د. فهد حسين
حين الحديث عن الآخر فمن المؤكد نذهب مباشرة إلى غير العربي أولاً، ثم الاتجاه يكون إلى أوروبا وأمريكا، تلك الأمكنة الجغرافية التي عادة ما ينظر إليها عندما يتم الحديث حول العلاقة الحضارية والثقافية والأدبية الحديثة.
ولكن أي مكان هذا بأوروبا الذي نعنيه نحن العرب عامة ومنطقة الخليج بالتحديد، هل فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا التي لها اتصالات قديمة مع العالم العربي تمظهرت أكثر في الاتفاقيات والسيطرة على الدول العربية عبر استعارها؟ أم هناك دول أوروبية أخرى غيرها ذات أهمية حضارية ومكانة ثقافية، وبخاصة أن السؤال المطروح ليس على الصعيد الثقافي والتعامل مع الآخر، بل على كل الصعد.
ولكن على الصعيد الثقافي، فكثيراً ما نربط أو نحاول الربط تجاه العلاقة الثقافية وأوروبا بوصفهما الآخر تجاه الدول العربية، لذلك يعاد السؤال مرة أخرى "عن أي أوروبا نتحدث؟ وإلى أي ثقافة؟ هل الست دول أم التسع أم الاثني عشر أم الخمس عشرة؟ هل نتحدث عن الاتحاد الأوروبي أم المجلس الأوربي أم مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا " [1]، وأي علاقة كانت مع هذا الآخر فهي بالتأكيد علاقة برزت منذ الزمن القديم، وتمظهرت بشكل واضح في ازدهار العالم العربي والإسلامي في ظل الدول التي تعاقبت بعد الخلفاء الراشدين.
وكما هو معروف دور الخليفة هارون الرشيد ثم الخليفة المأمون في استقطاب العلماء والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث كانت بيت الحكمة منارة ثقافية وعلمية في الدولة العباسية آنذاك، ثم توالت العلاقة مع الآخر والتواصل معه ثقافياً وحضارياً على الرغم من المنازعات والحروب بين العرب والمسلمين من جهة والدول غير المسلمة من جهة ثانية.
وهذه إشكالية تكشفت بوضوح في نظرة الغرب للعالم الثالث عامة، فمع "التوسع الأوروبي جغرافياً أخذ مفهوم الحضارة ينتشر عالمياً، ويقضي على التنظيمات الاجتماعية القائمة بمفاهيمها كالصين، المكسيك والعالم الإسلامي، وباتت الحضارة علامة مسجلة على أوروبا المسيحية، وأصبحت المقارنة بينها وبين غيرها على أساس مجموعة من المفاهيم المفروضة إجبارياً من ناحية، ومن خلال تبرير غرس وتكريس الحضارة الأوروبية في بقية العالم من ناحية أخرى [2].
ولكن حينما حطت الحملة الفرنسية رحالها على الأرض العربية حدث الانبهار بما جاءت به من عصر متطور في الحياة العامة والخاصة، وفي طرائق السلوك الإنساني الاجتماعي، وفي البعد الثقافي والتعليمي، لذلك كان السؤال يتردد بين الحين والآخر على الإنسان العربي حول سر تقدم هؤلاء الأجانب وتخلفنا نحن العرب عنه في ركب الثقافية والتطور.
وأعتقد أن رواد النهضة العربية وقتذاك فكروا في الحراك الثقافي العربي انطلاقاً من الاندهاش والاستغراب الذي رأوه في العالم الغربي، وما مقولة رفاعة رافع الطهطاوي حينما زار فرنسا إلا تأكيد على ما نذهب إليه.
ولكن السؤال بقي دون إجابة، ويبدو لعدم انشغال العرب أنفسهم بالإجابة عن السؤال نفسه، وبدلاً من التفكير في المفارقة هذه، ذهب العرب إلى التاريخ والماضي من أجل استحضاره والتعايش معه بقناعة تامة على أنه السبيل الوحيد الذي سينهض بالأمة العربية ومواكبة التطور في العالم.
وعبر هذا التوهم والاعتقاد عاش العرب بعيدين عن مسايرة ما يحدث في العالم من تحديث للمجتمعات على مستويات مختلفة، حتى استفاق العرب أنفسهم من نومهم وتوهمهم ليصلوا بحالتهم إلى حل اعتقدوا بأهميته منذ ذلك حتى يومنا هذا، ويتمثل في أخذ ما يناسبهم من ثقافة الآخر وفق حضارتنا وتراثنا وثقافتنا وقيمنا الروحية، متوهمين مرة أخرى بأننا بهذا الأخذ نستطيع أن نخرج من عزلتنـا الثقافية والعلميـة دون أن نفكر ملياً أننـا نؤكد على ثقافة استهلاكية لا ثقافة إنتاجية.
