بندر بن شمال الدوسري
تطرقنا في العمود السابق إلى تعريف الأهلية في اللغة وعند أهل الاصطلاح، ومن ثم عرجنا إلى أنواع الأهلية وفيه تناولنا أهلية الوجوب بشيء من الشرح، وسوف نتحدث في هذا العمود عن النوع الثاني من أنواع الأهلية وهو أهلية الأداء.
فتعرف أهلية الأداء على أنها صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً أي صلاحيته لأن يطالب بالأداء وأن تعتبر أقواله وأفعاله وتترتب عليها آثارها الشرعية، بحيث إذا صدر منه عقد أو تصرف كان معتداً به شرعاً وتترتب عليه أحكامه وإذا أدى عبادة من صلاة أو صيام أو حج كان معتبراً شرعاً، ومسقطاً عنه الواجب، وإذا جنى على غيره في نفس أو مال أو عرض أخذ بجنايته مؤاخذة كاملة، وعوقب عليها بدنياً ومالياً. فأهلية الأداء ترادف المسؤولية، وأساس ثبوتها هو التمييز بالعقل لا الحياة.
إن الأداء للإنسان يتعلق بقدرتين هما قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل، وقدرة العمل به وذلك بالبدن، والإنسان في أول أحواله عديم القدرتين لكن فيه استعداد وصلاحية لأن يوجد فيه واحدة من القدرتين شيئاً فشيئاً بخلق الله تعالى إلى أن تبلغ كل واحدة منهما درجات الكمال، فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كل واحدة منهما قاصرة كما يكون للصبي المميز قبل البلوغ، وقد تكون إحداهما قاصرة كما في المعتوه بعد البلوغ، فإنه قاصر العقل مثل الصبي وإن كان قوي البدن ولهذا ألحق بالصبي في الأحكام، وقد قسم علماء الأصول حالات الإنسان بالنسبة لأهلية الأداء إلى ثلاثة أنواع، عديم الأهلية، وناقص الأهلية، وكامل الأهلية .
فالطفل زمن طفولته، والمجنون في أي سن كان، فكل منهما لكونه لا عقل له فلا أهلية أداء له وبالتالي لا تتر تب على أقوالهما ولا على أفعالهما آثارها الشرعية، فعقودهما وتصرفاتهما باطلة. وإذا جنى أحدهما على نفس أو مال يؤاخذ مالياً لا بدنياً، فإن قتل الطفل والمجنون أو أتلف مال غيره ضمن دية القتيل أو ما أتلفه، ولكنه لا يقتص منه، وهذا معنى قول الفقهاء: "عمد الطفل أو المجنون خطأ" لأنه ما دام لا يوجد عقل لا يوجد القصد، وإذا لم يكن الفعل مقصوداً فهو ليس عمداً.
أما ناقص الأهلية وهو المميز الذي لم يبلغ الحلم، وهذا ينطبق على الصبي في دور التمييز قبل البلوغ، وينطبق على المعتوه الذي لم يصل العته به إلى درجة اختلال العقل وفقده، وإنما يكون ضعيف الإدراك والتمييز فحكمه حكم الصبي المميز لوجود وثبوت أصل أهلية الأداء لهما بالتمييز وفي هذه الحالة يجب أن نفرق بين حقوق الله وحقوق العباد فناقص الأهلية إما أن تتعلق تصرفاته بحقوق الله، وإما أن تتعلق بحقوق العباد، فحقوق الله تعالى تصح من الصبي المميز كالإيمان والصلاة والصيام والحج، ولكن لا يكون ملزماً بأداء العبادات إلا على جهة التأدب والتهذيب. أما ما يتعلق بحقوق العباد فإن تصرفات ناقص الأهلية تدور بين ثلاثة أقسام، تصرفات نافعة نفعاً محضاً وهي التي ترتب عليها دخول شيء في ملكه من غير مقابل كقبوله الهبات والصدقات والوصية.
