عماد المختار

يعتبر غلاء المعيشة من أبرز المشكلات التى تسيطر على هموم "الوافدين" بالبحرين، وخاصة على الأسر بدخلها المحدود، ويظل هذا الغلاء يضغط أكثر على جيوب، ويوجع قلوبهم. وعلى وقع التحديات الاقتصادية، بتهاوي أسعار النفط، وتداعيات الرسوم، وارتفاع الإيجارات ورفع الدعم عن الكهرباء والماء، يتأثر الوافدون بهذا الوضع، ويجدون أنفسهم ملزمين بأمرين لا ثالث لهما، تحمل أعباء إضافية مع وجع في القلوب وخواء في الجيوب، أو العودة إلى البلد الأم.



الإيجار ذبحنا..



يقول فيصل الزايري وهو تونسي مقيم مع أسرته بالبحرين من 2002، إنه كان شاهدا على تحول الحياة المعيشية بالبحرين، عامة وحياة الوافدين خاصة، لافتا أنه تحول طبيعي، فالعالم يتغير، وارتفاع المعيشة في كل دول العالم، وخاصة الدول التي تعتمد في دخلها على الموارد البترولية، يواجه الجميع تحديات جمة منذ بدء أزمة انخفاض أسعار النفط، إلى 45 دولاراً، وقبل هذه الأزمة كانت حياتنا أفضل. لكنه في النهاية لا يراها مشكلة كبيرة بحكم أن زوجته لها مدرسة بمدرسة خاصة ودخلها يساعد على مواجهة ارتفاع أسعار السكن.

ويوافقه في ذلك بسام إسماعيل وهو مدرس مصري مقيم أعزب بالبحرين قائلا: غلاء المعيشة يواجهه المواطنون والوافدون على السواء، وتظل المعيشة بالبحرين هي الأفضل مقارنة بعدة دول مجاورة مثلا. وأضاف أنه يدرك الصعوبات التي يعيشها الوافدون المقيمون مع أسرهم، فهم بصراحة مصاريفهم عالية، وهم مجبرون على الدفع، وقد يكون السكن هو المشكلة الأكبر في حياة الوافدين من حيث التكلفة الشهرية والسنوية. فعقود الإيجار مرتفعة جدا، لافتا أنه في كثير من المناسبات يضطر بعض زملائه إلى الاقتراض والتداين.

ويرى جمعة أبو سائد وهو أردني مقيم بالبحرين من عشر سنوات أن استئجار شقة مكونة من غرفتي نوم في إحدى مناطق البحرين، يكلف مبلغا يتراوح ما بين 2500 دينار– 3500 دينار سنويًا في المتوسط الحسابي، لراتب موظف متوسط دخله السنوي بمعدل 6500 دينار بحريني، منيها أن نصف الراتب لهفه السكن.وفي المجمل يكون السكن والكهرباء والماء قد لهف نصف الدخل السنوي للمغتربين تقريبا.

ويؤكد بسام إسماعيل أن مشكلة التغطية الصحية صارت تمثل مشكلة للوافدين وخاصة من العمالة الآسيوية ممن تكون التغطية الصحية والتأمين على حسابهم الخاص. إن مجرد استشارة طبيب الأسنان أو الطبيب العام لن يكون بأسعار معقولة. ومع ذلك، هذا لا يتضمن أي فحوصات طبية أو علاج إضافي. وفي حالة وجود مرض خطير أو حادث، يحتاج الوافد إلى أن يكون لديه تأمين صحي لتحقيق أقصى استفادة من مرافق الرعاية الصحية الخاصة، وهي ذات كلفة عالية.

ويتابع أبو سائد قائلا: بطبيعة الحال هذا لا يشمل تكاليف الإيجار فواتير المياه والكهرباء. وتلك قصة أخرى للوافدين خاصة بعد رفع الدعم عنهما مع ضريبة الخدمات البلدية، وهي في المجمل دفع ثمن استهلاك الكهرباء والمياء زائد البلدية، تحتاج إلى إنفاق ما معدله 80 دينارا في أغلب أشهر السنة، أي بمعدل لا يقل عن 900 دينارا سنويا، تنضاف إلى كلفة الإيجار السنوي، ويرتفع في أشهر الصيف الحارة الممتدة من مايو وحتى أغسطس، وبطبعة الحال سوف ترتفع التكاليف أكثر لأنه يفترض استهلاكا أعلى.