حيث "ثقافة الاستهلاك وشهوته تنطوي على أن الاغتراب هو (هم) أولئك الذين يهيمنون على القوة الاقتصاديـة أيمانًا منهم بأن المعانـاة الروحية والإحساس بالغربـة عن الذات هـي التي تدفع الناس إلى فهـم الشراء للسلـع والخدمات على نحو لا حدود له، اعتقاداً منهم أن ذلك يخفف من عناء الاغتراب الذي يكابدونه "[3].
وعبر التواصل مع الغرب وتعدد النظرة لنا نحن الغرب، برزت مقولة يرددها الكثير عربًا وغير عرب، مفادها: "أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يعملون"، وهذه إهانة إلى العقل العربي الذي استطاع أن يصوغ حضارته، ويتصل بالعالم الغربي، وفلسفة اليونان التي كانت آنذاك مرفوضة في أوروبا، فبعد ترجمتها إلى اللغة العربية يتلقفها الغرب من هذه الترجمات، كما أخذو من منابع الحضارة العربية والإسلامية فكرًا وفلسفة وعلمًا، أي أخذوا ما أنتجته عقول كل من ابن رشد، الفارابي، الخوارزمي، ابن سينا، ابن خلدون، ابن عربي، وغيرهم من الكتاب والشعراء والسراد حتى يومنا هذا الذي انتشرت فيه ظاهرة الاتصال المباشر بالعقول المختلفة والمنجز الإنسان المتعدد.
إن المثقفين حينما قاموا في ستينيات القرن الماضي لترميم ذاكرة الإنسان العربي، والعمل على خروجه من بوتقة الحزن، كانوا يدركـون جـل الإدراك دورهم التنويري والتعبوي في دراسة حالة المجتمع وفهمه.
وهنـا لا بد من التساؤل فيما إذا كان لا يزال في عالمنا العربي من ينظّر لتحـولات المجتمع وتقلباته وحراكه، ويقدم الرؤى التي تعالجه وتقيه من مخاطر هذا التشرذم؟ هل تحاول المعارضة في العالم العربي الداعية إلى العمل من أجل الإنسان العربي النسج الحقيقي البعيد عن الذاتية والفئوية والحزبية مع السلطات الحاكمة والمسؤولة، لبناء مشروعنـا العربي؛ لنواجه به التحديات المختلفة التي تقف بالمرصاد تجاه واقعنـا ومقدراتنا؟ أنضع ما يفعله الشباب الذين حملوا للتو القلم، ليسجلوا انطباعاتهـم المختلفة تجاه ما يحدث محل تقدير ودراسة من قبل العديد من فئات المجتمع؟ هل نترك الشباب الذي بدأ يفقد الطموحات والأحلام والآمال، نهبًا لليأس والحسرة وسواها من المشاعر التي تنخر في ذاته؟
وفي خضم كل هذا، نسأل ما دور الذات العربية في ما تستمع له، وتتحاور فيه؟ ألسنا بحاجة إلى نقل أفكارنا للآخرين؟ والوقوف على الطرائق والأساليب التي نتمكن من خلالها عكس ثقافتنا مؤكدين أن الثقافة العربية قادرة على التفاعل والتعايش والتواصل مع أية حضارة أو ثقافة، وبوصفها ثقافة متميزة من ثقافة الغرب الذي لا يرى إلا ما يريده هو فعلاً، ويرغب فيه، وهو ما يجعل العقل الغربي يقوم على تفوقه كعرق وكثقافة وكحضارة([4]).
إن التطرف ونبذ الآخر ليست حلولًا ناجعة في تواصل المجتمعات فيما بينها، وإلغاء الحواجز التي شيدها الاستعمار، وإنما هي سبيل إلى تعميق الفجوات وبناء المتاريس ورسم المنزلقات الثقافية والفكرية والحضارية.
وهنا علينا أن نفرق في معنى الآخر ضمن السياق الثقافي، فلا نحصر المفهوم في محيطه المكاني كأن نقول الغرب ويقابله الغرب، ولا في سياقات دينية، كأن نقول المسيحي يقابله المسلم أو اليهودي، أو يقابله معتنق الدين الوضعي كالهندوسية أو البوذية، ولا في دائرة العصور، إذ كيف ننادي بالمساواة والحرية وحقوق الإنسان، ونحن لا نقبل العيش في هذه المجتمعات إلا وفق أنماط سلوكنا المحنط وتفكيرنا الإقصائي؟!
