عماد المختارتعتبر البيئة المدرسية منظومة متكاملة ومترابطة، يتم فيها إعداد أجيالٍ متعلمةٍ وقادرةٍ على الاعتماد على ذاتها، وتوجه المناخ المدرسي العام وتكيفه، ويتعدى دورها تحقيق الأهداف التعليمية، نحو تنمية جوانب فكرية ووجدانية وغرس قيم اجتماعية وصحية، وترسيخ المبادئ الإيجابية في النشء الصاعد من أبنائنا الطلبة، وتمكينهم من معارف شاملة وسلوكيات سليمة ومهارات نوعية، تجعل انفتاحهم على المجتمع يسيرا، وتعايشهم مع الآخرين بنّاءً، وتكسبهم روح المواطنة الحق.

ويؤكد الخبراء التربويون على قيمة البيئة المدرسية الجاذبة كعنصر قيِّم وأساسي من عناصر العملية التعلمية، مقابل البيئة الطاردة والمنفرة، ولذلك طالبوا بأن تكون الحاضنة الآمنة للطلبة والمعلمين، وتغدو مساعدة على الانخراط في العملية التعلمية، ومحفزة على الإبداع والتفكير، لتصبح قادرة على تنمية المواهب الطلابية وصقلها في مختلف المجالات العلمية والفنية والرياضية."الوطن" حرصت على رصد أهم آراء "المجتمع المدرسي" المعني مباشرة بالبيئة المدرسية وانعكاساتها على سير العملية التعليمية بدءًا من الطالب محور العملية، وانتهاء بالمعلم والهيئة الإدارية والمدرسية طرفاها الفاعلان والساهران عليها.البيئة الحاضنة والآمنةيشير الخبراء إلى ضرورة توفير بيئة مدرسية تؤمن الطالب جسديا ومجتمعيا، من حيث تأمين حياته من مخاطر البناء المدرسي والاعتداء الجسدي واللفظي، ومن حيث علاقاته مع زملائه ومعلميه والهيئة الإدارية، ومع الأشياء في محيطه المدرسي، بما يغرس قيما محمودة اجتماعيا وجماليا وأمنيا.وتؤكد وزارة التربية والتعليم بمملكة البحرين من خلال إصدارها لائحة الانضباط الطلابي لجميع المراحل الدراسية في المدارس الحكومية والخاصة، وخاصة قرار رقم (99/م ع ن/2017)، على ضبط البيئة المدرسية حتى تكون بيئة حاضنة وآمنة للجميع ومشجعة على التحصيل العلمي والتفاعل الثقافي والتضامن الاجتماعي.وأكد وزير التربية والتعليم د. ماجد النعيمي في مفتتح السنة الدراسية الجديدة على ضرورة إيلاء الأمن والسلامة المدرسية عناية مضاعفة لحماية المدرسة والطلبة والعاملين وتأمين البيئة الآمنة لهم.ويؤكد أبو حسين مدير مدرسة أن المدارس بهيئاتها الإدارية والتعليمية تعمل على توفير كافة سبل الحماية والأمان لطلابها في هذه البيئة في مختلف الأنشطة من أجل الحرص على إبقائهم سالمين، مؤكدا أنه لا تهاون في هذا الجانب ، ولا أعتقد أن أي مدرسة تتراخى في توفير الحماية الكافية واللازمة لكل طلابها طيلة الدوام، فهي تؤمن دخولهم وخروجهم معافين غانمين.ويقول الطالب زياد إبراهيم طالب ثالث إعدادي، المدرسة الجاذبة والآمنة، تغير مشاعرنا ومواقفنا نحن الطلاب، وتقوي رغبتنا في الحضور، فيكون حضورنا طوعيا بلا إكراه، نتسابق في دخولها؛ فهي عندنا للعلم والترفيه والتفاعل مع مختلف الجنسيات التي تضمها المدرسة، وخاصة في معرفة عاداتهم وتقاليدهم المختلفة عنا في البحرين. ويستذكر زياد مشروع "فسحتي ممتعة" للسنة السابقة بمدرسته، الذي يستهدف تفعيل كل المرافق المدرسية، وتتحول فيها المدرسة إلى نواد متنوعة رياضية، وعلمية وثقافية، وبمجؤرد ما تنتهي الفسحة يعود معظم الطلاب إلى صفوفهم بروح جديدة.