والنفس الغير مضحية كذلك لا يقلقها كثيرا ألم الآخرين بقدر ما يرضيها إسعاد ذاتها بشكل مباشر ، لذا فان مارك توين يدلل للمرة الثانية أنه لا فضل حقيقى لعمل فاضل يقوم به الإنسان لأن الدافع وراءه إرضاء نفسه، وهى طبيعة جُبل عليها ولم يخترها، ويبنى على ذلك أن كل أطماع الإنسان وإن بدت فى ظاهرها مادية إلا أن حقيقتها روحية لأنها تسعى لإرضاء الذات!! ويرى كذلك وفقا لما سبق أن التسمية ( إرادة حرة ) هى تسمية مضللة ومطلقة نظرا لأن سلطة العقل البشرى محدودة وتقف عند حد التمييز بين فعل ينطوى على الحق والعدل وفعل آخر مناقض لهما، أما اختيارات الإنسان فتتأثر بشكل كبير بما تلقاه من الطبيعة بالوراثة ومن الخارج من أفكار دربه مجتمعه وبنى قيمه عليها، وإن كان يرى أن الأدق تسميه الفعل البشرى بـ(الإختيار الحر ) لأن ذلك يعنى عملية عقلية محدودة لتمييز أمر ما كان خطأ أم صواب.

كما يتحدث مارك توين عن نفس الإنسان المتحكمة فى سلوكه فيسميها مرة الضمير، ومرة أخرى المزاج، ومرة ثالثة الحاكم الداخلى، أو السيد المسيطر، ويظهر جليا فى اعتبار ارضاءها أمرا روحيا الخلط فى المفهوم لديه بين النفس والروح.