والآخر ذلك الذي يحمل الحضارة والثقافة ويتمثلهما بعلم ومعرفة وثورة معلوماتية، ليني جسورًا معرفية تتمظهر في التعايش والانسجام، واستفادة "الأنا" أو "النحن" من جل ما لدى الآخر وهو ناقص لدينا، فالآخر هو الحضارة والمدنية والحداثة، وما تحمله من قوانين وتشريعات ومبادئ تسهم في تطوير المجتمع وتحديثه باستمرار، وهذا ما دعا إليه الأنصاري بقوله: "هناك الثقافة الإنتاجية التي تدعو الإنسان إلى التفكير، وتزرع فيه التفاؤل، وروح الجد، وتفتح أمامه آفاق الكشف والاختراع والعطاء والإبداع، أما الوقوف عن الثقافة الاستهلاكية فإنها تخدره بالكسل والمتعة وتقتل روح التساؤل والتفكير، وتحوله إلى عنصر سلبي "[5]، بل علينا إذا أردنا أن نعبر عما نريده من آراء وأفكار وتطلعات التطلع إلى ما هو موجود عن الآخر، وكيف تعامل معه وأبرزه فيما بعد.
لقد ربطت العولمة بين كل العلوم والثقافة، وثورة المعلومات المختلفة عبر حالة اتصالية عابرة للحدود الجغرافية والمكانية والزمانية، فهي محاولة مهمة في عالم اليوم شئنا أم أبينا لربط دول العالم ومناطقه وأجزائه ومنظوماته المختلفة بنظام عالمي كوني خرج من سيطرة الحدود الزمانية والمكانية والقومية والدينية والوطنية.
لهذا فالعولمة حركة دائمة التجديد والتواصل وبناء العلاقات للتبادل والتفاعل، لذلك تسهم العولمة في أبعادها الثقافية والاجتماعية الافتراضية سهولة تدفق المعلومات من خلال ثقافة الصورة، وثقافة الكلمة في إطار من قيم صنعتها العولمة نفسها، مثل تحول مفهوم تسويق الثقافة، والسياحة الثقافية، والاستثمار في الثقافة، وأهمية الثقافة في عرض السلع والمنتوجات.
من هنا لابد أن تكون كتاباتنا تأكيدًا على المعايشة مع كل الثقافات الأخرى في المجتمع الإنساني، والتحاور معها بكل أريحية وشفافية، وتوظيف الشبكة العنكبوتية توظيفًا يحقق المزيد من التنوع الثقافي والتجانس بين البشر في المجتمعات المختلفة والمتعددة، وفي الوقت نفسه، علينا أن نلزم أنفسنا بالأخذ في كتابة الأعمال الإبداعية والنقدية والدراسات المختلفة، الدقة والنهج الذي يضيء الحياة، وليس النهج الذي يزيد من المحنة واتساع الفجوة بين العرب والآخر.
وعلى الرغم من الدعوات والنظريات القائلة بصدام الحضارات والثقافات، وأنه لا يمكن أن نجد تواصلاً فيما بين هذه الحضارات أو هذه الثقافات، بحكم الاختلاف في التكوين والتاريخ والتطلعات، وبحكم التباين في الإمكانات والتحديات وغيرها، وأن العولمة هي التي ينبغي أن تتسيد وتكون صاحبة السطوة في العالم، على كل مقدرات الإنسان والمكان والزمان، بدءاً بالاقتصاد وانتهاءً بالعلاقات الاجتماعية التي تحجمت في مظاهر تقوقع الإنسان حول الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي.
وهناك من ينادي بحوار الحضارات والتعايش مع الثقافات، ولنا في تاريخنا في شواهد دالة على التفاعل والمثاقفة بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى كما أسلفنا.
ففي ضوء هذا التعايش والتواصل استطاعت الحضارة العربية أن تكون بارزة كعلامة فارقة بين الحضارات الأخرى، إبان الخلافة العباسية، وانتشار العلوم والفلسفة والتصوف وعلوم الرياضيات والكيمياء والأدب شعرًا ونثرًا، وهذا يعني أنه كلما كانت حضارة الأمة قوية استطاعت أن تبسط ثقافتها جغرافيًا عبر الزمان والمكان.
إن المتابع الحصيف لا يمكن له أن يتغافل عما للشعوب من ثقافات متنوعة ومتعددة، كما لا يمكن للتاريخ أن يتجاهله، فهـذا جزء من هويتهـا التي تسعى من خلالها إلى الحـوار مع الآخـر، وهذا ما يحاول الكثير القيام به، من خلال الفنون والآداب والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث " الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد للقيم والعقائد والاتجاهات والممارسات، والمؤسسات المشتركة للشعوب في جميع أنحاء العالم ([6]. بل لابد من التفكير مليًا في كيفية تسويق الثقافة. ففي الوقت الذي نطالب التجار والاقتصاديين تسويق منتوجاتنا من السلع الغذائية والكمالية والاستهلاكية، فلماذا لا نسوق منتوجنا الإنساني المنبثق من المنجز الثقافي والأدبي؟ أليس هناك الآن ما نسميه بالثقافة السياحية؟.