ويرى محمد الطاهر ولي أمر ومربٍّ أن أسلوب الترهيب والتخويف الذي يمارسه بعض المعلمين ويُعتقد أنه ناجح، يسبب متاعب للطالب ويزيد من توتره، فيكره المدرسة ومن فيها. ويتصور أن البرامج الترفيهية والأنشطة اللاصفية من شأنها أن تقضي على الروتين المدرسي القاتل، وتمتص طاقات كامنة في الطلاب الحركيين النشطين، من دون أن تتحول المدارس إلى منصة للفعاليات اليومية، مستشهدا بنماذج ناجحة في العالم.وينظر الطالب عمرو أحمد ثالث إعدادي إلى أن البيئة المدرسية الآمنة هي تلك التي يسلم فيها الطالب من أذى غيره ماديا ومعنويا، ويشعر أنه يلقى الاحترام اللازم من زملائه ومعلميه، ويقول عمرو أنا أعتقد بضرورة الاهتمام المشترك بنظافة هذه البيئة، وعدم قصرها على عمال النظافة فحسب، بل نحن من يقوم بذلك من باب الحرص على أن تكون مدرستنا جميلة ونظيفة، وأيضا ليكون فضاء صحيا وتعليميا معا. ويضرب عمرو مثالا على ذلك في لاحظه في الأعوام السابقة من عناية بنظافة الصفوف والساحات من خلال الجداريات التوعوية واللوحات الإرشادية والحاويات في كل أركان المدرسة.. تحول إلى سلوك يومي طبيعي، هو جزء من حياتنا المدرسية، بفضل التعاون التام بين الزملاء والمعلمين والمدير، لخلق بيئة مدرسيّة مريحة وجادّة. ويتحفظ عمرو على ما يلاحظ من لعب خشن مؤذٍ وخطر، ومن إتلاف لبعض الأثاث المدرسي، وعبث بمحتويات المدرسة، وما يتناهى إلى مسامعه من تنمّر ونابس وتلاسن مع بعض الكلمات النابية هنا وهناك، مؤكدا أن أخلاق مجتمعنا البحريني المسلم تحكمنا وتوجهنا سواء بالمدرسة أو خارجها.البيئة المريحة والجاذبةتؤكد الهيئات الإدارية على أهمية أن تكون البيئة المدرسية مواكبة لمتطلبات الإبداع والتميز، فتتوفر فيها كافة مقومات التعلم، ومجهزة بمختلف الوسائل التكنولجية الحديثة التي تمكن من إتمام المهام التعليمية وإنجاحها، فهي توفر الإمكانات المناسبة للطلاب وتلبي احتياجاته، بما تتوافر فيها ويتم فيها تفعيل مختلف مرافقها من مختبرات العلوم والحاسوب، ومصادر تعلم، وقاعات رياضية، وحدائق زراعية، تفعيلا مدروسا وممنهجا وفق ما يراه الخبراء التربيون وتنسجم مع السياسة التربوية والأهداف التعليمية، وشددوا على دورها الكبير للتميز التربوي محليا وإقليما وعالميا في مجال التعليم.ولفت أبو عبدالله أخصائي اجتماعي إلى أن دور دور الإخصائيين يجب أن يكون فعالاً في جميع المدارس نظراً لاعتماد وزارة التربية والتعليم أخصائياً لكل 100 طالب، وأن يكون مؤهلاً ولديه دراية بفن التعامل مع الطلاب بمختلف فئاتهم العمرية وجنسياتهم أعمارهم، مشددا على ضرورة تأمين البيئة السليمة للطلبة داخل المدرسة.وشددت رئيسة مجلس إدارة مدرسة بيان البحرين الشيخة مي العتيبي على الاهتمام بالبيئة المدرسية، التي تعد إحدى أولويات المدرسة، حيث حرصت على تقديم أفضل رعاية للطلاب والطالبات، فجهزت المباني والفصول بالمدرسة بأحدث ال المعايير العالمية من أجل توفير أفضل بيئة تعليمية لجميع منتسبي المدرسة، وأقامت مبنى أخضر يسمح للطلاب في الأقسام التمهيدية بتعلم الزراعة، تعزيزا لارتباطهم بالبيئة الخضراء، ولغرس قيم المحافظة على البيئة في نفوسهم، موضحة أنه لتعزيز الانتماء لدى الأجيال الجديدة، قد تم رسم تاريخ البحرين على جدران مباني المدرسة بأسلوب جميل وجذاب عبر استعمال ألوان الإكريليك.