فهذه التصرفات تصح منه دون حاجة إلى إذن وليه أو إجازته، وتصرفات ضارة ضرراً محضاً وهي التي يترتب عليها خروج شيء من ملكه دون مقابل كتبرعاته وإسقاطاته فلا تصح ولا تنفذ ولو أجازها الولي، فهبته ووصيته ووقفه وطلاقه وإعتاقه كل هذه باطلة، ولا تصح منه ولو بإجازة الولي؛ لأن الولي لا يملك إجازة هذه التصرفات لما فيها من الضرر، وتصرفات دائرة بين النفع والضرر وهي التي تحتمل الربح والخسارة كالبيع والشراء والإجارة والنكاح ونحوها، فتصح منه ولكنها موقوفة على إذن وليه بها، فإن جاز وليه العقد أو التصرف نفذ، وإن لم يجزه بطل، وذلك بسب نقص أهلية الأداء له .
أما كامل الأهلية وهو من بلغ الحلم عاقلاً، فأهلية الأداء الكاملة تتحقق ببلوغ الإنسان عاقلاً والأصل أن أهلية الأداء بالعقل ولكنها ربطت بالبلوغ؛ لأن البلوغ مظنة العقل فالبالغ سواء كان بلوغه بالسن أو بالعلامات المميزة يعتبر عاقلاً وأهلاً للأداء كامل الأهلية ما لم يوجد ما يدل على اختلال عقله أو نقصه، فعندما تثبت للإنسان أهلية الأداء الكاملة يصبح أهلاً للتكاليف الشرعية، ويجب عليه أداؤها ويأثم بتركها، وتصح منه جميع العقود والتصرفات، وتترتب عليها مختلف آثارها ويؤاخذ على جميع الأعمال الصادرة منه ما لم يعترضه عارض من عوارض الأهلية والذي سوف نتناوله في العمود القادم.
{{ article.visit_count }}
تطرقنا في العمود السابق إلى تعريف الأهلية في اللغة وعند أهل الاصطلاح، ومن ثم عرجنا إلى أنواع الأهلية وفيه تناولنا أهلية الوجوب بشيء من الشرح، وسوف نتحدث في هذا العمود عن النوع الثاني من أنواع الأهلية وهو أهلية الأداء.
فتعرف أهلية الأداء على أنها صلاحية الإنسان لصدور الفعل منه على وجه يعتد به شرعاً أي صلاحيته لأن يطالب بالأداء وأن تعتبر أقواله وأفعاله وتترتب عليها آثارها الشرعية، بحيث إذا صدر منه عقد أو تصرف كان معتداً به شرعاً وتترتب عليه أحكامه وإذا أدى عبادة من صلاة أو صيام أو حج كان معتبراً شرعاً، ومسقطاً عنه الواجب، وإذا جنى على غيره في نفس أو مال أو عرض أخذ بجنايته مؤاخذة كاملة، وعوقب عليها بدنياً ومالياً. فأهلية الأداء ترادف المسؤولية، وأساس ثبوتها هو التمييز بالعقل لا الحياة.
إن الأداء للإنسان يتعلق بقدرتين هما قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل، وقدرة العمل به وذلك بالبدن، والإنسان في أول أحواله عديم القدرتين لكن فيه استعداد وصلاحية لأن يوجد فيه واحدة من القدرتين شيئاً فشيئاً بخلق الله تعالى إلى أن تبلغ كل واحدة منهما درجات الكمال، فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كل واحدة منهما قاصرة كما يكون للصبي المميز قبل البلوغ، وقد تكون إحداهما قاصرة كما في المعتوه بعد البلوغ، فإنه قاصر العقل مثل الصبي وإن كان قوي البدن ولهذا ألحق بالصبي في الأحكام، وقد قسم علماء الأصول حالات الإنسان بالنسبة لأهلية الأداء إلى ثلاثة أنواع، عديم الأهلية، وناقص الأهلية، وكامل الأهلية .
