المحامي بندر بن شمال الدوسري
في العمودين السابقين تحدثنا عن حق الدفاع الشرعي وحالة الضرورة كسببين مانعين للمسؤولية الجنائية الدولية، وسوف نتحدث في هذا العمود عن سبب آخر من أسباب امتناع المسؤولية الجنائية الدولية وهو تنفيذ أمر الرئيس.
إذ يُعد تنفيذ أمر الرئيس الأعلى من أسباب الإباحة التي إذا توافرت شروطها امتنعت المسؤولية، وبالتالي فطاعة أمر الرئيس في القانون الداخلي، تزيل عن الفعل وصف الجريمة، أما في القانون الدولي، فإن الفقه الجنائي الدولي والمبادئ المستخلصة من محاكمات "نورمبرج" لا تعتبر أمر الرئيس الأعلى سبباً لعدم مشروعية الفعل، ويبرر هذا المبدأ بسمو القانون الدولي الجنائي على القانون الداخلي، لأن الواجبات الدولية المفروضة على الأفراد مقدمة على واجب الطاعة لأوامر الدولة التي يتبعونها، كما فرق البعض بين تنفيذ المرؤوس لأمر قانوني أو غير قانوني، وأكد مسؤولية المرؤوس في الحالة الثانية، ولا يجوز له الدفع بوجود أمر من القيادة لانتفاء مسؤوليته، وهذا الرأي يؤكد أن التنفيذ حتى في ميادين المعركة لا يكون إلا للأوامر القانونية، وهناك آراء فقهية عديدة للتفرقة بين الأمر القانوني وغير القانوني.
وقد أقرت محكمة "نورمبرج" أن الأمر الصادر للجندي بالقتل والتدمير خلافًا لما تقضي به القوانين الدولية للحرب، لا يمكن أن يبيح ما يصدر عن هذا الأخير، من جرائم، وأكد المبدأ الرابع من مبادئ "نورمبرج" عدم إعفاء مقترف الجريمة الدولية إذا نفذها بناءً على أمر صادر له من رئيسه الأعلى، مادام الجاني كان حراً في الاختيار.
وقد اعتبرت اتفاقيات جنيف الرئيس الذي أصدر أمره لمرؤوسيه بارتكاب إحدى الجرائم الجسيمة، فاعلاً أصلياً وهذا الاعتبار مخالف للقواعد العامة التي تقضي باعتبار الرئيس شريكاً في الجريمة التي يأتيها مرؤوسيه، ويحدد مشروعية الفعل المرتكب أو عدم مشروعيته ما ورد في القانون الدولي الاتفاقي أو العرفي.
ونظراً لقيام الحياة العسكرية على واجب طاعة المرؤوس لرئيسه، يذهب اتجاه من الفقهاء إلى اعتبار أمر الرئيس سبباً من أسباب الإباحة، مستنداً إلى أن المرؤوس يكون في ظل النظام العسكري في حالة إكراه أدبي، مما يبرر عقاب الرئيس فعلاً وإعفاء المرؤوس.
وقد نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على ألا يكون الامتثال لأمر الحكومة أو الرئيس عسكرياً كان أو مدنياً سبباً للإعفاء من المسؤولية، ومع ذلك فإن طاعة أمر الرئيس تكون مانعاً للمسؤولية في حالتين هما: أن يكون على الشخص التزام قانوني بهذا الامتثال، و إذا كان الشخص جهل الصفة غير المشروعة قد اشترط النظام الأساسي للمحكمة أن يكون عدم مشروعية الأمر ظاهراً، وتكون كذلك في حالتي الأمر بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية.
أما في جرائم الحرب، فإن عدم المشروعية الظاهر رهن بتقدير المحكمة، وعلى الرغم من أن جميع الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين في زمن النزاعات المسلحة غير قانونية، إلا أنه سيظل الدفع بارتكاب الجرم الدولي تنفيذاً لأمر أعلى على ساحة المحاكم لتخفيف العقاب، والمجتمع الدولي ما زال يأمل في عامل الردع للرؤساء، حتى لا يتجرؤوا على القانون والحق عند إصدار الأوامر، ويكون هذا الردع ضمانة أكيدة لحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة والحروب.