وتلفت الطالبة رؤى عماد أول إعدادي إلى أن البيئة المدرسية الجاذبة تكون ذات تصميم عصري في مبانيها وهندستها المعمارية وألوان ممراتها الهادئة والحافلة بالبانارات التوجيهية ولوحاتها التربوية، تماما مثل مدرستي الابتدائية السابقة "المستقبل". وتضيف رؤى أن حدائق المدرسة بدورها ذات مخطط دقيق، والبهيج فيها تنوع نباتها وخضرتها الدائمة طوال السنة الدراسية.. والأجمل أن هذا السحر كثيرا ما يتحول في مادة العلوم إلى جولة ترفيهية علمية نبحث في خصائص النبات وأهمية الغطاء النباتي في التربة، ونأخذ عينات لدراستها في المختبر، أو نكتب عنها تقريرا للمعلمة. وتختم رؤى كلامها بحسرة على بيئة مدرستها الابتدائية لأنها انتقلت إلى مدرسة ثانية بالمرحلة الإعدادية.ويرى الطالب زياد إبراهيم أن التجهيزات الحديثة ضرورية جدا، لتكون المدرسة رقمية جاذبة، ولا بد أن يتم توفير الأدوات اللازمة في كل مدرسة، لتطوير محتلف مرافقها من مختبرات وساحات وملاعب وقاعات ومصادر تعلم، وتجهيزها بالوسائل التكنولوجية الحديثة المتوافقة وروح العصر الرقمي والثورة المعرفية، بحيث تكون المدرسة ناديا اجتماعيا، وأدبيا، ورياضيا وعلميا، متمنيا أن يرى الألواح الإلكترونية تغزو المدارس بدل الكتب الورقية، وهذا الحمل الكبير الذي نحملها يوميا ذهابا وإيابا.ويتصور محمد الطاهر أن التعليم تطور في عصرنا هذا وغدا بعيداً عن طرق التدريس التقليدية التي تعتمد على التلقين وحشو المعلومات، وعلى المدرس استحداث أساليب تعلم تواكب روح العصر الرقمي، وأعتقد أن وزارة التربية والتعليم تشجعهم بإقامة دورات وندوات تأهيلية بمجاراة التطور التكنولوجي ودخولها في كافة مجالات حياتنا وأهمها مجال التعليم، ووفرت لهم تجهيزات كبيرة، وأصبحت المدارس قائمة على أجهزة الكمبيوتر وعلى السبورة الذكية و«الداتا شو»، وهذا أمر مهم ونقلة نوعية تحسب للتعليم بالبحرينتؤكد إيمانها أنها بتوفير البيئة التعليمية الحديثة تعمل على تنمية أفكار وقدرات الطلاب.في حين يتضمر طالب التوجيهي راشد البناء من بعض الدروس المقررة والأنشطة الصفية التي يراها مملة أحيانا، ولا علاقة لها بالواقع وتقدم بطريقة غير ممتعة وغير مثيرة، وفي أحيان أخرى تكون الضوضاء والفوضى داخل الصف مزعجة، فلا نفهم شيئا.من جانبه قال خالد الأمين معلم، إنه يجب أن تكون البيئة الصفية باعثاً مهماً على انتماء الطالب للوطن، فهي التي تنمي عنده روح الانتماء لها، والدافع للانتماء الوطني، فالطالب متى لم يكن واعيا بما فيه الكفاية، بقيمة البيئة الصفية ومشبعا بروح المواطنة، سيندفع إلى الفوضى والتخريب وعدم الانضباط.وفي هذا الجانب، أكدت رولا أيوب أخصائية نفسية على ضرورة فهم عقلية الطالب من قبل معلميه لجذبه لعملية التعليم، وبما أن البيئة المدرسية تهيئ الطالب للقدوم للمدرسة بكل حب وشغف وسينعكس ذلك إيجابياً على سلوك الطالب ويكون لديه دافع قوي لكسب العلم والمعرفة، وبالتالي تصبح الأنشطة اللامنهجية جزءاً لا يتجزأ من عملية التعليم، فمن خلال هذه الأنشطة يتم اكتشاف مواهب وقدرات وميول الطلاب، وهذا قد يفتح عدة مجالات واتجاهات لبعض الأمور التي قد غفل عنها أولياء أمورهم.