وما دامت الثقافة منظومة رمزية، تعبر عنها الأفكار والقيم التي هي عناصر مشتركة بين جميع الشعوب من دون استثناء، فلا ينبغي أن توضع حواجز الأعراق أو الأديان أو الألوان أو المناطقية أو الجنسانية أو اللغات أو أي شيء آخر تجاه الثقافة، لأن الثقافة هي نظام إنساني وكوني، حيث "الهوية الثقافية هي أكثر الأشياء التي لها معنى عن أغلب البشر، وإن الشعوب تكتشف هويات جديدة لكنها غالبًا ما تكون قديمة ... "[7]. وهذا يعني أن العلوم الإنسانية عامة، والأدبية بخاصة، قادرة على فعل هذا الدور، كالشعر والمسرح والسينما والرواية والقصة والحكاية والدراما والفن التشكيلي والفوتوغرافي، والدراسات الاجتماعية والانثربولوجية وغيرها.
إن طبيعة المجتمعات الغربية وأسبقية التطور الذي طرأ عليها في مسيرتها التاريخية جعل الأنا العربية تعيش المفارقة الثقافية والاجتماعية تجاه الآخر، فالرجل العربي صدم حينما حصل على فرصة السفر للدراسة في المجتمع الغربي، ودهش من ممارسات وسلوكيات كانت تمارس في الغرب، يؤكد عليها ديننا الحنيف.
وقد بيّن ذلك رفاعة رافع الطهطاوي حينما ذهب إلى فرنسا فقال: وجدت إسلامًا من دون مسلمين، وهنا في مصر (والمقصود العالم العربي والإسلامي)، وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام، مما يعني وعي الفرد بمسؤوليته الاجتماعية وفق قواعد التعايش الاجتماعي والروحي وضمان حقوقه. وما لا يكاد يراه الفرد العربي في بلاده، على الرغم من التشريعات والنظم والقوانين الإسلامية الداعية لذلك.
وهنا نجد أنفسنا أمام أسئلة تتصل بما نمارسه في حياتنا وتعاملاتنا اليومية التي تقترب في أشكالها من الكذب حينًا والنفاق حينًا آخر، والطعن في الآخرين حينًا ثالثًا، والمراوغة أحيانًا.
وفي الوقت نفسه فإن هذا لا يعني أن الغرب منزه من هذه الممارسات، إلا أننا لابد من أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة لنعرف موقعنا أمام الآخر، فهل - نحن العرب- مشغولون بالقراءة؟ وهل الاطلاع عادة لدينا أم هو فعل تسلية؟ هل نحاول جعل القراءة سبيل وعينا تجاه مجتمعنا ومجتمعات الآخرين؟ هل نشجع على الكتابة؟ هل نحفز الكاتب وندعمه؟ هل نقف مع الفنان صاحب الموقف الإنساني ونعاضده ليستمر في طريق عمله الفني، أيًا كان نوعه؟ هل تقوم المؤسسات الحكومية والأهلية ذات الشأن الثقافي بدورها الفعلي تجاه المبدع والمجتمع؟ أين دور الترجمة في نشر ثقافتنا العربية؟ أين دور المراكز الثقافية والملحقيات في دول العالم، وما تقوم به من عمل يسهم في تقديم الصورة المثلى لمشهدنا الثقافي والحضاري العربيين؟ وكيف تبنى تكشف الفوارق والتباعد بين التشريعات الإسلامية والجماعات المتطرفة، وغيرها من الأسئلة التي باتت ملحة في يومنا هذا من أجل تصحيح ما أخذ عنا من نظرة تسيء لنا جميعًا نحن العرب والمسلمين.
[1] - جامعة كل المعارف، ما الثقافة؟، ص138.
[2] - فريدريك جيمسون وما ساوميوشي، تقافات العولمة، ص44.
[3] - أرثر أيزابرجر، النقد الثقافي – تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة، ص97.
[4]- انظر: عيسى عودة برهومة، تمثلات اللغة في الخطاب السياسي، ص151.
[5] - محمد جابر الأنصاري، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، ص253.
[6] - صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ص127.
[7]- صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ص70.