وتقول سناء محمد وهي أمريكية من أصول فلسطينية مقيمة بالبحرين من خمس عشرة سنة صحبة عائلتها، وتشتغل بمدرسة خاصة، إنها تسكن بفيلا في توبلي إيجارها أزيد من ألف دينار، يعني بكلفة سنوية تقدر بـ 11 ألف دينار ودخلي السنوي 15 ألف دينار. وتضيف: صحيح نعيش في رفاهية لكن لكل شيء ثمن، لافتة أنها ما كانت لتؤجر بهذا المبلغ لو لم يكن دخل زوجها محترم، يغطي مصاريف أخرى. وتختم سناء محمد أن كلفة المعيشة في النهاية حسب نمط الحياة الذي يريده المقيم، وهو نمط يتحدد بالدخل الشهري لكل واحد. وحتى بالنسبة إلى تطبيق الضريبة المضافة فتعتبرها أنها لا شيء مقارنة بالضرائب التي ندفعها بأمريكا.

ويعتقد أبو سائد أن أغلب الوافدين يعيشون على الضروريات في المعيشة، بل ما نراه من حياة الآسيويين من ذوي الدخل المحدود يحز في النفس، فهم يعيشون على الكفاف وعلى وجبة أو وجبتين لا يغنيان من جوع. ويضيف أنه عندما يتعلق الأمر براتب يتجاوز خمس مئة، وحين يرتبط الأمر بمحلات البقالة والمواد الغذائية، فإن تكاليف المعيشة في البحرين، نعم تأثرت في هذا الأمر قليلا بعد رفع الدعم عن اللحوم. ولكن يمكن في هذا الجانب أن يوفر الوافد على شرط شراء المنتجات التجارية العادية بدلاً من الماركات التجارية العالمية. فالمغترب الواحد قد ينفق ما بين 60 دينارا إلى 150 دينارا على شهريا، ينفقها في أكلات خفية من مطاعم شعبية وهي وجبة خفيفة وغير مكلفة فقط، دون بذخ وارتياد المطاعم والمقاهي الراقية ودون التبضع اليومي أو الأسبوعي من المجمعات الكبرى.

ويقدر الزاير كلفة الغذاء والطعام أن المبلغ يرتفع ثلاث أو مرات مرات مع الأسرة المغتربة بمعدل 300 إلى 400 دينار شهريا، في نمط معتدل، مكتفيا بالضرورات التي لاغنى عنها. وبعملية حسابية تكون الكلفة الإجمالية للسكن الشامل والغذاء قد استنزفت كل الراتب تقريبا. بينما يرى أبو سائد أن مسألة التغطية الصحية لا تمثل عبئا، لأنه موظف حكومي وهو معفى من هذا الجانب.

أما عن مصاريف النقل، فيعتبر محمود سالم وهو يمني مقيم بالبحرين وهو مشرف مطعم أن النقل العام جيد جيدًا حيث يعتبر الأفضل في البحرين خاصة بعد توفر أسطول من الحافلات المكيفة يغطي كامل مناطق البحرين ويربط بينها، وهذا خفف معاناة الوافدين الآسيويين؛ لأنهم هم الغالبية في هذا النقل. أما بالنسبة إلى النقل الخاص وهو مهم جدا للأسر الوافدة ولا مناص عنه، ولكنه مكلف، والكلفة تتحدد بمصاريف السيارة من جهة الصيانة والبترول والأقساط الشهرية إذا كانت السيارة بالتقسيط، أو بنظام التأجير الشهري وهذا قليل ويخص بعض الأجانب. لافتا أنه بعملية حسابية تتراوح كلفة النقل من 15 دينارا لأفراد النقل العام إلى 200 دينار في المتوسط الحسابي شهريا. دون اعتبار كلفة التنقل إلى البلد الأم، لأنه يكون في الغالب على حساب الكفيل. في حين أكد أنه يعاني من مصاريف التغطية الصحية، لأن عقد عمله لا يتضمن هذا الأمر. فيقول إنه مع أي حالة مرضية لأحد من أفراد أسرة يظل يعاني عجزا أو يقترض.

رسوم التعليم لا تبقي ولا تذر..