البيئة المحفزة والمنفتحةيرى الأخصائيون التربويون أن البيئة المحفزة تثقف طلابها وتقوي روح البحث المعرفي والقدرة على الاكتشاف والتعلم الذاتي وتوسع مداركهم وآفاقهم تنمية المهارات والقدرات، لضمان مخرجات تعليمية واجتماعية، تفرز أجيالا واثقة وواعدة لمستقبل البحرين، تعزز فيها روح المواطنة الصالحة، لافتين إلى أن دور المعلم في هذه البيئة الصفية واللاصفية لا يقتصر على التعليم بل له أدوار أخرى أهمها أن يقوم باستقطاب الطلاب، نظرا لأهمية الدراسة والتحصيل العلمي على اعتبار أن الهدف المرجو هو إشعار الطلاب بالمسؤولية ودفعهم بصورة غير مباشرة لتحسين قدراتهم واستدرار إمكاناتهم وبناء شخصياتهم.ويرى الأخصائي محمد حسن أن إحلال بيئة مدرسية منفحة على محيطها بها كل عومال التنويع والتجديد والبحث عن عوامل الجذب والتحفيز للطلبة ينبغى ان تكون الهدف الأساسي لإدارات المدارس، ويجب أن تقدم لها كل أسباب الدعم المادي والمعنوي، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني المدعوة بدورها إلى إثبات الشراكة الحقيقية في إعداد جيل المستقبل وتحسين مستوى مخرجات التعليم.وتحدث محمد حسن عن بيئة صفية ذكية لها تأثيرها في استيعاب الطلبة وتعزيزها دور المعلم من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة في المناهج الدراسية، منوها بأهميتها في التعلم بالممارسة والتطبيق والاستكشاف، وفي تحقيق الإبداع في عملية التعليم، كونها عاملاً مساعداً لزيادة وسهولة استيعاب الطلبة للمقررات الرسمية، مؤكدا قيمتها كأداة للتحفيز على الابتكار وتحقيق لنتائج متميزة للطلاب تتضح جليا في إبداعاتهم منها للذكر لا للحصر مبادرة جمعت بين البُعد الإنساني والإبداع العلمي، حيث ابتكرت الطالبة جويرية خالد الصديقي من مدرسة العروبة الابتدائية للبنات جهازاً لتنقية الهواء في صفوف المدرسة ومرافقها المختلفة، إلى جانب المسابقات الزراعية التي تطلقها الوزارة تزامناً مع معرض الحدائق والمسابقات لنادي البحرين للحدائق وتشاركت فيه أكثر من (90) مدرسة من مختلف المراحل التعليمية، وتقوم الفكرة الأولى على تسجيل أفلام توثق جميع خطوات إنشاء حديقة مصغرة في المدارس، فيما الثانية شملت الإنتاج المدرسي الزراعي، بما ينمي الذوق الجمالي ويقوي الحس الإبداعي لدى الناشئة.

إن أمر المحافظة على البيئة المدرسية مسؤولية جماعية، تشمل كل أطراف العملية التربوية دون استثناء، من معلمين وطلبة، إضافة إلى الهيئات الإدارية المسؤولة عن التعليم، وأولياء الأمور والأسر والمجتمع. ولا يتم ذلك إلا بنشر ثقافة التعاون والتعامل بعناية بالغة مع البيئة المدرسية، وخلق عادات يومية في السلوك الطلابي منها النظافة والرعاية؛ لأنها قاسم مشترك لكل الأطراف، ومؤشر مهم على نجاح الجهد المشترك بينها، في جعلها بيئة جاذبة وغير طاردة، محفزة وغير منفرة، ولا تقتصر جاذبيتها وحافزيتها على الطلبة وحدهم بوصفهم محور العملية التعليمية، وإنما تشمل كل أطراف العملية التعليمية، الذي سيستفيد من المخرجات الراقية للتعليم الإيجابي الجاذب، الذي ينمي في شخصية الطالب كل الجوانب الإيجابية ويتحقق ذلك من خلال مدرسة تتوفر فيها دافعية قوية نحو التعلم والإبداع بعيداً عن جو الخوف والتردد والإحباط.