{{ article.visit_count }}
حين الحديث عن الآخر فمن المؤكد نذهب مباشرة إلى غير العربي أولاً، ثم الاتجاه يكون إلى أوروبا وأمريكا، تلك الأمكنة الجغرافية التي عادة ما ينظر إليها عندما يتم الحديث حول العلاقة الحضارية والثقافية والأدبية الحديثة.
ولكن أي مكان هذا بأوروبا الذي نعنيه نحن العرب عامة ومنطقة الخليج بالتحديد، هل فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا أو إيطاليا أو إسبانيا التي لها اتصالات قديمة مع العالم العربي تمظهرت أكثر في الاتفاقيات والسيطرة على الدول العربية عبر استعارها؟ أم هناك دول أوروبية أخرى غيرها ذات أهمية حضارية ومكانة ثقافية، وبخاصة أن السؤال المطروح ليس على الصعيد الثقافي والتعامل مع الآخر، بل على كل الصعد.
ولكن على الصعيد الثقافي، فكثيراً ما نربط أو نحاول الربط تجاه العلاقة الثقافية وأوروبا بوصفهما الآخر تجاه الدول العربية، لذلك يعاد السؤال مرة أخرى "عن أي أوروبا نتحدث؟ وإلى أي ثقافة؟ هل الست دول أم التسع أم الاثني عشر أم الخمس عشرة؟ هل نتحدث عن الاتحاد الأوروبي أم المجلس الأوربي أم مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا " [1]، وأي علاقة كانت مع هذا الآخر فهي بالتأكيد علاقة برزت منذ الزمن القديم، وتمظهرت بشكل واضح في ازدهار العالم العربي والإسلامي في ظل الدول التي تعاقبت بعد الخلفاء الراشدين.
وكما هو معروف دور الخليفة هارون الرشيد ثم الخليفة المأمون في استقطاب العلماء والشعراء والمهتمين بالشأن الثقافي، حيث كانت بيت الحكمة منارة ثقافية وعلمية في الدولة العباسية آنذاك، ثم توالت العلاقة مع الآخر والتواصل معه ثقافياً وحضارياً على الرغم من المنازعات والحروب بين العرب والمسلمين من جهة والدول غير المسلمة من جهة ثانية.
وهذه إشكالية تكشفت بوضوح في نظرة الغرب للعالم الثالث عامة، فمع "التوسع الأوروبي جغرافياً أخذ مفهوم الحضارة ينتشر عالمياً، ويقضي على التنظيمات الاجتماعية القائمة بمفاهيمها كالصين، المكسيك والعالم الإسلامي، وباتت الحضارة علامة مسجلة على أوروبا المسيحية، وأصبحت المقارنة بينها وبين غيرها على أساس مجموعة من المفاهيم المفروضة إجبارياً من ناحية، ومن خلال تبرير غرس وتكريس الحضارة الأوروبية في بقية العالم من ناحية أخرى [2].
ولكن حينما حطت الحملة الفرنسية رحالها على الأرض العربية حدث الانبهار بما جاءت به من عصر متطور في الحياة العامة والخاصة، وفي طرائق السلوك الإنساني الاجتماعي، وفي البعد الثقافي والتعليمي، لذلك كان السؤال يتردد بين الحين والآخر على الإنسان العربي حول سر تقدم هؤلاء الأجانب وتخلفنا نحن العرب عنه في ركب الثقافية والتطور.
وأعتقد أن رواد النهضة العربية وقتذاك فكروا في الحراك الثقافي العربي انطلاقاً من الاندهاش والاستغراب الذي رأوه في العالم الغربي، وما مقولة رفاعة رافع الطهطاوي حينما زار فرنسا إلا تأكيد على ما نذهب إليه.
ولكن السؤال بقي دون إجابة، ويبدو لعدم انشغال العرب أنفسهم بالإجابة عن السؤال نفسه، وبدلاً من التفكير في المفارقة هذه، ذهب العرب إلى التاريخ والماضي من أجل استحضاره والتعايش معه بقناعة تامة على أنه السبيل الوحيد الذي سينهض بالأمة العربية ومواكبة التطور في العالم.
وعبر هذا التوهم والاعتقاد عاش العرب بعيدين عن مسايرة ما يحدث في العالم من تحديث للمجتمعات على مستويات مختلفة، حتى استفاق العرب أنفسهم من نومهم وتوهمهم ليصلوا بحالتهم إلى حل اعتقدوا بأهميته منذ ذلك حتى يومنا هذا، ويتمثل في أخذ ما يناسبهم من ثقافة الآخر وفق حضارتنا وتراثنا وثقافتنا وقيمنا الروحية، متوهمين مرة أخرى بأننا بهذا الأخذ نستطيع أن نخرج من عزلتنـا الثقافية والعلميـة دون أن نفكر ملياً أننـا نؤكد على ثقافة استهلاكية لا ثقافة إنتاجية.