فالطفل زمن طفولته، والمجنون في أي سن كان، فكل منهما لكونه لا عقل له فلا أهلية أداء له وبالتالي لا تتر تب على أقوالهما ولا على أفعالهما آثارها الشرعية، فعقودهما وتصرفاتهما باطلة. وإذا جنى أحدهما على نفس أو مال يؤاخذ مالياً لا بدنياً، فإن قتل الطفل والمجنون أو أتلف مال غيره ضمن دية القتيل أو ما أتلفه، ولكنه لا يقتص منه، وهذا معنى قول الفقهاء: "عمد الطفل أو المجنون خطأ" لأنه ما دام لا يوجد عقل لا يوجد القصد، وإذا لم يكن الفعل مقصوداً فهو ليس عمداً.
أما ناقص الأهلية وهو المميز الذي لم يبلغ الحلم، وهذا ينطبق على الصبي في دور التمييز قبل البلوغ، وينطبق على المعتوه الذي لم يصل العته به إلى درجة اختلال العقل وفقده، وإنما يكون ضعيف الإدراك والتمييز فحكمه حكم الصبي المميز لوجود وثبوت أصل أهلية الأداء لهما بالتمييز وفي هذه الحالة يجب أن نفرق بين حقوق الله وحقوق العباد فناقص الأهلية إما أن تتعلق تصرفاته بحقوق الله، وإما أن تتعلق بحقوق العباد، فحقوق الله تعالى تصح من الصبي المميز كالإيمان والصلاة والصيام والحج، ولكن لا يكون ملزماً بأداء العبادات إلا على جهة التأدب والتهذيب. أما ما يتعلق بحقوق العباد فإن تصرفات ناقص الأهلية تدور بين ثلاثة أقسام، تصرفات نافعة نفعاً محضاً وهي التي ترتب عليها دخول شيء في ملكه من غير مقابل كقبوله الهبات والصدقات والوصية.
فهذه التصرفات تصح منه دون حاجة إلى إذن وليه أو إجازته، وتصرفات ضارة ضرراً محضاً وهي التي يترتب عليها خروج شيء من ملكه دون مقابل كتبرعاته وإسقاطاته فلا تصح ولا تنفذ ولو أجازها الولي، فهبته ووصيته ووقفه وطلاقه وإعتاقه كل هذه باطلة، ولا تصح منه ولو بإجازة الولي؛ لأن الولي لا يملك إجازة هذه التصرفات لما فيها من الضرر، وتصرفات دائرة بين النفع والضرر وهي التي تحتمل الربح والخسارة كالبيع والشراء والإجارة والنكاح ونحوها، فتصح منه ولكنها موقوفة على إذن وليه بها، فإن جاز وليه العقد أو التصرف نفذ، وإن لم يجزه بطل، وذلك بسب نقص أهلية الأداء له .
أما كامل الأهلية وهو من بلغ الحلم عاقلاً، فأهلية الأداء الكاملة تتحقق ببلوغ الإنسان عاقلاً والأصل أن أهلية الأداء بالعقل ولكنها ربطت بالبلوغ؛ لأن البلوغ مظنة العقل فالبالغ سواء كان بلوغه بالسن أو بالعلامات المميزة يعتبر عاقلاً وأهلاً للأداء كامل الأهلية ما لم يوجد ما يدل على اختلال عقله أو نقصه، فعندما تثبت للإنسان أهلية الأداء الكاملة يصبح أهلاً للتكاليف الشرعية، ويجب عليه أداؤها ويأثم بتركها، وتصح منه جميع العقود والتصرفات، وتترتب عليها مختلف آثارها ويؤاخذ على جميع الأعمال الصادرة منه ما لم يعترضه عارض من عوارض الأهلية والذي سوف نتناوله في العمود القادم.