يرى محمود عاطف وهو أردني مقيم بالبحرين أن رسوم التعليم لا تبقي ولا تذر، فهي إلى جانب السكن تلهف ما بقي من الراتب، مؤكدا أن كلفة رياض الأطفال والمدارس والجامعات تمثل عبئًا ماليًا ثقيلًا على المعيشة في البحرين. فعلى سبيل المثال لدي الولد والبنت بالجامعة ومصاريفهم تتعدى خمسة آلاف دينار من أجل الرسوم الدراسية السنوية. فضلًا عن التكاليف الإضافية، لافتا أنه على سبيل المثال التسجيل والكتب المدرسية والأنشطة خارج الصف، ليست مدرجة في الرسوم المدرسية والجامعية التي يتم حسابها وفقاً لساعات المُقرر في مجال التخصص الدراسي، وإذا لم يتم تحديد الساعات يتم تقدير الساعات وطلب المبلغ وفقاً لهذا التقدير، وبطبيعة الحال تختلف التكاليف بناءً على الجامعة المختارة وأيضاً الفرع الدراسي والساعات التي ستحتاجها لتجاوز فصل مُحدد. ومع ذلك، يمكن للرسوم أن تنخفض إذا كانت على حساب الشركات المشغلة أو كانت بالمدارس الحكومية.

وموقف عاطف أكدته سناء محمد، حيث اعتبرت أن الرسوم المدرسية رغم دخلها ودخل زوجها تلهف من الراتب مبلغا كبيرا، لافتة أن لها ولدان بجامعة خاصة، والآخر بأمريكا.

أما محمود سالم فله موقف آخر، يقول: لي أربعة أبناء، أول ما سمعت مقترح الرسوم المدرسية على أبنائنا بالمدارس الحكومية فكرت مباشرة في إرجاعهم إلى مصر، لكن الحمد لله تم رفض القانون.

وتقول أم فيصل وهي أردنية مقيمة صحبة عائلتها إن الرسوم تؤثر عليها في مناحي الحياة كافة، وستضطر إلى عدم إلحاق ابنها بالحضانة في العام الدراسي المقبل، وستلجأ إلى تعليمه في المنزل بدلا عن ذلك، لأن دخل زوجها لا يكفي، بالكاد يغطي الإيجار والكهرباء والماء والمصاريف اليومية. وتضيف قائلة: "عن الأقل ما كنت سأوفره من مدخرات من أجل تعليم ابني في مرحلة التمهيدي سوف أدفعه للرسوم في المرحلة اللاحقة".

ويؤكد وليد أن الراتب قبل سنوات كان جيدًا يغطي المصروفات، حيث يمكنك تأمين المعيشة المناسبة وتوفير بعض المال مقابل الغربة، لكن كل شيء تغير".

التفكير في العودة

هذه الأوضاع التي تعيشها العمالة الوافدة في المملكة دفعت البعض إلى التفكير في العودة إلى أوطانهم. يرى محمود عاطف أن أمر التفكير في العودة مطروح، لكنه مؤجل إلى إنهاء إفادته، وتخرج أبنائه من الجامعة. وبعد ذلك لكل حدث حديث. لكن قيس عبيدات، فكر وقرر ونفذ، كما يقول، فقد أعاد أسرته إلى الأردن وبقي إلى انتهاء عقد عمله، لأنه كما ذكر لم يقدر على كلفة المصروفات التي تنزل من حدب وصوب.

وتقول أم فيصل إن الشركة التي يعمل بها زوجها تتراجع أرباحها في ظل التحديات التي تعيشها ، وهي حاليا تفكر في العودة إلى الأردن، ربما تغادر هي وأولادها بينما يبقى زوجها وحده، لتخفيض تكاليف المعيشة، لكنها تشير أيضا إلى أنه ربما قد يغادر المملكة نهائيا إلى وجهة أخرى.

ويذكر حسين العبيدي أنه اضطر من سنتين إلى تسفير زوجته وابنيه إلى تونس، ليلتحق هو بهما خلال سنة أو سنتين أخريين، على أمل أن يكون في سكن مشترك مع أحد زملائه، ليوفر بعض المال الذي يوفر منه شيئا في خمس سنوات بالبحرين.

تلك حكايات غلاء المعيشة وجع في قلوب المقيمين، وغول يفترس أحلامهم، وقديما قيل لأعرابي: أما ترى غلا المعيشة، قال: إن الذي يرزقنا في الرخص يرزقنا في الغلاء.

وقال الشاعر: قفـا نبك من ذكرى الغلاء المشعلل فلست أراه عـن قريب سينجلي.