حيث "ثقافة الاستهلاك وشهوته تنطوي على أن الاغتراب هو (هم) أولئك الذين يهيمنون على القوة الاقتصاديـة أيمانًا منهم بأن المعانـاة الروحية والإحساس بالغربـة عن الذات هـي التي تدفع الناس إلى فهـم الشراء للسلـع والخدمات على نحو لا حدود له، اعتقاداً منهم أن ذلك يخفف من عناء الاغتراب الذي يكابدونه "[3].
وعبر التواصل مع الغرب وتعدد النظرة لنا نحن الغرب، برزت مقولة يرددها الكثير عربًا وغير عرب، مفادها: "أن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن فهموا لا يعملون"، وهذه إهانة إلى العقل العربي الذي استطاع أن يصوغ حضارته، ويتصل بالعالم الغربي، وفلسفة اليونان التي كانت آنذاك مرفوضة في أوروبا، فبعد ترجمتها إلى اللغة العربية يتلقفها الغرب من هذه الترجمات، كما أخذو من منابع الحضارة العربية والإسلامية فكرًا وفلسفة وعلمًا، أي أخذوا ما أنتجته عقول كل من ابن رشد، الفارابي، الخوارزمي، ابن سينا، ابن خلدون، ابن عربي، وغيرهم من الكتاب والشعراء والسراد حتى يومنا هذا الذي انتشرت فيه ظاهرة الاتصال المباشر بالعقول المختلفة والمنجز الإنسان المتعدد.
إن المثقفين حينما قاموا في ستينيات القرن الماضي لترميم ذاكرة الإنسان العربي، والعمل على خروجه من بوتقة الحزن، كانوا يدركـون جـل الإدراك دورهم التنويري والتعبوي في دراسة حالة المجتمع وفهمه.
وهنـا لا بد من التساؤل فيما إذا كان لا يزال في عالمنا العربي من ينظّر لتحـولات المجتمع وتقلباته وحراكه، ويقدم الرؤى التي تعالجه وتقيه من مخاطر هذا التشرذم؟ هل تحاول المعارضة في العالم العربي الداعية إلى العمل من أجل الإنسان العربي النسج الحقيقي البعيد عن الذاتية والفئوية والحزبية مع السلطات الحاكمة والمسؤولة، لبناء مشروعنـا العربي؛ لنواجه به التحديات المختلفة التي تقف بالمرصاد تجاه واقعنـا ومقدراتنا؟ أنضع ما يفعله الشباب الذين حملوا للتو القلم، ليسجلوا انطباعاتهـم المختلفة تجاه ما يحدث محل تقدير ودراسة من قبل العديد من فئات المجتمع؟ هل نترك الشباب الذي بدأ يفقد الطموحات والأحلام والآمال، نهبًا لليأس والحسرة وسواها من المشاعر التي تنخر في ذاته؟
وفي خضم كل هذا، نسأل ما دور الذات العربية في ما تستمع له، وتتحاور فيه؟ ألسنا بحاجة إلى نقل أفكارنا للآخرين؟ والوقوف على الطرائق والأساليب التي نتمكن من خلالها عكس ثقافتنا مؤكدين أن الثقافة العربية قادرة على التفاعل والتعايش والتواصل مع أية حضارة أو ثقافة، وبوصفها ثقافة متميزة من ثقافة الغرب الذي لا يرى إلا ما يريده هو فعلاً، ويرغب فيه، وهو ما يجعل العقل الغربي يقوم على تفوقه كعرق وكثقافة وكحضارة([4]).
إن التطرف ونبذ الآخر ليست حلولًا ناجعة في تواصل المجتمعات فيما بينها، وإلغاء الحواجز التي شيدها الاستعمار، وإنما هي سبيل إلى تعميق الفجوات وبناء المتاريس ورسم المنزلقات الثقافية والفكرية والحضارية.
وهنا علينا أن نفرق في معنى الآخر ضمن السياق الثقافي، فلا نحصر المفهوم في محيطه المكاني كأن نقول الغرب ويقابله الغرب، ولا في سياقات دينية، كأن نقول المسيحي يقابله المسلم أو اليهودي، أو يقابله معتنق الدين الوضعي كالهندوسية أو البوذية، ولا في دائرة العصور، إذ كيف ننادي بالمساواة والحرية وحقوق الإنسان، ونحن لا نقبل العيش في هذه المجتمعات إلا وفق أنماط سلوكنا المحنط وتفكيرنا الإقصائي؟!