في العمودين السابقين تحدثنا عن حق الدفاع الشرعي وحالة الضرورة كسببين مانعين للمسؤولية الجنائية الدولية، وسوف نتحدث في هذا العمود عن سبب آخر من أسباب امتناع المسؤولية الجنائية الدولية وهو تنفيذ أمر الرئيس.
إذ يُعد تنفيذ أمر الرئيس الأعلى من أسباب الإباحة التي إذا توافرت شروطها امتنعت المسؤولية، وبالتالي فطاعة أمر الرئيس في القانون الداخلي، تزيل عن الفعل وصف الجريمة، أما في القانون الدولي، فإن الفقه الجنائي الدولي والمبادئ المستخلصة من محاكمات "نورمبرج" لا تعتبر أمر الرئيس الأعلى سبباً لعدم مشروعية الفعل، ويبرر هذا المبدأ بسمو القانون الدولي الجنائي على القانون الداخلي، لأن الواجبات الدولية المفروضة على الأفراد مقدمة على واجب الطاعة لأوامر الدولة التي يتبعونها، كما فرق البعض بين تنفيذ المرؤوس لأمر قانوني أو غير قانوني، وأكد مسؤولية المرؤوس في الحالة الثانية، ولا يجوز له الدفع بوجود أمر من القيادة لانتفاء مسؤوليته، وهذا الرأي يؤكد أن التنفيذ حتى في ميادين المعركة لا يكون إلا للأوامر القانونية، وهناك آراء فقهية عديدة للتفرقة بين الأمر القانوني وغير القانوني.
وقد أقرت محكمة "نورمبرج" أن الأمر الصادر للجندي بالقتل والتدمير خلافًا لما تقضي به القوانين الدولية للحرب، لا يمكن أن يبيح ما يصدر عن هذا الأخير، من جرائم، وأكد المبدأ الرابع من مبادئ "نورمبرج" عدم إعفاء مقترف الجريمة الدولية إذا نفذها بناءً على أمر صادر له من رئيسه الأعلى، مادام الجاني كان حراً في الاختيار.
وقد اعتبرت اتفاقيات جنيف الرئيس الذي أصدر أمره لمرؤوسيه بارتكاب إحدى الجرائم الجسيمة، فاعلاً أصلياً وهذا الاعتبار مخالف للقواعد العامة التي تقضي باعتبار الرئيس شريكاً في الجريمة التي يأتيها مرؤوسيه، ويحدد مشروعية الفعل المرتكب أو عدم مشروعيته ما ورد في القانون الدولي الاتفاقي أو العرفي.
ونظراً لقيام الحياة العسكرية على واجب طاعة المرؤوس لرئيسه، يذهب اتجاه من الفقهاء إلى اعتبار أمر الرئيس سبباً من أسباب الإباحة، مستنداً إلى أن المرؤوس يكون في ظل النظام العسكري في حالة إكراه أدبي، مما يبرر عقاب الرئيس فعلاً وإعفاء المرؤوس.
وقد نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، على ألا يكون الامتثال لأمر الحكومة أو الرئيس عسكرياً كان أو مدنياً سبباً للإعفاء من المسؤولية، ومع ذلك فإن طاعة أمر الرئيس تكون مانعاً للمسؤولية في حالتين هما: أن يكون على الشخص التزام قانوني بهذا الامتثال، و إذا كان الشخص جهل الصفة غير المشروعة قد اشترط النظام الأساسي للمحكمة أن يكون عدم مشروعية الأمر ظاهراً، وتكون كذلك في حالتي الأمر بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية.
أما في جرائم الحرب، فإن عدم المشروعية الظاهر رهن بتقدير المحكمة، وعلى الرغم من أن جميع الجرائم التي ترتكب ضد المدنيين في زمن النزاعات المسلحة غير قانونية، إلا أنه سيظل الدفع بارتكاب الجرم الدولي تنفيذاً لأمر أعلى على ساحة المحاكم لتخفيف العقاب، والمجتمع الدولي ما زال يأمل في عامل الردع للرؤساء، حتى لا يتجرؤوا على القانون والحق عند إصدار الأوامر، ويكون هذا الردع ضمانة أكيدة لحماية المدنيين وقت النزاعات المسلحة والحروب.