والآخر ذلك الذي يحمل الحضارة والثقافة ويتمثلهما بعلم ومعرفة وثورة معلوماتية، ليني جسورًا معرفية تتمظهر في التعايش والانسجام، واستفادة "الأنا" أو "النحن" من جل ما لدى الآخر وهو ناقص لدينا، فالآخر هو الحضارة والمدنية والحداثة، وما تحمله من قوانين وتشريعات ومبادئ تسهم في تطوير المجتمع وتحديثه باستمرار، وهذا ما دعا إليه الأنصاري بقوله: "هناك الثقافة الإنتاجية التي تدعو الإنسان إلى التفكير، وتزرع فيه التفاؤل، وروح الجد، وتفتح أمامه آفاق الكشف والاختراع والعطاء والإبداع، أما الوقوف عن الثقافة الاستهلاكية فإنها تخدره بالكسل والمتعة وتقتل روح التساؤل والتفكير، وتحوله إلى عنصر سلبي "[5]، بل علينا إذا أردنا أن نعبر عما نريده من آراء وأفكار وتطلعات التطلع إلى ما هو موجود عن الآخر، وكيف تعامل معه وأبرزه فيما بعد.
لقد ربطت العولمة بين كل العلوم والثقافة، وثورة المعلومات المختلفة عبر حالة اتصالية عابرة للحدود الجغرافية والمكانية والزمانية، فهي محاولة مهمة في عالم اليوم شئنا أم أبينا لربط دول العالم ومناطقه وأجزائه ومنظوماته المختلفة بنظام عالمي كوني خرج من سيطرة الحدود الزمانية والمكانية والقومية والدينية والوطنية.
لهذا فالعولمة حركة دائمة التجديد والتواصل وبناء العلاقات للتبادل والتفاعل، لذلك تسهم العولمة في أبعادها الثقافية والاجتماعية الافتراضية سهولة تدفق المعلومات من خلال ثقافة الصورة، وثقافة الكلمة في إطار من قيم صنعتها العولمة نفسها، مثل تحول مفهوم تسويق الثقافة، والسياحة الثقافية، والاستثمار في الثقافة، وأهمية الثقافة في عرض السلع والمنتوجات.
من هنا لابد أن تكون كتاباتنا تأكيدًا على المعايشة مع كل الثقافات الأخرى في المجتمع الإنساني، والتحاور معها بكل أريحية وشفافية، وتوظيف الشبكة العنكبوتية توظيفًا يحقق المزيد من التنوع الثقافي والتجانس بين البشر في المجتمعات المختلفة والمتعددة، وفي الوقت نفسه، علينا أن نلزم أنفسنا بالأخذ في كتابة الأعمال الإبداعية والنقدية والدراسات المختلفة، الدقة والنهج الذي يضيء الحياة، وليس النهج الذي يزيد من المحنة واتساع الفجوة بين العرب والآخر.
وعلى الرغم من الدعوات والنظريات القائلة بصدام الحضارات والثقافات، وأنه لا يمكن أن نجد تواصلاً فيما بين هذه الحضارات أو هذه الثقافات، بحكم الاختلاف في التكوين والتاريخ والتطلعات، وبحكم التباين في الإمكانات والتحديات وغيرها، وأن العولمة هي التي ينبغي أن تتسيد وتكون صاحبة السطوة في العالم، على كل مقدرات الإنسان والمكان والزمان، بدءاً بالاقتصاد وانتهاءً بالعلاقات الاجتماعية التي تحجمت في مظاهر تقوقع الإنسان حول الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي الافتراضي.
وهناك من ينادي بحوار الحضارات والتعايش مع الثقافات، ولنا في تاريخنا في شواهد دالة على التفاعل والمثاقفة بين الحضارة العربية والحضارات الأخرى كما أسلفنا.
ففي ضوء هذا التعايش والتواصل استطاعت الحضارة العربية أن تكون بارزة كعلامة فارقة بين الحضارات الأخرى، إبان الخلافة العباسية، وانتشار العلوم والفلسفة والتصوف وعلوم الرياضيات والكيمياء والأدب شعرًا ونثرًا، وهذا يعني أنه كلما كانت حضارة الأمة قوية استطاعت أن تبسط ثقافتها جغرافيًا عبر الزمان والمكان.
إن المتابع الحصيف لا يمكن له أن يتغافل عما للشعوب من ثقافات متنوعة ومتعددة، كما لا يمكن للتاريخ أن يتجاهله، فهـذا جزء من هويتهـا التي تسعى من خلالها إلى الحـوار مع الآخـر، وهذا ما يحاول الكثير القيام به، من خلال الفنون والآداب والعلوم الإنسانية المختلفة، حيث " الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد للقيم والعقائد والاتجاهات والممارسات، والمؤسسات المشتركة للشعوب في جميع أنحاء العالم ([6]. بل لابد من التفكير مليًا في كيفية تسويق الثقافة. ففي الوقت الذي نطالب التجار والاقتصاديين تسويق منتوجاتنا من السلع الغذائية والكمالية والاستهلاكية، فلماذا لا نسوق منتوجنا الإنساني المنبثق من المنجز الثقافي والأدبي؟ أليس هناك الآن ما نسميه بالثقافة السياحية؟.
وما دامت الثقافة منظومة رمزية، تعبر عنها الأفكار والقيم التي هي عناصر مشتركة بين جميع الشعوب من دون استثناء، فلا ينبغي أن توضع حواجز الأعراق أو الأديان أو الألوان أو المناطقية أو الجنسانية أو اللغات أو أي شيء آخر تجاه الثقافة، لأن الثقافة هي نظام إنساني وكوني، حيث "الهوية الثقافية هي أكثر الأشياء التي لها معنى عن أغلب البشر، وإن الشعوب تكتشف هويات جديدة لكنها غالبًا ما تكون قديمة ... "[7]. وهذا يعني أن العلوم الإنسانية عامة، والأدبية بخاصة، قادرة على فعل هذا الدور، كالشعر والمسرح والسينما والرواية والقصة والحكاية والدراما والفن التشكيلي والفوتوغرافي، والدراسات الاجتماعية والانثربولوجية وغيرها.
إن طبيعة المجتمعات الغربية وأسبقية التطور الذي طرأ عليها في مسيرتها التاريخية جعل الأنا العربية تعيش المفارقة الثقافية والاجتماعية تجاه الآخر، فالرجل العربي صدم حينما حصل على فرصة السفر للدراسة في المجتمع الغربي، ودهش من ممارسات وسلوكيات كانت تمارس في الغرب، يؤكد عليها ديننا الحنيف.
وقد بيّن ذلك رفاعة رافع الطهطاوي حينما ذهب إلى فرنسا فقال: وجدت إسلامًا من دون مسلمين، وهنا في مصر (والمقصود العالم العربي والإسلامي)، وجدت المسلمين ولم أجد الإسلام، مما يعني وعي الفرد بمسؤوليته الاجتماعية وفق قواعد التعايش الاجتماعي والروحي وضمان حقوقه. وما لا يكاد يراه الفرد العربي في بلاده، على الرغم من التشريعات والنظم والقوانين الإسلامية الداعية لذلك.
وهنا نجد أنفسنا أمام أسئلة تتصل بما نمارسه في حياتنا وتعاملاتنا اليومية التي تقترب في أشكالها من الكذب حينًا والنفاق حينًا آخر، والطعن في الآخرين حينًا ثالثًا، والمراوغة أحيانًا.
وفي الوقت نفسه فإن هذا لا يعني أن الغرب منزه من هذه الممارسات، إلا أننا لابد من أن نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة لنعرف موقعنا أمام الآخر، فهل - نحن العرب- مشغولون بالقراءة؟ وهل الاطلاع عادة لدينا أم هو فعل تسلية؟ هل نحاول جعل القراءة سبيل وعينا تجاه مجتمعنا ومجتمعات الآخرين؟ هل نشجع على الكتابة؟ هل نحفز الكاتب وندعمه؟ هل نقف مع الفنان صاحب الموقف الإنساني ونعاضده ليستمر في طريق عمله الفني، أيًا كان نوعه؟ هل تقوم المؤسسات الحكومية والأهلية ذات الشأن الثقافي بدورها الفعلي تجاه المبدع والمجتمع؟ أين دور الترجمة في نشر ثقافتنا العربية؟ أين دور المراكز الثقافية والملحقيات في دول العالم، وما تقوم به من عمل يسهم في تقديم الصورة المثلى لمشهدنا الثقافي والحضاري العربيين؟ وكيف تبنى تكشف الفوارق والتباعد بين التشريعات الإسلامية والجماعات المتطرفة، وغيرها من الأسئلة التي باتت ملحة في يومنا هذا من أجل تصحيح ما أخذ عنا من نظرة تسيء لنا جميعًا نحن العرب والمسلمين.
[1] - جامعة كل المعارف، ما الثقافة؟، ص138.
[2] - فريدريك جيمسون وما ساوميوشي، تقافات العولمة، ص44.
[3] - أرثر أيزابرجر، النقد الثقافي – تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسة، ص97.
[4]- انظر: عيسى عودة برهومة، تمثلات اللغة في الخطاب السياسي، ص151.
[5] - محمد جابر الأنصاري، تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، ص253.
[6] - صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ص127.
[7]- صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ص70.